زردشت صابر
الحوار المتمدن-العدد: 1140 - 2005 / 3 / 17 - 12:10
المحور:
القضية الكردية
الاحداث اللبنانية رغم اختلاف وجهات النظر اليها تبقى خطوة هامة ومفصلية,لها خصوصياتها المنبثقة من واقع لبنان الخاص تاريخا وحضارة , ستكون تجربة اعادت الروح الى شارع قتله الاسياد في هذه الزمن الذي ظن البعض فيه انهم يعاصرون سومر او فينيقيا ,لا يختلف اثنان على حق الشعب اللبناني في ان يقررمصيره مثلما لا يختلف احد حول حقيقة ان المستهدف هو سوريا نظاما ودولة وحكومة لما تشكلها من حالة عدم توافق مع العصر والحضارة في مرحلتها الراهنة ,لا بل انها في حالة تضاد ,وهذه تشكل خطوة هامة اخرى على طريق تنفيذ المشروع الامريكي للشرق الاوسط الذي بدا بالعراق .
. واستهداف سوريا متعدد الاهداف والاسباب مثلما سيكون متعدد النتائج يحركها المصالح والمخططات والبرامج الامريكية والاوربية لا رغبات تحرير لبنان,واعتقد ان سوريا بسياساتها الراهنة القديمة اساسا تمنح كل المبررات والذرائع للتدخل الذي لن يتوقف عند حد, حتى ان التنازلات المقدمة ربما تؤخر سرعة التداعيات ,لكنها لن توقفها ,في ظل زيادة المطالب الدولية بالاسراع في اجراء التحولات وعدم تخفيف الضغوطات عنها,كما جاءت في مطالب الاتحاد الاوربي ورغباته .
سوريا امام مهمات معقدة ومؤجلة كثيرا ولفترات طويلة ,تراكمت خلالها السلبيات لدرجة خنقت معها المجتمع كله,
وخلقت حالة من التوتر بين السلطة والجماهير لم تتمكن جهود الاعلام المتملق والمزيف ولا الضغط الاستخباراتي من ازالته ,كما خلقت شرخا بين سوريا والعالم عبر عنه فولفوفيتز بقوله لا مشكلة بيننا وبين سوريا ,فالمشكلة تكمن بين سوريا والمجتمع الدولي ,بين سوريا والعصر ,فغدا اشبه بقنبلة موقوتة قد تنفجر في اية لحظة ,خصوصا ان حركها صاعق خارجي يملك القوة والنفوذ .
الضغط على سوريا لن يتوقف عند الانسحاب من لبنان ,او كف يدها عن التدخل في العراق ,والابتعاد عن الوضع الفلسطيني واعلان مساندة جهود السلام لا بل حتى المشاركة فيها . لان المشكلة مختلفة وتتمحور في مسائل جذرية هامة تتعلق بحقيقة النظام السوري وفلسفته وطبيعته الشمولية والاستبدادية والامنية ,وسياساته في المنطقة بشكل خاص ,ودون الاسهاب لا بد من التركيز على نقطتين اساسيتين ,اولاهما طبيعة النظام السوري الشمولي المستند الى الحزب الواحد,لدرجة اعتماده دستوريا من خلال المادة الثامنة من الدستور التي تنص على ان حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع ,وما تجره هذه الطبيعة خلفها من غياب النفس الديمقراطي وانعدام امكانية التغيير والانغلاق حتى الغرق في دوامة الشعارات القومية الشوفينية وانكار المجتمع برمته , لتغدو الدولة ومن ثم الحزب الممثل اصلا برئيسه ومجموعات متطفلة قليلة مالكة المجتمع نفسه ,فهذه النظرة الشمولية وما تبعتها من تدابير لحمايتها وتطبيقها استنادا لاليات غير ديمقراطية ,تحطم كل امكانيات التطور الداخلي او التداول السلمي للسلطة و التغيير الديمقراطي , لانها تعرقل ديناميكيات المجتمع وتقتل ارادته ,وهو في هذا الاطار يكاد يكون نسخة قابلة للمقارنة مع النظام العراقي .
