|
إلى أين يسير المغرب؟
جون دوفال
الحوار المتمدن-العدد: 1139 - 2005 / 3 / 16 - 09:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
بيان الدفاع عن الماركسية
لا تأتي الثورات عادة نتيجة لغياب الإصلاحات، بل نتيجة لإحباط أمال الجماهير في الإصلاحات التي وعد النظام القيام بها.
جان جوريس : تاريخ اشتراكي للثورة الفرنسية ( 1904- 1901 )
عندما توفي المالك الحسن الثاني نهاية القرن الماضي، تركزت جميع التطلعات إلى إجراء تغيير في شخص ابنه محمد السادس. و لقد باشر هذا الأخير الملقب " بملك الفقراء" برنامجا للإصلاحات، و بدأ يظهر و كأنه مستعد لإنزال الهزيمة بالعناصر المحافظة في الدولة، و القطع مع ميراث أبيه.
في هذا السياق سمح للمنفيين السياسيين، من أمثال ابرهام السرفاتي و أسرة بن بركة بالعودة إلى الوطن، و أسس لجنة لتعويض عائلات النشطاء السياسيين الذين اختفوا طيلة سنوات القمع أثناء حكم أبيه، و أقيل وزير الداخلية المكروه إدريس البصري ، بل عمل الملك الشاب أيضا على زيارة منطقة الريف التي ظلت دائما مهمشة من طرف أبيه .
لقد ارتفعت شعبية هذا الملك الشاب و الحداثي على ما يبدو ،و الذي صرح بأنه سوف يطور بلده و سيفرض سيادة القانون ويقود بلده بنجاح إلى القرن 21 ،فارتفعت الآمال عاليا، عاليا جدا لدى الشعب الكادح،لدى الجماهير المسحوقة و الأمية في المدن و القرى . هنا يجب أن لا ننسى أن ثلاثة أرباع المغاربة لم يعرفوا في حياتهم سوى ملك واحد طيلة 35 سنة !
إن نجاح الانتقال إلى نظام ديمقراطي شاب صار يبدو ممكن. و بدأ المثقفون يحلمون بانتقال على الطريقة الاسبانية مشابه لذلك الذي حدث بعد انتهاء ديكتاتورية فرانكو ، لكن محمد السادس عمل بالرغم من كل شيء على الإسراع برسم حدود الإصلاحات الممكنة . فخلال خطابه الثاني للأمة سنة 1999 أكد انه سوف يستمر في ممارسة سلطاته الدستورية، أي نفس السلطات التي كانت عند أبيه. انه لم يدع أي مجال للبس فيما يتعلق بهذه المسالة.
ملكية دكتاتورية
ما هي طبيعة النظام الذي ورثه محمد السادس؟. إن نظام المغرب يهوى أن يوصف بكونه نظام ملكية دستورية، لكن سوف يكون من الأصح بدل الحديث عن ملك دستوري، الحديث عن دستور ملكي. انه نظام تتركز فيه جميع السلطات بقوة في يد الملك و المستشارين و موظفي القصر الملكي معا إلى جانب الاوليغارشية السياسية و الاقتصادية المرتبطة بعلاقات عائلية مع الأسرة العلوية الحاكمة. أما دور الحكومة فهو هامشي من الناحية السياسية.
إن جميع القرارات الهامة يتخذها الملك ، كما انه يحتفظ أيضا بسيطرة مباشرة على ما يسمى بوزارات السيادة أي الدفاع والعدل و الشؤون الدينية و طبعا الداخلية. بصراحة انه يشبه نظام ديكتاتورية عسكرية و بوليسية برداء ملكي.
في المغرب هناك اسم خاص يطلق على هذا النظام: انه المخزن. و يعني لغة المكان الذي تخزن فيه السلع. و باستعمال المجاز صار يطلق على بيت المال رمز قوة الخلفاء في الماضي، أي هؤلاء الحكام القروسطيين الذين أجبروا بالقوة مختلف القبائل على أداء الضرائب . و لقد صار هدا النظام أكثر تطورا في ظل الاستعمار ، و بعد استقلال 1956 استمرت في البقاء أهم مميزات المخزن و صارت أكثر تكيفا جزئيا بفضل المساعدة التي تلقاها من طرف جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد. لقد ظل الشكل الخارجي للدولة و كذلك عاداتها إقطاعية إلى حد بعيد و مؤسسة على الخضوع العبودي و التبعية اللامشروطة للملك . لكن دعونا لا نترك أي مجال للشك هنا، فهذه الدولة موجهة للدفاع المستميت عن المصالح الرأسمالية للقصر( يحتكر الملك 60% من أسهم بورصة الدار البيضاء) و لامتيازات البرجوازية المحلية و مصالحها الاستعمارية في المنطقة ( استعمار الصحراء الغربية ،الدعم العسكري للنظام المتعفن في موريطانيا في صراعه ضد حركات القوميين و الإسلاميين، العلاقات الجيدة مع إسرائيل ) .
قد يسارع البعض إلى الاعتراض قائلا : لكن المغرب يمتلك برلمانا بل أيضا غرفة ثانية ( مجلس المستشارين ) !. ليس هنالك أي تناقض بين كون النظام القائم في المغرب نظاما ملكيا دكتاتوريا، و بين وجود البرلمان و مجلس المستشارين بل و حتى وجود الانتخابات. فالنظام الدكتاتوري و لكي نكون أكثر دقة نقول: النظام البونابارتي البرجوازي، قادر على التعايش مع النظام البرلماني .
ألم يكن الحال هكذا في ظل حكم سوهارتو في اندونيسيا، بل و حتى بينوشي في الشيلي ؟، فالبرلمانات و كذلك ما يسمى بالتعددية الحزبية هي عناصر قادرة على التقوية و ليس على إضعاف الحكم الملكي الممركز،.إنها جزء من لعبة التوازنات التي يقوم بها الملك بين مختلف القوى داخل و خارج جهاز الدولة . إن المخزن و عبر ادعائه بأنه ممثل الأمة إنما يهدف إلى وضع نفسه فوق المجتمع، و يخدم مصالحه الخاصة. ليس هناك من نظام قادر، بغض النظر عن قوته و طبيعته الديكتاتورية، على الاستمرار عبر استخدام السيف فقط ، إذ سرعان ما سوف يتعب، لذا فانه يحتاج بشكل منتظم لإيجاد بعض نقاط الارتكاز الجديدة داخل المجتمع ليتمكن من إطالة احتمالات حياته.
