|
دستور الجماعة (3. في الحقوق والحريات الاساسية)
عمر أبو رصاع
الحوار المتمدن-العدد: 3945 - 2012 / 12 / 18 - 19:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
*ملاحظة: يمكن قراءة الجزئين الأول والثاني على الرابطين التاليين:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=336034
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=336293
المادة (32) ونصها: "الجنسية المصرية حق، وينظمه القانون." عائمة، والأصل أن يعرف الحق خاصة الحق باكتساب الجنسية عند المولد "الجنسية المصرية حق لكل مصري مولود لأب أو أم مصرية" مثلاً.
المادة (81) ونصها: الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصا. ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها. وتُمارس الحقوق والحريات بما لا يتعارض مع المقومات الواردة فى باب الدولة والمجتمع بهذا الدستور. خطورة هذه المادة هي في الفقرة الأخيرة منها، لأنها تجعل من المقومات الواردة في باب الدولة والمجتمع قيداً على ممارسة الحقوق والحريات، والحقيقة أن ذلك كفيل بنسفها تماماً ومن جذورها وهي تعارض المادة (34) من نفس الدستور والتي نصها: "الحرية الشخصية حق طبيعى؛ وهى مصونة لا تمس." وكذلك المادة (45) منه والتي نصها: "حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير." ولنا أن نتخيل في ظل العبارة الأخيرة من المادة (81) القيد الناجم على حرية الرأي في ظل نظام ولاية الفقيه الأزهري إن جاز لنا التعبير والتي اسست لها المادة (4) والخاصة بالأزهر في باب مقومات الدولة وعززتها المادة (219) مثلاً، بحيث يصبح مجرد الاعتراض بالرأي على رأي الأزهر في الشؤون المتعلقة الشريعة الاسلامية مخالف للدستور، لأن ما يؤخذ حسب باب مقومات الدولة والمجتمع في الشؤون المتعلقة بالشريعة هو رأي هيئة كبار العلماء في الأزهر، وبالتالي حرية مخالفته فيها تقع تحت باب مخالفة الدستور، ومن نافل القول كذلك ربطه بأي مخالفة في الرأي لما جاء في فقه السنة والجماعة حسبما حددت المادة 219 من هذا الدستور! كذلك الاعتراض على من يمارس دوراً رقابياً باسم المجتمع على القيم والاخلاق والاسرة ذلك أن الدستور في باب الدولة والمجتمع المادة (10) يمنح ذلك الحق، فإن ظهر رأي يعترض على ممارسة كهذه أو يرفضها يكون مخالف للدستور ولا يعتد بكونه (أي الاعتراض) حق وحرية لصيقة بالشخص أو حرية تعبير! وتعتبر المادة (10) من أخطر المواد في هذا السياق خاصة في النص فيها على "وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون." خاصة بعيد اقحام "المجتمع" عليها، الأمر الذي سيفتح الباب على مصراعيه للجماعات التي سيتم تأسيسها على غرار جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أو انظر لهذا القيد في ظل المادتين (11) و (12)، حيث لا يكون لك أن تعترض على رعاية الدولة لخلق ما أو أدب ما أو ما تراه قيمة دينية أو وطنية، أو حتى حقيقة علمية أو ثقافة عربية أو تراثاً حضارياً...الخ فاعتراضك بالرأي على أي من ذلك مخالف للدستور ولا يدخل تحت باب حرية الرأي! وليس لك كذلك أن تعترض على تعريب التعليم، أو ما ترى الدولة أن تحميه من قيم حضارية ولغوية وثقافية، فإن قلت أن هذه ليست قيمة ثقافية لهذا الشعب أو ان فيها تزوير لحقائق تاريخية من وجهة نظرك أو أي من ذلك على الاطلاق فأنت تخالف الدستور ولا حق لك بإبداء هكذا آراء! لنلاحظ أنه ليس للمواطن مجرد أن يعترض بالرأي على أي من ذلك لأنه كله من المقومات الواردة في باب الدولة والمجتمع، والحقيقة أن هذه المادة لا تتعارض فقط مع المادة 34 