احمد عبدول
الحوار المتمدن-العدد: 3938 - 2012 / 12 / 11 - 21:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مثلما يكون الدين سلاحا فعالا في توحيد الأمم والشعوب في حال توفر عدة شروط تاريخية واجتماعية وسياسية واقتصادية يكون في أحيان أخرى عامل هدم وسبب مباشر من أسباب الفرقة والتنافر والتناحر والتضاد بين أفراد الأمة وشرائح المجتمع ,ولا شك إن مثل هكذا أمر يتوقف على تلك الأرضية التي تعتنق الدين وتلتحف ببردته .
الأرضية هي ذلك المجتمع الذي يدين بهذا الدين أو ذاك بمعنى أخـر إن القاع الاجتماعي هو من يحدد مدى قابلية الانتفاع من الدين أو عدم الانتفاع منه فإذا ما كانت المجتمعات تمتلك إرثا يقوم على قيم التسامح ويرتفع فوق قاعدة تقبل الأخر وتستوعب كافة القراءات المختلفة للطرح الواحد فان تلك المجتمعات سوف تستثمر الدين بشكل ايجابي لصالح بناء مشروعها الحضاري والتقدمي ,إما إذا كانت تلك المجتمعات لا تمتلك سوى تاريخ يمجد الغزو ويحبذ استخدام السيف ويعزز من قيم القوة والتفاخر بالإباء والأجداد فإنها لا محالة سوف تظهر الدين بمظهر غير لائق وغير قابل للتصدير( اكسبا ير ) إذا صح التعبير .
ولا شك إن الشعوب الإسلامية والعربية تحديدا والتي اعتنقت الإسلام في يوم من الأيام هي بلدان تمتلك ذات الإرث التاريخي المشترك ضمن تباين طفيف ,فهي جميعا شعوب ذات تاريخ يغص بالنزاعات ويمتلئ بالخصومات والمماحكات والحساسيات الطائفية والمذهبية والعرقية والمناطقية ,لذلك نجد تلك البلدان ما زالت تعيش واقعا مضطربا وان كانت تظهر بمظهر أخر لا يمت إلى واقعها الحقيقي بصلة.
لا شك إن مثل تلك الشعوب سوف تستثمر الدين بشكل سلبي للغاية ليظهر بمظهر منفر للغاية ,قد يقول قائل إن تلك الشعوب لم تستثمر الدين بهكذا شكل فقد قادت ركب الحضارة الإنسانية في يوم من الأيام تحت راية الإسلام الإ إن مثل هذه النظرة تعد نظرة قاصرة فقد توحدت تلك الشعوب في ظل المصالح الدنيوية المشتركة التي ارتبطت بالفتوح الإسلامية وموجات الغزو الذي وصل إلى حدود اسبانيا ومضيق البسفور , حتى إذا ما استوفت غاياتها وعادت إلى حواضنها الاجتماعية عادت إلى مربع التضاد والتنافر والتدابر والتقاتل لكي تشهد أسوء نهاية لها عندما انهارت دولها وتهاوت أنظمتها من الداخل بسبب فساد الأمور وتضارب المصالح وتقاطع الروي مع ظهور النزعات الفئوية والقبلية والذي تزامن مع كثرة الثورات الاجتماعية المسلحة ليأتي الغزو الخارجي مجهزا على ما تبقى من هيكل الدولة بشكل دراماتيكي مفجع .
إن المتتبع لتاريخ الشعوب العربية يتلمس كل ما نشير له بقوة ,ولعل الشعب العراقي هو أحد تلك الشعوب التي لم تستثمر الدين بشكل يجعل منه خيمة يستظل بها جميع أبناء الوطن الواحد السمحاء باستثناء فترات قليلة من تاريخ العراق المعاصر (أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم ) أي مرحلة ما يسمى بمرحلة التنوير عندما تأثرنا بموجات الغرب في شتى مجالات الأدب والثقافة والصناعات والفنون والعلوم الإنسانية .
إن أهل العراق عرفوا منذ القدم بحدة نزاعاتهم واختلاف أراهم وتباين مشاربهم وتضارب مصالحهم لذا فإنهم عندما أخذوا يتعاملون مع الدين تعاملوا معه بمنطق الغلبة وتعاطوه وفق معايير تعتمد الإقصاء وتغييب وتسفيه الأخر المختلف .