يتميز التاريخ السياسي للمغرب منذ الاستقلال بالحركة الدائمة التي قامت بها الملكية بين مختلف أجنحة الدولة، و الأحزاب و مكونات البرجوازية الوطنية الاستقلالية ( نسبة إلى حزب الاستقلال.م.). و لم تحقق الملكية النصر في هذا الصراع سوى باعتمادها على الجيش. و لكي يوازن القوى المتصاعدة للقوات المسلحة الملكية (الجيش المغربي) التي صارت العمود الفقري للدولة خلال بدايات سنوات الستينيات، ارتكز الحسن الثاني على مختلف احزاب اليمين .
إن القمع الهمجي و إعلان حالة الطوارئ و تنظيم بعض الاستفتاءات و الإصلاحات الدستورية و كذا الانتخابات المتحكم فيها جيدا، و إنشاء احزاب تحت وصاية الملك، بل حتى تقديم الوعود ( بالدمقرطة) كل هذا ساعد الملك على الإفلات من محاولات الانقلاب العسكري لإسقاطه، و كذلك محاولات اليسار (.1971.1972.1963)، و بعض تحركات الأغوار (guerillas) 1973 . لقد قدمت الحرب في الصحراء الغربية عاملا مهما في تقوية الشوفينية و الإجماع المفروض بالقوة مما ساعد الحسن الثاني على تحويل انتباه الجماهير ( المسيرة الخضراء 1975) . كما تمكن أيضا من إشغال الجيش ،و إبعاده عن العاصمة، و في سياق نفس اللعبة السياسية يأتي اغتيال قائد اليسار الإصلاحي المهدي بن مبركة، على يد المخابرات في فرنسا سنة 1965 و كذا العضو القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي( ا ش ق ش ) على يد مجموعة أصولية تدعى الشبيبة الإسلامية .
لقد كان اعتماد الحسن الثاني الأساسي على دعم الفلاح، باعتباره " مدافعا عن العرش". فالبادية بمؤسساتها الإدارية و بنى السلطة التقليدية فيها، لم تتخلى عنه طيلة سنوات حكمه. لقد عمل دائما على مواجهة تمردات المدينة بالبادية ، لكن هدا الأساس الاجتماعي الذي يعتبر نقطة الارتكاز الكلاسيكية لجميع الحكام البونبارتيين، سوف يتعرض إما آجلا أم عاجلا للتفكك. اد نتيجة الهجرة القروية نحو المدن بسبب نقص الإنتاج الزراعي و اللاستقرار المناخي ( طول سنوات الجفاف ) و الفقر المعمم، صار سكان المدن يفوقون في عددهم سكان البوادي حسب إحصاء 1994 .
إن جزء من الأسباب الكامنة وراء طول مدة حكم الحسن الثاني، كان غالى عهد قريب هو غلبة الطابع البدوي على المغرب. لكن الاقتصار على هذه الخلاصة سوف يجعلنا نسقط في النظرة الأحادية، حيث أن الطبيعة الإصلاحية لأحزاب اليسار ( ا ش ق ش . ح ت ا الحزب الشيوعي ) و كذلك الأخطاء الماوية اليسارية المتطرفة لمنظمتي إلى الأمام و 23 مارس و جناحهما الطلابي كان لها دور محدد في استمرار حكم الحسن الثاني.
اقتصاد ضعيف و تبعي
لا يمثل الاقتصاد المغربي سوى 0.41 % من الناتج الخام للاتحاد الأوربي، و 0.147 % من الناتج العالمي، لكنه يمثل 10.5 % من الناتج لمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء. و في المنطقة المغاربية يمثل 3/1 من اقتصادها، اقل من الجزائر لكن أكثر من تونس. و لم يعرف البلد أي إصلاح زراعي : حيث عملت البرجوازية القروية على الاستحواذ على أراضي المعمرين القدامى . ( 0.7 % من المزارع تمثل 15.4% من الأراضي الصالحة للزراعة ) و لم يتجاوز الري مساحة المليون هكتار و هو مقتصر فقط على تلك المزارع المخصصة للزراعات التصديرية . إن التخلف التقني مهول . إذ لا يوجد سوى تقني واحد ل 3000 هكتار . بينما في الولايات المتحدة هنالك مهندس زراعي لكل 100 هكتار. و يعتبر المستوى المتدني للإنتاج الزراعي معرقلا للتطور الصناعي في المغرب ، النشاط الصناعي مركز على الثروة المنجمية ( خاصة الفوسفاط) . حيث تختزن الأرض ثلاث أرباع الاحتياطي العالمي من الفوسفات، و يعتبر المغرب ثاني اكبر مصدر لهذه المادة الخام. و تشكل صناعة النسيج و الملابس الجاهزة و الصناعات الغذائية و المنتجات الكيماوية مجمل الصادرات. ويساهم الصيد البحري و السياحة بدورهما في المداخيل .
إن النمو الاقتصادي بطيء جدا ففي سنوات 1980 كان تقريبا منعدما، بينما صارت خلال العقد الموالي نسبة النمو تعادل 0.1% . و قد قضي على هذا النمو الاقتصادي الضعيف بفعل الزيادة الديموغرافية .
و بالرغم من التنويه" بالمرتكزات الجيدة " من طرف جميع مؤسسات الرأسمال الدولية ،فان الاقتصاد يعيش ركودا كبيرا . إن الاقتصاد الأسود يعرف تطورا متصاعدا، إذ أن مداخيل إنتاج و تهريب المخدرات في المناطق الشمالية للريف تمثل 4/1 إلى 3/1 من الإنتاج الداخلي الخام ! ، كما أن الاقتصاد الغير المهيكل يساوي 3/1 من الاقتصاد المهيكل ، و لا يجب أن ننسى في هذا السياق مداخيل التهريب من الثغور الاسبانية سبتة و مليلية و التي تشكل الثلث الآخر من الاقتصاد.
يصل الدين إلى حوالي 100% من PIB. إن هذا المبلغ يعتبر اقل من مثيله لدى اليابان و ايطاليا لكن لديه نتائج أكثر تدميرا على القدرة على الاستثمار. و عموما فان الاستثمار العمومي و كذلك الاستثمار الخاص منخفض جدا، مما يدل على الطبيعة الطفيلية و الخاملة المميزة للبرجوازية المحلية. و لقد صرحت إحدى الصحف مؤخرا أن الصناعيين المغاربة يفضلون أن تاخذ الشركات المتعددة الجنسيات القطاعات الصناعية ( صناعة التبغ مثلا) على أن يقوموا بتحديث آلاتها.
