|
( قصة قصيرة بمناسبة يوم المرأة العالمي بعنوان: ( قبض الريح
محمد أيوب
الحوار المتمدن-العدد: 1139 - 2005 / 3 / 16 - 09:37
المحور:
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي
ملاحظة قبل البداية : " الحياة عنكبوت ضخم يحيطنا بخيوطه التي ينسجها حولنا ، يدخلنا إلى بيته دون وعي منا ، لنخرج منه ضد رغبتنا " م . أ الإهداء : " إلى أول من قرأ هذه القصة قبل أن ترى النور ، إلى تلك التي ملأت فضاء روحي بروحها وعذوبة كلماتها ، أهدى هذا العمل المتواضع "
كان يقضي وقته متجولا بين خيوط بيت العنكبوت باحثا عن فكرة هنا أو موقف هناك ، يخلو إلى نفسه مع الكلمة والحرف ، يقرأ ويكتب ، يتابع ويستطلع ، يحاول أن يسبح في فضاء كوني واسع تمنحه إياه هذه الخيوط العنكبوتية ، وفجأة سمع نقرة خفيفة ، فتح نافذته ، لم ير شيئاً ، ولم يشأ أن يكون متطفلا أو أن يكون البادئ بالكلام ، لم يسأل عن الطارق ، أغلق نافذته بهدوء وتجاهل الأمر وكأنه لم يكن ، ولكن النافذة ظلت تلاحقه باستمرار ، ظل على هذه الحال فترة طويلة ، وذات ليلة دفعه حب الاستطلاع إلى فتح النافذة وإلقاء التحية على الطارق الذي لا يعرفه : - مساء الخير ! - مساء الفل ! - ممكن نتعرف ؟ - اسمي غزالة . - ولكني لست ظبيا ! أنا إنسان أنتمي إلى عالم البشر ولكني أحب مشاهدة الغزلان ، ولا أحب أن آكل لحمها لأنني ضد أن يذبح كائن جميل كالغزال ولو كنت سأحصل منه على المسك . سألت : وأنت ، ما اسمك ؟ قلت : محمد ! - وماذا تعمل ؟ هل أنت كاتب؟ - قلت : وكيف عرفت ؟ - خمنت ذلك من أسلوبك ، فيم تكتب ؟ - أتخصص في مجال الأدب . - من أي البلاد أنت ؟ - قلت : من بلاد قريبة بعيدة ! أو كما يقول فريد الأطرش : " قدام عيني وبعيد علي ... ولا أريد أن أكمل ، لا أريد أن أقول مع فريد : مقسوم لغيري وهو ليَّ ، أنا من فلسطين أجمل بلاد العالم وأقربها إلى الله . تساءلت : وأنت ؟ - أنا من قطر عربي يحب فلسطين ويضحي من أجلها . قلت : عرفته .. إنها بلدي التي انحدر منها أجدادي ، بلدي التي ما زلت أهواها ، وأهوى فلسطين وأهوى كل بلاد العرب . قالت : لهذه الدرجة تحب بلدي ؟ قلت : هواي جنوبي ومزاجي جنوبي . سألتها عن عائلتها ، ذكرت اسم العائلة دون تردد ، أخبرتني عن أسرتها ، وقالت : هناك من يختبئ وراء أسماء وهمية ! قلت : لا أحب الأسماء الوهمية ، أنا لا أجيد فن الكذب ، أحب الوضوح ، ليس هناك ما هو أجمل من الوضوح . طلبت منها رقم هاتفها بعد أن استمتعت بقراءة بعض كتاباتها التي طلبت رأيي فيها ، أعطتني رقم الهاتف دون تردد ، كنت أريد التأكد من أنني أواجه الحقيقة ولا أواجه وهما. وفجأة اختفت تلك الغزالة كما ظهرت فجأة ، تركتني مشدوها ومشدودا إلى خيوط بيت العنكبوت الذي لا يتيح لي أن أفلت منها ، غابت غزالة عني على غير موعد ودون سابق إنذار ، ترى هل أنا مستيقظ ؟ أم أنني غفوت قليلا ، فتحت عينيّ على وسعهما لأتأكد مما إذا كنت مستيقظا أم لا ، آثار تلك الغزالة ما زالت أمامي حروفها التي مازالت أمامي تؤكد أن الحروف هي التي جمعت بيننا ، دققت النظر في بيت العنكبوت علني أجدها ولكنها ذهبت ، قلت في نفسي هي الوهم لا أكثر ولا أقل ، طيف زارني فجأة وتركني دون إشارة إلى لقاء آخر ، رأيت رقم الهاتف الذي كنت قد كتبته على ورقة أمامي ، هل هذا الرقم حقيقي يا ترى أم أنه وهم آخر ؟ هل كنت أحلم ؟ أمسكت هاتفي النقال وكتبت أرقامها ، ضغطت بلطف وتردد خشية أن أزعجها ، رد علي من الطرف الآخر صوت ناعس حالم ، كأن سنة من النوم ألمت بصاحبته ، هي الحقيقة إذن ! لم أكن أحلم ، كنت مستيقظا وبكامل وعيي ، كانت قد أخبرتني عن عمرها ، أخبرتها عن عمري وقلت لها إنني لن اتركها ترى صورتي حتى لا تخاف منها فأنا رجل عجوز وهي في عمر ابنتي ، أنا الخريف وهي الربيع ، فهل يمكن للخريف أن يلتقي بالربيع إلا إذا وصل بينهما الشتاء أو الصيف كما تصل المفصلة بين الباب وحلقه ؟ أنا الماضي والحاضر ، وهي الحاضر والمستقبل ، أنا وهي قطبا مغناطيس لا يلتقيان ولا يفترقان ، يكمل كل منهما الآخر ، الشباب في حاجة إلى حكمة الشيوخ ، والشيوخ بحاجة إلى حماس الشباب وحيويتهم ، هو التكامل إذن . وبينما كنت أتجول في فضاءات بيت العنكبوت أحاول التخلص من خيوطه التي تزداد التفافا حول جسدي ، لاحت لي عن بعد مهرة عفية جامحة ، حاولت امتطاء صهوتها فجمحت بي وأنا المجرب ، كادت تلقيني أرضا لولا أنني تشبثت بها تشبث الطفل بأمه ، أو تشبث الغريق يتلك القشة الصغيرة التي يتوهم أن فيها نجاته من الغرق ، كانت مهرة غاضبة ، تجتاحها أحزان عاتية تقض مضجعها ، ترى الوحوش من حولها فتنفر وتقفز مبتعدة عنها ، دققت النظر فيها فرأيت فيها غزالة التي تركتني دون سابق إنذار ، هذه أنت ؟ قال لها ، وأردف : لم تركتني مع وساوسي ، لقد اعتقدت أنك كنت وهما ! قالت : أنا الحقيقة ، ولكني أملك أكثر من بعد ، لست واهما وأنا لست وهما تراءى لك ! قلت : كوني وهما أو كوني حقيقة .. كوني واقعا أو كوني خيالا ، كوني سرابا أو كوني ماء يرتوي منه الظمآن ، حتى لو كنت سرابا فإنه السراب الذي يوهم العطشان بقرب الارتواء ، كوني ما تشائين ، ولكن لا تدعي الأحزان تسد منافذ روحك ، فالبشر يعيشون على الأمل ويتخطون حواجز الأحزان ويتناسون الهموم التي تخلفها الآلام وراءها . تسربت مهرتي من بين يدي فوجدتني أقبض الريح بين أصابعي ، وكلما رأيتها ، وكلما تسربت إلى مسام عقلي وخرجت منها ازددت تعلقا بها ، ترى : هل عدت مراهقا من جديد ، وهل العقل يمر بفترة مراهقة ، أعتقد أن لا ! ولكن كيف تتعلق أيها العقل أو أيها القلب بغزالة لم تقابلها ولا مرة في حياتك ، كيف تعشقها من خلال حروفها النارية المتوهجة؟ أنا لا أعشق الوهم ، هي حقيقة متجسدة بشحمها ولحمها أمامي ؛ لم أرها نعم ، ولكنها تسكن خلايا عقلي وجسدي ، أفكارها قريبة من أفكاري على الرغم من الفارق الزمني بيننا . تكررت زيارات غزالة لي ، كانت تأتيني كالطيف ، مرة على شكل غزالة ، وأخرى على شكل مهرة ، وثالثة تأتيني إنسانا من لحم ودم يملأ فراغ روحي وتعزف على أوتار قلبي فيرتعش هذا القلب رعشة الفرح ، رعشة قلب أم فقدت وليدها لتعثر عليه بعد طول غياب فتتعلق به بشغف ومتعة ، أصبحت غزالتي جزءا من كياني ، تملأ الفضاء من حولي ، تغمرني بوهج يجعل من قلبي شمسا مشرقة بالآمال العذاب ، يا إلهي ما أجمل أن تشعر أنك محط اهتمام إنسان رائع كل هذه الروعة . اتفق معها على لقاء قريب ، تواعدا فيما بينهما ، ظل يتخيل شكل غزالته أو مهرته وهل هي غزالة أو مهرة ، ليس ذلك مهما على كل حال ، المهم أن موعد اللقاء بات قريبا ، أعد أمتعته واستعد للسفر ، كان السفر متعبا ، ولكن لقاء غزالة يجعل كل أنواع التعب تهون في سبيل ذلك ، وبعد طول اشتياق ، اشتياق المريض إلى الشفاء ، فقد كانت بلسم روحه ، حدد معها مكان اللقاء ، وهناك رآها .. صمت قلبه لحظة ثم دق بسرعة .. إنها أجمل مما كنت أتصور ، ضمها إليه بشوق قبلها بين عينيها ، توجها إلى المكان الذي ينزل فيه ، جلست بجانبه ، شعر بدفء جسدها يسري في أوصاله ، كانت تبعث فيه شحنة من الدفء اللذيذ ، أمسك يدها ولثمها بشفتيه ، قال : كم انتظرت هذا اللقاء أيتها الحبيبة . تأوهت حين سمعت وجيب قلبه الذي وشى به وفضح مكنون نفسه ، حاول أن يسكت هذا القلب لكنه لم يفلح ، فقد ظل يخفق ويجري كأنه طفل ترك أمه ليلهو في حديقة رائعة الجمال ، طوقها بذراعه ، قبلها في وجنتيها أكثر من مرة ، لثم شفتيها ، ذاق طعم الشهد ، مسه تيار دغدغ مشاعره ، احتضنها بلطف ، ضمها إلى صدره ومالت بهما الدنيا في قبلة لا أحلى ولا أعذب منها ، جذبهما السرير إليه ، فطوقها بذراعيه، ولكنه استيقظ من خدر عواطفه: لا ، لن أدنس بكارتها ، لن ألوث طهارتها . افترشها فكانت أكثر اتساعا من الوطن من محيطه إلى خليجه ، ولم تكن أقل اتساعا من الكون ، كانت كل ذلك في وقت واحد ، كانت أرضه وسماءه ، كانت الدفء الذي يسري في عروقه ، قالها بلهجة ظافرة منتصرة : وجدته يا جلجامش ! وجدت ما فكرت أنك حصلت عليه وأضعته ، لقد عرفت سر الخلود أيها الباحث عن حياة أبدية وعن سر الخلود ، إنه يكمن هنا ، على صدر هذه الأنثى التي تتسع لتصبح أكبر من الوطن ولا تضيق لتصبح أصغر من الكون ، إنها سر الخلود ونبع الحياة الذي لا ينضب ، إنها المرأة .. الأم والوطن ، الأرض والعطاء ، الأخت والابنة ، الزوجة والحبيبة ، الصديقة والعشيقة ، نبع سعادتنا الفياض ومصدر الحياة وتعاقب الأجيال ، دمت لي يا مهرتي الأصيلة نبعا لا ينضب . الجمعة 11/3/2205م
#محمد_أيوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة في فلسطين
-
هدية من عامل إلى معلمه
-
البذرة تتمرد
-
لمصلحة من هذا الاستقطاب داخل حركة فتح ؟
-
من المسئول عن بط ء الإجراءات في وزارة العدل والمحاكم الفلسطي
...
-
خالد
-
عذابات نورس
-
وانتصر الحب
-
شجرة الزيتون
-
الموت المجاني
-
حركة فتح على مفترق طرق
-
أين وزارة المالية الفسطينية مما جرى في حي الأمل
-
نعم لسيادة القانون في فلسطين
-
القراءة في المجتمع الفلسطيني بين العوائق وعوامل التشجيع
-
أمنيات مواطن فلسطيني غلبان
-
الزمان والمكان في القصة القصيرة
-
البرامج الانتخابية لمرشحي الرئاسة بين التشابه والاختلاف
-
من دفتر الاجتياح
-
جدار السلام هو الضمانة الأكيدة للسلام
-
قراءة نقدية في ديوان - تأملات الولد الصعلوك - للشاعر : باسم
...
المزيد.....
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار
...
-
دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن
...
-
لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
-
لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
-
قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا
...
-
التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو
...
-
Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
-
اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
-
طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح
...
-
إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-
المزيد.....
-
المشاركة السياسية للمرأة في سورية
/ مية الرحبي
-
الثورة الاشتراكية ونضـال تحرر النساء
/ الاممية الرابعة
المزيد.....
|