|
الاحمر يقود الى الزهر. ماهو لونك؟
عبدالله الحمصي
الحوار المتمدن-العدد: 1139 - 2005 / 3 / 16 - 09:26
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
اجابني صاحبي المصري في القاهرة مازحا حين سألته عن صحته باستخدام الصيغة التي يستخدمها الكثير من السوريين اي "شلونك" بأن وجه الي سؤال آخر: يا اخي لماذا تسألون الناس في سوريا عن "الوانهم"؟ اسعفتني ذاكرتي بالجواب المعروف: ولماذا تسألون الناس في مصر عن "زيهم"؟ هل تعتقد ان "ازايك" اكثر منطقية من "شلونك". قال ضاحكا: لقد حذروني من محاولة احراج السوريين ... جوابهم جاهز.
يعرف الرجل ان ماقاله مزاحا ليس صحيحا بالطبع ... وليس صحيحا بالقطع فيما يتعلق بالنظام السوري فلم يعد لديه جوابا جاهزا. نعم .... نفس النظام الذي اتهم احد اقطابه المعارضة ـ كل المعارضة ـ بانها لاتستطيع ان تحكم وتدير سوريا بنفس الجدارة التي ادارها بها نظامه العتيد منذ عام 1970 على الاقل .... اي الجدارة التي تدار بها مدرسة ابتدائية في منطقة نائية من قبل مديرة امية عوراء مسلحة بقضيب حديدي.... نعم ... نفس النظام الذي لايدرك انه لو كان مايتهم به المعارضة صحيحا ... ولو كانت شكواه صحيحة ايضا ان مايعيق تطبيق خطط الاصلاح العظيمة هذه الايام هو ندرة الكفاءآت... فليس هناك من يُلام سوى "فعالية" النظام نفسه في تجريد وتنظيف بلد مثل سوريا من قدراته السياسية والفنية ... ام ان النظام كان نائما ربما ... هذا هو مشروع استصلاح الاراضي الفريد الذي جفف غوطة علم وفكر وحولها الى صحراء عقم يباب ... لاتجري فيها ساقية ماء ولاتعبد فيها ربها واحة.
لايعرف الجماعة كيف يتصرفون ... لا تجاه الناس ... ولا تجاه العالم ولاتجاه رب العالمين. وليس ذلك بجديد عليهم فكل مشاكلهم مصيبة ـ احيانا عليهم واحيانا علينا واحيانا عليهم وعلينا ـ مهما فعلوا تجاهها. الاقتصاد مصيبة والتعليم مصيبة وجلب الاستثمارات مصيبة وخلق فرص العمل مصيبة .... الخ. لكن الطامة الكبرى التي يحسونها تتحرك تحت جلدهم هي ان دمشق وحلب وحمص واللاذقية هي المحطات التالية بعد بيروت والقاهرة وبغداد وتونس وحتى الرياض. ليس لانهم يعلمون يقينا بان عدوى الديموقراطية لادافع لها ... بل لان الامريكيين اللعينين وراءهم بالمرصاد وسيستغلون بدناءة لاتضاهى اخطاءاً سخيفة مثل:
البطالة المستفحلة وعدم توفر السكن وانتشار الفساد الى عظام العظام وعقول العقول... وفوضى الادارة والصناعة والزراعة والمرور ... ومشاكل البيئة ... بل انهم حتى سيستغلون اشياء اكثر سخفا مثل اعتقال البني آدميين دون ذنب واذلالهم وتعذيبهم ...
اي نعم ...سيستغلون كل تلك الاخطاء السخيفة ويتعاملوا مع جزء "صغير" من المعارضة مستعد لـ: "الاستقواء بالخارج" وخيانة امانة الوطن والتخلي عن شعبه ثم حكمه بطريقة تؤدي الى خراب البلد ... يعني طريقة تؤدي ....(نعم، عمرك اطول من عمري) تؤدي الى:
بطالة مستفحلة وعدم توفر السكن وانتشار الفساد الى عظام العظام وعقول العقول ... وفوضى الادارة والصناعة والزراعة والمرور... ومشاكل البيئة.... بل انهم ربما سيرتكبون امورا فظيعة مثل اعتقال البني آدميين دون ذنب واذلالهم وتعذيبهم.... (وعذرا على هذه الفقرة الدائرية).
