|
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي واعادة البناء ج- قضايا اعادة البناء في ب ك ك -2 العلاقات الكردية - التركية تاريخياً-1
عبدالله اوجلان
الحوار المتمدن-العدد: 1138 - 2005 / 3 / 15 - 10:09
المحور:
القضية الكردية
2- العلاقات الكردية – التركية تاريخياً:
فَرَض (مشروع الشرق الاوسط)، الذي أثارته أمريكا ثانية وطرحته على الساحة، على الجمهورية التركية التقربَ بموضوعية أكثر من الظاهرة الكردية ومن علاقاتها مع الأتراك. لذا تكتسب العلاقات التركية – الكردية بُعداً تاريخياً هاماً. من المعروف جيداً كيف دق ناقوس الخطر حصيلة السياسات الإنكارية المتبعة في المراحل الأخيرة. ولكي لا نعيش مأساة تركية – كردية مثلما شُوهد في المأساة الفلسطينية، يتوجب إبداء الموقف الديمقراطية الخلاقة من القضية الكردية من الآن فصاعداً، ووفق الإرشادات الاجتماعية التاريخية. إلا أن تركيز نظام الدولة والمجتمع برمته – مضموناً، لا قوة- بيسارييه ويمينييه على ممارسات الإنكار في المراحل الأخيرة رغم الألقاظ الديمقراطية البراقة؛ يفتح الطريق أمام المخاوف الكبرى والقلق من سيادة أوساط محمَّلة بالإشتباكات الكبرى مجدداً. واستناداً إلى التجارب التي مررنا بها، يتمتع تقديمنا لبعض الاقتراحات والأفكار بأهمية قصوى في سبيل إزالة الشكوك والمخاوف بشكل مقنع، وإفساح المجال أمام أوساط حقيقية تَعِدُ بالحل المرتقب. يشير التاريخ إلى وجود دلائل هامة تبرهن على نزوح جماعات من أقوام سيبيريا الجنوبية التي يتواجد ضمنها الأتراك الأوائل في الحقبة ما بين 9000 – 7000 ق.م إلى الجنوب المعروف اليوم ببلاد الصين وكوريا واليابان ومنغوليا وآسيا الوسطى وإلى الغرب منها أيضاً، بينما انتشر القسم الآخر منها في القارة الأمريكية عبر مضيق (برينغ) الواصل بين القارتين الآسيوية والأمريكية. والخصائص الأثيمولوجية والعرقية على السواء تؤكد هذه الحقائق بقوة. تعرَّف هذه الحقبة بأنها المرحلة التي تحققت فيها الثورة النيوليتية – الثورة الزراعية والقروية – على سلاسل جبال طوروس وزاغروس، ووصلت إلى شواطىء المحيط الهادي وحواف الصين. ويخمَّن أن خلاقية الثورة النيوليتية هي التي دفعت هذه الأقوام للحركة. ومع ازدياد عدد السكان ضمن هذا النظام الجديد على المدى الطويل اكتسبت ظاهرة الترحال والهجرة معناها. أول حضارة مشهورة ظهرت في الصين في أعوام 2000 ق.م حيث لعب النهر الأصفر دوره في تأسيس تلك الأقوام للحضارة، بمثل ما لعبه نهر النيل ودجلة والفرات والبينجاب. ومن المحتمل تعرض المنطقة لهجمات متعاقبة من الأقوام المجاورة مع تصاعد الحضارة على أطراف النهر الأصفر. بيد أن الوثائق المكتوبة الأولى للمصادر الصينية تشير إلى حدوث هجمات الإيغوريين من الأقوام المجاورة في أعوام 200 ق.م. وتُجمع الآراء على أن الأيغوريين هم الأتراك الأوائل. وتعد الكرونولوجيا (kronoloji) المبتدئة في 209 ق.