أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - صبحي المحملجي - خطوط عريضة حول الديالكتيك المادي















المزيد.....



خطوط عريضة حول الديالكتيك المادي


صبحي المحملجي

الحوار المتمدن-العدد: 3942 - 2012 / 12 / 15 - 15:27
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


خطوط عريضة

حول:

الديـــالكـتيـك الـمــادي
(الجزء الأول)


الفــهرست
المحتويات : الصفحة :
 مقدمــــــــة : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 4
I. ما هــــي الفلســـــــــــــــفــــة؟ : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 5
II. الـــماديــة الجــدلية ونشأتـــهــا : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 8
III. أشكال حركة المادة ومفهومـهـا : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 11
1) ماهـــــي المــــــــــــــــــادة؟ : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 11
2) في ارتبـــاط المادة والحـركة : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 13
3) الزمكان، كشكل وجود للمادة : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 14
4) في وحدة العـــالم ولاتناهيــه : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 15
I. الـــــمـــادة والـــــــــــــوعـــــي : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 16
1) الوعي خاصية المادة الرفيعة الاتقان : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 16
2) الفــــــــــــــكر واللـــــــــــــــــــــــغة : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 18
II. القوانين الاساسية للمادية الجدلية : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 19
1) قانون تغير التحولات الكمية الى تحولات كيفية : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 20
2) قانـــــون وحـــــــدة وصــــــراع الاضـــــــداد : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 22
3) في حلزونية المسار التاريخي، قانون نفي النفي : ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 24









وبخلاف الفلسفة الألمانية التي تهبط من السماء إلى الأرض، نصعد نحن هاهنا من الأرض إلى السماء.


وبعبارة أخرى، إننا لا ننطلق مما يقوله البشر ويتخيلونه ويتصورونه، ولا مما هم كائنون عليه في كلام


الغير وفكره وخياله وتصوره، لنصل فيما بعد إلى البشر الذين من لحم ودم. كلا، إننا ننطلق من البشر


في نشاطهم الواقعي، وإنما وفق صيرورتهم الحياتية الواقعية نتصور أيضا تطور الانعكاسات والأصداء


العقائدية لهذه الصيرورة الحيوية (1).












مـــــقدمـــــــــــة :
لم المادية الجدلية؟ قد يطرح احدهم هذا السؤال، وهو طبعا سؤال مهم تصح أن تكون الإجابة عنه منطلقا لكراسنا. أولا، لكونها (أي المادية الجدلية) السلاح الوحيد الذي سيمكننا من فهم علل الأحداث والعمل على التأثير فيها وكذا تغيير واقع اضطهاد الإنسان للإنسان. ولقد أثبت العلم والتاريخ ناهيكم عن تجارب كل الشعوب المضطهدة علمية هذا السلاح وراهنيته. ثانيا، لاعتبارها (أي المادية الجدلية) هي المنهجية العلمية الوحيدة التي تمكنت من تجاوز الفلسفة المثالية التي كانت تفصل دائما بين قوانين الفكر وقوانين الواقع، مما جعلها تعجز عجزا تاما عن تفسير مسار حركة التحولات الديالكتيكية لعملية المعرفة في تفكير الإنسان ولعملية التطور في مجتمع الإنسان، فسقطت في الذاتية حينا، وفي الغيبية أحيانا أخرى ...نقول، إن المادية الجدلية هي ذروة التطور العاصف للفكر الفلسفي الحديث، على منحى الكشف عن حقائق الديالكتيك الحي في الطبيعة والفكر والمجتمع. وسنعمل جاهدين على تفكيك الخطوط العريضة للمادية الجدلية بإيجاز مستفيض وشامل.
إننا في رابطة العمل الشيوعي، الفرع المغربي للتيار الماركسي الأممي، نناضل بحزم من أجل تمكين الشابات والشباب، العاملات والعمال، الثوريات والثوريين من النظرية الماركسية. وهذا الكراس هو بمثابة تلخيص لأهم مبادئ وقوانين المادية الجدلية. فالمؤسسات الأيديولوجية للبرجوازية تحاول جاهدة تحريف وتشويه المادية الجدلية، فأحيانا يقولون بأنها تقادمت، وأحيانا لا يعتبرونها سوى محاولة فاشلة من ماركس باعتبارها محاولة دمج المادية بالجدل، ناهيكم عن الهجمات المتكررة من طرف الفلاسفة المثاليين المعبرين الرسميين عن الطبقة البرجوازية، من هنا تنجلي المهمة الثانية لهذا الكراس، فهو بالإضافة إلى كونه يقدم تلخيصا لأهم المبادئ والقوانين الرئيسية للمادية الجدلية، يصد معظم الهجمات الميتافيزيقية والمثالية على المادية الجدلية، فلسفة العمال.
لقد كانت الطبقة البرجوازية في المجتمع الإقطاعي طبقة صاعدة، ثورية وتقدمية، تناضل ضد سلطة الكنيسة وسلطة الأريستوقراطية، مما جعلها على المستوى المعرفي والفلسفي، أي بالضرورة الأيديولوجي(2) ، تنتج أفكارا ومواقف ثورية وتقدمية، هدمت من خلالها العديد من المسلمات اللاهوتية السائدة(3) ، بل وكانت إلحادية النزعة في الغالب خصوصا في عصر فلسفة الأنوار. أما في عصرنا الحالي، عصر الحروب القومية والمجاعات والأزمات الدورية المتعاقبة للرأسمالية، عصر الربح والرأسمال، عصر الملكية الخاصة والاحتكار المطلق لثروات وخيرات الشعوب والجماهير الكادحة، عصر الإمبريالية، لم تعد البرجوازية قادرة على القيام بأي دور تقدمي على المستوى الإيديولوجي والاقتصادي والسياسي، ويمكننا القول أيضا أنها توقفت عن القيام بهذا الدور منذ عصر الثورة البرجوازية. فوحدها الطبقة العاملة بقيادة حزبها الماركسي، ونظريتها الماركسية الثورية، وسلاحها الإيديولوجي المادية الجدلية، قادرة على تجسيد المجتمع الجديد، المجتمع الحقيقي، المجتمع الذي لن يكون إلا نتيجة النشاط الواعي والإدارة الواعية للأغلبية الساحقة من المجتمع ( العمال، الفلاحين الفقراء، المعطلين...إلخ)، مجتمع يقطع بالضرورة مع استغلال الإنسان للإنسان والملكية الخاصة ويوطد الملكية الاجتماعية التي من خلالها ستبنى علاقات التعاون الأخوي والمساعدة المتبادلة بين البشر.

ماهي الفلسفة؟
لطالما كانت القوى الرجعية في العالم وعلى امتداد ارض الإنسانية، تحرم الفلسفة، وتحرم أيضا سؤالها النقدي، فالفلسفة تمدنا بمعرفة شاملة لحياتنا، كما أنها في بحث مستمر لا يكل ولا يمل عن الحقيقة، إنها تقدم لنا ضربا من المعرفة يمكننا من فهم الأحداث وسيرها. وحيث أن الإنسان في حاجة ماسة إلى فهم علل الأحداث وممارسة تأثير فعال على هذه الأحداث، والمشاركة بفعالية في النضال الطبقي الذي تخوضه الطبقة العاملة العالمية وجل الشعوب الدائر رحاه في عصر انحطاط الرأسمالية وتعفنها، فانه في حاجة ماسة أيضا إلى بوصلة الفلسفة التي ستعينه للاستمرار في رحلته القديمة والمستمرة نحو امتلاك واقعه وامتلاك الحقيقة، التي قال عنها أفلاطون انه لابد للفيلسوف أن يتجه إليها بكل نفسه، كما يتوجه الفنان نحو الشئ الجميل بكل جوارحه.
إلا أنه ينبغي ألا يغيب عن أنظارنا أن ليس كل الفلسفات بمقدورها أن تمدنا بنظرة واقعية وتاريخية تتسم بالشمول والعلمية للواقع في عنفوانه ودينامكيته، فليس كل تصور للعالم صحيح بالضرورة. فإذا كانت الفيزياء وعلوم الفلك والحياة وسائر العلوم تدرس القوانين التي تحكم قسما فقط من ظاهرات الطبيعة، فان الفلسفة في المقابل تهتم بدراسة اعم القوانين التي تحكم الطبيعة والمجتمع والإنسان. نقول، إنها علم أعم قوانين رقي الطبيعة والمجتمع والفكر الإنساني. وهذا لا يعني بالبث والمطلق أنه ينبغي على الفلسفة أن تتخلى عن العلوم الأخرى، أو أن هذه الأخيرة تستطيع الاستغناء عن الفلسفة، نقول أيضا، يستحيل على الفلسفة أن تقدم لنا تصورا علميا شموليا وتقدميا عن العالم ما لم ترتكز في استنتاجاتها على العلوم الأخرى. ومثل هذه الفلسفة هي فلسفة العمال، فلسفة ماركس، أنجلس، لينين، تروتسكي، تيدغرانت، وألان وودز
إذن، فالفلسفة تسلح البشر بنسق من الأفكار عن العالم، وهنا بالضبط تكمن قوتها. ولكننا قد قلنا سابقا أن ليس لكل الناس تصور واحد عن العالم وإجابات واحدة عن إشكالات الواقع المتغير والمتحرك، فهو عند بعضهم علمي وعند البعض الآخر رجعي. وهذا الاختلاف ناتج في الواقع عن المكانة الاجتماعية التي يشغلها الفرد وعن عوامل تاريخية وموضوعية أخرى، وهذا ما يوضحه قول ماركس: لا يخرج الفلاسفة من الأرض كما تخرج النباتات الفطرية، وإنما هم ثمار عصرهم وشعبهم وهم العصارة الأرفع شأنا، والأثمن، والأبعد عن أن ترى، والمعبرة عن نفسها بالأفكار الفلسفية. وان الروح التي يبني بها الأنظمة الفلسفية بعقول الفلاسفة، هو نفسه الروح الذي يبني السكك الحديدية بأيدي العمال. فليست الفلسفة خارجة عن العالم، كما أن الدماغ ـ وان لم يكن في المعدةـ، ليس خارجا عن الإنسان. وحيث أن تاريخ البشرية ليس إلا تاريخ الصراع الطبقي فانه من المستحيل أن توجد فلسفة وحيدة تعبر عن المستغلين والمستغلين في وقت واحد. ومنه فان الفلسفة منضبطة على الدوام باللذوذ عن مصالح طبقات محددة لهذا كانت فلسفة كل حقبة تاريخية حلبة للصراع دوما، وكان المتصارعان على هذه الحلبة ولا يزالان هما المادية والمثالية.
إن البرجوازيات التبعية والحركات الرجعية والأصولية وكذا أبواق الامبريالية، حاولوا دائما ابتذال مفهوم كل من المادية والمثالية، وإعطاء فهم مشوه لكليهما. فمن الشائع عند الناس أن المادي هو الشخص الذي يدافع عن مصالحه المادية أما المثالي فهو المدافع عن قضية ما، فكرة ما، مثل أعلى ما، بصورة مجردة ومنزهة عن الغرض. وهذا التصور لا يمت بأي صلة بالمعسكرين الفلسفيين، المادية والمثالية.