لنعد الى "شو لونك؟". فمنذ اسابيع وانا احاول ان اتنبأ باللون الذي سيستخدمه السوريون في المظاهرات السلمية التي ستسقط النظام ومخابراته.... الاصح ربما "مخابراته والنظام" ... كما كان الدمشقيون الملاعين من اصدقائي يقرأون لافتة ذلك الدكان المشهور خلف القصر العدلي الاكثر شهرة ... الدكان الذي كان يملكه السيدان نذيرهدايا ورفعت الاسد بعد ان يقلبوا ترتيب الاسماء حسب جلالها: "شركاؤه ونذير هدايا". (كان ذلك المتجر، خلال سنوات عديدة، الوحيد المسموح له باستيراد التجهيزات المنزلية الكمالية وباسعار خيالية رغم قرارات منع الاستيراد الشامل بينما كان جنود "شركائه" يعيثون في الارض نضالا بحثا عن اعداء الاشتراكية).
اللون البرتقالي لايصلح فقد احتكره الاوكرانيون المستقوون بالخارج الاتحادي الاوروبي ضد منافسيهم غير المستقوين بالخارج الروسي الدببي... ثم ان الحزب الليبرالي المصري عديم الخيال قد تبناه ايضا (رغم ان اي من البلدين ليس معروفا بانتاج البرتقال الا انه يستقوي بالبرتقال الخارجي). واللون الازرق احتكرته النساء الكويتيات الجشعات اللعينات اللواتي يأتين بمطالب جديدة كلما تحقق لهن نصف مطلب بعد عشر سنين من النق والسق. واللون الاصفر استولى عليه الشعب الامريكي وصنع منه الربطات الفاقعة اياها التي تُربط حول الشجر في الايام العصيبة ... واللون الاخضر استولت عليه الدولة الاموية منذ مئات السنين. واللون الاسود هو لون العباسيين والايرانيين المعاصرين. والوان العلم اللبناني استهلكت هي ايضا ثم انها ليست لونا مميزا يصلح لانتفاضة سلمية مباركة ستجبر العالم ان يفتح فمه دهشة من اليابان الى الدومينيكان...وان يؤمن ان الشعب حق.
اذن ماهو لونك؟ البنفسجي اوالليلكي ... لا فالاول شديد الانوثة والثاني مغم معتم....... حسنا اختر لونا شعبيا بروليتاريا ... الفتوشي او الفلافلي! لاارجوك... المسألة جادة بالفعل والطبخة مرفوعة على نار خفيفة وستنضج قريبا .. وسيساهم في انضاجها ارتباك الحكم ولهاثه الذي سينفخ في النار ويؤدي الى الاسراع في نضجها... كل شيء جاهز ولاينقصنا سوى اللون المعارضي المناسب.
حسنا عليك باللون الزهري ... فكما هو معلوم "الزهر يفك القهر" (هذه مصادفة لغوية لئيمة ... واليمة). هل سيدفع الاقتراح السوريين اعتبارا من صباح الغد الى التحديق في المرآة باربعة عيون قبل ان يخرجوا الى الشارع للتأكد من ان ليس عليهم شيئا يشبه ـ ولو من بعيد ـ لون الزهر ... لاالقميص ولا التنورة ولاربطة العنق او الجوارب ولاحتى الكلاسين او السوتيانات.... هل سيختفي لون الزهر من ابجدية الالوان السورية؟ ثم لنفترض ان عددا من السوريين بدأ باستخدام اللفحات واغطية الرأس او القمصان الزهرية... ماذا سيكون رد فعل اجهزة النظام ... حبس كل من ارتدى قميصا زهريا؟ كفين على الماشي؟ نطحة على الرأس او رفسة على المؤخرة؟ هل سيُحاكم لون الزهر ويُسجن بتهمة فقر الدم والحرية او الافتقار الى الوطنية؟
حسنا ... اتفقنا على اللون وليس على تجنيده ـ ليس بعد ـ وهذه خطوة مهمة على كل حال. بقي علينا عقبات اخرى اولها تلك التي يُراد لجم الناس بها وهي فكرة "الاستقواء بالخارج" التي لااعلم من سكها ومن صقلها ولمعها ...الثانية هي امن الدولة .... اي دولة الامن ... او امن الامن.