من نفس الدستور بما ينسف مبدأ عدم التعارض اساساً فحسب، بل كذلك تتعارض صراحة مع المبادئ الدستورية التي تؤسس للحريات الفردية والتي رست عالمياً، ومع الميثاق العالمي لحقوق الانسان، وتعتبر ردة وتخلف صريح عما كان عليه الحال حتى في الدستور السابق. المادة (35) من هذا الدستور ونصها: "فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق. ويجب أن يبلغ كل من تقيد حريته بأسباب ذلك كتابة خلال اثنتى عشرة ساعة، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته؛ ولا يجرى التحقيق معه إلا فى حضور محاميه؛ فإن لم يكن ندب له محام. ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء والفصل فيه خلال أسبوع، والا وجب الإفراج حتما. وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطى ومدته وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض وأدائه عن الحبس الاحتياطى، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه." هذه المادة تعطي الحق بتقييد حرية الانسان اثنتي عشرة ساعة دون حتى أن يعرف لماذا قيّدت حريته؟! وبالتالي تعطي الحق بحجز الحرية ثم تكييف السبب خلال 12 ساعة، والأصل أن يعلم الإنسان بسبب تقييد حريته فور وقوع ذلك وأن يتمكن ذويه ايضاً من معرفة ذلك. ثم، في دولة كمصر ينتشر فيها الفقر والجهل والأمية والمرض، لنا أن نتخيل مدى عوار المادة (41) من هذا الدستور والتي نصها: "لجسد الإنسان حرمة، ويحظر الإتجار بأعضائه. ولا يجوز أن تجرى عليه التجارب الطبية أو العلمية بغير رضاه الحر الموثق، ووفقا للأسس المستقرة في العلوم الطبية، وعلى النحو الذى ينظمه القانون." إذ أنها تعجز عن وقف الاتجار بالاعضاء البشرية، ولن يكون ذلك ممكناً ولا عملياً، وسيظل هذا النص حبراً على ورق ما لم تحصر عملية التبرع بالاعضاء بالجهات الحكومية الرسمية حصراً وتحت رقابة الدولة المباشرة، ومثل ذلك يقال في مسألة اجراء التجارب الطبية على البشر، إذ أن لنا أن نتخيل أن اشتراط الموافقة لا معنى ولا قيمة له مع انتشار الفقر والمرض والجهل، لذا فإن نص بهذه الصيغة يفتح الباب على مصراعيه لاستغلال فقر وجهل ومرض الناس في مجالي الاتجار بالاعضاء والخضوع للتجارب الطبية، ولا بد أن تنص المادة صراحة على أن التبرع بالاعضاء والخضوع للتجارب لا يتم إلا بموافقة رسمية من الدولة وتحت رقابتها المباشرة. المادة (47) من الدستور ونصها: "الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق، والإفصاح عنها، وتداولها، حق تكفله الدولة لكل مواطن؛ بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة، وحقوق الآخرين، ولا يتعارض مع الأمن القومى. وينظم القانون قواعد إيداع الوثائق العامة وحفظها، وطريقة الحصول على المعلومات، والتظلم من رفض إعطائها، وما قد يترتب على هذا الرفض من مساءلة." النص فيها على عبارة "لا يتعارض مع الأمن القومي" يعيدنا إلى المربع الأول، ذلك أن هذه كانت دائماً الذريعة التي بموجبها امتنعت انظمتنا الحاكمة دائماً عن الالتزام بما وقعت عليه دولياً بشأن هذا الحق (حق الحصول على المعلومة)، وهكذا ستظل اجهزة الحكومة والنظام تخفي المعلومات بذريعة أن كشفها يعرض الأمن القومي للخطر كلما رأت أن ذلك يتعارض مع مصالحها أو شعبيتها، والاحالة هنا على القانون لينظم التظلم في رفض اعطائها قد يفقدها وهو الغالب الاعم قيمتها بحكم الوقت وصعوبة الاجراءات، والأصوب فيما نرى أن يكون الأصل الاباحة ويحصر الاستثناء ويحدد وليس العكس، بحيث تكون صلاحية حجب المعلومات بذريعة أن كشفها يتعارض مع الأمن القومي محصورة بتشريع