م. مع مته خان (mete han) سارية المفعول في التاريخ التركي الرسمي. ويمكن مشاهدة تحركات الأتراك الأوائل الكبيرة نحو الجنوب، أي باتجاه الصين وأفغانستان والهند، ونحو الغرب، أي باتجاه كازاخستان الحالية ومنها إلى أوروبا؛ وذلك من خلال العديد من الوثائق التاريخية. والمناطق التي تكثفت بهم بالأكثرية كانت كرغيزستان، كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان ومنطقة إيغور الصينية. ومع حلول القرن الرابع بعد الميلاد بدأت التدفقات الخونية (hun) الكبرى باتجاه أوروبا. فالتدفقات الفاشلة المتجهة إلى الصين غيرت وجهتها إلى أوروبا. ومقابل هذه الانتشارات (عمليات الاستيطان) على شواطىء نهر الخزر والبحر الأسود، تزايدت الانتشارات (عمليات الاستيطان) في بحيرة آرال وفي جنوبي نهر خزر باتجاه أفغانستان. وأدى التضخم السكاني وجفاف الاقليم إلى التسريع من عمليات النزوح. وفي القرن السادس بعد الميلاد ازدادت الضغوطات على الحدود الإيرانية لتستمر حتى عهد (إمبراطور) البَرسيين. وتعود حكايا أوراسيا (Efrasiyap) والطورانيين إلى هذه الحقبة. أدى بلوع الديانة الإسلامية حتى حدود آسيا الوسطى في نهايات القرن السابع الميلادي إلى بدء مرحلة جديدة في تاريخ الأتراك. وكَون دول الكوك ترك (Göktürk) المؤسَّسة قديماً ودولة إيغور اللاحقة لها تتسم بماهية كونفدرالية بالأرجح، يمكن التخمين عندئذ بعدم المرور بتجربة الدولة المركزية بشكل قوي. فحتى تلك الحقبة لم تشاهد ظاهرة الدولة المركزية الطويلة الأمد في آسيا الوسطى على العموم. فأعمار الكونفدراليات المؤسَّسة بتأثير بلاد الهند والصين، لم تتجاوز السنة أو السنتين. حتى إمبراطورية المغول العالمية الأخيرة عانت القصور في تخطي هذه الظاهرة. اعتنق الأتراك الديانة الإسلامية لمآرب سياسية أكثر منها لدوافع دينية. فبدون اعتناقهم إياها لن تتوفر لهم إمكانات الترحال التقليدية. وعملية الأسلَمَة المتسارعة في القرن التاسع الميلادي ازدادت وتيرتها مع تأسيس أولى الكيانات السياسية. وتعد الإمارة السلجوقية الأولى المعمِّرة في مدينة مرو (merv) التجربة الدولتية الأولى للقبائل التركية الأرستقراطية، بعد تجربة إمارة قرة خانلي. مهَّد الانتصار في معركة داندناكان في عام 1040م إلى ظهور السلالة السلجوقية في تقاليد الدولة الإيرانية. وفي عام 1055م نَصَّبَ الخليفة الإسلامي في بغداد الأمير السلجوقي سلطاناً لتمتد حدود السلالة من البحر الأبيض المتوسط حتى أفغانستان. ولأول مرة تشهد قبائل الأقوام التركية العشائرية في هذه الفترة تمايزاً طبقياً واسع النطاق على أسس إقطاعية. وبينما انتشرت الشريحة الأرستقراطية المتدِّولة على شكل إمارات كثيرة في عموم الشرق الأوسط، استمرت الشرائح التركمانية الفقيرة في المعيشة بشكل قبائل متنقلة لوحدها في المستويات السفلية. وأدى التزايد المتكاثف لعدد السكان الأتراك في الشرق الاوسط في الفترة ما بين القرنين العاشر والخامس عشر الميلاديين إلى حدوث التمدن والتمايز الطبقي من جهة، وظهور التدوُّل بشكل متداخل من جهة أخرى. وبعد سلطنة السلجوقيين العظمى التي عمَّرت جيلاً (رَوْقاً) بأكمله على وجه التقريب، حلت محلها الإمارات والولايات والملكيات (atabekler). ومنها اتحد سكان الأناضول ليؤسسوا الدولة السلجوقية الأناضولية التي جعلت من قونيا مركزاً لها، وهي أول دولة إسلامية في بلاد الأناضول. أما الإمارة العثمانية المؤسسة إلى الغرب منها على أنقاض الإمبراطورية البيزنطية بعد مرور ما يقارب قرنين من الزمن (1076- 1308)، فآلت إلى إمبراطورية السلالة العثمانية التركية كأعظم مركز إقطاعي. وقد اضطرت هذه الإمبراطورية للدفاع عن الشرق تجاه الغرب في أوج ازدهار الرأسمالية وتعاظمها. شهد القرنان التاسع عشر والعشرون تصاعد القومية البرجوازية التركية؛ فكان عهد الإصلاح في 1840، وكانت المَلَكية الدستورية الأولى في 1876، والمَلَكية الدستورية الثانية في 1908، ليبدأ في عام 1920 وعلى أنقاض الحرب العالمية الأولى عهد التحرير الوطني والتدوُّل وتأسيس الدولة القومية التركية. وشكَّل عهدُ الجمهورية طَوراً تاريخياً هاماً شهد تَشَكُّل الأتراك كقومية راسخة في بلاد الأناضول، بحيث حققت الانتقال من نظام المجتمع الإقطاعي إلى نظام المجتمع الرأسمالي. ولعبت علاقات الأتراك مع الكرد دوراً استراتيجياً حيوياً في تكاثف مجازفاتهم الشرق أوسطية في بلاد الأناضول أساساً على مر ألف عام تقريباً وتدوُّلهم، وفي عملية انتقالهم مع التدول من المرحلة القبلية إلى مرحلة القومية التركية. يمكن إرجاع جذور العلاقات الكردية – التركية تاريخياً إلى التعاليم الزرادشتية – الطورانية الملحمية. فأسفار الإمبراطورية البرسية- الميدية (الإسكيتيين) باتجاه محافظات الأتراك الأوائل قد أضفت على العلاقات بُعداً ملحمياً. وفي عهد البارثيين والساسانيين، وبينما تكاثف استيطان القبائل التركية في أيالة خراسان شمال شرقي إيران على وجه التخصيص، دخلوا في تماسٍ مع القبائل الكردية التي نزحت إلى هناك لأسباب مختلفة. أما التَماسّ الأصلي فكان في عهد نفوذ السلاطين السلاجقة الكبار. شهدت العشائر التركية والكردية الموجودة في يومنا الراهن في أراضي العراق وأذربيجان وأرمينيا وميزوبوتاميا، تعايشاً متداخلاً ضمن علاقات وتناقضات معقدة في الفترة المتراوحة بين القرنين العاشر والخامس عشر للميلاد. وبعد عهد السلاجقة الكبار عاشت العديد من الإمارات التركية والكردية جنباً إلى جنب، وفي مقدمتها، دولة آك كويونلولار، دولة قره كويونلولار، آرتوكوغولار، ومَلَكيات (atabekler) الموصل. وقد لعبت الديانة الإسلامية المشتركة، ومحاربة الدولتين البيزنطية والأرمنية المسيحيتين لها، ومن ثم الحروب الصليبية؛ دوراً استراتيجياً في ذلك. أما لفظ (كردستان) فقد استخدمته الهيئة الإدارية لدى السلطان سنجار (1155) آخر السلاطين السلاجقة الكبار. ويُجمِع المؤرخون على أن الكرد كانوا يشكلون القوة الثانية العظمى في معركة ملازكيرت (1071)، حيث تمكن السلطان ألب أرسلان أخيراً من فتح بلاد الأناضول. فالكل يعلم أن هذا الأخير جاء مدينة سيلفانا (Silvana)، عاصمة الدولة المروانية الكردية آنذاك، في 15 آذار من عام 1071، وجمع ما يقارب عشرة آلاف من القوة العسكرية المهيأة، ومثلها من القوات العشائرية. وهذا ما معناه أنه لا يمكن التفكير بوجود الأتراك في بلاد الأناضول دون مساعدة من الكيانات السياسية الكردية لها. وحتى إن تحقق هذا الوجود، فلن