إن عالمنا مليء بالعديد من الأشياء والظاهرات، بعضها له وجود مستقل عن وعينا وادراكاتنا( الأشجار، النباتات، الأحجار، البرق، الماء، الرعد، ونحن نعرفها بفضل ما تمارسه من تأثير على حواسنا، إنها ترى، تحس، تجس، تقاس وتزان) والبعض الآخر لا يوجد إلا في وعي الإنسان (كالفكر والإحساسات والرغبة على سبيل المثال، وهي لا تقاس ولا تزان.) إذن ففي العالم فئتان من الظاهرات:
ظاهرات لا تتعلق بوعينا أي توجد موضوعيا، أي بذاتها، وهي الظاهرات المادية. والظاهرات الأخرى لا توجد إلا في وعينا وهي مثالية روحية. والسؤال المحوري في كل هذا يتعلق بمعرفة طبيعة العلاقة التبعية التي ينبغي أن نقيمها بين كل من الفئتين؟ أي ما الذي يمكننا أن نعتبره معطى أول العالم المادي أم الوعي؟ وهل يستطيع الإنسان أن يعرف العالم أو أن يكون عنه تصورا مطابقا؟ إن الإجابات عن هذه التساؤلات هي التي تقسم الفلاسفة إلى معسكرين اثنين هما المادية والمثالية.
إن الذين يؤكدون أن الطبيعة معطى أول سابق للوعي، وان هذا الأخير معطى ثان، يؤلفون معسكر المادية. أما من يؤكدون عكس هذا فهم يؤلفون معسكر المثالية الفلسفي. ومنذ القدم والمعسكران الفلسفيان يتصارعان. إلا أن العلم قد بين أن الحياة كانت تدب في الأرض قبل أن يشب الإنسان عليها، وهذا ما يحاول المثاليون إثبات عكسه.
إلا أن الفلسفة قد عرفت نوعان من المثالية: المثالية الموضوعية والمثالية الذاتية. والموضوع بشكل عام هو كل ما يوجد في استقلالية عن الإنسان. أما الذاتي فهو ما يلازم فردا بعينه.
المثالية الموضوعية: وهم على سبيل المثال فيلسوف اليونان القديمة أفلاطون، وفيلسوف القرن التاسع عشر الألماني هيجل، وكذا ممثلو المذهب الفلسفي للكنيسة الكاثوليكية، التوماوية الجديدة وينطلقون من واقع أن الفكرة توجد وجودا موضوعيا وأنها أصل خلق العالم.
المثالية الذاتية: ومن ممثلي هذا الاتجاه نجد على سبيل المثال الانجليزي، بركلي (القرن الثامن عشر) انه وعلى غرار فلاسفة هذا الاتجاه المثالي الذاتي، يعتبر أن الإنسان ووعيه هما اللذان يتمتعان بوجود فعلي. ويؤكدون أن الأشياء لا توجد إلا إذا أدركها الإنسان باللمس أو رآها أو سمعها.
أما فيما يتعلق بمسألة المنهج، فان دراسة الطبيعة والعالم والعمل على فهمهما يقتضي على الفيلسوف التسلح بمنهج. والمنهج طريق أو اتجاه (4) أو جسر يوصلنا إلى المعرفة العلمية والشاملة بقوانين الطبيعة والمجتمعات. ولا يخفى على احد أن لكل علم مناهجه، فالبيولوجيا مثلا، تستند على الملاحظة والتجريب. ومهمة الفلسفة تكمن بالتحديد في معرفة الطريق والمنهج الواجب استخدامه لا لدراسة هذه الظاهرة أو تلك وإنما لدراسة ظاهرات الكون قاطبة. أي انه ينبغي على الفلسفة أن تقدم منهجا عاما للمعرفة تستطيع أن تستند عليه العلوم جميعا. علاوة على المناهج الخاصة التي تملكها. فما هي إذن مناهج المعرفة التي أنتجتها الفلسفة عبر التاريخ؟
ثمة منهجين فلسفيين اثنين وطريقان لدراسة الظاهرات هما :
المنهج الجدلي: وهذا المنهج يقضي بالنظر إلى الظاهرات في تغيرها وحركتها الدائمة، ولقد كان الفلاسفة اليونانيون أول من استعمل الجدل ولكن بمعنى الحوار، أما اليوم فالمقصود بالجدل منهج فلسفي يدرس الواقع في صيرورته الدائمة. وكان هيراقليتس فيلسوف اليونان القديمة يقول دائما(5) : كل شئ يمضي كل شيء يتغير.
المنهج الميتافيزيقي: وهو المنهج الذي يقضي النظر إلى الأشياء بصورة جامدة ساكنة وثابتة. والجدل
والميتافيزيقا متعارضان تعارضا صارخا. فأي هذين المنهجين هو الأصح وأيهما أكثر علمية؟
طبعا، انه المنهج الجدلي، لكونه مطابق للواقع بالذات، ويؤكد صحته العلم والتجربة، فالحياة ليست ساكنة
بل إنها تتغير وتتطور. إلا انه لا ينبغي أن يخفى علينا أن الجدل لا يكون علميا إلا إذا اتحد عضويا بالمادية. وهذا الاتحاد لا يتحقق إلا في الماركسية، في المادية الجدلية.

