|
هل تعيد الحالة الإسلامية تعريف دورها في مصر ؟
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 3946 - 2012 / 12 / 19 - 10:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ربما كان الشعب المصري، بفعل ثورته، يمتحن فكرة مفادها أنّ الإسلام السياسي قد يكون أكثر قابلية من القوى السياسية الأخرى للتعايش مع الديمقراطية. وإذا كان للفرضية هذه نصيب من الصحة، أمكن أن نتوقع واحداً من اثنين: إما أن يتغير الإسلاميون المصريون في اتجاه تبنّي الديمقراطية، أو أن تطويهم الديمقراطية تلك. ومما لاشك فيه أنّ الحالة الإسلامية المصرية هي جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي المصري، فلا يمكن تجاهل وجودها أو التلويح بخطرها من قبل البعض، كما لا يفترض بهذه الحالة الإسلامية أن تقدم نفسها على أنها الحل الأوحد والحاكم الوحيد وأنها لا تستطيع أن تحكم إلا بمفردها، لأنّ عليها أن تتقبل التعايش والشراكة مع قوى سياسية أخرى موجودة وفاعلة على الساحة المصرية. والسؤال هنا كيف يمكن لحركة الأخوان، التي كانت حركة ملاحقة ومحظورة ثم حركة تكتسب كل الشرعية والعمل بعلانية، بما فيها حزب الحرية والعدالة ، التكيّف السياسي الشامل مع ما أحدثته الثورة، أم أنها تريد تكييف أهداف الثورة لأهدافها ؟ ولعل التحديات والأسئلة كثيرة، وكلها تتعلق بمفهوم مدنية الدولة، وديمقراطية الحكم، والموقف من مفهوم المواطنة، ومنظومة الحقوق والحريات للجميع من دون تمييز، والموقف من الأقباط الذين يعتبرون مكوناً عضوياً من المكون السياسي والحضاري والسكاني والتاريخي في مصر. إنّ الحالة الإسلامية المصرية تحتاج أن تعيد تعريف دورها في المشهد المصري وفق معطيات الخبرة التاريخية، وفي ظل توازن القوى المختلفة ولو اضطرت لاتخاذ قرارات مصيرية كبرى لإعادة إنتاج المستقبل المرجو. خاصة أنّ الشارع اليوم يمثل سلطة مضادة يقام لها وزنها، كما أظهرت الأيام السابقة. وقد أخذ مفهوم الدولة الإسلامية، بالمنظور الأخواني، دلالات ثلاث متباينة: أولاها، الدولة الكلية الشاملة التي تطبق الشريعة الإسلامية المستوعبة كل تفصيلات الشأن الإنساني في دوائره الفردية والجماعية. وثانيتها، مفهوم الحاكمية كما بلوره المنظر الأخواني سيد قطب، بما يعني تعريف الدولة بهويتها العقدية بصفتها الكيان المنظم للجماعة المؤمنة في مواجهة المجتمع الجاهلي . وثالثتها، مفهوم الدولة الإسلامية الديمقراطية الذي بلورته قيادات الجماعة في العقدين الأخيرين دون أن تعطيه مضموناً جلياً، بما يعني قبول المعايير الإجرائية للتنظيم السياسي الحر واعتماد المسطرة الانتخابية في الوصول للحكم دون المس بجوهر المشروع السياسي الأصلي. ويبدو أنّ الإسلام السياسي المصري يحاول التهرب من معالجة القضايا الملموسة ذات الصلة بالدولة، ويبدو ذلك واضحاً من خلال الإشكاليات التي مازالت قائمة في خطاب الجماعة: الخلط بين الدعوي والسياسي، وارتباك مفهوم الدولة المدنية، واختزال الرؤية السياسية في شعار الإسلام هو الحل . وهكذا يجدر بقادة حركة الأخوان، وفي مقدمتهم الرئيس المصري محمد مرسي، أن يدركوا أنّ تاريخ الفكر السياسي الإسلامي اتسم بالفقر والتسطيح، وأنه انشغل