|
هل الجدل القائم بين المثقفين العراقيين حول القضية الكوردية سوء فهم أم تعصب؟
ميرزا حسن دنايي
الحوار المتمدن-العدد: 1139 - 2005 / 3 / 16 - 09:44
المحور:
القضية الكردية
بعد الانتخابات بفترة وجيزة، وفي الوقت الذي كان المهتمون بالشأن العراقي يترقبون الوضع الجديد، ومتى وكيف سيجتمع البرلمان المنتخب ليتخذ قرارته المصيرية لإنهاء الازمة العراقية.. ومن سيتصدر الحكومة بدأت الكواليس وكأنها رغم كثافة الحركة فيها، متعثرة ومتوقفة، والقوم وكأنهم لن يتفقوا بسرعة. فكان من الطبيعي أن تتجه الانظار إلى ثقوب هذه الكواليس للحصول على اية معلومة تتسرب من هناك، تبرر سبب هذا التأخير. وظهرت تصريحات هنا وهناك من أطراف الائتلاف العراقي الموحد تدعي أن المشكلة ليست فيهم، بل المشكلة في الاكراد، الذين يتمسكون بكركوك، مصرين حل هذه المشكلة، كشرط اساسي قبل الدخول في العملية السياسية القادمة. وما أن تسربت مثل هذه الاخبار، حتى فتحت ابواب الجدل والمناوشات الصحافية بين كتاب ومثقفين عراقيين في المهجر عرف عنهم الاعتدال.. حتى أن البعض ممن كانوا يدافعون عن الكورد قد إستغربوا كيف ان شخصيات ليبرالية عراقية، عرفت بتأييدها للحقوق الكوردية، باتت تتوجه نحو لغة اللوم، متهمة السياسيين الكورد بمحاولة لي الذراع، وآخرون ذهبوا ابعد من هذا ودعوا إلى تسوية كركوك بمنح شرعية للعرب المحتلين أو المهجرين او المهاجرين، ايا كانت تسميتهم. وإلى جانب ذلك، ردت الصحافة الكوردستانية ومعها المثقفون الذين يناصرون القضية الكوردية بكل جزئياتها، على تلك المواقف "الجديدة" لشخصيات وتيارات عراقية والتي تعتبر من وجهة نظر السياسة الكوردية، إنقلاب على مواقف سابقة وتنصلا من الوعود. إن ما جرني للكتابة حول هذا الموضوع، ليس لأن بعض الاحزاب العراقية التي كانت حليفة للكورد وانقلب موقفها بعض الحرب، فاصبحت تصريحاتها مختلفة 180 درجة عن تلك التي كانت قبل سقوط النظام. لأن ذلك ربما يكون قد فاجئنا كشارع كوردي وكمثقفين وصحافة كوردية، ولكنني أظن أن القيادة الكوردية –بتجربتها السياسية الطويلة- لم تكن تجهل أن هذا سيحدث وأن من المتوقع تماما أن تتنصل بعض الاطراف التي كانت في المعارضة عن مواقفها السابقة بعد أن أصبحت في السلطة، بعكس بعض كتابنا الذين صعقوا وهم يرون بعض المواقف العربية-العراقية (الاسلامية منها بالذات) تتبدل، فأخذوا ينشرون مانشيتات عريضة تحمل عناوين ك(حلفاء أمس أصبحوا أعداء اليوم). ولو كانت القيادة الكوردية قد صعقت هي أيضا بذلك التبدل، فهي مصيبة حقيقة، يوجبها إلى إعادة برمجة أفكارها وقراءاتها للواقع والمستقبل. بل إن ما جرني للكتابة هو التفاعل المصعوق أو المفاجئة التي حصلت مرة أخرى لصحافتنا الكوردستانية وهي ترى تبدل مواقف بعض الكتاب الليبراليين حول مستقبل العراق وعلاقته بكوردستان بعد الانتخابات، خاصة وأن هناك من كان من المحسوبين على المناصرين للقضية الكوردية. فأصبحوا بين ليلة وضحاها يتهمون التحالف الكوردي بسياسة الحزم والتشدد في الموقف المتعلق بالعملية السياسية، خاصة بشأن مأساة كركوك. فباتت الصحافة الكوردستانية تنتقد كل من يتقرب من الموضوع ويطرح وجهة النظر الجديدة-القديمة والتي تدعو إلى شرعنة التعريب في كركوك، وشرعنة تنازل كوردي عن اقدس مقدساته، إن صح التعبير. وضمن هذه الحملة وجدنا أن هناك أقلام عراقية مرموقة يراد لها أن تصبح فريسة هذا الخلاف، وتحسب ضمن الطابور الاخر الذي يمنع الكورد من نيل حقوقهم المشروعة.
