|
قصيدة-حلبجة تذهب إلى بغداد- : شيركو بيكه س يسترجع فردوسنا المفقود
فاروق صبري
الحوار المتمدن-العدد: 1141 - 2005 / 3 / 19 - 20:06
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
في قصيدته " أقل من غمضه عين" يقول الشاعر الكردي العراقي شيركو بيكه س: حين أولجت إصبع الحجر في أول ثقب صادفته في جسد اللغة ، بدأ أول خيط للانفصال يظهر في رحم العبارة الجديدة مزّقت القناعة كورقة يانصيب خاسرة لعلَّ هذا المقطع من القصيدة يكثّف " مشروع " بيكه س الشعري الذي تجلى منذ بيانه المعرفي " روانكه " الصادر في مستهل العام 1970 تقريباً ، فبيكه س تفرّد ضمن خارطة التجربة الشعرية الكردية وبل غيّر بنيتها وهيكليتها لأنه أسس طقوساً تخييلية مشحونة بالمتعة والتساؤلات والمعرفة واشتغل على تأسيس ذائقة جديدة ومتجددة لها ، وهو يضئ مراياه الصغيرة ويطلق الفراشات من مضيق الجسارة والجمال لتحمل على أجنحتها آنية الألوان لتنثرها أقواس قزح الشاعر الرؤيوية بأملها وقلقها ، بفعلها وتأملها، بتمردها وأصالتها ، بتأثيرها وتأثرها ، بيومياتها وتنبؤها: سأسحب السماء إلى الأسفل أنادي الرب إلى الأرض كي أخبره ها هو الجحيم هنا وهنا سيصبح الفردوس واقعاً….من قصيدة "الصليب والثعبان" …. بهذه الطاقة الروحية النبيلة يحرٍّضنا بيكه س على استرجاع الفردوس المفقود أو خلقه على أرضنا_وهكذا هو في قصيدة حلبجة تذهب إلى بغداد_ وليس في وهم وكهوف الإيمانيات المهترئة ، إنه شاعر يصوغ المعاش اليومي وعيون قصيدته تخترق ما هو مستور فيه وتنبذ إطارات يوميات الواقع المرسومة ، معلنة سلطة التخييل المعرفي والرفض لإملاءات الأيديولوجيا لذلك يمكن القول بان في "القصيدة العراقية" ظهر فقط وليومنا هذا مجددان ، السيّاب باللغة العربية وشيركو بيكه س باللغة الكردية. في بداية سبعينات القرن الماضي كان بيكه س يرتاد مقهى "البرلمان1" ببغداد ، حيث يلتقي فيه مبدعو هامش المشهد الثقافي العراقي حينذاك ، وكان هو واحداً منهم ، وبل مشاركاً حيوياً في حوارتهم الثقافية أو جلساتهم الشعرية الزاهية بـ(كاسات الجاي) والهواجس التي كانت تلوح همساً أو إشارة كلما يقترب أو يقتحم عسس(الثقافة) طاولتهم ولكن صوت القصيدة وإن كان يخفت الا أنه لم يغيب ولن يذبل ، ونلتم صوب صوت شيركو بيكه س وهو يبوح بقصائده ومن ثم يترجمه للعربية فوراً وإذا بنا أمام شاعر يستحضر ويصوغ كردستانه ليس عبر تفصيلات ونكهة وتسميات وتواريخ وشخصيات بيئتها وانما أيضا بإرهاصات تلك البيئة الصاخبة بأوجاعها وأحلامها ، بأغاني "علي مردان2 " العاشقة والشفافة وبسطوع "البرنو3" فوق قمم ووديان "هيبت سلطان4" و "بيره مكروم5" وهو يصهل "كه س نلي كُورد مِردِوه …. كورد زندوه 6" وبيكه س الذي روى حكايات وجده الكردستاني في حضرة بغداده كان يدرك سرمدية وجمالية "الحبل السري" الذي يتواصل ويتألق بينها وبين رموزهما المعرفية وملامحهما الزمكانية . وأن لدغ ويلدغ ثعبان التعصب القومي هذا "الحبل" ظلّ وما يزال شيركو بيكه س عاشقاً له وحارساً على بستانه وفي وقت غاص فيه وبعده ساطور (دولة العقيدة) سابقاً وتغوص اليوم أقلام مُلثّمة بيافطات (وحدة العراق) أو الإسلام في الجرح الكردي حمل بيكه س فوق ظهره الجبلي، مع شهقة روحه الجريحة ، في بحة صوته المبللة بالقصيدة ، حمل "حلبجة" المجلجلة بالدم والحلم: اخبروهم ستذهب حلبجة إلى بغداد قريباً عن طريق غزلان سهول "شيروانه7" حاملة معها سلة من الغيوم البيضاء وخمسة آلاف فراشة وهو يتوجّه بـ"حلبجة" ليزفّها صوب بغداد عبر موكب كرنفالي لم يُحمٍّل بيكه س قصيدته هذه برائحة الغبار الأصفر وزهرة صغيرة ممتدّة في "الكاروك8" في نومها الأخير حيث تجمّدت عينيها ، وفستان عرس "بهره9" ملطّخ بحقد الحرس القومي ، بل يقود سرب الغزلان وغيوماً بيضاء وهو يعزف بـ"شمشاله10" أنين فجيعة فراشات أبت أن تتوهج أجنحتها الا بألوان المحبة