وثانيهما استمرار سوريا في المراهنة على دورها الاقليمي العربي والقومي لاسباب عديدة ربما اهمها حرف الانظار عن الداخل ,والصراع في اماكن بديلة لاكتساب الوقت والزمن والجهد وحماية الجبهة الداخلية بهذا الشكل ,و لا تالوا جهدا في هذا الاطار,متناسية ان العالم لم يعد يتحمل هذه التحالفات والتحركات غير المقدسة والبعيدة عن روح العصر جوهريا ,لان اطراف هذه التحالفات هي اساسا متناقضة مع العصر وتهدف الى الحفاظ على الوضع الراهن الذي يؤمن لها ان تصول وتجول كما يحلو لها .
الضغوطات ستزداد وستتنوع لسد المنافذ امام المناورات السورية المحتملة ,لتكون النتيجة النهائية احداث تغييرات شامله في الساحة السورية والنظام السوري ,وتقليص لا بل ازالة دوره الاقليمي, تمهيدا للدخول في تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير ,الذي لن تنفع معه الصلابة السورية لاعتبارات كثيرة جدا ,وله فقط ان يراهن على قوة جبهته الداخلية وتماسكها وانسجامها ,وكل محاولة اخرى قد تؤزم الوضع اكثر وتكون الضريبة اكبر .
الرئيس السوري اعلن تفهمه للوضع الدولي واختلافه عن صدام وانه سينسجم وسيتعامل بايجابية وانفتاح مع الواقع الدولي الراهن ,لكن والحقيقة تقال ان هذا النظام لا يمكنه ان يقوم بتطبيق هذه التعهدات ما دام يصر على نفسه ,ويتبجح بحقيقته المتخلفة اصلا ,وهنا سؤال كبير وحياتي يطرح نفسه ,هل بامكان النظام ان يغير نفسه بهذا الحجم وهو الذي ورث التسلط والنظام الامني وانعدام الديمقراطية وقهر الشعب بعربه واكراده واقلياته ونفذ المجازر في كل المستويات وانكر حتى مجرد وجود مشكلة جادة ,وخدع نفسه في محاولة لخداع الاخرين بالشعارات القومية تحت يافطة التصدي للمؤامرات الدولية والصهيونية ؟.
اهم الاوراق الداخلية التي تؤرق سوريا لانها اهملتها بشكل غير معقول لا بل حاولت قتلها بالانكار ,والتي ستتحول الى جوكر فاعل في سياق تطور الاحداث,هي الورقة الكردية بلا منازع ,خصوصا ان تجربة العراق والوضع الكردي هناك, وانعكاساته على الساحة الكردية السورية .تشكل عوامل ثقة وتحفيز لتعامل القوى الدولية مع الكرد ,مثلما تدفع الكرد وتشوقهم للتعامل مع الاحداث من نفس المنطلق ,وكان لسان حالهم يقول ان الاوان لوضع نهاية لالامنا وانكارنا وموتنا ,ومن هنا تبرز المشكلة الاكثر جدية للكرد ولسوريا معا, وتتجلى ابعادها في ان الحركة الكردية اذا افتقرت الى الحلول الديمقراطية,ستتحول الى مصيدة تضر بنفسها وبالشعوب التي تعيش معها ,وهذه تتحمل مسؤوليتها سوريا بانظمتها المتعاقبة المصرة على التجاهل وانكار الحقائق حتى الان ,وكانها لا تزال تمني النفس بزوال الكرد او قبولهم بالانحلال كليا ,من هذا المنطلق فالكرد حقيقة تحمل مزدوجة هامة ,اما ان تحل قضيثهم ديمقراطيا فيكونوا قوة تساند بقية فئات الشعب ,في موقع طبيعي كان الكرد يختارونه دائما لكنهم لم ينالوا منه الا المزيد من الضغط والانكار ,خصوصا ان حل القضية الكردية في سوريا تعني بالاساس احداث اهم تحول ديمقراطي راديكالي بعيد عن القومية الشوفينية,ومتناسب الى حد كبير مع المعايير والقيم الكونية ,وهذه تحتاج الى جراة وطاقة ومنطق يتفاعل مع العصر بايجابية , ولا اقول هذا تهديدا بل سردا لواقع معاش وتحليلا للاحداث والمتغيرات المتسارعة على الساحة بعد تقييم وادراك حقيقة القوى المتواجدة على الساحة سواء الدولة والسلطة او الجماهير الكردية .