ينجو من المخاطر الجدية المحدقة به. يجب اليقين تماماً بأن أي مجتمع يؤسَّس على توازنات ما، يواصل وجوده لمدة طويلة وفقاً لتلك التوازنات. وفي حال افتقاره إلى تأثيراتها فسيبقى يتخبط في مخاطر جدية إلى أن يوجِد لذاته توازنات جديدة تؤمِّن له سيرورته. سيكون من الأصح التفكير بوجود بُعدَين للعلاقات الكردية والتركية بعد هذه المرحلة. البُعد الأول هو بُعد الدولة والسياسة، وهو يشير إلى العلاقات والتناقضات القائمة بين الإمارات الكردية والتركية، والتي تبدأ في عام 1050 لتنتهي بانهيار السلاجقة الأناضوليين. البُعد الثاني هو المعني بالساحة الاجتماعية والثقافية. وهو العهد الذي شهدت فيه القبائل انصهاراً طبيعياً وحقيقياً متداخلاً. وما حصل كان الانصهار الطبيعي ضمن الساحة الثقافية والاجتماعية الكردية بالأرجح. وهو فترة بعثت على الرفاه والتنوع السلمي والثقافي، ولا تزال مستمرة إلى الآن. مع بدء عهد الجمهورية بدأت مرحلة الصهر الإجباري في بوتقة القومية التركية نتيجة القمع السياسي المغالي للنزعة القومية التركية. وبقي الكرد – كمجتمع – في هذه الفترة وجهاً لوجه أمام انصهار سياسي واجتماعي واقتصادي وعسكري وتعليمي وفني مريع. المرحلة الثانية تبدأ فيما بعد القرن السادس عشر، حيث شهدت علاقات سياسية استراتيجية في عهد السلطان سليم ياووز الذي توجه بالإمبراطورية العثمانية نحو الشرق. حيث كان السلطان سليم ياووز بأمس الحاجة لمؤازرة الإمارات الكردية المتميزة بموقع استراتيجي هام للتغلب في معاركه على كل من الإمبراطورية الصفوية في إيران والدولة المملوكية في مصر. ويدوِّن التاريخ أنه بعث إلى تلك الإمارات كميات لا حصر لها من الذهب الخالص ومستندات بيضاء موقعة لتأمين تحالفها وإياه. وقام بعقد نحالفاته مع ثلاث وعشرين إمارة كردية كلٍّ على حدة. كان يجنح السلطان ياووز إلى تأمين وحدة تلك الإمارات فيما بينها وضمها تحت سقف إمارة مركزية موحدة (دويلة). ولكن عدم توفر شروط ذلك حصيلة تناقضاتها الداخلية، آل به إلى تنصيب أمير الأمراء عليهم اتخذ من ديار بكر مركزاً له. بفضل هذه العلاقات والتحالفات، وبمساندة كل الإمارات الكردية له تغلب أولاً على الصفويين في معركتي جالديران ووان عام 1514، ومن ثم على المملوكيين في معركتي مرج دابق التي دارت رحاها شمالي مدينة حلب السورية عام 1516 والرضانية (Ridaniye) في مصر عام 1517؛ ليؤسس بذلك أعظم إمبراطورية في منطقة الشرق الأوسط. وبدون هذه العلاقات الاستراتيجية، ناهيك عن التغلب على الدولتين الإيرانية والمصرية، لما كان بالإمكان خطو خطوة واحدة خارج حدود الأناضول الداخلية. وعلى النقيض من ذلك، لو أن دولتي إيران ومصر توحدتا مع الإمارات الكردية بدلاً من محاربتهما إياها، لربما كان ذلك بداية نهاية الدولة العثمانية ذاتها. بيد أن السلطان تيمور التركماني كان قد دك دعائم الدولة العثمانية من ذي قبل في الحرب الدائرة في أنقرة عام 1402 بإقامة تحالفات مماثلة مع الكرد آنذاك. استمرت علاقات الكرد مع السلاطين العثمانيين بامتيازات بيِّنة حتى بدايات القرن التاسع عشر. فالإمارات الكردية