الكردية لبغداد قابلت ابنتها الشهيدة بعد وصولها: تنهض دجلة بوجل… تنهض بكامل هيبتها… وتحتضنها ثم تضع طاقية الجواهري على رأسها بعدها …… تقترب يمامتان من النجف يغمر حنجرتيهما الهديل ليحطا على كتفيها وعند ساحة التحرير ينطلق جواد سليم بحصانه الأبيض من "نصب الحرية" ليلاقي موكب زفة "حلبجة" فيما تتقدم من جهة شارع السعدون "حديقة علي11" وعلى عتبة بوابتها تنتصب قامتا "رشدي العامل" و "أبو نواس" ، فيما يبزغ "الحصيري12" من طرف الشارع الرشيد ، حاملاّ على كتفه "الرصافي" وفي يديه كؤوس مترعة بالقصائد والخمر وحينما يلتقون بشيركو بيكه س تفوح رائحة الحرية والعرق والمشاكسة . وتتجول "حلبجة" في درابين "الحيدرخانه13" الضيقة وتشم عبق الهيل والقرفة والمسك حيث تعانقها "قبلات الفيليين" في ممرات "الشورجة14" وتزور مقهى "حسن عجمي15" لتشرب استكانة جاي وتستمع لمقامات " القبانجي" ولرؤية ورؤيا "علي الوردي16" وعبر موكبها تظل حلبجة مرتدية "ثوب الشمس" كصلوات عشق للحرية والخلق والشفافية ترسمها قصيدة "حلبجة تذهب إلى بغداد" ويرتلها الشاعر شيركو بيكه س . هذه الوقفة مع قصيدة "حلبجة تذهب إلى بغداد" دعوة لقراءتها ليس من اجل استحضار يوم فاجع في تذكره تتلعثم أو تنتفخ زيفاً (عقلية) دعاة الدفاع عن (عراق موحّد) وعن براءة صدام من دم يوسفنا الكردي ، وانما لتبيان وسواس وخناس تلك "العقلية" وكم بدت كأعشاب يابسة ومسمومة لا مكان لها في حديقة الإبداع العراقية التي يعتبر الشاعر شيركو بيكه س شجرة جوز من أشجارها الشامخة. هوامش….. # هنا قراءة لمقاطع من هذه القصيدة والتي ترجمها إلى العربية الكاتب الكردي رؤوف بيكه رد 1_مقهى يقع على الشارع الرشيد ، يشتهر بواجهاتها الزجاجية وحضورها الثقافي والشعبي ، حوّلوه إلى محلات لبيع الملابس المستهلكة. 2_ مغني معروف وصفه البعض بـ"القبانجي" الأكراد. 3_بندقية البيشمه ركه التي اشتهرت مع انطلاقة الثورة الكردية المسلحة. 4،5_جبلان شاهقان من السلاسل الجبلية في كردستان العراق . 6_النشيد القومي الكردي 7_سهل شاسع يقع في منطقة كرميان فيه مرتع للغزلان . 8_"الكاروك" سرير صغير على شكل قفص مخصص للرضع ومزدان بخيوط صوفية ،خضراء،حمراء، صفراء،زرقاء،بيضاء، تستخدم للربط الرضيع وهزِّ كاروكه إذا بكى. 9_صبية من ضحايا حلبجة. 10_آلة موسيقية خشبية او حديدية تشبه الناي. 11_مجموعة شعرية للشاعر العراقي رشدي العامل. 12_شاعر عراقي مبدع وصفه البعض بخليفة الجواهري لكنه قرر العيش بعكس الأخير بعيداً عن الأضواء والغرق في محراب سكر سرمدي والنوم عند أتخر الليل في الشوارع والحدائق العامة او في فندق من الدرجة العاشرة لقوه ميتاً في إحدى غرفه بعدما فاحت رائحة جسده. 13_حي بغدادي ببيوتها القديمة ودرابينها الضيقة وبساكنيها من العوائل الفقيرة والهاربين من الجيش والسلطة والمثقفين والعاهرات والمخبرين!!. 14_سوق شعبي بغدادي واسع في مساحاته ومترابط بممراته ومتنوع بمحلاته ومنتجاتها. 15_مقهى هو الأخر يشتهر برواده من المثقفين . 16_مفكر عراقي جرئ في اطرحاته الفكرية وخاصة في كتابه"لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث" بأجزائه السبعة التي أثارت سجالات متباينة البعض من أصحابها المؤدلجين شنوا حملة بليدة ضد المرحوم الدكتور علي الوردي.
#فاروق_صبري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا شيخ طنطاوي......يا شيخ الازهر : هل لك بفتوى حول مجزرة باب
...
-
الأرض -بتتكلم- كردي
-
!!!حين يعقلن(النقد) القصيدة
-
دونية (المثقف) وقسمه العقائدي الظلامي صلاح المختار مثالاً له
-
صديقي ممدوح عدوان ...وين رايح!!!؟
-
مسلسل -حنين- التلفزيوني
-
لقمان ديركي …إنه حقاً دركي
-
عطوان وكهف الشعارات
-
مافياوية حروب (القائد) المُغيّب
-
المثقفون العراقيون في جحيم الخيارات
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|