لنضرب العصفورين بقصة واحدة واصبر معي فانها تقول شيئا لاولي الالباب:
في اوائل الثمانينات وجهت المخابرات لنا نحن السوريين المقيمين في اوروبا وربما في السويد بشكل خاص ـ ولسبب ما لايعلمه سوى خالق الخليقة ـ اهتماما خاصا...فكلما وصلنا الى مطار دمشق استُدعينا الى غرفة صغيرة قميئة فيها بني آدم سلمنا مزقة ورقية كتب عليها مايأمرنا بمراجعة فرع المخابرات الذي يقع قرب احد فروع بردى ـ الجافة كريهة الرائحة رغم وجودها قرب شارع ابي رمانة الراقي الذي يذكر بشارع الرشيد في بغداد ـ خلال فترة اسبوع من تاريخه. وذهبتُ بالطبع. الشارع الفرعي الذي يقع فيه الفرع مغلق ولايسمح سوى "للموظفين" و"المراجعين" بدخوله. قلت لذلك الذي جاء لاصطحابي الى رئيسه ـ" معلمو" بلهجة اهل الكار ـ ان اسمي كذا فما هو اسمه؟ اجابني الشاب الذي لم يعجبه السؤال ـ ليس لانه فهم مغزاه ـ وبكل حدة وجدية ان ذلك امر سري. ضحكت في سري ... محاصرة البناء وخلوه من اية لافتة تشيرالى وظيفته واغلاق الطريق اليه وجواب صاحبنا ذكرني باحدى محطات باصات دمشق ـ حلب الذي كان يعلن عنها "جابي " الباص بعد اجتياز حمص بان يصرخ عاليا: "مطار سري!!! ... مين نازل".
حين وصلنا الى رئيسه في قبو البناء قدمت نفسي بطريقة من يتوقع ان يقدم الآخر نفسه ايضا. هذه المرة فهم الرجل قصدي ولكنه تجاهلني بالطبع وتجاهل ايتيكيت برجوازيتي السخيف راسما على شفتيه ابتسامة بنية اللون تقول ان صاحبها قد رأى الكثير من امثالي وامثال غيري. سألني عن احوال السويد وكان حريصا على ذكر اسماء رؤساء الاحزاب والصحف اليومية وبعض الاحداث القريبة المميزة فيها ... باختصار كان حريصا على ان افهم انهم يعلمون كل شيء عن السويد...وعن المقيمين فيه ... كل شيء تقريبا ... تماما كما يعرفون كل مايجري في كل انحاء العالم!!! وخاصة تلك التي تحوي سوريين يظنون انهم بمأمن من المخابرات، فقلت له انني رجل ابحاث وعلم ... لااعلم حتى اسماء رؤساء الاحزاب السويدية التي ذكرها حتى اعلم شيئا عن السوريين... وتماديت في وصف جهلي حين قلت ان حياتي في السويد مثل تلك في المسرحية المصرية اي: "من البيت الى الكباريه ومن الكباريه الى البيت" وما عليه سوى ان يبدل كلمة الكباريه بالمعهد الملكي العالي للتكنولوجيا فيحصل على الحقيقة. لم يعجبه جوابي فنظر الي نظرة حادة النصلين لم تعجبني. ثم امر ذلك الشاب بان يحضر ملفي ـ كي افهم ان لكل مواطن في الداخل والخارج ملفه بالطبع ـ وكي اعود الى بلاد البرد وانشر الخبر السعيد بين ابناء جلدتي السوريين هناك فيفهمون مغزاه.