المادية الجدلية ونشأتها :
برزت الفلسفة الماركسية، المادية الجدلية، على يد كل من ماركس (1818 ـ 1883) وفريدريك إنجلس ( 1820 ـ 1895) المنظرين الكبيرين للحركة العمالية الأممية، ثم أكملها قائدا الثورة البلشفية الزعيمان الماركسيان ليف دافيدوفيش برونشتاين ( ليون تروتسكي ) وفلاديمير اليتش اوليانوف ( لينين )، لقد أمدوا الشعوب وجل المضطهدين على امتداد ارض الإنسان بالبوصلة والطرق الواجب نهجها للفوز بحياة حرة وسعيدة على الأرض. ولا يعرف التاريخ شخصيات مارست من عظيم التأثير على الثقافة الإنسانية قاطبة ما مارسه كل من ماركس، إنجلس، لينين وتروتسكي.
لقد طفقت راية الاشتراكية العلمية والفلسفة الماركسية تحت تأثير حركة العمال الناشئة في سبيل انعتاقهم الاقتصادي والسياسي(6) هكذا انغرست جذور الماركسية في الكفاح الذي خاضته الطبقة العاملة للانعتاق من الاستغلال والاضطهاد. وقد غدت الماركسية التعبير الواعي عن مصالح الطبقة الثورية النقيض في المجتمع الرأسمالي، وهي الطبقة العاملة، وبرنامجها من أجل الاشتراكية.
إلا أن النظرية الماركسية لم ترى النور بمعزل عن حركة الثقافة الإنسانية بل كانت الاستمرارية الشرعية لكل ما أنتجته الطليعة الإنسانية، حيث أن الفلسفة قبل كل من ماركس وانجلس كانت قد أعطت تصورا ماديا عن الطبيعة ونظرة جدلية للتطور، ولقد تجلى هذان الانجازان العظيمان للفكر الفلسفي في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر مع كل من هيجل وفيورباخ (7)، فمذهب الأول يستمد قيمته من كونه يتضمن فكرة الارتقاء والتطور (الجدل) أما فلسفة فيورباخ ففيها أوضح عرض يومئذ عن التصور المادي للعالم كما عبر فيورباخ بقوة على ضرورة صد الدين والمثالية.
ومع نهاية القرن الثامن عشر ونمو الإنتاج الرأسمالي، تطورت العلوم بسرعة، فالفيزياء على سبيل المثال درست بنجاح الكهرباء والحرارة والمغناطيس، كما حددت الكيمياء مميزات العديد من العناصر والتراكيب الكيماوية. كما تقدمت الجيولوجيا أيضا تقدما ملحوظا. ولقد توجت هذه النجاحات الكبرى باكتشافات ثلاثة: الخلية، قانون بقاء الطاقة، ظهور مذهب عالم الطبيعيات الانجليزي تشارلز داروين وتكمن أهمية هذه الاكتشافات في تفنيدها للمنهج الميتافيزيقي الضيق الذي كان يستعمله العلماء قديما. لقد أتاحت هذه الاكتشافات للإنسان أن يرى الطبيعة في حركتها وتغيرها الدائم والمستمر حيث صار بينا للعيان إن الطبيعة بكاملها ـ بدءا من اصغر الجزيئات والى اكبر الأجرام السماوية، وبدءا من حبة الرمل إلى الشمس والنجوم، وبدءا من الخلية الحية البدائية إلى الإنسان ـ تتحرك وتتبدل دائما وأبدا.
كما أن العلم كان قد أبان أيضا على أن الحياة الاجتماعية خاضعة بدورها للتغير والحركة وهذا ما أثبتته الثورة البرجوازية في القرن الثامن عشر بتصفيتها للإقطاعية والارستقراطية في أوروبا الغربية. وباختصار نقول: أبانت صيرورة تطور العلوم الطبيعية والاجتماعية أن التصور الميتافيزيقي عن العالم قد تجاوزه العلم والتاريخ وان ثمة حاجة لاستبداله بتصور جديد، تصور مادي جدلي.
لقد تمثل كل من ماركس وانجلس شمول ما أبدعه العلم قبلهما، وكل ما هو قيم فيه، إلا أنهما لم يكتفيا بترديد منجزات الفكر البشري بل خصبوه وطوروه بروح نقدية، علمية وخلاقة. وفقا لمصالح وأهداف البروليتاريا العالمية. لقد أنجزوا ثورة في العلم والفلسفة والتاريخ والاقتصاد السياسي، لقد أنتجوا وأبدعوا علما ثوريا جديدا: المــــاركســية، ولقد كانت واحدة من ابرز نتائج المنجزات العظيمة لكل من ماركس وانجلس إنشائهما لفلسفة الماركسية، المادية الجدلية. حيث كانت ولازالت رؤية ثورية وجديدة للعالم.
إن ماركس وانجلس قد قاما بنقد الجدل في الفلسفة القديمة وكذا المادية القديمة نقدا علميا خلاقا، فالمادية القديمة وعلى سبيل المثال (بما فيها مادية فيورباخ) ما كانت ترى سوى فعل الطبيعة في الإنسان دون أن يلحظوا فعل هذا الأخير فيها، فالإنسان وكما نعلم جميعا لا يكتفي بالتأمل المتعالي بل يؤثر ويفعل ويغير العالم الخارجي(8)وهذا ما أثبتته الاكتشافات العلمية والمنجزات التاريخية العظمى التي حققها الإنسان. أما الجدل فوجهه الأكثر تطورا ورقيا كان عند هيجل، إلا أن عيب الجدل الهيجلي يكمن في خضوعه واستكانته التامة للمثالية، حيث طبق الجدل فقط على تطور الفكرة والوعي والروح حيث يذهب هيجل إلى اعتبار أن الفكرة والروح يتطوران ويرتقيان من حالة إلى أخرى، أما الطبيعة فلقد اعتبرها هيجل مرحلة من مراحل تطور الفكرة، بحيث لم تكن تتطور في الزمن أي لم يكن لها تاريخها الخاص ولكي نلم بشتى الجوانب لكل من المادية والجدل في الفلسفة قبل الماركسية سنطرح بعض التساؤلات المحورية في النقاش لنجيب عليها على التوالي:
كيف نفسر النقص في المادية القديمة؟
وماذا كان وضع الجدل في الفلسفة القديمة؟
إننا نفسر النقص الجوهري في المادية القديمة باعتبار هذه الأخيرة مادية ميتافيزيقية ولا متماسكة، ففي القرن السابع عشر والثامن عشر كانوا يعتبرون أن الشمس والكواكب وأفلاكها لا تتعرض لأي تغير، وكان التصور عينه عن الطبيعة قد رسخ ترسيخا تاما. لقد كان الماديون القدماء ماديون فقط في تأويلهم لظاهرات الطبيعة، أما ظواهر الحياة الاجتماعية فلقد تناولوها بمثالية تامة. فحين كانوا يحاولون تفسير ظواهر الحياة الاجتماعية، الدين، الأخلاق، العلاقات بين الناس..الخ. كانوا ينطلقون من مبادئ مثالية. فبدلا من أن يفسروا الأخلاق استنادا إلى الواقع الذي يعيش فيه الناس، كانوا ينطلقون من فكرة كون أن جل الناس يتمسكون بأفكار أخلاقية أبدية ثابتــــة، مستقلة عن الشروط المادية لحياتهم. لقد كان هذا تصورا مثاليا عن الحياة الاجتماعية لأنه يؤكد على أن الأفكار والأخلاق مستقلة عن الوجود والموجودات.
بناء على ما ذكر كان نقد المادية القديمة من طرف ماركس وانجلس وتجاوزها شرطان ضروريان لإنشاء المادية الجدلية، فقد اعتبروا أن مهمتهم هي إكمال بناء صرح المادية وسحبها على الحياة الاجتماعية وتمكين البشرية من تصور مادي علمي للتاريخ. ولاستكمال هذه المهمة الشاقة كان لابد أيضا من إنشاء جدل ثوري، أي مذهب للتطور شامل وكامل، ودمج المادية بالجدل في مذهب واحد متسق ومنسجم هو المــــــادية الجدلية، وتطبيقها على التاريخ والمجتمع.
أما الجدل في الفلسفة القديمة فكان يسلك طريقا تختلف عن طريق المادية، فبينما كانت المادية غارقة في الميتافيزيقية، راح الجدل يتطور في إطار مثالي، ونتيجة لذلك كان من الضروري تجاوز نواقص الجدل في الفلسفة القديمة من طرف كل من ماركس وانجلس. وكما سبق أن ذكرنا فان الجدل كان قد بلغ أوجه تطوره ورقيه على يد الفيلسوف الألماني هيجل، إلا أن الجدل كان لحد الآن مطبقا فقط على تطور الفكرة والروح متجاهلا بذلك الواقع المادي والطبيعة معتبرا إياهما مرحلة من مراحل تطور الفكرة وفقط. لقد كان من الحتمي إذن ليس فقط التغلب على النقص الكامن في الجدل الهيجلي بل أيضا اكتشاف ما هو جديد وتقدمي في الجدل الهيجلي والعمل على تطويره تطويرا خلاقا، عكس ما فعله فيورباخ حيث نبذ وحطم النسق الهيجلي، ورفضه جملة وتفصيلا.
لقد اقتضى الأمر عبقرية كعبقرية ماركس لإنقاذ النواة التقدمية في الجدل الهيجلي، المتمثلة في التوكيد بان كل ما في العالم يتغير ويتطور، أي في حركة وصيرورة، هذه الحركة هي نتيجة تناقضات باطنية. إلا أن فصل هذا المذهب التقدمي عن قشرته المثالية كان يحتم دمج الجدل الهيجلي بالمادية أي تحويله إلى جدل مادي وإعطائه بعدا علميا حديثا، والواقع أن ذلك ما كان ليكون ممكنا لولا الارتكاز إلى منجزات الممارسة الثورية والعلم.
نصل الآن وإياكم إلى الشق الذي سنستشف فيه دور وتعاليم سلاحنا الإيديولوجي الموثوق، سلاحنا المادي الجدلي، المستجيب كل الاستجابة لمصالح وأهداف الطبقة العاملة العالمية في سبيل انعتاقهم من قيود الاستغلال والاضطهاد الطبقيين. إن المادية الجدلية تساعدنا على بناء حياة جديدة، إنها تقدم لنا تصورا لعالمنا الصحيح والحقيقي. عالمنا الاشتراكي. فماذا تمثل إذن المادية الجدلية؟ وماذا تعلمنا؟ إن الإجابة ستجدونها في القادم من هذا الكراس.
أشكال حركة المادة، ومفهومها :
ماهي المـــادة؟ :
لقد أثبت العلم أن الأرض قد تكونت قبل حقبة طويلة من ظهور الإنسان ، بل حتى قبل ظهور أي عضوية حية، وبحسب المعطيات العلمية فقد وجدت الأرض قبل خمس مليارات من السنين، أما الإنسان فلم يشب عليها إلا قبل زهاء مليون سنة، من هنا نستشف موضوعية العالم أي وجوده المستقل خارج الوعي ومستقلا عنه، أي نستشف ماديته. إن مفهوم المادة هو حجر الزاوية في المادية، والمادة هي ذلك المفهوم الشامل الذي يحتوي في باطنه الكمية اللامحدودة من الأشياء والظاهرات التي تحيط بنا (الأشجار، الكواكب، النجوم، الصحاري والبحار...الخ كلها نعبر عنها بالمادة) انه المفهوم الأوسع والشامل (9). نحن نطلق إذن اسم المادة على كل ما يحيط بنا،على كل ما له وجود موضوعي، على العالم الخارجي الذي يؤثر فينا ويثير إحساساتنا(10) ويمكننا القول أن هذا المفهوم قد تعرض لهجمات المثاليين أكثر من غيره من المفاهيم، ولازال الفلاسفة المثاليون لحد الآن يحاولون إفراغه من مضمونه ولبه، وذلك بتزوير الحقائق العلمية الحديثة واللجوء إلى حيل مراوغة أخرى، فيقولون مثلا أن المادة قد (اضمحلت) أو لم تعد (كائنة) لكن كيف يمكن للعالم أن يضمحل؟ أو أن يصبح غير كائنا؟ إن فلاسفة البرجوازية المثاليين يجهدون أنفسهم لإعطاء حججهم طابعا مقنعا، وماداموا يبنون استنتاجاتهم على أساس بعض اكتشافات الفيزياء الذرية، فسنتوقف مليا عندها.
بداية وحتى يتسنى لنا دحض الادعاءات المثالية، ينبغي علينا أن ندرك أن مفهوم المادة كان يقصد به من طرف العلماء والفلاسفة القدماء نوعا محددا من المادة، وعلى سبيل المثال الذرات التي تتألف منها الأجسام كافة، ولا يعنون بها مقولة فلسفية، ولا يعنون بها الفهم الذي وضحناه آنفا. وفي العلم الذي كان سائدا في القرنين السابع والثامن عشر كانت الذرات تعتبر غير قابلة للقسمة وغير قابلة للهدم أيضا، وكأنها اللبنات الأخيرة للكون، اللبنات التي يتكون منها العالم قاطبة. أما في علم أواخر القرن التاسع عشر فقد تم التوصل إلى كون أن الذرة قابلة للانقسام والانشطار، وسنتوقف عند هذا الحد فما يهمنا هنا ليس الاكتشافات العلمية الفيزيائية للذرة بالتفصيل بل الشطحة النظرية التي قام بها الفلاسفة المثاليون للهجوم على مفهوم المادة والقول باضمحلاليتها وعدم كينونتها، مع ترك التوسع في النقاش العلمي وعلاقته بالمادية الجدلية لبحث آخر.
لقد أجرى المثاليون محاكمتهم لمفهوم المادة على النحو التالي: كانت الذرة الغير القابلة للقسمة تعد أساس المادة، والحال انه ثبت تقسيمها وتجزئتها، إذن فالقاعدة التي كانت تبني عليها المادية صرحها قد انهارت.
نعم لقد توصل الفكر البشري نتيجة العديد من الاكتشافات العلمية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين إلى معارف علمية جديدة، ففي الماضي ما كان معروفا أن الذرة قابلة للقسمة أو انه توجد كهارب واويلات، ونواة ذرية، واليوم أضحى ذلك معلوما وجميع هذه المعطيات قامت على أساس أن التصور العلمي الذي كنا نكونه عن العالم وعن بنية المادة قد طرا عليه تعديل (11).ولئن كنا لا نعرف الكثير عن بنية المادة. فالعلم قد علمنا أشياء كثيرة عنها، ولئن كنا لا نعرف في فجر تلك الاكتشافات سوى جزيئين أو ثلاث من المادة فقد تحققنا اليوم من هوية زهاء ثلاثين جزيئا. ولكن الأهم من كل هذا، وهذا ما يؤكده العلم والتاريخ، هو كون هذه الجزيئات لها وجودها المستقل عن وعينا وادراكاتنا الذاتية، أي أنها مادية، شأنها شأن الذرة تماما، أي لا مجال للقول إذن باضمحلالها.
إن مبدأ أزلية المادة هو الذي يجعل الإنسان يستثير الأسئلة في العديد من الأحيان، فالإنسان يرى أثناء حياته أن لكل شيء بداية ونهاية، ومن ثم فهو يتساءل: من خلق المادة؟ والعلم يجيب إنها موجودة أزلا. وقانون بقاء المادة توكيد لذلك.