بحقوق وواجبات السلطان أكثر من اهتمامه بحقوق وواجبات الأمة. والمطلوب منهم تطوير فكرهم السياسي من أجل التعامل مع الأوضاع المصرية الجديدة من جهة، ومع مسؤولياتهم وواجباتهم الثقيلة الجديدة من جهة أخرى. وغني عن البيان أنّ الدولة القومية الحديثة نشأت في تمايز صريح عن الدولة الدينية، من مواطنين ينعمون بصفة المواطنة الكاملة ويتمتعون بالشخصية القانونية الفردية عينها. ولا شك أنّ تجاوز العوائق والالتباسات يحتاج إلى إعادة التفكير في مشروع الدولة الإسلامية نفسه الذي نادراً ما يخضع في الخطاب الإسلامي للمراجعة النقدية، التي تنطوي على أنّ المخزون الديني يمكن أن يكون مقبولاً ومفيداً في المنظور القيمي والحضاري، الذي هو معين مهم وثري للمرجعيات السياسية التي لا يمكن أن تنحصر في المبادئ القانونية والتنظيمات الإجرائية، بيد أنّ تحويل الدين إلى مشروع سياسي، وإن نجمت عنه طاقة تعبوية فعالة ومكاسب انتخابية سريعة، يفضي في نهاية المطاف إلى خلخلة الوعي الديني وإضعافه. إنّ الدولة المدنية لا يمكن أن تكون إلا دولة ديمقراطية تقوم على ما يلي: احترام حقوق الإنسان أولاً، وحقوق المواطن ثانياً، وفكرة الأكثرية الانتخابية الحرة ثالثاً، وضمان التداول السلمي للسلطة على جميع المستويات وفي كافة مؤسسات الدولة رابعاً. وليس هذا هو بطبيعة الأمر مفهوم الدولة المدنية في الأطروحة الأخوانية، وإنما تعني معنيين ملتبسين: نزع طابع القداسة عن الدولة بصفتها كياناً تدبيرياً للأمر العام حتى لو استندت لمرجعية دينية، وقبول مبدأ التعددية الفكرية والسياسية ضمن النسق الديمقراطي القائم. وفي هذا السياق ثمة معركة حقيقية تدور حول مضمون وصياغات الدستور المصري الجديد، واللافت في الأمر أنّ الصراع على كتابة الدستور المصري ليس محصوراً بين الإسلاميين من جهة والعلمانيين من جهة أخرى، وإنما داخل الكتلة الإسلامية ذاتها بين الأخوان والسلفيين. وعليه فبدلاً من أن تصبح كتابة الدستور المصري الجديد وسيلة لإعادة صياغة العلاقات السياسية والاجتماعية في إطار عقد اجتماعي متوازن، فإنّ الرؤية الضيقة لبعض الإسلاميين قد تحولها إلى قضية خلافية ترسخ حالة الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي بين المصريين. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أين جماعة الأخوان المسلمين من المفاصل الأساسية التي ركزت عليها وثيقة الأزهر: دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، وعدم خوض الإسلام التاريخي لتجربة الدولة الدينية الكهنوتية كما حدث في الثقافات الأخرى، واعتماد النظام الديمقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر، والالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي، والاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل، والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية. إنّ السؤال والتحدي الكبير الذي يواجهه الإسلاميون في الحكم يتجسد في مفهوم المساواة بين المواطنين بغض النظر عن أي معطى آخر: ديني، أو طائفي، أو قومي، أو سواه. وليس الهدف هنا تعجيز الإسلاميين أو مناكفتهم بل الكشف عن ضرورة عدم تناول القضايا المعقدة والمركبة