لهذا يهمني أن اتناول جانبا آخر من هذه الاشكالية، قد تمنح الجميع فرصة إعادة تقييم مواقفهم من بعضهم، خاصة تلك المواقف التي بنيت على أساس سوء الفهم وعدم الاطلاع على تفاصيل الحقيقة. هنا تجدر الاشارة إلى مقالة كتبها الاستاذ الدكتور كاظم حبيب حول هذه الحملة ضد القيادات الكوردية، نشرت في عدد من المواقع، قام فيها الكاتب بتحليل المواقف من الكورد بشكل دقيق وسليم ولا أظنني اضيف إلى ذلك شيئاً. أكثر من أن انبه إلى نقطة في غاية الاهمية، وتتعلق بالمواقف الجديدة لبعض كتابنا الذين يعيشون في المهجر مثل د. لبيب سلطان وكامل السعدون وغيرهما، المعروف عنهم بمساندتهم للحريات والحقوق. لأن هؤلاء، حسب رأيي، لم يدخلوا حلبة النقاش الحاد ضد سياسة القيادة الكوردية الحالية من زاوية التعصب، بل من زاوية مختلفة تماماً قد تبدو غريبة للعراقيين الذين لم يعيشوا في المهجر. فعدد كبير من كتابنا العراقيين في المهجر، شحذت أفكارهم وثقافتهم في أجواء من الديمقراطية والحرية، خاصة ونحن نعيش كأقليات مهاجرة في اوروبا وأمريكا متمتعين بجميع حرياتنا، إلى جانب أن المجتمع الذي نعيش فيه يعاملنا بصورة حضارية راقية تشعرنا بالانتماء لهذا الوطن الجديد. وأغلبنا يعيش في دول مبنية على أساس الفيدرالية. السبب الذي يدعونا إلى مناصرة الافكار التي من شأنها أن تجعل العراق دولة تشابه الدول التي نعيش فيها الان. دولة علمانية ديمقراطية فيدرالية تحافظ على حقوق الانسان وجميع الحقوق، ودولة تكون في خدمة المواطن أينما كان، دون أن يكون هناك اي تمايز قومي أو ديني أو مذهبي. ونحن في المهجر كدنا ننسى أن الشعب العراقي في الداخل مختلف معنا في عقليته وأفكاره. وأنه لم يخض تجاربنا، ويحتاج إلى زمن للتخلص من آثار غسيل الدماغ الذي تعرض له في ظل الانظمة الشوفينية. ويحتاج إلى زمن لكي يفتح عيونه على الدنيا بعد أن خرج من القمقم البعثي. ومن الطبيعي جداً، أن يستغرب هؤلاء المثقفين العراقيين في المهجر من الاصرار الكوردي على ضم كركوك، لأنهم يحلمون أن تكون هناك دولة عراقية يتمتع فيها المواطن العراقي في أي مكان بنفس الحقوق، وهذا يعني أن المواطن الكوردي سواء كان ضمن فيدرالية كوردستان أو خارجها، يتوجب أن يتمتع بكل حقوقه. ونفس الشئ للمواطن العربي والتركماني والكلدواشوري والايزيدي والصابئي واليهودي والشبكي والكاكائي. وكما أننا هنا في المهجر نتمتع بكافة الحقوق من التنقل والسكن من أقصى اوروبا إلى أقصاها دون شرط أو قيد، يرى البعض من كتابنا العراقيين أن "لا ضير من أن يبقى العرب المستوردين في كركوك، ماداموا هناك" وأن "ليس مهماً أن تكون كركوك تابعة لكوردستان أو لا مادام الشعب الكوردي سينال جميع حقوقه". ومن هذا المنطلق، أي من منطلق أن العراق يجب أن يتجه إلى الانفتاح، توجه هؤلاء الكتاب إلى تبني موقف.. "إذن لماذا تقف القيادة الكوردستانية أمام عجلة الزمن وتحاول منع الاتفاق إذا لم يوافقوا على شروطها". وهنا يأتي الجانب الآخر من هذه الاشكالية، وهو قلة المعلومات المتوفرة لدى كتابنا العراقيين في المهجر عن تاريخ النضال الكوردي، فالكثير من الكتاب العراقيين لم يكن يعرف إلى الان سبب الخلافات الكوردية مع الحكومات المركزية، وكان الكثير يفسرون ان المشكلة في صدام حسين والبعث الفاشي، بالتالي