إن الهيمنة الامبريالية مطلقة. و ليست المصالح الفرنسية وحدها هي المتغلغلة في الاقتصاد، لكن أيضا الرأسمال البرتغالي و الاسباني و العربي و الأمريكي، ينيخ بثقله على الاقتصاد. وتسيطر الشركات المتعددة الجنسيات الأجنبية ( نصف هذه الشركات فرنسية) على أكثر من 50% من أسهم 750 أهم شركة من أصل 1200، و تمثل 35% من الإنتاج الصناعي . إن المملكة العلوية ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لفرنسا ، إذ تمتلك باريس 400 شركة ناشطة داخل المملكة كما تعتبر أيضا الشريك التجاري الأكبر و اكبر دائن للمملكة.
الربيع المغربي
لم يكن من المصادفة أن عرفت سنوات أواخر الثمانينات وبداية التسعينات , تكاثر الخطابات حول الإصلاح والديموقراطية بمبادرة من الدوائر العليا , ليس في المغرب فحسب , بل في كل المنطقة المغاربية ( الجزائر تونس ) . إذ انه بعد الانتفاضات الجماهيرية في سنوات الثمانينات , والتي جاءت متزامنة صارت الاوليغارشية الحاكمة في المنطقة المغاربية مقتنعة بأنه من الضروري إدخال بعض التغيرات على طريقة الحكم , إذا ما أرادت الحفاظ على وجودها .
فمن الإضراب العام , لسنة 1981 والذي تحول إلى انتفاضة جماهيرية ضد الاستغلال والقهر في أهم مدينة عمالية في المغرب ( البيضاء ) , إلى انتفاضة 1984 التي جاءت هي أيضا بعد إضراب عام إلى انتفاضة 1984 في تونس ثم الجزائر في 1988 , بدأت الأنظمة الديكتاتورية هناك تؤمن بالحكمة القديمة التي تقول : ’’ إصلاح متحكم فيه يأتي من فوق , خير من ثورة جذرية من تحت ’’
في هذا السياق , ركب زين العابدين بن علي في تونس على موجة المطالبات الشعبية بالديموقراطية , أنجز انقلابه " الأبيض " 07/11/1987 , أما في الجزائر أدى هذا إلي مسالة نضام الحزب الوحيد ... برلمانية ’’ مع إطلاق الوعود "بالديموقراطية ".
وقد عرف المغرب بدوره هذا المسلسل في ظل نظام ولد الملك الحالي . حيث انه حتى الحسن , منظم حملات القمع الأسود خلال سنوات السبعينات والثمانينات ( التي يطلق عليها اسم " سنوات الرصاص " ) ’’ حيث سحقت موجة كبيرة من القمع جميع أشكال الاحتجاج . والذي عصره ’’ الاعتقالات المكثفة ضد نشطاء اليسار والمحاكمات الصورية والاعدامات بدون محاكمات والتعذيب في المعتقلات " السرية " , المنتشرة في كل ربوع الوطن ( درب مولاي الشريف , الكوربيس ... ) وعرف ابشع السجون في التاريخ الحديث ( تازمامارت , ومعتقل قلعة مكونة , اكدز ... ) حتى هذا الملك : الذي ’’ أعطى الدليل انه لا يخشى دخول التاريخ باعتباره الملك الأكثر دموية في تاريخ المغرب ’’ 2 صار يتحدث بدوره عن " الإصلاح والديموقراطية : !
إن ادعاء الحسن الثاني كونه سليل النبي محمد و إطلاق صفة أمير المؤمنين على نفسه، لم تنجه من هجوم الأصوليين. إن هؤلاء بدؤوا يظهرون خلال بدايات سنوات 1990 أثناء الاحتجاجات ضد حرب العراق الأولى . ولقد كان ارتفاع نشاط الإسلاميين في مختلف الجامعات في فاس و البيضاء سنة 1994، مؤشرا على نمو هذه الحركات. إن هذا العامل إلى جانب عوامل أخرى اقنع الحسن الثاني بضرورة إطلاق ما اسمي فيما بعد " بالتناوب السياسي"، أي تغيير الحراس السياسيين ليصير الحزب الاشتراكي.ا ش ق ش لأول مرة عضوا في الحكومة بل قائدا لها بفضل وزيره الأول اليوسفي. لقد رفض هذا الأخير سنة 1993 الدخول إلى الحكومة، لكن سنة 1998 عرفت صعود عبد الرحمان اليوسفي قائد الحزب، إلى منصب الوزير الأول. بينما حزب التقدم و الاشتراكية الصغير ( المدعو حزب شيوعي) كان قد شارك في السابق في مناصب حكومية. و بانحطاطهم الذي تجاوز المعقول صاروا ملكيين أكثر من الملك! ، أن الحسن الثاني قد عرف دائما كيف يستعمل الخصوم و المعارضين.
لقد وصف احد نشطاء الاتحاد الاشتراكي دور هؤلاء الخصوم قائلا: « أن ضمان استمرار سيادة الأسرة الحاكمة ،يتم عبر إدماج بعض معارضي الملك ... إن المعارض مثله مثل الوقود. ولكي تتمكن من الحركة يجب أن تستهلك كمية كبيرة منه ، وإذا كنت تريد القيام برحلة طويلة تأكد من انه لديك معارضين، ابحث عنهم و أنتجهم بل أستوردهم » ( لوجورنال 7 – 13 فبراير 2004) . و هذا ما حدث مع أشخاص كالسرفاتي الماوي السابق، الذي يعتبر صاحب أطول فترة اعتقال سياسي في إفريقيا، بعد نيلسون مانديلا. و الذي أصبح مستشارا للملك الشاب في شؤون النفط. كما يمكن أن نذكر العديد منهم. إن إدماجهم يأتي نتيجة رغبتهم في تحقيق إصلاحات " من الداخل" لينتهوا كغطاء يساري للنظام.
في الواقع يحتاج النظام أحيانا للارتكاز على قدمه اليسرى، بعد تعبه من الارتكاز طويلا على قدمه اليمنى! و هذا أصبح ضرورة خاصة عندما بدأت الطبقة العاملة و الكادحون في المدن في تحدي النظام القائم. لقد تحول مؤشر الخطر إلى اللون البرتقالي بل الأحمر. ففي شهر دجنبر 1990 دعت النقابات العمالية إلى إضراب عام سرعان ما تحول إلى انتفاضات شعبية في فاس و القنيطرة و طنجة و مدن أخرى، شهورا قليلة بعدها خرج مئات الآلاف من المتظاهرين في الشوارع احتجاجا ضد حرب الخليج الأولى و ضد دعم الأنظمة العربية للامبريالية الأمريكية ،هنا بدأ الحسن الثاني يحضر من اجل التغيير الذي كان في الواقع بحثا عن شرعية جديدة تآكلت بفعل تعاقب التحديات.
البحث عن شرعية جديدة
يعكس تشجيع الملك و تمويله " للمجتمع المدني" خلال سنوات التسعينات سعيه للبحث عن تلك الشرعية. و يعتبر الصعود السريع لما يسمى " monde associatif" الذي جاء مباشرة بعد خطاب للملك مسالة ذات دلالة هامة، إذ تم تسجيل 30000 " جمعية " جديدة ، و قد حدد لها لعب دور واق الصدمات بين الدولة و الجماهير، ليتم خداع الشباب المثالي ( Idéaliste) الطامح إلى" تغيير العالم "، و اصطياده و دفعه إلى تأسيس " الجمعيات "، و لقد شكلت هذه الجمعيات المدعوة خطا غير حكومية مصدرا للربح المضمون لبعض نشطاء اليسار السبعيني السابقين. إن ثلاث أرباع تلك الجمعيات كانت لديها مهام احسانية . بينما تخصص الربع الأخير منها في حقوق الإنسان و النساء و العمال و أيضا الحقوق الثقافية لكن يتصور إصلاحي، و ليس على أساس تصور طبقي هدفه إسقاط الديكتاتورية الملكية.
جاءت حكومة ا ش ق ش نتيجة لمرحلة " التناوب" الذي بدأ خلال السنوات الأخيرة لحكم الحسن الثاني( 1998) إلى السنة الأولى لحكم محمد السادس ( 1999- 2003) . و لقد فقد ا ش ق ش اليوم منصب الوزير الأول لكنه لا زال يشكل جزءا من الحكومة، إلى جانب حزب الاستقلال إضافة إلى وزراء يمينيين و آخرين "لا منتمين". لقد أضعفت تجربة المشاركة في الحكومة الحزب بشكل كبير. إن هذه النتيجة كانت حتمية و مخطط لها في الإستراتيجية الملكية لكنها من جهة أخرى خلقت العديد من الصعوبات في وجه بقائها .إذ خلال السنوات التي كان فيها اليوسفي يقود الحكومة واجه الحزب عدة انشقاقات، حيث انشق الجناح النقابي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ( ك د ش) عن الحزب، ليتبع جناح الشبيبة و اليسار.
لم يسمح لهم خلال الانتخابات الأولى التي خاضوها سوى بنتيجة 1 % . و في الواقع بقيت الانتخابات متحكم فيها من طرف وزارة الداخلية. كما آن جميع الأحزاب المسموح لها بتقديم مرشحيها عليها أولا أن تتفاوض حول نتيجتها الانتخابية مع هذه الوزارة القوية ،و تدخل الرشوة في اللعبة .إن للأصوات الانتخابية في الواقع ثمنها و يتم شراؤها من طرف المرشحين.
الإصلاح
لم يؤد التحالف بين العرش و الاشتراكيين إلى النتائج التي تمنتها الجماهير و انتظرتها. فشروط عيش المواطن العادي لم تتغير، الأمية و البطالة لا يزالان وباءا اجتماعيا كما كانا في الماضي. فأكثر من 55% من المغاربة لا يعرفون القراءة والكتابة، و تعتبر معاناة النساء من الأمية اشد قوة بمعدل74%. 82% منهن قرويات. إنها أرقام مرعبة حتى بالمقاييس الإفريقية، إنها نتاج لسياسات تعليمية دامت 50 سنة، هدفها الأساسي ترك سكان البادية غارقين في الجهل، إذ انه من السهل دائما إخضاع الجاهل. أليس كذلك؟
كما أن الاستغلال و التفاوت الطبقي لم يختفيا خلال هذه المرحلة، و معاناة مليون من الخدم المشتغلين في البيوت- اغلبهم نساء- لم يتغير. و يقال أن معدل الاستغلال يفوق مثيله في العهد الفيكتوري. لقد عوضت تلك" الخادمات الصغيرات" العبيد الذين تم الاستغناء عنهم خلال بدايات القرن العشرين. و يتم جلبهن من الملاجئ أو يدفعون للاشتغال لدى اسر الطبقة الوسطى و البرجوازيين، من طرف آبائهم المعوزين، إن عبيد البيوت هؤلاء يتراوح سنهم بين 5 و 15 سنة، ربعهم يقل عمرهم عن 10 سنوات ، ثلثهم يبلغون 13 سنة من العمر، كل حياتهم وعملهم مخصص لخدمة الأغنياء، على 72% منهم النهوض كل صباح على الساعة 7 و يذهب 65% منهم إلى النوم بعد 11 ليلا، وليس من حقهم التمتع بيوم عطلة. يتلقون " أجرا " شهريا قدره 300 درهم. إن الطفولة المغتصبة ضرورة لتسهيل عيش الأغنياء.
يبلغ عدد العاطلين في المدن الكبرى ثلث السكان، و الوضعية أكثر سوءا بين الشباب خاصة المتمدرسين منهم.إذ في المغرب كلما ارتفع المستوى الدراسي اكبر كلما ارتفعت صعوبات الحصول على عمل.هل يمكن إن نتخيل إدانة للنظام الاجتماعي و السياسي القائم، اكبر من كون ربع مليون حامل لشواهد عليا يعانون البطالة ؟
هناك ما هو أسوا من هذا : إن مأساة الهجرة المكثفة التي يقوم بها الشباب اليائس في محاولة لعبور مضيق جبل طارق،.حيث لا يجد الشباب أي أفق في البقاء في المغرب،.يحاولون العمل في اروبا خاصة اسبانيا و فرنسا. يشكل المضيق بالنسبة لهم نفس ما يشكله الريوغراندي Rio grande بالنسبة للمكسيكيين الفقراء ،الذين يرغبون في الهجرة إلى الولايات المتحدة. إنها هجرة مميتة.إذ يقدر عدد الذين ماتوا أثناء محاولة عبور 17 كلمتر من البحر منذ 1998 ب 10000 إنسان. هذا إضافة إلى نوع آخر من الهجرة ناذرا ما يتم الإشارة إليه : إنها هجرة الفتيات الشابات نحو بلدان الخليج " كمربيات"، و " متخصصات في التجميل" ،بينما الدعارة هي تخصصهن الحقيقي.
الإصلاح المضاد
خلال سنة 2000 و بعد سنة واحدة فقط من وصول الملك الجديد إلى السلطة، توقفت حركة الإصلاحات الملكية . فالاستمرارية هيمنة على جميع أوجه الحياة السياسية، .بل حدث ما هو أسوء : حيث تم إغلاق ثلاث صحف فضحت مشاركة قادة اشتراكيين في محاولة الانقلاب 1972 ضد الحسن الثاني.إن حرية الصحافة تم المساس بها بشكل ملحوظ لا يعكس تضاعف عدد الصحف اليومية و المجلات سوى كثرة مناورات النظام السياسية و ليس وجود حرية تعبير حقيقية. و لا يزال في السجن نشطاء إسلاميون، إضافة عن مدافعين عن حقوق الإنسان. ، أما إصلاح قانون الأسرة فقد تم تأجيله و منع الامازيغ من حقهم في تشكيل حزب،.من الواضح أن النظام قد أحس بالرعب من نتائج الإصلاحات التي بادر إليها، و من تم بدا يحاول الرجوع إلى الوراء. ،لقد كان هذا دائما قدر الإصلاحات الذاتية من فوق، التي تقوم بها الأنظمة الاتوقراطية منذ الإمبراطورية الصينية.
إن حركات الإصلاح هذه كانت دائما خطيرة على الأنظمة التي تقوم بها.فالشعب يعمل على اخذ هذه الحريات الجديدة الممنوحة مأخذ الجد، و يريد أن يستفيد منها إلى أقصى الحدود، بينما يؤدي هذه إلى إخافة قسم من الاوليغارشية التي تحاول دفع الحركة في الاتجاه المضاد. إذ تعتبر أن هذه الإصلاحات سوف تفتح صندوق باندورا المليء بالاحباطات الاجتماعية و السياسية بين الجماهير، .مما قد يؤدي إلى مساءلة النظام نفسه. هذا في حين يعتبر القسم الأخر الذي يؤيد الإصلاحات انه بدون" إصلاح ديمقراطي"، سوف يواجه النظام انفجارا اجتماعيا قد يؤدي إلى زعزعة أسس سلطتهم. و كلا القسمين يمتلك جزءا من الحقيقة في الواقع. لكن مهما كان الاختيار فإنهم سوف يواجهون ثورة الجماهير إن عاجلا أو آجلا. إن الإصلاحات سوف تؤدي إلى إصلاحات مضادة،. و فترات " الانفتاح" لا تحضر سوى لفترات قطيعة في مسار الانتقال " الديمقراطي" ،إن النقابي رشيد الشريعي الذي أطلق سراحه مؤخرا، يمتلك فهما صحيحا للمعنى الحقيقي للإصلاحات في المغرب، و حدودها. فلقد صرح بعد إطلاق سراحه قائلا: « بوصول " الجديد" إلى السلطة ،ورث في الواقع جميع تناقضات النظام" القديم" : تقادم الوسائل الكلاسيكية للدكتاتورية، مقابل عجزه " البنيوي" عن القيام بإصلاحات سياسية، .إن جميع محاولات التي اتخذت خلال العشر سنوات الأخيرة ،ليس لها في الواقع سوى سببين : فمن جهة إصلاح آليات الهيمنة بهدف إعطاء نفسه شرعية ديمقراطية. ، و من جهة أخرى تقوية الاستبداد عبر سده للثغرات التي يمكنها أن تفتح الطريق نحو انفتاح سياسي حقيقي.هكذا يجب عليك أن تفهم توقيفنا و اعتقالنا ( صحفيين نشطاء يساريين و إسلاميين) و كذلك إطلاق سراحنا اليوم» ( في rouge 30 مارس 2004).
مع بداية الألفية الجديدة يتساءل العديد من الناس : هل المغرب يتحول حقا؟
أليس" الانتقال الديمقراطي" اقصر طريق بين ديكتاتورية واضحة ،و بين دكتاتورية أكثر دهاء و خداعا.إن مسالة كون 85% من المغاربة قد صاروا غير مبالين تجاه السياسة الوطنية ليست مفاجأة في هذا السياق( المصدر مغرب2020). فالانتخابات النيابية و المحلية لم تنر في المواطن العادي أي حماس،.« فمن الاشتراكيين الى القوميين من اليسار إلى اليمين، جميع الأحزاب " العلمانية " مرفوضة من طرف المغاربة.بينما القصر بكل بهائه و غموضه لم يكن في أي وقت من الأوقات أكثر بعدا مما هو عليه اليوم،." فملك الفقراء "و " جيل الانترنيت" ( مصطلح استعمل لوصف مستشاري الملك الشباب ) : ليست سوى شعارات فارغة أنتجتها عقول مشعوذين لا تثير سوى اللامبالاة أو ابتسامات الاحتقار» ( لوموند ديبلوماتيك. يوليوز 2003) .أن التفكك السياسي تسارع ،.آذ شارك في الانتخابات الأخيرة اقل من 35 حزب .إن هدا من جهة يعكس طبعا رغبة النظام في إغراق أي منافس محتمل في بحر من الأحزاب ومن جهة اهرى تعكس تفككا متزايدا للشخصيات السياسية المرتبطة بالنظام.