اختلست النظر الى الشاب الفقير المسكين ذي الاسم السري عائدا بالملف ولاحظت ماكنت اشك به وهو ان نفس الملف يستخدم مع كل "المراجعين". اخبرني صاحبنا "المحقق" ان ملفي ناصع البياض وليس علي ان اخاف من شيء. قلت له: يسرني ان ذلك الملف فارغ ... قصدي نظيف .... سدد الرجل الى المنطقة الرخوة بين عيني نظرة اخرى لم تعجبني ... ثم صدح ببيت القصيد.
سلمني عنوانا في اسبانيا(!!!) واخبرني ان من واجبي ان اكتب الى هذا العنوان كلما سمعت او رأيت شيئا في السويد يضر بسوريا او بالحزب او بما لم اعد اذكر. فقلت له انني لست بحاجة الى هذا العنوان فربما انتقل صاحبه او مات او امسكه الاسبان او ربما تم هدم البناء الذي يسكنه!!! ... وانني ساخابر اقرب سفارة سورية شخصيا وعلى حسابي اذا مارايت شيئا ـ وحكمت ـ انه يشكل تهديدا لسوريا بشكل او بآخر. نظر الرجل الي بتمعن ولعله توصل بعد اجراء بعض العمليات الذهنية الرياضية الصعبة الى انني لاانتمي الى فئة رقاصات "من البيت الى الكباريه" ... بل ربما الى فئة فنية اخرى هي الممثلين المحترفين.
فجأة ودون اية مقدمات قال للشاب الفقير ذي الاسم السري: يافلان ...لااعلم مااصاب عيني ... تعال وانظر هل هي حمراء؟ تبسمت دون ارادة مني ودون شفاه بعد ان توقعت منه الجملة التالية: "حسنا، تقول ان عيني حمراء ... هل تؤلمني؟" ... تابع المحقق النبيه: اشعر وكأن احدهم قد وجه اليها لكمة فظيعة بحيث انها ستؤلمني وتظل حمراء بقية حياتي. قلت للرجل بهدوء بريء وكأنني لم افهم التهديد المبطن ببطانة لاتخفى حتى على حمار متخلف عقليا: لا .. لا ... كل مافي الامر انه قد دخلتها ناموسة ... هذه الحشرات (شددت على الكلمة) الصغيرة مؤذية اكثر من حجمها وخاصة اذا ماكانت العين وسخة وضعيفة المناعة لاتستطيع الدفاع عن نفسها ... لعن الله الناموس... وتنهنهت كما يفعل المدخنون التسعينيون عادة واستندت على الجانب الاخر من الكرسي مستقويا به. سدد الرجل الي نظرة من تلك التي تريد ان ترعب حتى الحيطان العارية الا من صور الآلهة واحمرت عيناه بالفعل ... لكنه نظر الى ساعته وقال: حسنا يا "عبدالله" (مشددا على عراء الاسم) ... رغم انني استمتع بالحديث معك الا انني مرتبط باجتماع الآن ونظر من فوق كتفي الى رجل مبتسم كان يقف على الباب منتظرا فراغ الصديق من مهماته الثورية الاقل اهمية ليناقش معه مهمات اخرى اكثر اهمية و"فائدة" (للثورة والامة العربية بالطبع). قال لي هذه المرة من فوق كتف صديقه الذي احتل الآن نفس الكرسي الذي كنت اجلس عليه وكنت قد بلغت الباب: لاتنسَ يا "عبدالله" ...الكتابة الى العنوان ـ يقصد في اسبانياـ فاجبت بعفوية واضحة وتجاهل اقل وضوحا: طبعا ... طبعا ... اعرف عناوين كل السفارات السورية القريبة من السويد. ثم غادرت قبو الرجل ذي العين الحمراء سعيدا بفراقه رغم "الخوش بوش" الذي تولد بيننا ورفع الكلفة من طرف واحد... اسماء بلا القاب ... ووجوه بلا اسماء.
بقية القصة هو ان احد "المراجعين" امثالي (من الذين كانوا يترددون على سوريا اكثر مني) مل من هذا الموال ومن ضياع نصف يوم من اجازته القصيرة كل مرة يزور فيها سوريا ـ وربما اكثر من يوم اذا كان مقيما خارج دمشق ـ...فاستقوى بالخارج ... كتب رسالة الى وزارة "خارجيته" في ستولكهولم بعد عودته وروى لها الموضوع طالبا منها التدخل ... خيانة منه لبلد مواطنيته الاصلي. ويمكنني تصور ان السفارة السويدية في دمشق اتصلت بطريقة ما بالسلطات السورية واخبرتهم بلغة ديبلوماسية ما انه قد بلغها استدعاء مواطنين "سويديين" الى اماكن تحقيق سورية دون ان يكونوا متهمين باي شيء وانها تستغرب ان يُطلب من هؤلاء المواطنين ان يصبحوا مُخبرين ... وان الحكومة السويدية "استغربت" جدا هذا التصرف لانها تعرف انه لايمكن ان يصدر عن حكومة "صديقة" تحترم رعايا الدول الاخرى ... وانها متأكدة ان في الامر "هفوة" ما يمكن تصحيحها ببساطة و"بالحكمة المعروفة" عن الحكومة السورية. وقد توقفت عمليات الاستدعاء بعدها بفترة قصيرة واُرسل صاحبنا ذي العين الحمراء الى الجبهة ـ بالطبع ـ لمتابعة عمله في رصد حركات العدو وتصويرها ووضع جميع الصور ووثائق الادانة في الملف الفارغ اياه الذي يصلح لجميع اعداء الشعب ... تمهيدا لحرب التحرير التي تنتظر اكتمال التوازن الاستراتيجي الذي كان يجري على قدم وسيقان في ذلك الزمان.
حسنا ... هذه القصة ليست شيئا مقارنة بمايحدث لغير "المدعومين" من الخارج القادرين على الاستقواء به ... ليست شيئا مقارنة بماحصل ومايحصل للمدعومين وغير المدعومين على جميع المستويات حين تدعو الحاجة فعلا ويصبح "امن" البلد في خطر... وخاصة حين يصبح امن "الامن" في خطر. لكن مغزاها هو نفس مغزى شبيهاتها التي انتجت بالفعل عيونا حمراء بسبب الناموس البغيض او بسبب بكاء الثكالى ...للقصة على "تفاهتها" نفس المغزى الذي تحمله ايضا قصص اليوم ومنها ماهو اكثر فداحة بما لايقارن ...
فماهو هذا المغزى... وهل تغيرت عقلية النظام او لون عينه الحمراوتين؟ هل تغيرت حقيقته او على الاقل هل تغيرت هيمنة امن الامن؟
فلنحاول ان نلاحظ وان نقرأ المغزى:
1ـ اول ملاحظة هي ان قرارا اتخذ على مستوى ما في هرم السلطة بالقيام بهذه الاستجوابات التي تهدف في الحقيقة الى ـ ولاشيء الا الى ـ الردع!!! الردع عن ماذا؟ عن اي تكتل محتمل غير مكتوم الصوت في الخارج ... يستقوي بوجوده في الخارج ... وان "احتمال"... مجرد احتمال حصول هذا التكتل يمكن السيطرة عليه بالتخويف وباستخدام اي شكل مناسب من اشكال التهديد والوعيد. والافضل عدم الانتظار والمسارعة الى التهديد بقطع الاذن الثالثة دون تكليف المكتب المركزي للاحصاء مثلا بتعداد آذان العباد.