إن أهل العراق وهم كسائر البلدان العربية مع فارق نسبي بسيط لا يمتلكون دينا خالصا بقدر ما يمتلكون تاريخا يرتبط ارتباطا وثيقا برجالات حكمت أو لم تحكم في فترات زمنية متعاقبة ( أهل البيت والصحابة والتابعين لهم بإحسان ) .إن أهل العراق لا يمتلكون دينا خالصا بقدر ما يمتلكون تاريخا سياسيا لحكومات ارتبطت بالدين بشكل وبأخر على سبيل الفوز بالسلطان والتمسك بكرسي الحكم تحت شعار الحكم العضوض .إن أهل العراق لا يمتلكون دينا خالصا من شوائب التاريخ وبراثن السياسة بل إن كل ما يمتلكونه هو مزيج من نزاع تاريخي متجذر يقع ضمن دائرة شخوص الدعوة الأوائل إذا صح التعبير لذلك نجد إن مادة التاريخ الإسلامي وما أفرزته الحكومات التي حكمت من سياسات دست انفها في كليات العقائد وجزئياتها هي من يبسط نفوذه ويحكم سيطرته على منطقة تفكير الفرد العربي عموما والفرد العراقي بوجه الخصوص .من هنا أصبح العراقيون من أشد الناس ولعا بمادة التاريخ السياسي الذي اخذ يأكل من جرف الدين كمنظومة أخلاقية واجتماعية كل مأخذ حتى بات شكل الدين كمضمون وليس كعبادات ومعاملات وطقوس باهتا ، أما لون التاريخ السياسي فقد بقي لونا مؤثرا داخل مخيلة ووجدان العراقي بشكل وبأخر ,التاريخ السياسي المليء بالتقاتل والتناحر هكذا تاريخ ظل حاضرا بكل ثقله في ذهنية وذاكرة الأجيال يحركها يمينا وشمالا فيحكم حركتها ويضبط إيقاعها ويوجهها الوجهة المطلوبة إن الدين لا يكون نافعا عندما يعتنقه شعب يقوم تاريخه على المناكفات والمفارقات والتناقضات التي تتحول تلقائيا عند دخولها على خط الدين إلى نزاعات بين أصحاب الدين الواحد والمذهب الواحد والملة الواحدة . ولعل أبرز مصاديق ما نود قوله هو مسألة الشيعة والسنة إذ إن تلك المسالة في حقيقتها لا تعد مسالة دينية من قريب أو بعيد لكنها مسألة نزاع حول أفضلية وعدم أفضلية أئمة ورجالات وشخوص وحكام بعينهم ,وإن كانت تلك القضية تتقمص ثوب الاختلاف الديني والعقائدي ,إلا إنها في حقيقة جوهرها تبقى مسألة غير دينية أصلا وكيف تكون كذلك والشيعة والسنة يتلوان ذات الكتاب ويستقبلان ذات القبلة ويستشفعان بذات الرسول ويقران بأن الصلاة على محمد وآل محمد ركن أساسي تبطل الصلاة دون ذكره والإتيان به كما يؤمنان إن الجنة حق وإن النار حق وإن الله يبعث من في القبور .
إن الدين عندما يختلط بمادة التاريخ الإسلامي لن يبقى منه سوى اسمه ولن يخلص منه سوى رسمه أما إذا تخلص الدين من براثن وآثار تلك المادة المسمومة والبضاعة الفاسدة فأنه سيبقى محافظا على نظارته ورونقه وتأثيره على العقول والنفوس .,من هنا يبتنين لنا أهمية عملية فك الارتباط بين ما هو ديني وغير ديني (التاريخ السياسي ) ذلك التاريخ المشحون بالعداوة والبغضاء والتقاطع والتدابر . .
إن الحفاظ على جوهر الدين إنما يأتي من خلال تسييجه بسياج عال من القدسية والمهابة والتبجيل والاحترام وعدم المساس به أو تعريضه لأي مؤثرات خارجية تحرفه عن مساره وتخرجه عن مساره المحدد له في طريق إسعاد الخلق ورفاهية المجتمع ,إن الدين عندما يقدم بمادته الأساسية الخام فإنه لا محال سيؤتي أكله ويطرح ثماره أما إذا طرح على شكل حساسيات مذهبية مفرطة فأنه لا شك سيكون مدعاة للتقهقر والعودة بالأجيال إلى مربع الجهل والتكفير . ولا شك إن مثل هذا الأمر يعد مسؤولية عظمى تقع على عاتق علماء الدين من مراجع وشيوخ ومعممين ومثقفين وإعلاميين وكتاب ومحليين ليتسنى للجميع المشاركة الفعالة في بناء مستقبل العراق عراق التعايش والتوافق والتسامح والتآلف ,عراق الحضارة والتقدم والمدنية جعلنا الله وإياكم من بناته ورعاته آمين رب العالمين .
#احمد_عبدول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