اوسيتحولون مكرهين الى الجبهة الاخرى وحينها ستتطور مواقف قومية ضيقة من كل الاتجاهات ولن تتحمل مسؤليتها الا النظام الذي يصر على تجاهل مطالب الشعب في الحرية والديمقراطية.
الموقف الكردي هو الاهم تعنيه كل المراهنات على سوريا ,فالكرد في الساحة السورية يعيشون مرحلة تاريخية هامة سيطبعوا بها مستقبلهم سلبا او ايجابا ,اي انهم امام امتحان تاريخي سيؤكدون من خلاله حقهم في الحياة الكريمة بعد كل المعاناة والحرمان ,انه الامتحان الصعب بكل معنى الكلمة ,وعليهم الاجابة عن الاسئلة التالية بردود على مستوى المسؤولية مدركين انها لحظة اتخاذ القرار التاريخي :
ماهو راي الحركة الكردية في سوريا من تطورات الوضع ؟ وهل تدرك انها وصلت الى مفترق الطرق وانه عليها ان تختار اما الطريق الذي سينتهي الى الهاوية ,او المسيرة التي ستودي بها وبالشعب السوري الى عالم اكثر تطورا وانسجاما مع العصر؟
ماهي استعداداتها لهذه المرحلة والمرحلة القادمة,وما هي مخططاتها ؟وهل يمكن الحديث عن حركة كردية قادرة على مواكبة احداث هامة وخطرة بهذا الحجم خصوصا بعد ان اعلنت هي فشلها في التعامل مع انتفاضة واحداث اذار بدرجة لم يتفق اطرافها على تسميتها بعد ؟
هل هي قادرة على ان تتحرك باستقلالية تملك المبادرة اللازمة التي تمكنها من اتخاذ موقف سليم وحر ومستقل خصوصا ان معظمها تشكل امتدادات سياسية وايديولوجية وحتى تنظيمية للقوى الكردية الاخرى في اجزاءكردستان ربما ستمنعها من القرار المستقل تحت مسميات عدة تظل كلها مهما كانت الشعارات نتاج مؤثرات غير طبيعية في الساحة الكردية السورية , وان كنت اصلا من انصار وجود سياسة كردية قومية واستراتيجية واضحة على كل الساحة الكردستانية ؟
الكرد قوة طليعية في احداث التحولات الديمقراطية هل يعني هذا موضوعيا ان تكون طليعية في تعاملها وتعاونها مع القوى الدولية المؤثرة في الساحة والضاغطة على سوريا بهذا المستوى اوذاك لاجراء التحولات ؟ كيف لها ان تكون مواقفها اذن من التطورات ؟وهل يجب ان يتحول دورها التحولي الطليعي الى سياسة عملية يومية ليقوم الكرد بدور البادئ والقائد عمليا لهذا التعيير خصوصا ونحن ندرك المشاحنات القومية والصراعات المتعددة الوجه المتداخلة والمعقدة ,وما قد تسببها مداخلات كهذه من تداعيات مستقبلية على تعايش الكرد مع شعوب المنطقة في المستقبل ؟ وهل للكرد ان يتحولوا الى راس حربة في هذا الصراع لخدمة الاخرين ؟ ام ان عليهم التصرف بعقلانية وبشكل عملي و براغماتية تفهم الاحداث وتقيسها من كل الجوانب وتدرك اننا في النهايه شعوب شرق اوسطية سنعيش معا مستقبلا طويلا ,دون الافراط بامال شعبنا التواق اكثر من غيره الى الحرية لانه لم ينعم بها الا نادرا ؟.
تتكاثر الاسئلة وتتعدد وقد تخلق في كثير من الاحيان شبهات كثيرة, وترددا من التدخل والمشاركة ,لكننا مجبرون على المشاركة في كتابة التاريخ, او سنترك هذا العالم وحلبة الصراع فيه لنرضى بما رسمه لنا الاخرون حتى لو كانوا اعداء.