خاص يحدد ماهية مثل هذه المعلومات الحساسة والتي تمس الأمن القومي، فيكون النص مثلاً "يستثنى من ذلك ما يصنفه القانون تحت باب معلومات تمس الأمن القومي" ولا يترك الأمر اعتباطاً لتقدير السلطات التنفيذية، أو على نحو غير محدد بقانون للسلطة التقديرية للقضاء. اضافة إلى ذلك فإنه حتى فيما يتعلق بهذا النوع من المعلومات، كان يفترض الأخذ بالعرف الدستوري والقانوني المتبع في دول أخرى بحيث تنص المادة على أن تكشف الدولة عن هذه المعلومات بعد انقضاء مدد معينة، مثلاً هناك الكثير من المعلومات المصنفة ضمن هذا النوع حول حربي 67 و 73 لا يجوز أن تظل محجوبة أو ممنوعة من النشر، لما لها من أهمية تاريخية وبحثية، واستمرار منعها يمس بالحقيقة التاريخية وضرورة تثبيتها وحق الشعوب في معرفة ما جرى على نحو دقيق، فضلاً عن اهمية بناء الرواية التاريخية الرسمية للحدث بشكل متكامل. المادة (48) من الدستور ونصها: "حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة. وتؤدى رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأي العام والإسهام فى تكوينه وتوجيهه فى إطار المقومات الأساسية للدولة والمجتمع والحفاظ على الحقوق والحريات والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الأمن القومى؛ ويحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائى. والرقابة على ما تنشره وسائل الإعلام محظورة، ويجوز استثناء أن تفرض عليها رقابة محددة فى زمن الحرب أو التعبئة العامة." يضع قيداً خطراً من خلال عبارة: " فى إطار المقومات الأساسية للدولة والمجتمع" وكذلك عبارة: "مقتضيات الأمن القومي" فهما مدخل لنسف حرية الصحافة من جذورها، كذلك يفترض اتاحة حق التأسيس بمجرد الاخطار للفضائيات وليس فقط للصحف (المادة 49) "حرية إصدار الصحف وتملكها، بجميع أنواعها، مكفولة بمجرد الإخطار لكل شخص مصرى طبيعى أو اعتبارى. وينظم القانون إنشاء محطات البث الإذاعى والتليفزيونى ووسائط الإعلام الرقمى وغيرها." فعبارة "ينظم القانون إنشاء..." تتيح المجال لاستخدام القانون في تقييد حرية الاعلام المرئي. كذلك يجب أن يضاف أن تكفل الدولة استقلال الصحف ووسائل الاعلام المملوكة لها باعتبارها ملك لكل الشعب ولا يجوز توظيفها لخدمة تيار او حزب أو حكومة أو رئيس بعينه، وأن لا تكون هناك عقوبات سالبة للحرية في جرائم الاعلام. المادة (51) من الدستور ونصها: "للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية والأحزاب بمجرد الإخطار، وتمارس نشاطها بحرية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية. ولا يجوز للسلطات حلها أو حل هيئاتها الإدارية إلا بحكم قضائى؛ وذلك على النحو المبين بالقانون." يعيب هذه المادة كما يعيب غيرها الكثير، السكوت عما لا يجوز السكوت عنه، والمقصود هنا على نحو محدد ودقيق، حظر انشاء الاحزاب على أساس عرقي ومذهبي أو جهوي ولا تفي بهذا الغرض العبارة الواردة في المادة (6) من الدستور ونصها : "ولا يجوز قيام حزب سياسى على أساس التفرقة بين المواطنين؛ بسبب الجنس أو الأصل أو الدين." ذلك أن الحظر فيها هو للتفرقة (التمييز) ولا ينصرف إلى قيامها على أساس الجنس والأصل والدين بالضرورة، والأصل أن ينصرف الحظر لكليهما كما كان الحال في دستور 71 وبالنص: "ولا تجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أي مرجعية أو أساس ديني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل."، كذلك سكت الدستور عن انشاء احزاب او جماعات او منظمات سرية أو ذات طابع عنيف، علماً بأن دستور 1971 كان ينص على حظرها صراحة.
