من -الاسلام المعولم- الى -فرنسا المساجد

مارينا دا سيلفا

الحوار المتمدن-العدد: 273 - 2002 / 10 / 11 - 03:16
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

الخميس 10 أكتوبر 2002 03:22 
 

بعد مرور عام على الاعتداءات التي طاولت برجي "مركز التجارة العالمي " والبنتاغون ما زال مغزى الحدث يثير الجدل ويتسبب في كمية مفجعة من الاصدارات ذات القيمة التقريبية في اغلب الحالات والتي تلجأ الى مساجلات دون المستوى المطلوب. والاسلام هو في صلب النقاش. هل يمثل تهديدا؟ هل يوجد اسلام واحد ام اسلام متعدد؟ هل نشهد صعودا لـ"فاشية جديدة" تكون بمثابة ايديولوجيا تهدد الغرب بعد النازية والشيوعية؟ لو قُدِّر لنا الاختيار لتوقفنا وسط هذا النتاج الهائل امام كتابين لا غنى عن التعرف اليهما.
 الاول بعنوان "الاسلام المعولم " (١) لاوليفيه روا الذي يعتمد فيه منهجا تحليليا في سياق ابحاثه الطويلة التي اكتسبت صدقيتها من منهج المقاربة الحقلية. ويقدّم الكتاب للقارىء بعض المفاتيح لفهم ما لا يطاوله التبسيط الشائع بل يعكس الطبيعة المعقدة للعالم والمجتمعات. اما مبدأ دراسته فبسيط لكن غالبا ما يصار الى نسيانه: "المهم ان المسلمين يقولون ان القرآن يقول. ويدل تنوع اجوبتهم على عدم جدوى البحث عن حقيقة واحدة(...) فاذا ابتغينا الفهم علينا ترك القرآن لعلماء الدين والعودة الى المسلمين والى ممارساتهم العملية".
 يسترجع روا الاطروحة التي كان سبّاقا اليها حول "انحطاط الاسلام السياسي" ويطور هذه الاطروحة ويبرهن كم أساء منتقدوه فهمها او حتى قراءتها. وهو يشدد في صورة خاصة على "تتفيه" الحركات الاسلامية الوطنية وانخراطها في الوقائع المحلية وتخليها عن العنف، وخصوصا في مصر. لكن هذا الاندماج بالغ الكلفة حيث لم تعد هذه الحركات "قادرة على السيطرة على جوهر الاعتراض" حتى في البلدان التي تشكو فيها الدولة من حالة ضعف.
 لكن القسم الاكثر اثارة في الكتاب يتعلق بـ"انتقال الاسلام الى الغرب" والتحولات الخارقة التي نتجت من هذه الهجرة لاسيما لجهة الطبيعة الفردية للتدين الاسلامي وهي ظاهرة عرفتها باقي الاديان. ويتساءل المؤلف في هذا السياق حول امكان بروز إسلام ذي توجه انساني ام ان القراءة الاصولية الجديدة سوف تنتصر، علماً بأن المؤلف يضع ضمن هذه التسمية الشاملة حركات ذات ايديولوجيات متعارضة بقوة. ضمن هذا الاطار يفتح الفصل المخصص لـ"القاعدة" احتمالات مثيرة حيث يوصف هذا التنظيم بأنه "طائفة انتحارية من ادعياء نهاية العالم" وان مناضليه اليوم ابعد من الانتماء الوطني (يحملون غالبا جنسيات من دول الغرب) وحصّلوا دروسا في اختصاصات حديثة. انهم نتاج العولمة التي يدّعون مناهضتها ولا موقع خاصاً لهم في البلدان الاسلامية. يختم روا: "يمكن لاعادة الاسلمة ان تثير مشكلات امنية واجتماعية لكنها لا تمثل تهديدا استراتيجيا ".
 تتأكد هذه الخلاصة في كتاب "فرنسا المساجد " (٢) الذي يقدمه لنا كزافييه ترنيزيان، الصحافي في "لوموند" والمنكب بشغف على دراسة الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا وبنية الاقليات اليهودية والاسلامية والبروتستانتية في البلاد. يصدر هذا الكتاب في اللحظة المناسبة مع وصول اكثرية جديدة الى الحكم في فرنسا لم تجد سياسة افضل من تجميد العمل بالآلية التمثيلية للمسلمين مع ما يتبدى من نزعة لمواصلة التعامل الكولونيالي مع "المسألة الاسلامية ".
 ويسمح هذا الكتاب ذو الاسلوب الرشيق بفهم افضل واحترام اكبر لفرنسا التي اصبحت ايضا مسلمة منذ اصبح فيها الاسلام الديانة الثانية. ليس فرنسا الاعلام بل تلك التي يعيش فيها المسلمون وغالبيتهم من الفرنسيين والذين تطرح امامهم مشكلات الحياة اليومية كما يعيشها مئات الألوف من المؤمنين والاسئلة اللاهوتية والسياسية والتشاركية التي يحاولون الاجابة عنها. نتعرف هنا الى مختلف التيارات المتنافسة داخل الاسلام الفرنسي مثل  "الاخوان المسلمين " و "جماعة التبليغ " في مسجد باريس و"المقربين من الحكومة الجزائرية"، مثلما يقال بخفر داخل الجمعيات الصوفية.
 في هذه الرحلة يحمل المسلمون اسماء ولهم شخصياتهم وهم يعطون الاسلام وجها جديدا في ما يتجاوز الجدل الدائر بينهم وهم من امثال علي رحني في ليل وفؤاد ايماران في سان دوني ويامين مكري في ليون ويوسف معماري في مرسيليا وغيرهم كثر. لا يتسولون شيئا بل يطالبون بصوت عال بحقوقهم كمواطنين فرنسيين. وكما يقول فريد عبد الكريم الذي شغل منصب رئيس اتحاد الشباب المسلم: "قل لهم من انت. اصرخ لهم انك تنتمي الى الجيل الجديد من الفرنسيين. الذين يفكرون. وقل لهم ان عليهم اخذك من الآن وصاعدا في الحسبان". هل نعرف كيف نتحرر من التهويمات الهوليوودية والاصغاء الى ندائهم؟

 

  1
"L Islam mondialisé", Le Seuil, Paris, 2002.
 2
"La France des mosquées", Albin Michel, Paris, 2002.

اللوموند ديبلوماتيك ومفهوم

#مارينا_دا_سيلفا (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات