مايكل روبرتس - ترجمة: نديم المحجوب
"وضعية عدم الاستقرار تؤكد بأنّنا على وشك أن نعيش أكثر من تباطئ إقتصادي، أكثر من مجرّد كساد. بل اننا سنشهد قريبا هبوطا حادا لسوق الأسهم المالية وكساد إقتصادي لم يحدث منذ الثلاثينات. لكن رجاءا لا تسيؤوا فهمي. فهذا السقوط لن يكون على مرة واحدة . فاقوى المؤسسات والمصارف المركزية في العالم ستقوم بكلّ ما يمكن عمله لإسناد إقتصادياتها وتحفيز سوق الأسهم المالية و لو مؤقتا". (انظر *The Great Depression أكتوبر/ تشرين الأول، 2001)
التفاؤل الذي ساد أثناء اشهر الصيف حول الإقتصاد العالمي تبدد الآن. إنّ الحديث بين العديد من الأخصائيين في نيويورك، أو مجلة الإقتصادي في لندن، هو ان هناك خطر حقيقي ان تقع الولايات المتّحدة في انحسار إقتصادي و تجرف بقيّة العالم معها.
وحدهم المتحدّثون الرسميون لادارة بوش، ألن جرينسبان والإحتياطي الفيدرالي، وبالطبع، مصارف الإستثمار في وول ستريت التي لها مصلحة في نشر التفاؤل، يقولون ان الإقتصاد الأمريكي سيبدأ بالنمو بنسبة 3-4 % في السّنة، و ستنخفض البطالة ويصبح العالم بعد صدام حسين مكانا أفضل.
احدى التعليقات الرسمية المعهودة تلك الاتية من مايكل موسكو رئيس المصرف الإحتياطي الفدرالي بشيكاغو الذي يعترف بأنّ: "الطريق نحو التحسّن يبدو وعرا، " لكن يضيف مستطردا: " ما ان قطعنا طريقنا الحالية القاسية، فان الفرص الطويلة المدى للإقتصاد الأمريكي ستبدو جيدة."
لقد مر عام منذ الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي، رمز القوة المالية والاقتصادية الامريكية. معلّقون آخرون متابعين للإقتصاد العالمي لهم قول اخر في الموضوع: "للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، يقع العالم في قبضة انكماش إقتصادي عالمي متزامن، " يواصل الدّكتور كورت ريتشيباتشير قائلا: "نحن نتجه نحوإضطراب مالي في الولايات المتّحدة لم يسبق له مثيل في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية."
يرد في تعليق مجلة الإقتصادي ما يلي: " يبدو كامل الإقتصاد العالمي في وهن. ففي كل مكان، يراجع إقتصاديون أهدافهم. لا تزال اقتصاديات أمريكا وأوروبا واليابان في نمو. . .و لكن بالكاد. فالناتج المحلي الإجمالي الأوروبي لم يرتفع الا بنسبة 1.4 % في الربع الثاني من السنة. و نما الإقتصاد الياباني بصفة أفضل من الاقتصاد الامريكي - و لكن لا يوجد داع للارتياح. فاليابان ما زالت تعاني الإنكماش منذ بداية التسعينات. وانخفضت الأجور بنسبة 5.6 % في الربع الثاني. اما في أمريكا، فان الاسعار ما تزال ترتفع، و لكن ليس بحدة. بل ان الاسعار في قطاع التجارة في انخفاض للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. . .الى اقل من 0.6 % في الربع الثاني." و تضيف مجلة الإقتصادي ان "قبل نهاية 2003, يمكن ان تشهد إقتصاديات الثلاثة الاغنى في العالم - أمريكا واليابان وألمانيا - نسبا سلبية من التضّخم."
و لا يتفق ستيفن روتش- كبير الاقتصاديين في مصرف مورغان ستانلي- مع التوقّعات المتفائلة التي يبديها زملاؤه في مصرفه: "هناك شعور بالاحباط في الإقتصاد العالمي ، ففي بلد بعد اخر، و في منطقة بعد اخرى، تبدو أخطار النمو في الظهور. و اضحى هلع امريكا المضعف في وقت سابق من هذا الصيف عالميا و شمل السوق العالمية بسرعة. . . و هذ ما يترك الإقتصاد العالمي في وضع حساس جدا. إنّ محرّك النمو العالمي بدا يطقطق، ولا يوجد اي مصدر جديد للنمو لملئ الفراغ و بسرعة."
كما تكشف آخر البيانات ان الشيء الوحيد الذي لا يزال يسند نمو الاقتصاد الامريكي هو مبيعات السيارات، والمساكن، والأمل ان رئيس المصرف الإحتياطي الفدرالي ألن جرينسبان يقوم بالتخفيض في أسعار الفائدة أكثر و انعاش اقتصاد مريض. و لكن يبدو ان مبيعات السيارات قد بلغت اوجه الآن و بلغ الخلل في القروض و استردادها رقما قياسيا كما انخفضت أسعارالبيوت الامريكية الى اقل من 5.4 % في الشهرين الماضيين. ويبدو ان الفقاعة السكنية الكبرى ستنفجر.
ان االاساس الذي سيحدد سواء ان الرأسمالية العالمية ستظل في انحسار إقتصادي يحطّم الإستثمار والوظائف ويفاقم تردي مستويات معيشة الأغلبية هو فرص الربح. فالرأسمالية نظام المنتجون فيه (اي الشركات الخاصّة) تستثمر، تشغل وتنتج فقط من اجل االربح.
كما وضّح ماركس ،ففي ظل الرأسمالية قد ترفع التقنية الجديدة في إنتاجية العمل، لكنّ ذلك لا يؤدّي بالضرورة الى زيادة الربح لكلّ من يستثمر في السوق الرأسمالية. فالماكّد هو ان الذي يبادر الاول يكسب الفائدة الاول. لكن حينما يدخل الجميع اللعبة، ينجم عن المنافسة انخفاض في الأسعار وتتقلص في الأرباح. والادهى هو ان كلّ واحد يستثمر برؤوس اموال ضخمة لأن ذلك من مقتضيات المنافسة. و يؤدي تظافر الابتكار و الافراط الهائل في الإستثمار إلى الاقتراض المفرط و تجاوز الطاقة المتاحة. و هكذا يبدأ التقلص في الارباح و تنخفض أسعار الاسهم و يتراجع إستثمار الشركات. في حين تتدنى المبيعات، و تنخفض الأسعار نتيجة للمنافسة ، مما يؤدي تباعا الى تدني الارباح بدرجة أكبر. ويتحول الانتعاش الى انحسار.
ويتراءى هذا بوضوح في الولايات المتّحدة وأوروبا. فقد ظهر الإقتصاد العظيم و الجديد لتقنية المعلومات بنفس الاداء تماما للاقتصاد "القديم" للرأسمالية. فمنذ 1997، تقلص الربح في كل قطعة إضافية تستثمر في التجهيزات والتشغيل. و بحلول 2001، هبطت الارباح الصرفة في القطاعات المنتجة في الإقتصاد الأمريكي بحدّة. صحيح ان لا تزال هناك فوائد في بيع السلع الإستهلاكية والخدمات. و لكن لا يوجد ربح في أي شيء يصنع. فقد انحدر الإستثمار والإنتاج الصناعي و كذلك الوظائف.
يحدث ما يحدث بسبب الانكماش الذي بدا في 2001. و اي شيء آخر سواء كان الهبوط المطوّل لأسعار الأسهم، او التخفيضات الهائلة في نفقات الراسمال التجاري اوإنكماش النمو لدخل المستهلك - هو نتيجة ل "مجزرة" في الربح. هذا ولم يتغيّر شيء سنة 2002.
في نهاية الامر، جميع الاسئلة حول الإقتصاد الأمريكي تنتهي بسؤال واحد: ايعود الاستثمار التجاري بقوة كافية. ليتم ذلك، فان الاقتصاد الامريكي يحتاج الى حيثية مغرية للربح و الى أسواق مالية مساعدة. ولا شيء من ذلك يبدو في الافق. فبالرغم من تسريح 1.5 مليون عامل في الولايات المتحدة في الشهور الـ18 الأخيرة، فان شركات أمريكية لم تتمكن من الرفع في نسبة الربح الا ب 1.4 % منذ الركود الضخم في المداخيل في سنة 2001. هذا يعني ان كلفة راس المال للشركات الأمريكية في ركود مطلق. و اقراض المصارف للصناعة قد توقّف.
وكما بينت سابقا في هذا المحور، فانه لم يسبق ابدا في التاريخ ان كان سوق الاسهم بمثل هذه الاهمية لنجاح الراسمالية. فخلال الانتعاشة التي عرفها سوق الأسهم المالية في التسعينيات، حقّقت شركات رأسمالية أرباحها في الاغلب ليس فقط من التصنيع أو من قطاع الخدمات و انما و بنسبة اكبر من الإستثمار في الشركات الأخرى ومن خلال ارتفاع أسعار أسهم هذه الشركات.
و دوام الحال من المحال بالطبع. فعندما تبدأ أسعارالاسهم في الانخفاض، وبسبب الدور الضخم الحديث لسوق الأسهم المالية، فان أرباح الشركات تنخفض كذلك. واثرها يبدأ العالم بأكمله في الانهيار. فقد بدت أسواق الأسهم المالية تتجه نحو السقوط منذ مارس/آذار 2000. و خلال الشهر الماضي-اوت 2002- تراجعت أسواق الأسهم المالية الأوروبية إلى مستوى لم يسجل منذ 1997 كما لم تكن أسعار الاسهم الامريكية بعيدة عن ذلك المستوى.