2ـ اذا ماكان هذا القرار قد اتخذ من قبل من يعلم مدى اذاه على سمعة الدولة ـ ناهيك عن اية جوانب اخرى ـ فتلك مصيبة ولسنا في حاجة الى االتعمق في هذا الاستنتاج البديهي. اما اذا كان العكس فهذه ايضا مصيبة... بل هو كارثة ... لماذا؟ لان ذلك يعني ان القرار هو في يد من لايعلم شيئا عن اي شيء..... لايعلم شيئا عن منطق الامور اكثر من علم صاحب دكان البزورية عن التجارة العالمية ... ولاعن الاثر الذي يمكن لمثل هذا التصرف على سمعة الدولة السورية ... ولا ولا ولا...باختصار لايعلم ولاتهمه مصلحة الدولة.
لاحظوا معي ان الرجل لم يحيلني الى السفارات السورية لابلاغها عن اي شيء يهم سوريا ... بل احالني الى جهة مزعومة تابعة للمخابرات السورية في جحر مزعوم في اسبانيا ... والهدف واضح رغم غباء الفكرة ومعرفته بانني اعلم انه يعلم انها فكرة غبية. ماهو الهدف اذن؟ ... انه افهام الناس امثالي بان الموضوع موضوع يخص الامن والامن وحده ... لاشأن للسفارات اوالدولة اوللجيش اولفلسطين اوللتحرير اولاسرائيل ـ مثلاـ بكل الموضوع اضافة الى ايهامي بان لديهم "اياد" طائلة وجحور في الخارج.
والسؤال المهم المتمم لهذا كله: كيف يكون رد الفعل في حالة تصور ـ اقول تصور ـ تهديد حقيقي للامن او لامن الامن حسب رؤية جهاز ما؟ هل يُتخذ القرار وقتها بنفس الطريقة اي دون اعتبار لما يمكن ان ينتج عنه من ضرر للنظام .. ناهيك عن الدولة كدولة؟ (لمن يرى الفرق بين هذه وذاك)
والسؤال القاتل هو: الى اي مدى يظن هذا الامن انه يستطيع "تأويل" المهمة التي اوكلت اليه وترجمتها الى فعل... فعل ليس هناك من آلية للجمه او امكانية للرجوع عنه؟ وماهو حجم الفعل المسموح به افقيا وشاقوليا ... وماهي حدوده؟
هل تملأ قوة الغباء الامني المضاعف الفراغ الناتج عن نصف موقف سياسي ضعيف؟
3ـ يظن الجهاز المكلف بتنفيذ هذه المَهمة المُهمة ... المدرب على يد اساتذة تدربوا بدورهم في مدارس دول مثل رومانيا والمانيا الشرقية والاتحاد السوفييتي انه يؤدي بهذه الطريقة العلمية المستوردة مهمته بحماية النظام وبنفس كفاءة معلميه... وربما كان ذلك صحيحا بل ربما تفوقت اجهزتنا على اساتذتها باضافة عناصر ثقافية خاصة بنا ومن تراثنا!!!