في ارتباط المادة والحركة :
يقول انجلس: إن الحركة تضم في ذاتها جميع التغيرات والعمليات التي تحدث في الكون، بدءا من الانتقال البسيط ووصولا إلى الفكر، ويترتب على ذلك أن كل تغير يحدث في داخل الأشياء أي في العالم، ينبغي أن يعد حركة. إن الحركة هي تغير المادة بوجه عام.
ففي العالم أنواع متباينة من الحركة فهناك تحرك أجزاء المادة، الأجسام، أي الشكل الميكانيكي للحركة، ثم السيرورات الحرارية والكهربائية، أي الشكل الفيزيائي للحركة، وأيضا تراكب الدوالف وانشطارها، وهما يمثلان الشكل الكيميائي للحركة، ناهيكم عن التغيرات التي تطرأ على العضويات الحية وهي الشكل البيولوجي للحركة. وأخيرا هناك الشكل الاجتماعي للحركة، أي التحولات التي تطرأ على المجتمع.
هنا نطرح التساؤل التالي: هل يمكن أن توجد المادة في حالة لا يطرأ عليها فيها أي تغيير؟
والإجابة البديهية هي لا، فحتى في الأزمان والعصور القديمة، حيث لم يكن على الأرض لا ناس ولا حيوانات ولا خلية حية، حصلت تغيرات عميقة في قلب المادة، وبالفعل تتألف الأجسام من ذرات ودقائق هي أبدا ودوما قيد الحركة، إذن لا وجود لجسم جامد مطلق الجمود والسكون. والذرات والدقائق والكهارب قد وجدت على الدوام وبالتالي وجد على الدوام أيضا الشكل الكيميائي للحركة.
مما يعني انه لا توجد قط حالة كانت فيها المادة بلا حركة، ولهذا نقول إن الحركة هي شكل وجود المادة.
وهل هذا يعني أن المادية الجدلية تنفي السكون؟ كلا فالسكون موجود في الطبيعة ولكنه نسبي، أي انه لا وجود لظاهرات يكون كل شيء فيها خاضع للسكون، ولا يكون فيها وجود لأي حركة.
فإذا كان جسم ما قيد حركة فانه لا يكون كذلك إلا نسبة إلى شيء ما، ففي قطار قيد الحركة، نكون نحن في حالة سكون نسبة إلى ذلك القطار، لكننا نتحرك مع القطار عينه. من هنا يتبين لنا أن التصور المادي الجدلي عن السكون يختلف كلية عن التصور الميتافيزيقي، فالثاني يتصور السكون انعداما لكل حركة، وهذا ما تعترض عليه المادية الجدلية.
ففي الطبيعة وعلى الرغم من وجود السكون النسبي، ليس السكون من يلعب الدور الرئيسي، وإنما تلعبه الحركة، التغير والتطور. ونفي الحركة بصفتها خاصية المادة يفضي إلى الإقرار بوجود اله، فبعض الفلاسفة البرجوازيين يعلنون أن التغير يستتبع وجود اله محرك للطبيعة، لكن سبق أن قلنا أن المادة هي في غنى عن محرك، فالحركة محايثة لها، والتساؤل عن أصل ما هو موجود منذ الأزل تساؤل غير ذي معنى.
الزمكان، كشكل لوجود المادة :
كتب لينين يقول: ما الكون إلا مادة في حركة، وهذه المادة قيد الحركة لا يمكن أن تتحرك إلا في الزمان والمكان. فالظاهرات والمجتمعات هي في تغير وحركة وفي تطور دائما وأبدا، كما أنها تتعاقب وفق نظام معين له نسقه الداخلي ومنطقه الخاص. النهار يعقب الليل، والرأسمالية تخلف الإقطاعية...الخ. حدث يقع مبكرا وحدث يقع متأخرا. الوقائع إذن لها ديمومتها، وهذا التعاقب الدائم، لا يمكن أن يتم إلا في الزمان.
ومنه فان كل ما يحدث في العالم يحصل في الزمان، لهذا كان الزمان أيضا شكلا لوجود المادة.
وحيث أن للأجسام جميعا أبعاد، الارتفاع والطول والعرض، وهي تشغل مكانا محددا، ثم إن هذه الأجسام هي في علاقتها مع يعضها البعض في نظام معين بصورة أو بأخرى:

عن قرب أو عن بعد.
عن علو أو عن انخفاض.
من اليمين أو من اليسار.