التحدي الإسلامي ؟
من السهل تفسير أسباب جاذبية الإسلاميين التابعين لحزب العدالة و التنمية في صفوف الشباب ،.إذ يعيشون في أكواخ في ضواحي الدار البيضاء، ( نصف عدد سكان البيضاء يعيشون في الضواحي) أو طنجة( حيث يحيط بالمدينة حوالي 500000 رجل و امرأة و طفل) وقد التفت هذه الشرائح الفقيرة بشكل" مكثف" حول الحزب. لكن شعبية حزب العدالة و التنمية ليست راجعة إلى صحوة إسلامية ما. ،إذ أن صورة حزب جديد نظيف مضطهد هي التي قوت الثقة التي اكتسبها بفضل شبكة جمعياته الخيرية ،. و كما هو الحال في تركيا فان حزب العدالة و التنمية فاز بأغلبية ساحقة.و يرى العديد من الناس في حزب العدالة و التنمية المعارضة الوحيدة الموجودة.إن التحرك الجماهيري ضد إصلاح قانون الأسرة في بداية سنة 2000 مكنتهم من استعراض قوتهم لأول مرة .... إن حزب العدالة و التنمية يبدو و كأنه حزب متمرد على السلطة، لكنه على العكس من ذلك إذ أن العلاقات بين قيادته و بين مصالح المخابرات ووزارة الداخلية كانت وطيدة مند زمن بعيد .
إن وزير داخلية الحسن الثاني إدريس البصري، هو من أعطى لحزب العدالة و التنمية عشرة مقاعد في الانتخابات البرلمانية لسنة 1997 ،.أما في انتخابات شتنبر 2002 فقد قبل الحزب أن لا يرشح سوى 52 ترشيحا . ،42 منهم تمكنوا من الفوز . و طيلة الحرب الامبريالية ضد العراق وافق الحزب على الانضباط " لنصيحة " النظام بان لا يقود تحركات جماهيرية ضد هذه المغامرة الاستعمارية ،.و الآن وافقوا على تغيير قيادة الحزب و قوانينه لإرضاء النظام.إن حزب العدالة و التنمية حزب رجعي يدعم الرأسمالية و يكذب على القواعد التي تؤيده. لقد توقع احد المحللين خلال بداية السنة« إن الحزب و هو يقدم التنازل تلو التنازل سوف يواجه أزمة هوية يمكنها أن تحول الحزب سريعا إلى حزب يميني عادي، مثله مثل الأحزاب الأخرى». إن الدين بالنسبة للجماهير المسحوقة يشكل ما وصفه ماركس بكونه « قلب عالم بلا قلب»، .إن عاجلا أو آجلا سوف ينفضح هدا الحزب باعتباره حزبا يستغل الرغبة القوية لدى الجماهير في تحقيق العدالة. ، و نفس الشيء سوف يحدث بالنسبة لجماعة العدل و الإحسان بقيادة الشيخ ياسين،. و هنا اتجاه آخر بين الحركات الإسلامية المغربية طالما استهين بقوته: انه التيار الوهابي الراديكالي السعودي الذي ينشط بقوة في صفوف الشباب،. و المسؤول عن التجنيد لصالح شبكة القاعدة لأسامة بن لادن.
لقد دمرت انفجارات 16 ماي بالدار البيضاء ثقة النظام،.إذ عمل 13 شابا أصوليا قادما من الأحياء الفقيرة المحيطة بالمدينة على استهداف خمسة مواقع، مما أسفر على قتل 43 شخص و جرح مئات آخرين. في هذا اليوم انفجرت صورة المغرب كبلد هادئ مطمئن و متحكم فيه،. لقد كان المغرب قبل هذا التاريخ يبدو و كأنه محصن ضد الإرهاب الإسلامي،.إن النتائج الاقتصادية للحادث سرعان ما أصبحت ملموسة ،. إذ أجلت اتفاقيات الاستثمار، و توقف النمو الاقتصادي إما من الناحية السياسية فقد كانت النتائج أكثر بروزا . إذ أعلن الملك محمد السادس نهاية " زمن التساهل".، و أدان هؤلاء"الذين يسيئون استغلال حرية التعبير" و " يقتصرون على المعارضة الدائمة لتوجهات " النظام،.لقد كانت الرسالة واضحة.إنها تحذير للإسلاميين بجميع اتجاهاتهم، و الصحافة ،ومناضلي جمعيات حقوق الإنسان، و المناضلين اليساريين.إن الاعتقالات الكثيفة ضد الإسلاميين و المحاكمات الصورية و الاعتقالات ضد الصحفيين المستقلين من أمثال علي المرابط و النقابيين و المناضلين الحقوقيين مثل رشيد الشريعي، كلها أحداث وقعت بعد 16 ماي. لقد تم إصدار القوانين القمعية عبر البرلمان مما يذكر بسنوات الحسن الثاني.إن القمع الهمجي ،هو رد الفعل الوحيد تجاه النضالات الاجتماعية . فلقد واجه الطلاب المحتجين على خوصصة الجامعة تواجد بوليسي في الجامعات ،. و كذلك البحارة و المعوقين و المعطلين و الفلاحين و أيضا المثقفين، الذين عملوا مؤخرا على الاحتجاج تعرضوا للضرب من طرف بوليس حاقد. إن هذا رد فعل نظام في ورطة و لا يعرف ما الذي ينبغي عليه القيام به،. هل الإصلاح أم الجمود أم المزاوجة بينهما؟ . لا واحد من هذين الخيارين سوف يضمن الاستقرار و الدفاع عن امتيازات الاوليغارشية .
إن الامبرياليات الأجنبية تتابع عن كثب التطورات الحاصلة في المغرب،. إذ يعمل أهم الشركاء التجاريين للمغرب فرنسا و اسبانيا و الولايات المتحدة على تقديم المملكة – لكل واحد منهم أسبابه الخاصة - باعتباره المثال الأفضل، الذي يجب الاقتداء به في الشرق الأوسط الجديد بعد سقوط صدام حسين بالعراق.إن تزايد المنافسة بين الامبرياليات يعتبر هو أيضا عاملا مهما في المعادلة . ، إذ عمل الاتحاد الأوروبي على توقيع اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة، هذه الاتفاقية التي أغضبت فرنسا على الخصوص . إن اسبانيا لديها حنين لإعادة الماضي حيث كانت قوة جهوية في منطقة البحر الأبيض المتوسط،. إنها ترجو احتلال موقع فرنسا . ولقد كان موقف مدريد في ظل اثنار من الحرب ضد العراق مدفوعا برغبتها في الحصول على المساعدات الأمريكية فيما يتعلق بالأمن الجهوي و الناتو.