ولما كان الغرض الاساسي هو الردع عن الاستقواء بالخارج حتى ولوكان من باب التواجد فقط في هذا الخارج .... فأن السؤال هو: هل يمكن ادراج تدريب المخابرات في الدول "الصديقة" واستيراد تقنياتها تحت باب الاستقواء بالخارج ام انه في هذه الحالة شيء آخر؟ حسنا ...على مستوى آخر مختلف تماما ... هل المساعدات الاقتصادية التي ضختها السعودية منذ السبعينات وانقذت النظام من مآزق واستحقاقات كثيرة ووفرت له وللطبقة التي اغناها السيولة النضالية اللازمة استقواء بالخارج ام ماذا؟.... المزيد من هذه العملة... اليس استنجادنا بالاتحاد الاوربي وبالكتلة الشرقية من قبله استقواءا بالخارج اذا ماكان هدفه الاوحد بقاء النظام وليس اي شيء آخر؟
من ناحية اخرى ... هل كانت جولات كاسترو في الولايات المتحدة طولا وعرضا وشمالا وجنوبا لفضح باتيستا ولجمع المال للثورة القادمة استقواءا بالخارج؟ ام ماذا؟
لنحاول الآن الاجابة على سؤال مااذا كان النظام قد غير عقليته ولون عينيه الحمراوتين مقارنة بالقصة السابقة من الثمانينات. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وصلتني رسالة منذ اشهر من مخدم سوري ـ سيرفيرـ للانتيرنيت . الرسالة كانت من ذلك النوع الذي يرسله السيرفير اوتوماتيكيا ليبلغ مرسل رسالة ما انها لم تصل الى المرسل اليه لسبب ما (خطأ في العنوان او امتلاء صندوق بريد المرسل اليه ... الخ). وضحكت حين اكتشفت ان المرسل اليه هو اسم لم اسمع به في حياتي ولم ارسل له لاسلاما ولاكلاما فلماذا يرسل السيرفير السوري الي اشعارا بان رسالتي ـ التي لم ارسلها ـ لم تصل الى من لاوجود له !!! هذا اولا.
ثانيا: تم تذييل الرسالة كالعادة في مثل هذه الحالات بالرسالة الاصلية... في هذه الحالة كانت الرسالة الاصلية المزعومة التي (لم) ارسلها الى صاحبنا المزعوم مختصرة جدا وبالانكليزية:
kill the writer of this document! (لم ينقصها سوى تعبير "اللبيب من الاشارة يفهم")
قلت الله اكبر!!! صار السيرفير الافرنجي الصنع عنصر مخابرات وبرزت له عينان حمراوتان ... وصار يضيف الى الجمل الكومبيوترية النموذجية جملا من عنده ... جملا حمراء.
كنت قبلها بايام قد قررت التوقف عن الكتابة فترة طويلة لانشغالي بامور اخرى غطت حتى على اوقات فراغي وكان رد فعلي الاول انني ساقطع صمتي لكتابة مقال ساخر يستخدم الموضوع ليصطاد في الماء العكر. ولكنني استمريت في التوقف عن الكتابة وعدم الرد على رسالة الغرض منها ـ مثل امثالها مما يرسل لغيري ـ تخويفي ربما من الخطوط الحمر. باختصار قررت ان قراري هو قراري ... ولو يؤثر فيه اي سعدان آخر سواي ... حتى ولو بطريقة الاستفزاز... او حتى ولو ظن مرسلها ان توقفي كان بسبب رسالته.
بعدها وصلتني (ولا اظنني وحيدا في ذلك) رسائل اخرى من نفس الفصيلة ليس فيها الجملة الانكليزية اياها ولكنها كلها مرسلة باسم او عبر السيرفير السوري... بعضها ظاهر العلاقة به والآخر يتضمن اسم السيرفير في السورس كود (الذي لايراه القارئ عادة). بعضها يقول لي ان جهازي به عطل وانه يرسل آلاف الرسائل وان علي فتح الملف المرفق واتباع التعليمات الموجودة فيه لاصلاح الخلل. وبعضها الآخر من اسماء معروفة تطلب مني فتح الملف المرفق وهكذا دواليك .... وكانت جميع الملفات المرفقة محملة بفيروسات ... اكثرها فيروسات قديمة من العصر الحجري. وقد اكتُشفت هذه الفيروسات من قبل مخدم الانتيرنيت المحلي في السويد وازيلت قبل الوصول الى جهازي. وحتى ولو وصلت... وحتى لوكانت جراثيم عصرية لكان جهازي قد اكتشفها لانه مستقو بالخارج بعدة خطوط دفاعية موصولة بشكل دائم بمصادر تحديث تعاريف الجراثيم عن طريق الحزام العريض ... بحيث تمنع الجراثيم والميكروبات والغبش والناموس وحتى الصراصير من ازعاجي ...اي انني متأكد ان نظامي الدفاعي اكثر نجاعة في هذا المجال من النظام المستخدم في وزارة الداخلية السورية.