فإنها بالحتم موجودة في المكان، ولا يمكن أن توجد على نحو آخر، ومنه فإننا نقول على اعتبار أن كل الأشياء في العالم تؤلف المادة، أن المكان واحد من أشكال وجود المادة، وان المادة لا يمكن أن توجد إلا في المكان.
وإذا تموضع شيء ما في مكان ما، فان ذلك يمكن أن يتم الآن أو بالأمس، باختصار قد تم في لحظة معينة. الشيء يتموضع في المكان والزمان في آن، أي أن السؤالين المتمثلين في أين؟ ومتى؟ سؤالان لا يقبلان الانفصال وهما يمثلان تاريخ الحدث وموقعه في المكان. المكان إذن لا يمكن أن يوجد خارج الزمان كما لا يمكن للزمان أيضا أن يوجد خارج المكان، وحيث أن المادة متجسدة وموجودة في كليهما فلا يجوز الفصل بين كل من الزمان والمكان والمـــادة أيضا.

في وحدة العالم ولا تناهيه :
المكان غير محدود والزمان أبدي، ولهذا يمتد العالم إلى ما لا نهاية من كل صوب، من الأعلى ومن الأدنى، من اليمين ومن اليسار. ليس له في الزمان من بداية ونهاية.
ومن وجهة نظر علمية، نحن نعلم جيدا أن وحدة قياس الكون هي السنة الضوئية، أي المسافة التي تقطعها حزمة من الضوء في سنة بسرعة 300.000 كيلومتر في الثانية، وعلماء الفلك اليوم يرصدون لنا أجراما توجد على بعد مليار سنة ضوئية وأكثر، مما يعني أن صاروخا يندفع بسرعة 50.000 كيلومتر في الساعة لن يصل إليها إلا بعد بضعة ألوف من مليارات السنين، إنها مسافة يصعب تصورها. لكن العلم والمادية الجدلية يقولان لنا أنها ليست حــــدا. نقول: إن العلم يؤكد لنا صحة التصور المادي عن لا تناهي العالم والمكان، فكوكبنا الأرض لا يعدوا أن يكون حبة رمل في محيط الكون المترامي الأطراف.

لنفترض أن أصدقائنا المثاليين على حق عندما يقولون بمحدودية العالم والمكان، في هذه الحال نجد نفسنا أمام هذا السؤال بالضرورة، ماذا يوجد فيما وراء الكون؟ هل من وجود لعالم غير العالم المادي؟

لقد اثبت العلم على نحو قاطع انه لا وجود لعالم متعالي، لامادي. ولا يمكن أن يوجد سوى عالم مادي واحد. لهذا تعلمنا فلسفتنا، فلسفة العمال وجماهير الكادحين، الفلسفة الماركسية أن العالم واحـــد (12). ولا ينبغي علينا أن نستنتج من ذلك أن العالم الذي نحيا فيه هو العالم الموجود فقط. لقد أفصح جيوراندو برونو 1548 ـ 1600 عن فكرة تعدد العوالم. لكنها جميعا مادية وبالتالي تؤلف جميعا عالما ماديا واحدا.
وتكفي العودة إلى أراء العالم البولوني كوبيرنيكس والعالم نيوتن، بحيث برهنوا على لا تعارض السماء والأرض ووحدة العالم ولا تناهيه.

المادة والوعي :
الوعي خاصية المادة الرفيعة التعضي :
منذ قرون خلت، تساؤل الناس عن سبب كف الإنسان بعد موته عن الكلام، التفكير والإحساس. وحاولوا كشف سر العلاقة التي تجمع بين كل من الجسم وما كانوا يسمونه بالروح، أو بعبارة أدق وعي الإنسان. لكن كان من الصعب الإجابة عن هذا السؤال.
من منظور الفكر الديني نجد أن مصدر الحياة والفكر هو الروح، فالجسم لا يمكن أن يكون بدون الروح التي هي شرارة الله في الإنسان. فكيف السبيل إذن لإدراك ما لا يقع تحت نظر أو سمع؟ كيف يمكن لأحد أن يعرف الفكرة التي تخالجني؟ لقد حاولت الفلسفة التجريدية، المتعالية والمنفصلة عن الواقع أن تجيب عن هذه الإشكالية، لكن دون جدوى.
ويرى الفكر الديني أيضا، أن الروح في وسعها الاستغناء عن الجسم، فهي تدلف على الإنسان منذ ولادته وتبارحه بعد موته، وليومنا هذا لا يزال الإقرار بوجود آخرة (وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه جميع الأديان)، لكن لنتوقف قليلا عند هذه المسألة...
الوعي هو الفكر، الأحاسيس، المفاهيم، الإرادة، كل هذا من خواص الإنسان. فان لم يكن هذا الأخير قادرا على الإحساس لما وجدت إحساسات، وبدون إنسان يشتهي ويرغب ما كانت لتكون رغبة وشهوة، ولا وجود للإرادة إلا فيمن يقوون على الإفصاح بها. والحيوانات أيضا تمتلك بعض عناصر الوعي (الإحساسات، وشكل معين من الذكاء) لكن عناصر الوعي هذه ظهرت في زمن حديث نسبيا. من هنا ينبغي علينا أن نستخلص أن الطبيعة سابقة لكل الكائنات الحية، وبالتالي وجدت بصورة مستقلة عن الوعي، أي أن الطبيعة هي المعطى الأول أما الوعي فهو معطى ثاني.
وسنقوم الآن بذكر مثالين:
المثال الأول: منذ قرون خلت لوحظ انه يكفي أحيانا ان يصاب الإنسان بجرح بليغ في يده حتى يغمى عليه، ولقد برهن العلم على أن الإغماء هو نتيجة تدفق كمية كبيرة من الدم إلى المخ أو إصابة حادة في الجهاز القلبي العرقي، أو صدمات أو اضطرابات حادة، أو نزيف شديد. مما يعني أن الوعي إذن مرهون بعمليات مادية تحدث في الجسم، في المخ، في الأعصاب، ودمار الجسم يؤدي إلى دمار الوعي.