على الكرد وحركته بكل اطيافها ان تتحرك ,واعتقد ان لا خلاف هنا ,لكن المشكلة تكمن في اسلوب وكيفية التحرك وتحديد المسارات وما اكثر الاختلافات في هذا الاطار ,نتيجة لمؤثرات كثيرة جدا بدءا من اسلوب ومستوى التعامل مع قوى الدولة مرورا بتاثيرات العلاقات الكردستانية وانتهاءبالعلاقات الكردية الكردية في سوريا نفسها .
لست بصدد البحث في اسباب ونتائج الوضع السياسي الكردي قط ,لكنها لحظة تاريخية هامة جدا قد لا تتكرر يجب ان نستخدمها بحرفنة ودراية وعلمية ودقة ,وهذا يستوجب الدقة والحذر والتضحية والتفكير الوطني والقومي والديمقراطي الاستراتيجي والبعيد الامد ,والبعد عن المساحات والنظرة الحزبية الضيقة الافق .
لا بد للحركة الكردية في سوريا مع ادراك جدية الامر ان تتوجه نحو الاتفاق على حدود ولو دنيا من خطة عمل شاملة ,تنظم نفسها بدقة وقوة على كافة المستويات ,وتنظم الجماهير وتسلحها بهذا الوعي الاستثنائي للمرحلة ,وتبني تحالفاتها على كل المستويات وتطورها عمقا واتساعا لخدمة المرحلة ,وان تتمكن من نيل الدعم الكردستاني من كل الاجزاء لخدمة هذا الجزء الذي لم يبخل يوما بالتضحية من اجل كل اجزاء كردستان وله الحق في ان يطلب ذلك جهارا لانه قدم كل التضحيات .
وعلى الحركة الكردية ان لا تنسى ان الشعب الكردي سيعيش في النهاية مع الشعب العربي وشعوب المنطقة ,وهذا ما يفرض عليها البعد عن المنطق القومي التعصبي والقومي البدائي ,الذي يخلق متضادات يصعب التخلص منها وتتنافى اصلا مع المعايير الديمقراطية التي يجب ان تستند اليها الحركة الكردية ,فالمنطق الديمقراطي الذي سيفرضه الكرد لا بد وان يكون حاجزا امام المنطق الشوفيني للقومية السائدة .
ان ساحة الحرب والصراع ملاى بالمؤامرات واظن ان تاريخ الحركات الكردية بما فيها انتفاضة اذار تؤكد رغبة القوى الدولية الدائمة في استخدام الكرد كراس حربة لخدمة مصالحها ,لا اقصد ان الانتفاضة كانت من خلق الدول العظمى لكن ليس خافيا على احد محاولات امريكا لتاجيج الصراع في البداية ومن ثم تخليها حتى عن دعم المعتقلين فيما بعد .لذا لا بد من الدقة والحذر كي لا نحول شعبنا الى راس حربة في هذا الصراع ليس جبنا وانما دراية بالامور والمتغيرات لان ذلك قد يستنزف قوانا وتتحول الامور لصالح قوى اخرى ,قد تكون غير لائقة اصلا ,او بشكل اوضح قد تدفع هذه القوى بالشعب الكردي الى الصراع ليتسنى لها جني الثمار ,من هنا لا بد من اتخاذ التدابير بخطة عمل مدروسة تمكن الكرد والحركة الكردية من ان تجني ثمار جهودها بنفسها ,ولا تتحول لخدمة قوى اخرى قد تكون معادية لتطلعات شعبنا .
اتمنى ان تكون المنظمات الكردية في سوريا وعموم كردستان على مستوى المسؤولية في التعامل مع المستقبل القريب القادم دون بد .ربما تجارب التاريخ السابقة غير مطمئنة ,الا ان حجم الماسة وعظمة القيم الانسانية,ورغبة شعبنا الاكيدة في الحرية قد تفعل فعلها ,والا لن ينجو احدا من لعنة الشعب والتاريخ .
انتبهوا فالتغيرات بدات والامتحان بدا ولن يجني احد الا ما زرع .
#زردشت_صابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