فما هي مشكلتي اذن؟ مشكلتي ليست مشكلتي ولكنها مشكلة عقلية الامن السوري في الحقيقة.
الرسالة الاولى والرسائل الاخرى ... جميعها قادمة من سوريا (يقينا) وليس هناك سوى مصدرين محتملين:
اولهما: نفس العاملين على "ادارة" السيرفيرالسوري اياه ـ واقصد الجانب الامني منهم ـ ... اي نفس الجهاز المسؤول عن تلقيم المواقع الممنوعة للسيرفر ومراقبة الرسائل او عينات منها ... الخ
وثانيهما: مستخدم عادي لايخاف حتى من خالقه وينثر الجمل الانكليزية المبطنة بالتهديد والفيروس شمالا ويمينا دون خوف من الدولة رغم علمه انها قادرة على امساكه بالملقط المناسب وانها ان امسكته فما احلى غوانتانامو ... اي ينثرها بشجاعة انتحاريي ابن لادن في بلد ينفخ فيه سكانه على اللبن لشكهم انه قد يكون حليبا ساخنا.
هل هو ياترى مستخدم عادي جمعتني واياه نفس الصدفة التي جمعت بين المتظاهرين من كلية الحقوق والمتظاهرين من اجل الحقوق (امام القصر العدلي هذه المرة وليس خلفه) ولم تضطر الشرطة "الحيادية" الى "التفريق" بيننا لانني بعيد مستقو بالخارج.
هل حصلنا الآن على جواب عما اذا كان النظام قد غير عقليته ولون عينيه الحمراوتين. هذه واحدة.
الاخرى وهي الاهم: هل يدرك من اصدر الامر الى المخ الصغير الذي نفذ وترجم والى الاصابع التي كتبت الضرر الذي يمكن ان يسببه للدولة ... للدولة ... للدولة ... وليس للنظام او الحزب او الامن الذي ارضعه حليبه وفطمه. هل يدركون الاذى الذي يمكن ان يلحق بسوريا واهل سوريا من جراء اللعب بالنار كاطفال الغجر.
هل يظنون ان احدا صدق براءتهم حين ضربوا مظاهرة القطاع الخاص امام القصر العدلي بمظاهرة "مؤممة" ... مظاهرة تتظاهر بالحرية لتلعن انفاسها.
هل يتورعوا عن ضرب الناس ببعضها لعل الاحمر المراق يطلس الزهر الباهر ويخطف الابصار عن الحقيقة ..... بينما هم ينظرون الى حمام الدم جالسين في المرسيدس وراء زجاج نوافذها المعتم ... كاي زعيم مافيا رخيص... في فلم رخيص ... في صالة رخيصة!!!
من يظنون انهم يخدعون ... السوريين ... اللبنانيين ... العرب ... الرأي العام العالمي ...الحقيقة... التاريخ!!!
ام انهم يظنون انهم يؤجلون ساعة لون الزهر يوما آخر او يقتلونها بمطاردتها بالاحمر.
ساعة الزهر حين تأتي سيعرفها الناس وستعرفهم ... سيسبحون فيها وتسبح فيهم امواجا من البشر والحب.
فيها ... ومنها .. سينهض الناس ... من الزهر ...عبر القهر ... الى جميع الالوان ... وبرفق وتسامح سيمنعون الاحمر من التمادي باللعب بنار جهنم.
#عبدالله_الحمصي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ناكروا النعمة .... وبدري الذي حكى اخيرا
-
نعم ياسيدي...لاياسيدي .... لا لثقافة شرشحة القومية والاشتراك
...
-
هدية رمضانية الى الليبراليين: ديموقراطية بلا ليبرالية ... حز
...
-
جهاد نصرة ونبيل فياض ورجولة النظام السوري
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|