المادة (52) من الدستور ونصها: "حرية إنشاء النقابات والاتحادات والتعاونيات مكفولة. وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتقوم على أساس ديمقراطي، وتمارس نشاطها بحرية، وتشارك فى خدمة المجتمع وفى رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم. ولا يجوز للسلطات حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى."
أولاً كلمة مكفولة غير كافية، ويجب أن يضاف لها "بمجرد الاخطار" لأن الاكتفاء ب "مكفولة" تتيح أن يستخدم القانون لاحقاً لافراغها من مضمونها العملي بوضع شروط وتعقيدات تحول دون تفعيل هذه الحرية، ثانياً لا يجوز ان تكون هناك عقوبة جماعية، فحل النقابة هو عقوبة جماعية تقع على كل اعضائها كما انها تتعارض ابتداء مع حق التنظيم الجماعي، وهذا غير جائز لذا يفترض حذف "إلا بحكم قضائي"، علماً بأن حل النقابات لم يكن ممكناً وفق دستور 1971، مما يعني أن هذه المادة أيضاً تمثل ردة دستورية أخرى.
المادة (53) ونصها: " ينظم القانون النقابات المهنية، وادارتها على أساس ديمقراطي، وتحديد مواردها، وطريقة مساءلة أعضائها عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم المهنى وفق مواثيق شرف أخلاقية. ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة مهنية واحدة. ولا يجوز للسلطات حل مجلس إدارتها إلا بحكم قضائى، ولا تفرض عليها الحراسة." المشكلة فيها بالنص على أنه "لا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة مهنية واحدة" وهذا تقيد جديد، والأصل حرية التنظيم النقابي، ولا يجوز اشتراط أن تكون هناك نقابة واحدة للمهنة، فالأصل أن من حق أي مجموعة ترغب في انشاء نقابة أن تفعل، حيث الاتجاه العالمي للعمل النقابي يقوم على ثلاثة مبادئ هي : الادارة الديمقراطية والاستقلال، وحرية التشكيل، وحرية الانتساب.
المادة (55) ونصها: "مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب وطنى؛ ولكل مواطن حق الانتخاب، والترشح، وابداء الرأي فى الاستفتاء. وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق. وتلتزم الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب، متى توافرت فيه شروط الناخب. وتكفل الدولة سلامة الاستفتاءات والانتخابات وحيدتها ونزاهتها. وتدخل أجهزتها بالتأثير في شيء من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون."
العوار في المسكوت عنه في هذه المادة، فهي لا تنص على أثنين من اهم شروط النزاهة أولهما: التزام الدولة بالوصول إلى المعلومات بما يضمن شفافية العملية الانتخابية بكل مراحلها، وثانيهما: حظر استخدام دور العبادة في الدعاية الانتخابية، الأمر الذي لا ذكر له على الاطلاق في هذا الدستور للاسف، وبالتالي فغيابه يمهد لتحويل دور العبادة لمقر للجماعات والاحزاب السياسية على خلاف الغاية التي وجدت من اجلها، وخلافاً لطبيعة كونها للناس كافة على اختلاف توجهاتهم السياسية، وسيحول ذلك دور العبادة إلى بؤر للصراع والتناحر، وهو ما شهدناه عملياً في مسجد القائد ابراهيم في الاسكندرية وغيره من المساجد والمعابد بين مؤيد ومعارض.
المادة (58) من الدستور وهي من أخطر مواده ونصها: " لكل مواطن الحق في التعليم عالي الجودة، وهو مجانى بمراحله المختلفة في كل مؤسسات الدولة التعليمية، والزامي في مرحلة التعليم الأساسي، وتتخذ الدولة كافة التدابير لمد الإلزام إلى مراحل أخرى. و تُعنى الدولة بالتعليم الفنى، وتشجعه، وتشرف على التعليم بكل أنواعه، وتخصص له نسبة كافية من الناتج القومى. وتلتزم جميع المؤسسات التعليمية العامة والخاصة والأهلية وغيرها بخطة الدولة التعليمية وأهدافها؛ وذلك كله بما يحقق الربط بين التعليم وحاجات المجتمع والإنتاج."
