جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3937 - 2012 / 12 / 10 - 20:18
المحور:
المجتمع المدني
يجب أن تكون الثورات العربية ثورات عالمية وليست ثورة لخدمة حزب واحد أو حزب واحد هو الآمر الناهي مهما كان اتجاه هذا الحزب يساريا أم يمينيا إسلاميا أو مسيحيا, يجب على الثورة أن تضع حلا لكبرى المشاكل التي نواجهها وأن تهدف إلى تخطيط سليم ومريح لنا وللأجيال القادمة وأن نمارس جميعنا خرية الدين والاعتقاد بدل ملاحقة المختلفين معنا أمنيا بشتى وسائل الملاحقات الأمنية التي تتكرر كل يوم عبر المشاهد المتوارية عن الأعين,وهذه الحرية أصلا هي التنمية الشاملة لنا جميعنا فالحرية أيضا اقتصاد أو نظام اقتصادي يدعم البنك المركزي من خلال جلب الدعم عبر تحقيق التواصل الاجتماعي بين المؤسسات العربية الحديثة الصنع والمؤسسات الكبرى في أكبر دول العالم على وجه العموم, ويجب أن نحترم الحرية الشخصية لمن أراد أن يعيش طريقة حياته كما يراها هو مناسبة لذلك وأن نحمي بالدرجة الأولى الذين نقول عنهم بأنهم شواذ علما أنهم ليسوا شواذ بل مختلفين معنا في الرأي وفي طريقة الحياة, يجب على الثورة أن تساهم في بناء مؤسسات المجتمع المدني فعلا وقولا وممارسة وليس مجرد طرح وجهات نظر بعيدة ومترامية الأطراف والوقوف عندها فقط لا غير, وهنالك لي ملاحظة على كافة الأنظمة الديمقراطية في الوطن العربي والتي تدعي أنها ديموقراطية وهي أن تلك الحكومات تقول في الليل بحرية الرأي والسماح به ولكنها في النهار تنفق كثيرا من النقود من أجل إحباط مسعى تلك الجماعات وملاحقتهم وتشويه صورهم ومحاولة إغراقهم في قضايا الفساد والرشوة أو في قضايا جنسية, إن الثورة يجب أن تكون ثورة مدنية تهدف إلى تقليل خطر انبعاث الغازات السامة وإيجاد بدائل للطاقة وحماية البيئة والتقليل من خطر الانحباس الحراري والإعداد للمستقبل ويجب أن تهدف إلى توقيف حالة الانتحار الذري, يجب على الثورة أولا وأخيرا أن تبني لنا مؤسسات حكم مدنية تحكمنا فنحن حتى الآن لا نملك مؤسسات حكم وإنما نملك عقولا من القرون الوسطى هي التي تحكمنا على مبدأ رضيت أم أبيت أو على مبدأ الحاكم الفردي العادل أو الطاغية العادل, فحتى هذا الحاكم العادل نحن لا نقبل به حتى وإن حقق العدل بين الناس فشروط مؤسسات الحكم الحديثة هي إشراك الأقليات في الحكم ورد الاعتبار إليهم وعدم تهميشهم، وأن لا يعود موضوع حكمنا إلى حزب معين أي يجب أن لا يتحكم بمصيرنا رئيس حزب معين سواء أكان ماركسيا أو اشتراكيا أو رأسماليا أو إسلاميا, ويجب أن لا تكون كل الآمال والطموحات كلها ملقاة على عاتق حزب واحد أو رجل واحد طاغية أو حتى عادلا,فالعدل المطلق أصلا لا يتحقق نهائيا وهذا ضربٌ من الأوهام والخيالات والذي يحقق العدل هو إشراك كل الأطياف والألوان في بناء مؤسسات حكم حديثة, وقبل أن نتحدث عن الدستور القديم أو الجديد يجب علينا أن نجد مؤسسات حكم نلجأ إليها وأن ترفع الدولة يدها عن الثقافة والصحافة وأن توكل مهمة دعم المثقفين والصحافة إلى الشركات التجارية من خلال خصم نسبة معينة من الضريبة وهذا معمول فيه في أغلب الدول المتقدمة, إن الدولة التي تضع يدها على المؤسسات الثقافية هي دولة أولا وأخيرا لا تخجل من نفسها ولا تستحي من هذه الخديعة لنفسها وللمثقفين فنحن لا نريد دعما من الدولة وإنما نريد من الدولة أن ترفع يدها وسلطتها عنا وكأننا ندير أنفسنا ذاتيا , المسئولية يجب أن يتحملها الجميع, ويجب على الثورة بعد أن تحققت شروطها أن تفي هي الأخرى بوعودها وأن تضع حدا لتفشي الفقر كما وضع الطب حدا لتفشي مرض الكوليرا أو الملاريا, ويجب أن تجد الثورة حلولا لكل مشاكلنا منها المساواة بين الجنسين الناعم والخشن والمساواة بين أفراد المجتمع وتحقيق مبدأ التنافس الشريف, إن الثورة الحالية التي وقعت في الدول العربية ما هي حتى الآن إلا مجرد تبادل بالمقاعد بين اللص والجلاد أو بين الحاكم والمحكوم والعبد والسيد والرئيس والمرؤوس والفاعل والمفعول فيه, إن تبادل المقاعد هذا بين النظم المجتمعية في مجتمعاتنا العربية أو بين النُظم الحاكمة والمحكومة ما هو إلا حالة من الانجماد الفكري والانتقام من الذي كان فعلا على يد المفعول فيه وطعنا وضربا من الخلف بين الذي كان في الماضي حاكما وأصبح الآن محكوما.