المثال الثاني: جميعنا يعرف جيدا أن الإنسان عندما يكون متعبا ومضطربا تكون أفكاره أيضا مشوشة ومبعثرة، كما انه عندما يكون في حالة جيدة، بعد أن مارس رياضة ما وأراح جسده بحمام دافئ، فهو يشعر بالضرورة بقدرة أرحب على التفكير والتركيز في العديد من الأمور، أي أن أفكاره في الحالة الأخيرة ستكون أكثر صفاء من الحالة الأولى. نقول، لا يمكن أن توجد مادة بلا وعي.
لكن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا هو كالتالي: هل كل مادة تفكر؟ إن مجرد النظر إلى الطبيعة ولو بسطحية يتبين لنا أن الجواب عن السؤال الأخير هو: كلا، الأحجار مثلا لا تفكر، الطبيعة الخامدة الحياة أيضا لا تفكر، ولا يقدم العديد من العضويات الحية أي علامة من علامات الوعي، متى ولد الوعي إذن؟
يؤكد المثاليون على أن الطبيعة الحية منفصلة عن الطبيعة الميتة، فالكائنات الحية تتميز تميزا جوهريا عن الطبيعة الخامدة الحياة، فالأولى تتحرك، تتكاثر وتنموا. طبعا إن الفرق لشاسع جدا. لكن المثاليين عجزوا عن فهم وتفسير النقاط المشتركة بين كل من الطبيعة الخامدة الحياة، والأشياء الحية مما قادهم إلى السقوط في أحضان الفكرة القائلة بان العضوية الحية تنطوي على (قوة حيوية) نوعية، وهذه القوة حسب زعمهم هي ما تميز العضوية الحية تمييزا جوهريا عن الطبيعة الحية الخامدة. فهل هذا صحيح من منظور ماركسي؟
العضوية الحية عضوية مركبة، من عناصر معينة، كالفحم والأوكسجين والهيدروجين والحديد والكبريت والفسفور وغيرها. وهي عناصر واسعة الانتشار في الطبيعة الحية الخامدة. ولا تحتوي العضوية الحية على اي عنصر غير موجود في الطبيعة الحية الخامدة. وانطلاقا من هذه الوقائع اثبت العلم أن المادة الحية أتت من المادة الميتة. نقول إن العضوية الحية تختلف عن الطبيعة الحية الخامدة لكنها ترتبط بها ارتباطا وثيقا لا يقبل فكاكا.
وظهور الحياة على الأرض، ظهور الخلية الحية، لا يعني بعد ظهور الوعي. فمع الحياة لا تظهر إلا العناصر الأولى للوعي. فالوعي مرتبط بنشاط وحركة أنصاف كرات المخ، وهذه الأقسام من المخ هي نتيجة تطور مديد وطويل، تطور أثنائه الجهاز العصبي، وطرأ تعقيد متزايد باستمرار على نشاطه، وقد ارتقى وتطور سلوك الحيوانات هو الآخر، وتعقد، إلى أن ظهر المخ البشري، وظهر معه الوعي الإنساني، نقول ليس الوعي نتاج أي مادة، وإنما هو نتاج مادة رفيعة التعضي، نتاج النشاط المخي، الوعي وظيفة للمخ، ولا وجود له حيث لا وجود للمخ
الفكر واللغة :
لقد وضعت موزة أمام قرد، ولكن هذا الأخير لم يستطع أن يتناولها وهي قريبة من النار، إلا أن هذا القرد قد درب على صب الماء الموجود في برميل صغير قريب على النار ثم يتناول بعد ذلك الموزة. ولقد أصبح القرد فعلا قادرا على الإمساك بالموزة. وبعد ذلك وضع القرد في شروط جديدة: ففي عرض نهر يوجد طوف عليه موزة وأمامه نار مضرمة وعلى مسافة بعيدة نسبيا وضع برميل صغير به ماء، المعضلة إذن هي: إطفاء النار والإمساك بالموزة. طبعا في وسع القرد أن يغرف الماء من حوله، فالماء كثير عند الطرف، لكنه لا يفعل بل يشق طريقا طويلة نحو البرميل الصغير ليغرف منه الماء.
يبين لنا هذا المثال أن القرد لا يملك تصور عن الماء، وانه لا يعرف مميزاته العامة، إن فكر القرد إذن مرتبط بالأشياء التي تحيط به، بل أكثر من ذلك: انه لا يفكر إلا عندما توجد أمامه أشياء.
أما فكر الإنسان فهو مغاير نوعيا، انه يتعلم كيف يعرف الأشياء أثناء الإنتاج، أثناء العمل، أثناء النشاط العلمي، ويدرس بعد ذلك خواصها ومميزاتها. إن الإنسان إذن مدرك عام، عكس القرد، كما انه أيضا مدرك مجرد وهذه السمة التجريدية غير حاضرة عند الحيوانات.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن بإلحاح هو كالتالي: ما الذي يسمح لنا بان نجرد أي أن نفصل عن الشيء العيني خواصه الجوهرية؟ انه الكلام، اللغـــة.
منذ الطفولة يتكون وعي الإنسان من الكلمات، وعلى أساس اللغة (13). فبواسطتهما تعبر أفكارنا عن نفسها، ومن خلال هذه السيرورة تتجلى سمة موقوفة على الإنسان وحده وهي ارتباط الفكر باللغة ارتباطا وثيقا لا يقبل فكاكا. لقد عرف التاريخ عدة حالات تربية أطفال بين رهط الذئاب، ففي سنة 1956 تم اختطاف طفلة عمرها لا يقل عن ثلاث عن سنوات، وحين عثر عليها وجدت وهي تسير على أطرافها الأربعة وتقلد صراخ الحيوانات ولا تعرف اللغة ولا تفكر. لقد كانت الطفلة تقلد الحيوانات في كل شيء لكن ثمة نقطة مثيرة للاهتمام في هذه القصة، فالجهود التي بذلت لتعليم الطفلة النطق ذهبت هباء منثورا، ولم تستعد تلك البنت السمات الإنسانية كما أنها لم تألف العيش في الشروط الجديدة، فماتت.
لقد ولدت الطفلة بدماغ إنساني فتطورت وتطور معها دماغها، فلماذا يبقى فكرها في حالة تأخر لا علاج لها؟
تجيبنا المادية الجدلية قائلة: لأنه لا يكفي أن يكون للإنسان دماغ سوي حتى يكون لديه وعي إنساني، بل لابد أيضا من أن يعيش في مجتمع إنساني، فخارج المجتمع لا يمكن أن يوجد فكر وهذا الأخير ليس إلا نتيجة لحياة البشر في نطاق المجتمع. ولا يمكن للفكر أن يتجلى إلا عندما يعكس الإنسان الطبيعة وإلا متى دخل في علاقات محددة مع سائر الناس من خلال العمل والإنتاج (14).


القوانين الأساسية للمادية الجدلية :
ما القـــانــون؟ :
توجد في عالمنا المادي ظاهرات يمكن أن تحدث، وظاهرات لا يمكن أن تحدث، وظاهرات لا يمكن إلا أن تحدث، إن عملية سقوط حصاة تم رميها في الهواء ظاهرة تنتمي إلى الظاهرات التي لا يمكن إلا أن تحدث، فالشيء الذي يرمى في الهواء يسقط بالضرورة بفعل الجاذبية الكونية. نحن الآن أمام نظام، وحين نصطدم في نشاطنا العملي بظاهرات كهاته، نقول، توجد رابطة هنا، ضرورية وأساسية بين الظاهرات. والقانون يعبر عن هذه الروابط الداخلية، الدائمة والمستمرة. القانون إذن رابطة بين الأشياء والظاهرات، لا تعقدها ظروف خارجية طارئة وإنما تقيمها الطبيعة الداخلية للظاهرات، ولا يعكس القانون الروابط كافة وإنما فقط الروابط الأساسية الفاصلة.
وحيث أننا الآن أمام المفهوم الفلسفي للقانون لا الحقوقي، فإننا بصدد الحديث عن قوانين موضوعية وطبيعية لا يسنها البشر بل هي مستقلة عنهم. من هنا فان السمة الأساسية لقانون ما هي موضوعيته. ولكن الطابع الموضوعي للقوانين لا يعني بتاتا أن الإنسانية غير قادرة على فهم هذه القوانين واستغلالها لصالحها. ويعلمنا تاريخ العلم الكيفية التي استخدم بها البشر القوانين التي اكتشفوها في نشاطهم العلمي. إن المادية الجدلية تقر بالدور الفاعل للوعي في حياة الإنسان، وقدرتنا على الحلم والتخيل تبرهن لنا على أن الوعي لا يدرك العالم على نحو سلبي ولكنه يتقدم الواقع ويستبقه بنوع ما ويفعل فيه، وفي عصر انحطاط الرأسمالية وتعفنها لا بديل عن النظرية الاشتراكية العلمية باعتبارها القوة النافذة التي تساعد الإنسانية على هدم العالم القديم ودك حصونه دكا، وبناء عالم جديد.
إذا أوجدت القوانين ارتباطات بين جميع ظاهرات الطبيعة والمجتمع والفكر، سميت بالقوانين العامة، أي قوانين الجدل، فما هـــي هـــذه القوانــــين؟
قانون تغير التحولات الكمية إلى تحولات نوعية :
لو نظرنا من حولنا لوجدنا أن كل شيء (الحيوان، الحبر، الشجر، أو أي شيء آخر...) يمتلك خواص مميزة تعبر عن ما هو جوهري وهام فيه. يميزه ويحدده عن الأشياء الأخرى.
مثال: لماذا نقول أن هذا الشيء شجرة ؟ لأنه يوجد أمامنا أوراق وجذور وغصون الخ... وبوسعنا استخدامها في العديد من الأمور (الاحتماء من الشمس، صنع الحطب...) ومن هنا نكون قد حددنا الصفات الباطنية للشيء وسلطنا الضوء على ما يجعل منه ما هو كائن عليه: نوعيته
النوعية إذن خاصية باطنية مرتبطة بالشيء بالذات، مجموع خصائصه الأساسية كلها التي بفضلها يكتسب الشيء استقرارا نسبيا ويتميز عن باقي الأشياء.
علام نستند إذن للفصل في النوعية؟
إليكم مثالا آخر: اشترى شاب زجاجة حليب من مكان ما، وفي الشارع سقطت منه سهوا على الرصيف، لكنها لم تنكسر أو تتحطم وإنما ارتدت عن الرصيف كالرصاصة، وأثارت هذه الحالة اهتمامنا فاقتنعنا بأننا أمام نوعية جديدة من الزجاج غير قابلة للكسر فاستخلصنا من كل هذا ما يلي:
إن تلك المادة تتمتع بخاصية جديدة، لقد اكتشفنا نوعية جديدة باكتشاف خواص جديدة، خاصية الشيء إذن هي سماته النموذجية، قدرته المميزة، خصائصه، وهذه الخصائص الباطنية للأشياء هي ما يسمى بنوعيتها، النوعية إذن تتجلى عبر الخواص.
لا تتميز الأشياء بالنوعية فقط، بل حتى بالكمية، فنحن نصطدم دائما بضرورة فهم وحساب الأشياء من حيث ( كم هي، أبعادها، حجمها، ارتفاعها...) الكمية هي قابلية الأشياء والظاهرات للقياس بواسطة أعداد تعبر عن الأبعاد والوتيرة والدرجة والحجم، الخ. إذا تغيرت نوعية الشيء تغير الشيء ذاته، ولكن هل يؤدي تغير الكمية إلى تغيير الشيء ذاته؟؟ لنرى بعض الأمثلة:
جميعنا يعلم كيف تبنى السدود، ففي البداية ترمى قطع ضخمة من الصخور في الماء، ولا وجود للسد بعد ولن يكون موجودا حتى بعد المحاولتين الثنية والثالثة، إلا عندما تصبح كمية الصخر الموجودة بالمياه قادرة على كبح مسار المياه وبذلك يكون السد قد شيد بقطع صخرية منفردة.
ما الذي حصل إذن؟
كانت التغيرات الكمية ما دامت تحدث ضمن نطاق محدود لا تمارس أي تأثير على تكوين نوعية جديدة، (في مثالنا السد) لكن لما بلغت هذه التغيرات مقاسا معلوما أترث في نوعية الشيء أو الظاهرة.
ما المقاس؟
إننا نعلم جيدا أن لكل الظاهرات والأشياء مقاسا محددا بقدر أو بآخر، فالصخر يمكن أن يكون ضخما بقدر أو بآخر، لكنها بالضرورة لها ضخامة معينة، فنحن لم نرى يوما صخرة تبلغ من الطول كيلومترا، ولو وجدت صخرة كهاته فإنها لن تكون أبدا صخرة بل صخرا جبليا، وهذا يعني أن المقاس ملازم لكل شيء
ويمكن للناس أن يكونوا طوال القامة أو متوسطي القامة أو قصار القامة، كذلك يختلف وزنهم أيضا، لكن للناس جميعا قامة محددة. فأنظارنا لم تقع يوما على إنسان يبلغ من الطول 6 أمتار أو وزنه 5 أطنان. على اعتبار أن كمية 5 أطنان و6 أمتار تتنافى وتتناقض مع النوعية المعطاة (نوعية الإنسان) وكذلك الحال بالنسبة لكل شيء.
المقاس إذن هو وحدة وتوافق المظاهر النوعية والكمية للأشياء فكل شيء هو على الدوام نوعية تقابلها كمية محددة.
نتيجة: إذا وقعت تغيرات كمية في الأشياء فإنها لا تمارس تأثيرا على النوعية ما دامت تحدث في حدود مقاس معلوم، فضمن هذه الحدود يبقى الشيء لا مباليا (إن صح التعبير) بالتغيرات الكمية، فكأنه لا يلحظها، ولكن عندما يتم تجاوز المقاس، تبدأ التغيرات الكمية في التأثير على الحالة النوعية للشيء، هنا تنقلب الكمية إلى نوعية
ما القفزة (الطفرة) ؟
يبين لنا مثال غليان الماء وتحوله بعد مدة معينة تحت تأثير درجة حرارة ما إلى بخار (أي أن حالة الماء النوعية تتغير)كيف تنقلب الكمية إلى نوعية، إن تراكم التغيرات في كمية كافية يساهم في حدوث تغيرات نوعية مباغتة وسريعة. فالتراكم البطيء الأولي يصل إلى أعلى درجاته ليأتي أوان الطفرة(15) والتحول النوعي، إن قانون تحول التغيرات الكمية إلى تغيرات كيفية يوضح لنا الاواليات الداخلية لتكوين النوعيات الجديدة، أي أساس التطور بالذات. ولو عدنا إلى القرنين الهجريين الأوليين نجد أن تراكمات المنظومة الاجتماعية ـ الاقتصادية السائدة (الإقطاعية) كانت تمتد بصورة كمية إلى أن جاء القرن الثالث الهجري، حيث كانت التراكمات الكمية قد بلغت أوجها، والتي كان البرهان التاريخي الملموس عليها على يد كل من الثورة البابكية، وثورة الزنج، وحركة القرامطة. لكن ما القوة المحركة لهذه التطورات الكمية؟؟ وما مصدرها؟؟ هذا ما سنجيب عليه في المحور الآتي.