هذه مادة معيبة وخطرة، وأخطر ما فيها هو أنها تلغي عملياً التزام الدولة بتأمين التعليم المجاني، فالنص على أن التعليم في مؤسساتها مجانياً، لا يعني أنها ملتزمة بتوفيره بالمجان لكافة مواطنيها. والأصل أن تحتوي المادة على عبارة "وتلتزم الدولة بتأمين التعليم المجاني لكافة مواطنيها"، أما هذه الصياغة فإنها لا تلزم أي حكومة بإنشاء أي مدارس جديدة ولا تثريب عليها فيما لو امتنعت عن ذلك، وهكذا لو ان طالباً لم يجد له مقعدا دراسياً بداعي عدم الاستيعاب فليس له ان يحتج بأن الدستور يكفل له الحق بالتعليم المجاني على نفقة الدولة، ببساطة لأن هذا الدستور لا يكفله له أصلاً. كذلك فإن عبارة "وتخصص له نسبة كافية" الواردة في هذه المادة والمادة التالية لها الخاصة بالبحث العلمي، لا تغني ولا تسمن من جوع وهي كأغلب عبارات هذا الدستور عامة وغير محددة، إذ ما هي النسبة الكافية؟ وكيف نستطيع أن نحدد بدقة إن كانت كافية أم لا؟ قد يرى البعض أن النسبة الكافية لا تقل عن 50% وقد يرى البعض الآخر أن 1% تكفي! فالأصل أن يضع الدستور على نحو دقيق حدوداً دنيا أو عليا لبعض الأمور الهامة، منها مثلاً الحد الأدنى للانفاق على التعليم وكذلك البحث العلمي والحد الألعلى للدين العام وعجز الميزانية والانفاق العسكري نسبة إلى الناتج المحلي او الايرادات العامة للدولة، كأن يحدد الدستور الحد الأعلى للدين العام المسموح به بنسبة 70% إلى الناتج المحلي الاجمالي. اما ان تبقى الامور عائمة على النحو الحاصل، فإن ذلك يعطي المجال للحكومات أن تتحرك دون ضوابط تحكم مالية الدولة، مما قد يؤدي إلى خلل هيكلي كبير في الاقتصاد والمجتمع نتيجة الميل إلى عدم مراعاة التوازن في توزيع الانفاق العام والحدود الآمنة للمديونية وعجز الميزانية...الخ وهذه كلها من العيوب التي تندرج في هذا الدستور تحت باب العوار الناتج عن ما سكت عنه الدستور.
المادة (61) من الدستور ونصها: "تلتزم الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية وتجفيف منابعها لكافة الأعمار، من الذكور والإناث. وتتولى تنفيذها بمشاركة المجتمع خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور." فالاتلزام فيها ليس بالقضاء على الأمية وإنما بوضع الخطة الشاملة!
المادة (62) من الدستور ونصها: " الرعاية الصحية حق لكل مواطن، تخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومى. وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية، والتأمين الصحى وفق نظام عادل عالى الجودة، ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين. وتلتزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل مواطن فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتشرف الدولة على كافة المنشآت الصحية، وتتحقق من جودة خدماتها، وتراقب جميع المواد والمنتجات ووسائل الدعاية المتصلة بالصحة؛ وتصدر التشريعات وتتخذ كافة التدابير التى تحقق هذه الرقابة." شأنها شان المادة الخاصة بالتعليم ينتج عنها تراجع في حقوق المواطن على عكس اتجاه تطور الدساتير، فالأصل أن التعديلات الدستورية والدساتير الجديدة من شأنها أن تزيد وتوسع من حقوق المواطن، بينما الحاصل في هذا الدستور هو العكس، وكما في التعليم هنا في الصحة تتنصل الدولة من التزامها بتوفير العلاج المجاني لمواطنيها كافة الأمر الذي كان يكفله دستور 71، وتحصره نصاً ب "غير القادرين"، فضلاً عن أن هذه العبارة توقعنا