بأغلب حكوماتها وأمرائها ووُلاتها شهدت نظاماً امتيازياً خاصاً بها، يتم توارثه من الأب إلى الأبن. ولم يُمنح هذا النظام أو ينعم به أي من رعاياها الآخرين. فبينما تمتعت بالحكم الذاتي الكامل في شؤونها الداخلية، لم تشهد بالمقابل أي تقييد على الصعيد الثقافي أو اللغوي أو الفني. وقد أثمرت اللغة الكردية وثقافتها العديد من المأثورات الأدبية في هذه الحقبة من الزمن كملحمة مم وزين على سبيل المثال. واستمر التفوق الاجتماعي والثقافي للكرد آنذاك أيضاً. ولكن عندما يرغب السلطان تقوم هذه الإمارات بإغداقه بالهدايا بإرادتها هي وتشارك في الأسفار والحروب. كانت الإمارات الكردية السُّنّية على علاقة حسنة مع السلطنة. واليوم أيضاً تعد علاقات هذه الإمارات على ما يرام مع الدولة، حيث تحتل أماكنها ضمن نظام الطريقة النقشبندية بالأغلب. مقابل ذلك تَوَجَّه الطرد العلويون صوب الدولة الصفوية ذات المذهب الشيعي الإيراني. لهذا السبب، بل، والأهم من ذلك بسبب تشبثهم بحرياتهم، كانوا على الدوام هدفاً للقبائل. فقيام مراد باشا (البِئْرِيّ) برمي أربعين ألف علوياً في الآبار في عهد السلطان ياووز، كان بالأصل مشحوناً بنيَّة القضاء على تهلكة استراتيجية حيوية واقتلاعها من الجذور. ومع حلول بدايات القرن التاسع عشر تفتح صفحة جديدة في العلاقات الكردية – التركية. فازدياد حاجة العثمانيين للجنود والضرائب حصيلة حصار الغرب له ، أدى بهم إلى التحامل على الكرد ليتمخض ذلك عن حقبة من التمردات الدموية بطليعة الإمارة الكردية المتميزة بخاصيات واسعة النطاق. هذه الحقبة المبتدئة بعصيان إمارة بابان في مدينة السليمانية عام 1806، استمرت في عام 1878 ولكن بزعامة الشيوخ هذه المرة، لتنتهي بالإنتكاسة والهزيمة مع آخر التمردات التي حصلت في 1925 بزعامة الشيخ سعيد وفي عام 1937 بزعامة الشيخ سيد رضا. لم يساهم الكرد دفعة واحدة في تلك العصيانات، بل كانت تندلع كقتال خندقي لتبقى قاصرة على الدوام عن الوصول إلى المستوى الوطني بسبب البنية الإقطاعية التي تقف عائقاً أمام ذلك. من جانب آخر، لولا المساندة البريطانية للدول المعنية لربما أمكن بلوغ النصر في عصيان بدرخان بيك عام 1843 وعصيان محمود البرزنجي عام 1923. وفي حاضرنا تُعَدٌّ قيادة كل من البارزاني والطالباني الممثل الأخير لهذا النهج، حيث ترجع أصولهما إلى الزعامة المشيخية والعشائرية في آن معاً. أما مرورهما بمرحلة تَبَرْجُز بارز، وحظيهما بمساندة استراتيجية من دول الغرب، فيُقحمهما في فرصة أخيرة محفوفة بالمخاطر. تطابَقَ منطق العلاقات الكردية – التركية خلال هذه المرحلة السياسية الطويلة، مع نمط الاتفاقات والتحالفات الاستراتيجية. وتبرهن حاجة الطرفين المتبادلة لبعضهما البعض على صواب تلك الاتفاقيات الاستراتيجية، التي إذا ما تخلى عنها الطرفان فسيؤدي بهما المآل إلى الخسارة الاستراتيجية لا محال. حيث وبينما سينخصر العثمانيون نتيجة ذلك في اسطنبول وبلاد الأناضول الداخلية، ستخسر بالمقابل الإمارات الكردية حكمها الذاتي بنسبة كبرى لتخرج من كونها قوة سياسية واجتماعية ذات صدارة. بينما التحالف