لقد وعدت الولايات المتحدة خلال زيارة كولين باول بالرفع من مساعداتها العسكرية و الاقتصادية بشكل كبير، . كما أن الولايات المتحدة هي التي كانت من وراء اقتراح مبعوث الأمم المتحدة المتعلق بالصراع في الصحراء الغربية . إن المقترح الاممي الجديد يسير في سبيل التخلي عن فكرة السيادة للصحراويين ،و نسيان فكرة إجراء استفتاء لتقرير المصير، .فالمقترح الموضوع على المائدة هو الحكم الذاتي في ظلل المغرب. و توضح التقارير الصادرة في الصحافة المحلية إن الولايات المتحدة خولت مهمة " التحقيق" مع إرهابيين محتملين لأجهزة الشرطة الملكية الفعالة. وكما يقول الانجليز : « you scratch my back. I scratch your back!» « حك لي ظهري احك لك ظهرك!».
نسوانية الدولة
تنظر الملكية المغربية بعيد نحو جارتها تونس التي تبدو مستقرة وآمنة ،. هناك بين البلدين يوجد تقارب واضح على المستوى السياسي، . و يبدو أن المغرب مفتون بإجراءات الرئيس بن علي الدكتاتورية. ، و من بين الطرق التي نهجها بن علي لمواجهة التهديد الإسلامي لنظامه كان تطبيق ما سمي " نسوانية الدولة" ،عبر إدخال إصلاح على قوانين الأسرة . بقيامه بهذا الإصلاح ، كان يهدف إلى إيجاد بعض مواقع الدعم في المجتمع بين النساء ضد الإسلاميين ،. هذا مع القمع الهمجي ضد أي تعبير عن المعارضة . ، و لقد قرر محمد السادس بدوره مؤخرا إدخال إصلاح على" المدونة" الرجعية.
نعم لقد صارت اقل رجعية نسبيا، لكنه وحده الملك و الحركات النسائية الرسمية الذين يعيشون حياة رغدة بعيدا عن واقع الحياة التي تعيشها النساء القرويات و العاملات يمكنهم أن يعبروا عن رضاهم عن هذا الإصلاح. لا يمكن لنساء الطبقة المضطهدة ،أن ينتظرن أي تحرر على يد الملك و قوانينه،. إذ أنهن لا زلن فقيرات لدرجة فضيعة و جاهلات، فربع النساء الكادحات القاطنات بالمدن عاطلات عن العمل،.أما النساء المحظوظات اللائي يجدن عملا ― هناك نسبة متزايدة من البلترة في صفوف النساء ― فإنهن متركزات في معامل النسيج و الملابس الجاهزة ،حيث العمل القاسي و حيث تسود المرونة.
أما في البادية فإنهن لسن مجبرات فقط على تحمل جميع الأعباء المنزلية،.بل يجب عليهن أيضا أن يساعدن في أعمال الزراعة حيث يعاملن كحيوانات حمل حقيقية،.تسحقهن الأحكام المسبقة الإقطاعية و النفاق الأخلاقي. إن هذه الأمثلة القليلة كافية لإعطاء الدليل على أن النساء العاملات في القرية و المدينة لا يمكنهن أن يتحررن فعلا سوى عبر إحداث تغيير جدري في موقعهن الاجتماعي، و هو ما يعتبر مستحيلا بلوغه سوى عبر توحيد جهودهن مع رفاقهن الذكور للقضاء على الاستغلال و القمع المخزني.
إن الطبقة العاملة لم تقل كلمتها بعد
يشتغل نصف العمال المغاربة في الأنشطة الزراعية ،و النصف الآخر يشتغل في الخدمات و الصناعة،. و يشكلون قلب الطبقة العاملة.أما على مستوى النقابات فإنهم ينتظمون أساسا في ثلاث مركزيات: ا ع ش م، ك د ش . ، ا م ش .قيادة هذه النقابات مرتبطة بالقصر، و قد قامت بتوقيع صفقة في 30 ابريل من السنة الماضية. ، لقد كانت هذه الصفقة نوعا من " العقد الاجتماعي" التزمت فيها النقابات بالسلام الاجتماعي. لكنه سوف لن يكون من السهل التزام العمال بالانضباط لهذا السلام الاجتماعي. خاصة عندما ستزداد الظروف سوءا و عندما سيترسخ السخط على الأوضاع السياسية العامة للبلاد في أذهان جماهير العمال. لقد بدا هذا ينضج لكنه يحتاج لبعض الوقت لكي يجد تعبيره في تحركات جماهيرية. و في هذا السياق تلعب تجربة " الانتقال الديمقراطي" دورا جد مفيد لإفهام الجماهير أن جميع أقسام البرجوازية عاجزة عن ضمان الحقوق الديمقراطية و الحرية و مستوى عيش مناسب.
تبدل قيادة النقابات كل ما في وسعها لضمان عدم اندلاع حركات نضالية داخل المعامل على أرضية مطالب موحدة. و لقد أصدرت وزارة العمل مؤخرا أرقاما تؤشر إلى تراجع كبير في عدد الإضرابات. ، فسنة 2003 سجلت 130 إضراب . مقابل 460 إضراب سنة 2000، هذا ما احتفل به باعتباره بداية " لعصر جديد من العلاقات المبنية على الثقة و التفاهم المتبادلين"، لكن دعنا لا نغتر بهذا الكلام الفارغ. انه في ظل القمع المزدوج الذي يعانيه العمال من طرف البوليس ،و من طرف البيروقراطية النقابية، يجب علينا أن لا نتفاجىء عندما نرى إن الغضب المتراكم يجد طرق مختلفة للتعبير عن نفسه
إن حركات الشباب العاطل و منظمتهم الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين(ج و ح ش م)، هي واحدة من هذه الطرق، لقد تم تأسيسها سنة 1991 و تعتبر اليوم المنظمة الأكثر نضالية،.لقد خاضت العديد من المعارك في مواجهة القمع و الترهيب، و هي بالرغم من كونها مستقلة عن النقابات، فإنها لا تتوقف عن البحث عن دعمها . إن العمل داخل النقابات الرئيسية يظل مسالة جوهرية للوصول إلى العمال، في المصانع و المناجم( لهؤلاء الذين ليست لهم منظمة كتلك التي يمتلكها الشباب المعطل) و دفعهم إلى النضال.
إن الزلزال الذي ضرب منطقة الريف، .شهد البدايات الأولى لانفجار حركة احتجاج غاضبة لضحايا الفساد، ( من الفلاحين و العمال) و العجز و ضد الدولة الفاسدة عموما. و سوف تستعاد من جديد التقاليد الثورية و المعادية للامبريالية التي تحبل بها منطقة الريف.