قانون وحدة وصراع الأضـــداد :
لقد كان الفيلسوف الإغريقي زينون الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد يقول بان التناقض زائف ولامعقول ومستحيل، ويتمسك العديد من الفلاسفة البرجوازيين بالفكرة ذاتها بشكل أو بآخر، أما العلم والممارسة فيبينان لنا أن الطبيعة بل الأشياء بالذات تنطوي على تناقضات وعلى مظاهر متناقضة، وإذا تمعنا عضوية الإنسان سنجد سيرورتان متعاكستان متواقتتان فيها، فالخلايا تنموا وتفنى في آن معا، وفي حال توقفت إحدى السيرورتين ماتت العضوية. وأشباه هذه الأمثلة نصادفها في كل آن، إنها تناقضات الطبيعة بالذات، إنها محتومة، وتظهر التناقضات عندما تصطدم الأضداد، على اعتبار أن التصادم هو تصادم ميول وقوى متعاكسة. ومنه فان التناقض هو علاقة بين الأضداد، والأضداد بالتالي هي مظاهر التناقض.
ما قوام العلاقات القائمة بين الأضداد؟
مما مضى يتأكد لنا أن هذه الأضداد توجد بينها علاقات نطلق عليها اسم وحدة الأضداد، وينكر المثاليون هذه الوحدة بحيث يؤكدون أن لكل ضد وجوده المستقل عن الضد الآخر، لكن في الواقع ليس الأمر كذلك.
مثال: لكل منشأة نفقاتها بالعملة وبالبضائع، ولكن لها أيضا مدخولها أي مردودها من العملة والبضائع، هل يمكن لمنشأة أن تنفق دون أن تجني الربح؟ طبعا لا، لكنها أيضا لا تستطيع الاستمرار في العمل إذا لم تنفق مالا على التجهيزات والمواد الأولية ...الخ.
مثال آخر: داخل الجسم السياسي لأي مجتمع تيارات تتصارع هناك يمين رأسمالي وهناك يسار اشتراكي هناك حركة محافظة دينية وهناك حركات أخرى وكذلك نظم أو نخب حاكمة تبعا لطبيعة المجتمع الداخلية هذه الحركات السياسية معا تشكل وحدة واحدة وهي في حالة صراع هذا الصراع بينها هو محرك التغير الذي يطرأ على المنظومة السياسية لهذا المجتمع.
وحدة الأضداد إذن تكمن في كونها مترابطة فيما بينها ترابطا لا يقبل فكاكا، وفي كونها تؤلف معا سيرورة متناقضة واحدة، إن الأضداد لا توجد إلا لأنها أضداد.
وصراع الأضداد ينشأ انطلاقا من كونها مترابطة في إطار وحدة ما، كما أن هذه الأضداد تنفي بعضها البعض، مما يعني انه لا مناص من الاحتكاك والاصطدام والصراع. ومنه فحيثما وجدت أضداد تؤلف وحدة وجد صراع بينهمــا. إلى هنا وصلنا وإياكم إلى التأكيد على وجود وحدة وصراع الأضداد، لكن من منهما يقوم بالدور المحدد؟ هل الوحدة أم الصـــراع؟
يعلمنا لينين (16)، أن صراع الأضداد مطلق مثلما هو مطلق التطور، ومثلما هي الحركة مطلقة، وان وحدة الأضداد نسبية مؤقتة وعـــابرة. أي أن ليست وحدة الأضداد هي من تلعب الدور الرئيسي بل صراعها.