الاستراتيجي يرتكز إلى مقومات اجتماعية وتاريخية متينة. ناهيك عن الحظر في العلاقات الاجتماعية والثقافية، بل كانت الأوساط تسودها حرية وطلاقة في هذا الخصوص، لا يمكن تخيلها في يومنا الحاضر. وبالأصل فإن الصهر الإرغامي للإثنيات هو ثمرة السياسة البيوسلطوية (biyo-iktidar) الرأسمالية. حتى في الأنظمة الإقطاعية التي لا نعجب بها، لا يمكن التفكير بوجود صهر ثقافي أخلاقي. إذ لا يوجد مكان لتطبيقات كهذه في مفهوم البشرية. والأمر سيان في كل المنظومات السياسية التي سادت العصور الوسطى. أما عملية تصهير لغات الشعوب وثقافاتها والقضاء عليها، فهي ممارسات لا أخلاقية تعود إلى النظام الرأسمالي. وهذا بدوره ينبع من افتقار الرأسمالية إلى الأخلاق. وعدم مَسِّ الأتراك إطلاقاً لمعيشة الشعوب – أياً كانت – اللغوية والدينية والثقافية قبل توجههم نحو الرأسمالية؛ ذو علاقة وثيقة بهذه الحقيقة. وبمجرد انجرارهم وراء الأيديولوجية القومية الرأسمالية، باشروا باتباع سياسات الصهر الإجباري الماكرة والخبيثة. وبالأصل فالانصهار الطبيعي عبر التاريخ نَمَّ على الدوام عن ظهور تركيبة هجينة جديدة متبادلة تمخضت بدورها عن الثراء والرفاه المشترك. ومن هذه الناحية، أي من ناحية إبداء الاحترام والتقدير إزاء الوجود الديني واللغوي والثقافي، تُعَدّ الإمبراطورية العثمانية نظاماً ذا أبعاد تقدمية وحرة وإنسانية تضاهي في مستواها ممارسات ومواقف كل الدول القومية العربية منها والفارسية والتركية في راهننا. إن الظن بأن الرأسمالية أرفع مكانة وأكثر تحريراً من العصور الوسطى من كافة النواحي، يعتبر خطأَ فادحاً وتحريفاً لا يستهان به.
#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
تحرير الجنسوية الاجتماعية
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
-
الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
-
الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية القضية ، الكردي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
-
الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
-
الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية القضية الكردية
...
المزيد.....
-
آليات الاحتلال تطلق النار العشوائي على خيام النازحين في مواص
...
-
الأونروا: نصف مليون شخص في غزة معرضون لخطر الفيضانات
-
-هيومن رايتس ووتش-: استهداف إسرائيل الصحفيين في حاصبيا جريمة
...
-
عدنان أبو حسنة: منظمات الأمم المتحدة ليست بديلا عن الأونروا
...
-
تشديد أمني وحملة اعتقالات تستهدف مسيرة لأنصار عمران خان في ب
...
-
منخفض جوي على غزة.. أمطار غزيرة وأمواج البحر تغرق خيام الناز
...
-
قائد الثورة : اصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو غير كاف بل يجب
...
-
قائد الثورة: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكيان الصهيون
...
-
حملة اعتقالات بالضفة تطال 22 فلسطينيا بينهم صحفي وجريح
-
هيومن رايتس:-إسرائيل- استهدفت صحافيين بلبنان بأسلحة أميركية
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|