كانوا يتصورون أن زوال النظام يعيد بالكورد إلى صفوف "الخراف الوديعة في حضن الحكومة العراقية". لكن الحركة التحررية الكوردستانية، لكل من قرأ تاريخها وتعمق في أسباب الخلاف وأسباب تعثر المفاوضات بين الدولة العراقية والكورد منذ نصف قرن أو أكثر ، يجد أن السبب الوحيد والاوحد كان في اشكالية مدينة كركوك. فالمرحوم مصطفى البارزاني كان يستطيع أن يبقى في العراق عام 1974 لو انه قبل أن يتنازل عن كركوك ورضي بهذه المنطقة التي يسيطر عليها الاكراد اليوم. وقد تعثرت المفاوضات قبل ذلك أكثر من مرة لنفس السبب، وبعد ذلك أيضا، فشلت كل المفاوضات مع النظام العراقي، آخرها عام 1991 بعد الانتفاضة، وأيضا لنفس السبب. وهذا يعني أن الكورد بعد كل هذه السنوات من التضحية لن يستطيعوا أن يتنازلوا بسهولة عن كركوك، ولن يفعلوا. ويعني أيضا انهم لا يسعون إلى لي الذراع وإستغلال الوضع الحرج في العراق لصالحهم، لأن مطالبهم كما قال البروفيسور د. كاظم حبيب، كما هي لم تتبدل. وهنا تظهر لنا فجوة في دور الاعلام الكوردي، وهو ما يتوجب الوقوف عليه. وهو أنه إعلام مقصر في إيصال حقيقة القضية الكوردية وشرعيتها إلى القلب العراقي بالشكل المطلوب. ولو كان الاعلام الكوردي قد قام بواجبه هذا، لما صادفتنا اليوم أقلام عراقية حرة ومرموقة، تفسر مطالب الكورد القديمة والثابتة منذ نصف قرن، على انها اليوم مطالب انتهازية تستغل ظروف وضعف البلد. وهذا يعني أيضا أن الاقلام والصحافة الكوردية ملزمة أن لا تنظر برؤية "رد فعل" لكل من يكتب مخالفا لها، قبل أن تعرف أسباب تلك الكتابة وخلفيات الكاتب. فنحن لا نريد أن نحرق أصدقاءنا وأصدقاء الحرية مع أؤلاءك المتعصبين الذين كانوا دوما ولايزالوا حتى ضد فكرة "الحكم الذاتي في كوردستان" بحجة الوحدة الوطنية. إلى جانب هذا، يتوجب علينا أيضا، كعراقيي المهجر، أن لا نحلل الواقع العراقي بعيون أوروبية. فنحن نعلم أن العراق يحتاج إلى سنين طويلة حتى يصل إلى المستوى الذي نتمناه ونتلمسه هنا في اوروبا. ومن الصعب أن نطبق ما يجوز للانسان الاوروبي المتحرر على الشعب العراقي بين ليلة وضحاها، بل أن واجبنا هو محاولة إيصال نفسية وعقلية الانسان العراقي إلى بر الامان أولاً لكي تتكون شخصية قوية ناضجة بعيدة عن الحرب والحقد والتقوقع وآثارها.
#ميرزا_حسن_دنايي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل كان اغتيال الحريري المسمار الاخير في النعش السوري؟
-
على هامش الانتخابات والتصويت: تساؤلات وحيرة في الوقت الضائع
-
قراءة في أحداث الموصل: هكذا تحولت مدينة السلام إلى مدينة الر
...
-
الحلقة الناقصة في الديمقراطية العراقية: أحزاب لم تناقش منهاج
...
-
مذكرة من أجل تثبيت حقوق الاقلية الدينية للكورد الايزيديين وح
...
-
مراحل التحول السايكوسوسيولوجي وتأثيرها في مستقبل العراق
المزيد.....
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
-
كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا
...
-
أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه
...
-
أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
-
-وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس
...
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|