كل هذه الأمور لم تكن في يوم من الأيام إحدى أهداف الثورة الحقيقية فالثورة الحقيقية يجب أن تكون تنمية شاملة عبر بناء مؤسسات المجتمع المدنية وتفعيل دورها في رسم السياسات والتخطيط للمستقبل,إننا لا نملك كمجتمعات عربية أدنى فكرة عن التخطيط للمستقبل مثل باقي المجتمعات الراقية فكل شيء عندنا بالتوكل والتواكل والتخاذل على مبدأ المثل القائل(اصرف ما بالجيب يأتيك ما بالغيب) فهذا المثل علامة واضحة ومسجلة على سذاجة وبساطة التفكير فلا يوجد عندنا حساب للمستقبل, إننا مثلا نملك مستشفى صحيا ليكفي 50 ألف مواطن بينما الوافدون عليه يبلغ عددهم 150 ألفا مما يشكل عبئا ثقيلا على الكادر الطبي وهذا كله بسبب سوء التخطيط والتنظيم الأسرى وهنالك مثلٌ آخر وهو عدد المدارس فالمدارس عندنا مخصصة مثلا في إحدى المناطق لاستيعاب 100ألف طالب ولكن في حقيقة الأمر يدخلها كل صباح أكثر من 200ألف طالب وطالبة, فما معنى نقصان الخدمات في كل محافظة من محافظات الدول العربية إلا نوعا من التخبط العشوائي ودق مسمار كبير في نعش النُظم الحاكمة, لقد كان وما زال تفكيرنا أيضا جهويا وقبليا وليس تفكيرا صادرا من مجتمع مدني متحضر إننا ما زلنا نملك أدوات حكم قديمة وهي عبارة عن خردوات يجب أن يكون محلها ومكانها في مكب النفايات وفي مزابل التاريخ بينما نحن في الحقيقة تحكمنا وننصاع إليها, إن الثورة الحقيقية عليها أن تنقلنا من الجهوية والقبلية إلى النظام الاجتماعي المدني عبر تطوير مؤسسات حكم مدنية حديثة وبدل أن أكون أنا ابن العشيرة والقبيلة يجب أن أكون ابن المواطنة وتحقيق مفهوم المواطنة وتعميق معناه جيدا,ويجب أن ننتقل من مفهوم الغنيمة إلى مفهوم الضريبة فبدل أن تأخذ مني الدولة غنيمة أو جزية كما يشاع يجب عليها أن تأخذ مني ضريبة تعود بالنفع عليّ أنا شخصيا وذلك عبر تطوير نظام التربية والتعليم والإنفاق الجامعي على مشاريع دعم الأبحاث العلمية ونشر الكتاب وكل هذا يأتي من خلال الضرائب على الشركات وكبار رجال الأعمال والمشاهير الذين يملكون كثيرا من النقود فهؤلاء مثلا يجب أن يدفعوا الضريبة ليعود نفعها على المواطن بصورة إيجابية.
إن الثورة يجب أن تتحقق أهدافها بعد أن تحققت شروطها حيث كان الشرط الأولي لها هو الفقر والجوع والحرمان وعدم المساواة, أي يجب أن تنقلب هذه الحياة كلها رأسا على عقب عندها سنتأكد بأن الثورة قد أخذت مسارها الجديد...ونجحت.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