وما ان انهارت أسعار أسهم شركات من مثل إنرون بوش-Enron-، هاليبورتون-Halliburton- تشيني للنفط ، و تيكو-Tyco- و وولد كوم- WorldCom- بالإضافة إلى فيفيندي –Vivendi-الفرنسية وموبيل كوم-MobilCom- الالمانية انهارت بدورها. هذا الطمع المطلق للمدراء الفاحشي الثراء لهذه الشركات الإحتيالية والمفلسة اغضب الأمريكي العادي الذي فقد تبعا لذلك العمل في تلك الشركة أو فقد جزءا عظيما من دخل التقاعد في صندوق المعاش الذي إستثمر في هذه الشركات – أو فقد الاثنين معا.
آخرالقصص الغريبة قصة جاك والش، المدير التنفيذي الكبير السابق جي إيGeneral Motors احدى أكبر الشركات الامريكية والأكثر نجاحا. اذ تركت صفقة تقاعد السّيد والش الجميع فارغي الافواه. هذا علاوة على 22 مليونا في شكل اسهم في الشركة ، اسهم ما تزال بقيمة 600 مليون دولار على الرغم من سقوط أسعار الاسهم. و طبقا لصحيفة الوول ستريت، فان جي إي تواصل تحقيق ارباح في "السيارات و الالكترونيات في عدة اماكن ؛ تكاليف شقّة على ملك جي إي في مانهاتن من الزهور إلى الفاكسات و الماكولات؛ تذاكر للأحداث الرياضية والثقافية؛ وخدمات مثل أجور نادي البلد والامن والتخطيط المالي." إنّ القيمة الشهرية لشقّة على ملك جي إي في السنترل بارك واست حوالي 80,000$ طبقا لزوجة والش المجافية. هذا و توجد تحت تصرفه أيضا طائرة خاصّة للطيران الى أي مكان في العالم على حساب حملة الاسهم و الموظفين في جي إي.
في هذا الاطار يندرج استعداد بوش لحربه ضدّ العراق. إنّ الإقتصاد الأمريكي في مازق. و الإقتصاد الرأسمالي العالمي أيضا.و ذلك يعني أنّ فرص بوش في ان يقع انتخابه رئيسا لفترة ثانية في غضون سنتان تبدو كالحة. او ليس همّ الرؤساء من وراء اعمالهم ان يتجدد انتخابهم!
فنصر سريع على صدام سيعيد له شعبيته بالضبط كما حصل لتاتشر في حرب الفولكلند. و هذا ما يتمناه على الاقل. بالإضافة الى ذلك، يسيطر على مصادر النفط في العراق و يمكّن الرأسمالية الامريكية من السيطرة على الاسعار واعتماد أقلّ على المنزل المتعفن لاهل سعود في العربية السعودية. وبعد ذلك، ربما، يمكن للطبقة الحاكمة في كل من امريكا و اسرائيل من فرض نوعا من "التسوية السلمية" على الفلسطينيين. تلك هي الأهداف الحقيقية للحرب.
ما هي الملابسات الإقتصادية؟ ان الإرتفاع الضخم في نفقات "الدفاع" بدا يساعد على إسناد الاقتصاد الأمريكي المتعثر،و لكن ذلك على حساب التقليص في الأموال المخصصة للإستثمار في القطاعات المنتجة من الإقتصاد. ان أفضل سيناريو لبوش والرأسمالية العالمية سيكون نصر سريع في العراق، بقوات أمريكية لا تلحقها الا خسائر طفيفة نسبيا ونظام جديد مدعم من الولايات المتّحدة. ان أسواق الأسهم المالية العالمية ما زالت تسعّر في اطار "هذا السيناريو الجيد".
لكن حتى و لو حدث هذا، فان ذلك لن يكون كافيا لإعادة عربة الإقتصاد العالمي على السكة. فهو قد يجدّد "الثقة" سريعا لكنّه لن يخلص التجارة من الدّين و لن يخلق وظائف جديدة. وإذا ما ابدى الشعب العراقي بالإعتراض على نظام عميل يفرض في بغداد، فان الحالة في العراق يمكن أن تصبح أكثر بلبلة مما عليه الحال في أفغانستان الآن، فبدون نظام مستقرّ، لا حلّ للفاقة والانتعاش الاقتصادي.
و يمكن أن تكون الامور أسوأ بكثير. فقد لا تسير الحرب وفق الخطّة. و يمكن أن تجد القوات الأمريكية نفسها في حملة طويلة ضدّ قوات حرب الغوار ولربّما يتحتم أن تبقى وقتا طويلا جدا (و بكلفة ضخمة) لـ"ترسي الامن" في العراق. عندها ترتفع أسعارالنفط بحدّة، و تنهارأسواق الأسهم المالية و تتسارع عجلة الكساد الإقتصادي العالمي.
في أحسن الأحوال لن تكون مغامرة بوش العراقية مخرجا للرأسمالية العالمية و في أسوأ الأحوال يمكن أن تكون نقطة الانعطاف نحو كساد إقتصادي عالمي.
سبتمبر/أيلول، 2002