مرة أخرى فريسة للعبارات غير المحددة والدقيقة الدلالة، والتي لا تلائم طبيعة النصوص الدستورية، إذ ما هو المعيار في تحديد غير القادر، وكيف يثبت المواطن أنه غير قادر؟! كذلك كيف يحدد ما هو "النظام العادل عالي الجودة" ليكون ممكناً إلزام الدولة به ابتداء؟! المادة (64) ونصها: "العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن، تكفله الدولة على أساس مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. ولا يجوز فرض أى عمل جبرا إلا بمقتضى قانون. ويعمل الموظف العام فى خدمة الشعب، وتتيح الدولة الوظائف العامة للمواطنين على أساس الجدارة، دون محاباة أو وساطة، ومخالفة ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتكفل الدولة حق كل عامل فى الأجر العادل والإجازات، والتقاعد والتأمين الاجتماعى، والرعاية الصحية، والحماية ضد مخاطر العمل، وتوافر شروط السلامة المهنية فى أماكن العمل؛ وفقا للقانون. ولا يجوز فصل العامل إلا فى الحالات المنصوص عليها فى القانون. والإضراب السلمى حق، وينظمه القانون." أخطر ما فيها أنها وخلافاً للمادة 23-أ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والناصة على أن "لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة." تجيز هذه المادة فرض العمل جبراً بقانون، والأصل أنه لا يجوز فرض العمل جبراً بالمطلق، لذا فهذه المادة مخالفة لميثاق حقوق الانسان وكذلك لاتفاقية فينا الخاصة بالمعاهدات الدولية. كذلك لا يلزم هذا الدستور الدولة بتوفير فرص العمل للعاطلين عن العمل (الحماية من البطالة).
المادة (65) ونصها: " تكرم الدولة شهداء ثورة الخامس والعشرين من يناير وغيرهم من شهداء الحرب والواجب الوطنى والمصابين فيها. وتكفل الرعاية اللازمة لأسرهم، وللمصابين، وللمحاربين القدامى، لأوسر المفقودين فى الحرب وما فى حكمها. ويكون لهم ولأبنائهم ولزوجاتهم الأولوية فى فرص العمل. وكل ذلك وفقا لما ينظمه القانون."
في نص دستوري تعتبر عبارة "شهداء ثورة الخامس والعشرين" كلاشيه آخر يهدف لتسويق هذا الدستور أكثر مما يؤسس لنصوص دستورية، وكان الأجدى أن يكون النص "تكرم الدولة الشهداء ....".
المادة (68) ونصها: " المسكن الملائم والماء النظيف والغذاء الصحى حقوق مكفولة. وتتبنى الدولة خطة وطنية للإسكان؛ تقوم على العدالة الاجتماعية، وتشجيع المبادرات الذاتية والتعاونيات الإسكانية، وتنظيم استخدام أراضي الدولة لأغراض العمران؛ بما يحقق الصالح العام، ويحافظ على حقوق الأجيال."
عبارة المسكن الملائم فضفاضة وغير محددة الدلالة ولا تلزم الدولة بشيء، وليس في هذا الدستور أي مواد من شأنها أن توجه سياسات الدولة وتلزمها بمعالجة وحل أزمة العشوائيات، فكل ما جاء في هذه المادة ليس من شأنه أن يحل لا ازمة السكن ولا مشكلة العشوائيات، والأصل ان يكون هناك إلزام في توفير السكن مع تحديد مواصفاته في الحد الأدنى، من حيث الجودة والملاءمة والقرب من الخدمات الأساسية وتوفر البنية التحتية، والقضاء على العشوائيات واستبدالها بمساكن تنطبق فيها المواصفات الملائمة، وفي الدستور البرازيلي لدولة عانت مثل تلك المشاكل خير قدوة ومثال في ذلك.
المادة (69) ونصها: " ممارسة الرياضة حق للجميع. وعلى مؤسسات الدولة والمجتمع اكتشاف الموهوبين رياضيا ورعايتهم، واتخاذ ما يلزم من تدابير لتشجيع ممارسة الرياضة." مرة أخرى عبارات مطاطة وكلاشيهات لا ينشأ عنها أي التزامات قابلة للقياس.