كما لدينا أيضا الحركة الطلابية، التي تناضل ضد " ميثاق التعليم" الذي يعتبر مدخلا لفرض الخوصصة و الهجوم على الحق في التعليم . إن الحاجة إلى نقابة طلابية كالاتحاد الوطني لطلبة المغرب ماسة و تعتبر جد مهمة. و هناك حركات أخرى في الواجهة: حركة البحارة و المثقفين...الخ.إن تقاليد الإضراب العام لسنة 1990، يجب أن يتم إعادة إحياؤها من جديد من طرف الطبقة العاملة، و سوف يعلو صوتها فوق صوت جميع الملوك و الأمراء و السياسيين المرتشين.
يسار هزيل
إن مكمن الضعف الأساسي هو طبعا غياب قوة ماركسية جماهيرية. ، لكن مجرد وجود جيوب من الشباب الماركسيين المخلصين هو مسالة تدعو إلى التفاؤل، إنهم لا يزالون قليلي العدد لكنهم قد بدءوا العمل، على يسار ( ا ش ق ش) نجد محاولة لتوحيد الجناح الشبيبي السابق للحزب ،مع أعضاء في ك د ش و أتباع إلى الأمام المحلولة ،الذين تحولوا اليوم إلى النهج الديمقراطي، مع اليسار الاشتراكي الموحد و حزب الطليعة الاشتراكي،. وسوف تسمى هذه الجبهة " تجمع اليسار الديمقراطي"، إنهم ينتقدون( و هم محقون في ذلك ) الاتحاد الاشتراكي و التقدم و الاشتراكية بسبب استسلامهما للمخزن و لبرنامجهما الاشتراكي الديمقراطي، لكن مع الأسف لا يطرح هذا التجمع برنامجه. ،و يقوم في أفضل الأحوال بطرح مسالة " الإصلاح الدستوري" دون أن يحدد ما يعنيه هذا الشعار،.يمكن أن يعني إصلاحا ينحو في اتجاه إحلال الجمهورية لكن في ظل إطار الرأسمالية، كما يمكنه أن يعني خطوة في اتجاه ملكية دستورية. لكن كلا الشعارين عاجزين عن الإجابة على مطالب العمال و الفلاحين و الفقراء. إن فكرة " الإصلاح الدستوري" تعكس الأفق الإصلاحي لمكونات هذا" اليسار الديمقراطي"، و لا يزال جناح أقصى اليسار الذي يشكله النهج الديمقراطي سجينا لنظرية المرحلتين الستالينية، .نتيجة لماضيه الماوي . ، حيث الفصل المصطنع بين النضال من اجل الديمقراطية و من اجل التحرر القومي ضد الملكية و بين النضال ضد الرأسمالية من اجل الاشتراكية. الشيء الذي سوف يؤدي بهم إلى أن يصيروا فريسة سهلة لمناورات مختلف أجنحة البرجوازية، و الدولة التي يمكنها أن تدفع بهم إلى لعب دور الدعم النقدي للنظام.
إن نظرية الثورة الدائمة ذات ملحاحية في المغرب و العالم العربي اليوم أكثر من أي وقت مضى.و لقد كتب المؤرخ ﻫ و تاتش H.E.TủTSCH قبل أربعين سنة أن « العالم العربي يشهد تداخل عدة ثورات. عصر النهضة و التنوير، و الإصلاح و الليبرالية و الاشتراكية» ( في كتابه Facets of arab nationality 1965) . إن هذه الثورات لا يمكنها أن تنجز من طرف البرجوازيات العربية المتعفنة، بل يجب أن تنجز ضدا عليها عبر توحيد حركة الطبقة العاملة في العالم العربي المتحالفة مع الفلاحين،.هؤلاء فقط هم من يشكلون القوى الجذرية و الديمقراطية الثورية الحقيقية في العالم العربي.
سوف تتخذ الثورة الاشتراكية في المغرب حتما شكل ثورة في مجمل المنطقة المغاربية ، بما فيها تونس و الجزائر و كذلك مصر.هذه الثورة هي الوحيدة التي بإمكانها تخليص المنطقة من الحلقة الجهنمية للفقر و الحاجة. ،دعونا نفكر فليلا في هذه الوقائع : إن اقتصاديات المنطقة المغاربية مشوهة بشكل كامل، و تطورت في خدمة المصالح الامبريالية. ، معاملاتها التجارية موجهة كليا نحو فرنسا و اسبانيا . بينما المعاملات بين المغرب و الجزائر و تونس لا تشكل سوى 1 % من مجمل المبادلات ! النفط الجزائري يصدر كليا تقريبا نحو اروبا، . و لا يوجد أي نوع من التضامن العربي في هذا الخصوص: فقط المصالح الضيقة للاوليغارشيات المحلية،. هذا في الوقت التي تعتبر فيه اقتصاديات المنطقة المغاربية متكاملة : فالجزائر تتوفر على النفط و الغاز الطبيعي، و المغرب و تونس يمتلكان الفوسفاط و كذلك الخبرة الصناعية . ،و تمتلك تونس الخبرة في الصناعة السياحية التي يمكنها اقتسامها مع جيرانها...الخ،.إن هذا التكامل ممكن فقط في ظل نظام تخطيط اقتصادي عقلاني اشتراكي موجه لخدمة مصالح الشغيلة و الفلاحين،.و لبلوغ هذا هناك الحاجة إلى الثورة الاشتراكية إلى عاصفة اجتماعية حقيقية ، عاصفة من نفس النوع الذي وصفه المغني اللبناني مارسيل خليفة في أغنية " وعود العاصفة" و التي ستاتني بنفس الثمار.
«و إذا كنت اغني للفرح
خلف أجفان العيون الخائفة،
فلأن العاصفة
وعدتني بنبيذ،
و بأنخاب جديدة و بأقواس قزح.».
(1)لقد فضحت هذه الممارسات ةفي كتاتب جيل بيرو : notre ami le roi.و كتاب أحمد المرزوقي : « Tazmamart, cellule 10 »
The Saharawi people must look to the Moroccan working class as their best ally أنظر : Morocco - A time bomb http://www.marxist.com/Africa/wsahara_601.html
يونيو 2004 العنوان الأصلي للنص : Where is Morocco going?
المصدر www.marxy.com
#جون_دوفال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف
...
-
جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا
...
-
قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل
...
-
مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي
...
-
مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
-
ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال
...
-
واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي
...
-
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
-
تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|