في حلزونية المسار التاريخي، قانون نفي النفي :
إننا نعلم جيدا أن الظاهرة الطبيعية مثلا، تبدأ، تتطور وتنموا ثم تراكم ومن ثم تتوقف (تشيخ وتموت) كما إن الكون مليء بما يسمى الموت أو الدمار أو الفناء...الخ.
إن جوهر النفي يكمن فيما يحدث في العالم بصورة دائمة من تفسخ وانتفاء وانتقال وزوال لأشياء وظاهرات قديمة وولادة أخرى على أنقاضها. ومنه فان النفي يعني تطور ظاهرة ما، والانتقال بهذه الظاهرة إلى مستويات جديدة ودرجة أعلى وأرقى. والظاهرات الكائنة في المجتمع والطبيعة تسير وفق العملية التاريخية التالية: فبعد مرور فترة من الزمن تشيخ وتترك المكان لقوى وأشياء وظاهرات جديدة ، وان كانت سالفا جديدة وبالتالي نافية لما هو بالي فإنها في الوقت الحالي تمسى هرمة وشائخة (بالضرورة) بدورها، ومعرضة للنفي من قبل قوى وأشياء وظاهرات أكثر حداثة منها، وهذا هو نفي النفي
وحيث أن العالم يتضمن عددا لا متناه من الظاهرات والأشياء والقوى، فان سيرورة النفي سيرورة دائمة، متواصلة إلى ما لا نهاية، نقول، إن نفي القديم وتوكيد الجديد يتكرران بلا انقطاع أو توقف.
إلا أن النفي الجدلي يفترض النفي والصيانة في آن، وخلال سيرورة التطور تنفي كل درجة عليا وتزيح السابقة، لكنها في الوقت نفسه ترفعها إلى مستوى جديد وتصون كل المضمون الايجابي المكتسب أثناء تطورها، ولولا هذا لاستحال التقدم والتطور. إن النفي الجدلي إذن نتيجة وسبب، ولئن خالج البعض أن نتيجة نفي النفي هي العودة إلى الماضي، فذلك إلا في الشكل وحده، أما في الواقع، فان ما كان انف الوجود يطور ويرفع إلى درجة ارفع وأعلى من خلال سيرورة النفي.
وحتى الفلسفة الماركسية ـ كما شرحنا سابقا ـ لم تظهر من العدم، بل حافظت على كل ما هو علمي وعملي في النظريات والفلسفات (الجدلية والمادية) وعملت على نقدها نقدا خلاقا.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى مثال تاريخي جد هام، يؤكد النفي الجدلي، يتمثل في كون أولى محاولات استقلال الفلسفة العربية الإسلامية النسبي عن علم الكلام ألمعتزلي، التي كانت على يد الكندي (الذي يعتبر أول فيلسوف عربي إسلامي) ما كانت لترى النور وتتطور مع كل من ابن سينا، الفارابي، ابن رشد وغيرهم ما لم يستحضر الكندي الايجابي والنقدي (العقلي) في علم الكلام ألمعتزلي.
إن مسار تطور العلم والطبيعة مسار لولبي، لكونه ينطوي على عدد كبير من اللفات، لكن هذه اللفات لا تلتقي أبدا، لا يكرر بعضها البعض أبدا، إن من يصعد درجا حلزونيا يخيل له انه يلف حول نفسه لكنه في الواقع يصعد إلى الأعلى فالأعلى باستمرار، وهذا لأنه يتبع لولبا لا دائرة، إن هذا المثال لهو أوضح تعبير عن جوهر قانون نفي النفي...ونستنتج مما قيل إن التطور يتم وفق مسار لولبي، ومع كل لفة جديدة أي نفي، تظهر نوعية جديدة، مما يرفع الارتقاء إلى مستويات أعلى.


(1): من مؤلف الأيديولوجية الألمانية، ماركس وانجلس، مصادر الاشتراكية العلمية، ترجمة جورج طرابيشي (دار دمشق للطباعة والنشر) ص 20
(2):أن الصفة الإيديولوجية لكل فلسفة هي واقع موضوعي معطى، لا يتوقف على استيعابنا له من عدمه، ولا يتوقف على اعترافنا به عند هذا الفيلسوف أو ذاك، فالفلسفة شأنها شأن كل أشكال الوعي البشري، ليس لها تاريخ مستقل عن تاريخ الناس الواقعيين الذين تربطهم علاقات اجتماعية واقتصادية محددة. فكل فلسفة هي بالضرورة تمثل في كل عصر ومجتمع معينين منظومة من التصورات عن الكون والعالم تنعكس فيها بصورة غير مباشرة طبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة وطبيعة الصراع الإيديولوجي السائد ضمن هذه العلاقات نفسها، وهي، أي الفلسفة، تحدد موقف وموقع كل فيلسوف في حلبة هذا الصراع.
(3):كالمسلمة اللاهوتية خلق الكون من عدم التي كانت سائدة في المرحلة الأولى من الفلسفة الأوروبية، مرحلة أباء الكنيسة، أو بتعبير أدق المرحلة البطريركية لفلسفة القرون الوسطى
(4) : على حد تعبير اليونانيين.
(5): هيراقليتس 480 ق م ـ 576، أول الفلاسفة الجدليين، ولقد أعجب به وبكتاباته التي لم يصل لنا منها إلا القليل، كل من هيجل ونيتشه وهيدجر
(6): في إشارة إلى الحركة الشارتية الانجليزية والحركة العمالية العالمية نتيجة للازمات الأولى لنمط الإنتاج الرأسمالي
(7): راجع مؤلف ماركس وانجلس الايدولوجيا الألمانية
(8) : راجع مؤلف الدكتور زكرياء إبراهيم، هيجل أو المثالية المطلقة، ففيه تفكيك خلاق لكل المقالات والمؤلفات الهيجلية المهمة
(9): : ويترتب عن ذلك كون مفهوم المادة شأنه شأن مفهوم الشيء، إلا أن الأول أكثر شمولا، بل انه الأعم والشامل
(10) :حدد لينين مفهوم المادة في مؤلفه المادية الجدلية ونقد المذهب التجريبي، بقوله: المادة مقولة فلسفية تفيد في تسمية الواقع الموضوعي المعطى للإنسان في إحساساته...المادة هي ما يفعل في أعضاء حواسنا، فينتج إحساسات، المادة واقع موضوعي معطى لنا في الإحساسات

(11) :لا يجوز الخلط بين المادية الميكانيكية أو الميتافيزيقية والمادية الجدلية، فالمادة من منظور الأولى هي الذرات الثابتة الغير قابلة للتدمير والهدم، أما الثانية فتنطلق من مبدأ بنص على انه لا يجوز اختزال المادة إلى لبنة أخيرة(الذرة) أو تعزى إليها خاصية أبدية كائنة ما كانت. فالمادة ليست ذات خاصية وحيدة يتيمة وإنما خواصها كثيرة ولا محدودة، فأشياء العالم متنوعة، وخواصها كذلك متنوعة.
(12) :يقول انجلس، في الماضي حين لم يكن عند البشر تصور علمي عن الشمس، الكواكب، والنجوم، كانوا يفترضون ان العالم السماوي يتميز جوهريا عن العالم الأرضي. هكذا ولدت فكرة عالمين اثنين، لكن تدريجيا ومع ارتقاء العلم، سقط حجاب السر واتضح ان السماء مادية في جوهرها مثلها مثل العالم الذي نحيا فيه.
(13): لقد سبق أن نوه انجلس بان ظهور اللغة المنطوقة قد خطا بالدماغ البشري خطوة جديدة إلى الأمام
(14) :ولهذا كان ماركس وانجلس يؤكدان أن الوعي كان منذ البدء نتاجا اجتماعيا وسيبقى كذلك ما بقي البشر، ولكون الدماغ البشري نتاجا اجتماعيا ولكون فكر الإنسان أيضا نتاجا اجتماعيا، فليس في مستطاع أي دماغ الكتروني أن يعيد بناء العالم الداخلي للإنسان. فالآلة مهما بلغت درجة ذكائها فهي لا تستطيع أن تنفذ سوى الوظائف ذات الطابع الميكانيكي، وكيفما كانت العمليات التي تنفذها الاواليات السيبرنيطيقية(السبرنيطيقا علم الاواليات القادرة على تسيير دفة أمرها بنفسها) نيابة عن الإنسان، فان هذه الاواليات لن تكون إلا وسيلة يستخدمها الإنسان والمجتمع لحل المعضلات والمشاكل الاقتصادية والعلمية وغيرها، الآلة لا تقوى على التفكير بل تساعد الإنسان على التفكير.
(15):حدد لينين القفزة بأنها أشبه بانعطاف حاسم من النوعية القديمة إلى الجديدة بتغير مباغت في التطور
(16): لقد قال لينين أيضا عن هذا القانون بأنه أساس الجدل وجوهره، وفي الفلسفة العربية الإسلامية نجد أول من أشار (في حدود معينة) إلى هذا القانون باعتباره أساس الحركة، فيلسوف المعتزلة إبراهيم النظام من خلال دراسته للنظرية الذرية لديمقريطيس، لكن أعمال هذا الفيلسوف العقلاني لم تصل إلى الأجيال لكونها أحرقت عمدا(راجع المجلد الأول لمؤلف الدكتور حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية). كما أحرقت جل كتب المعتزلة.



#صبحي_المحملجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة السورية
- نقد الماركوزية


المزيد.....




- مظلوم عبدي لفرانس24: -لسنا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وم ...
- لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا ...
- متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت ...
- التصديق على أحكام عسكرية بحق 62 من أهالي سيناء لمطالبتهم بـ« ...
- تنعي حركة «الاشتراكيين الثوريين» ببالغ الحزن الدكتور يحيى ال ...
- الحزب الشيوعي يرحب بمؤتمر مجلس السلم والتضامن: نطلع لبناء عا ...
- أردوغان: انتهت صلاحية حزب العمال الكردستاني وحان وقت تحييد ا ...
- العدد 584 من جريدة النهج الديمقراطي
- بوتين يعرب عن رأيه بقضية دفن جثمان لينين
- عقار -الجنود السوفييت الخارقين-.. آخر ضحاياه نجم تشلسي


المزيد.....

- نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد / حامد فضل الله
- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني
- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ... / أزيكي عمر
- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - صبحي المحملجي - خطوط عريضة حول الديالكتيك المادي