المادة (70) ونصها: " لكل طفل، فور الولادة، الحق فى اسم مناسب، ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى، وخدمات صحية، وتنمية دينية ووجدانية ومعرفية. وتلتزم الدولة برعايته وحمايته عند فقدانه أسرته، وتكفل حقوق الطفل المعاق وتأهيله واندماجه فى المجتمع. ويحظر تشغيل الطفل، قبل تجاوزه سن الإلزام التعليمى، فى أعمال لا تناسب عمره، أو تمنع استمراره فى التعليم. ولا يجوز احتجاز الطفل إلا لمدة محددة، وتوفر له المساعدة القانونية، ويكون احتجازه فى مكان مناسب؛ يراعى فيه الفصل بين الجنسين، والمراحل العمرية، ونوع الجريمة، والبعد عن أماكن احتجاز البالغين." نص خطير يبيح تشغيل الأطفال، ويتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل الموقع عليها من قبل الدولة المصرية والتي تحظر تشغيل وزواج الاطفال دون سن الثامنة عشر، فيما تسمح الاتفاقية فقط بعمل الاطفال في اعمال مناسبة وفي الاجازات الصيفية حصراً بين سني 13-18، بينما المادة الدستورية أعلاه تجيز تشغيل الاطفال في هذه الفئة العمرية سواء بسواء مع البالغين بمعنى أنها لا تعتبر من هو في الفترة العمرية 13-18 طفلاً من حيث الأساس! كذلك فهي تجيز تشغيل الأطفال حتى وهم في سن التعليم الالزامي، بمعنى آخر يبيح هذا الدستور تشغيل الاطفال في كل الفئات العمرية ولا يضع على من هم في سن التعليم الالزامي سوى شرط أن يكون العمل مناسب لعمره وأن لا يمنع استمراره في التعليم وهذا أيضا تعبير مطاط، ويبيح بالضرورة جرائم تشغيل الاطفال، إذ ليس هناك أي عمل مناسب لطفل في سن التعليم الالزامي من حيث المبدأ. كذلك المادة مليئة بالتعبيرات غير المنضبطة الدلالة والتي يمكن صرفها قانونياً على نحو محدد، مثل "الحق في اسم مناسب" فكيف يمكن تحديد أن يكون الاسم مناسباً؟! يفترض أن تكون مثلاً: "الحق في اسم مناسب لا يشكل اساءة لحامله" كذلك لا تتضمن المادة على الاطلاق اشارة للعنف ضد الاطفال، والأصل أن تنص على التزام الدولة بحماية الطفل من كل اشكال العنف والاستغلال، وكذلك أن تنص على حظر زواج القصّر. بهذا الشكل الخطر فإن هذه المادة وخلافاً لاتفاقية حماية الطفل 1- تبيح تشغيل الاطفال في سن التعليم الالزامي. 2- تبيح تشغيل الاطفال في الفئة العمرية 13-18 خارج فترة الاجازات الصيفية، وتعاملهم هنا معاملة البالغين لسن الرشد. 3- لا تنص على حماية الطفل من العنف والاستغلال 4- لا تحظر زواج القصّر.
- يتبع-
#عمر_أبو_رصاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دستور الجماعة (2.مخاطر الدولة الدينية)
-
دستور الجماعة (1-3)
-
الثورة المصرية في خطر
-
مرسي وفخ النوايا الحسنة
-
طبيعة الاستبداد
-
تلك ليست مهمتي
-
قراءة في الثورة العربية المعاصرة
-
الحراك الشعبي الأردني- بؤس المشهد أم بؤس القراءة؟!
-
إني اراني اعصِرُ نفطاً
-
رفع الدعم وسعر صرف الدينار الأردني
-
الأردن- الغاز المصري واكاذيب الاستبداد
-
دولة الرئيس
-
الأردن- شرعنة الاستبداد
-
مصر- كشف الحساب أم رأس النائب العام؟
-
الأردن- ماذا بعد حل مجلس النواب؟
-
أين ذهبت أموال الشعب الأردني؟
-
قراءة في الانتخابات الأردنية
-
لماذا أقاطع الانتخابات البرلمانية الأردنية؟
-
نحن والغرب على طرفي نقيض، بين الحداثة وما بعد الحداثة
-
تاريخية المصحف -3- (في نقد المرجعية التراثية: أ- الأسس العقي
...
المزيد.....
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
-
فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
-
لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط
...
-
عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم
...
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ
...
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|