بسطحية، فمن معاني وأدوار الدولة المدنية والمساواة في المواطنة، التي تريد هذه المقاربة تسليط الضوء عليها، وظيفتها في المحافظة على حق مواطنيها في التمتع بحرياتهم الفردية، وليس فقط حرياتهم السياسية. كعادتهم يبدي الأخوان الكثير من البراغماتية، على مستوى الأداء السياسي، من دون أن يحددوا موقفهم الواضح تجاه مفاهيم مختلفة من بينها الديمقراطية والدولة الحديثة وحقوق المرأة وطبيعة المجتمع المدني الذي ينادون به. ويبقى التحدي الأساسي المطروح على الأخوان المصريين هو القدرة على إدارة الحقل الديني في اتجاهات ثلاثة: أولها، إدارة التنوع العقدي والمذهبي داخل الساحة الإسلامية، مما يعني حيادية الدولة إزاء تعددية تأويلات النص المرجعي المقدس بدل فرض سقف تأويلي له. وثانيها، الحفاظ على التنوع الديني في مصر، مما يقتضي تكريس فكرة المواطنة المتساوية التي لا تزال تصطدم بمعوّقات نظرية في الخطاب الإسلامي السائد. وثالثها، النأي بالمسألة الدينية عن صراعات الشرعية السياسية والتجاذبات الأيديولوجية، وتحويلها إلى سياج معياري ضامن للقيم المدنية المشتركة (الديانة المدنية بلغة روسو.( ولاشك أنّ المبالغة في الإشارة إلى الدين في الدستور ستعصف بقيم المواطنة، حيث تؤسس للتمييز بين المواطنين المسلمين والمسيحيين، وبين الرجال والنساء. إذ أنّ الدستور يؤسس لعلاقة تعاقدية بين المواطنين والدولة تمنح هؤلاء المواطنين جميعاً حقوقاً وتوجب عليهم واجبات، ومن ثم لن يكون هناك معنى للتمييز بين المواطنين. كما أنها سوف تؤدي إلى اختلاط مرجعية المبادئ الدستورية، بين المرجعية الدينية والمدنية والحقوقية. وفي العودة إلى وثيقة الأزهر نجد مجموعة قيم مواطنية من أهمها: حرية العقيدة، وما يرتبط بها من حق المواطنة الكاملة للجميع، القائم على المساواة التامة في الحقوق والواجبات حجر الزاوية فى البناء المجتمعي الحديث. ويترتب على حـــق حرية الاعتقاد التسليم بمشروعية التعدد ورعاية حق الاختلاف ووجوب مراعاة كل مواطن مشاعر الآخرين والمساواة بينهم على أساس متين من المواطنة والشراكة وتكافؤ الفرص في جميع الحقوق والواجبات.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضوء على كونية وشمولية حقوق الإنسان
-
رجال دولة أم عصابة سلطة في سورية ؟
-
بشأن إشكالية العلاقة بين الدين والدولة
-
ارتباك أداء قيادة المجلس حتّم إعادة هيكلته
-
الأخضر الإبراهيمي أمام الامتحان الأصعب
-
أية عدالة انتقالية بعد التغيير في سورية ؟
-
عندما يحاول عنان - قضم - الثورة السورية
-
إشكالية الدولة السورية وأهم أسئلتها
-
هل ستدفع روسيا ثمن خطأ خيارها في سورية ؟
-
نحو ثقافة سياسية متجددة في سورية
-
سلطة آل الأسد أفشلت خطة عنان
-
الرهان على الوطنية السورية الجامعة
-
عن العلاقة بين التنمية والديمقراطية
-
السيناريوهات الممكنة للحل في سورية
-
محددات عصر التنوير ... عن علاقة الوطن بالدولة
-
التغيير الذي نحتاجه في العالم العربي
-
خمسة وأربعون عاما على هزيمة العرب الكبرى
-
64 عاما على النكبة الفلسطينية
-
بشأن صهر ثقافات الأقليات
-
حول حق الشعب السوري في التدخل الإنساني
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|