|
ماذا يحدث في لبنان: محاولة تحليل للأوضاع الحالية
عمرو عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 1138 - 2005 / 3 / 15 - 10:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تابعنا ومنذ الرابع عشر من شباط الماضي(يوم استشهاد الرئيس رفيق الحريري) ما يحدث في لبنان، والتحولات الجذرية والمصيرية التي تعصف بهذا البلد الغريب الأطوار. كل يومٍ يحمل شيئاً جديداً، كل وقتٍ له لون جديد. إنه أوان التغيير، إنه عصر التجديد، ولكن التجديد ليس التمديد للقديم، ولكنه تجديد نحو اتجاه مختلف، وقدر مختلف. وأنا كمتابعٍ للأحداث، لا يفوتني كغيري من المتابعين، نشرة أخبار أو تحليلٌ سياسي، أو حتى خبر عابر على شريطٍ اخباري. إنها تسمرنا على شاشات التلفزة باحثين عن منفذ طوعي أو اختياري، منفذ لم يره أحدٌ غيرنا، منفذ نتشارك فيه مع الباقين مع كل اللبنانيين. ولكن بالحقيقة ولأنني كما قدمت نفسي متابعٌ للأحداث، ومراقب لما يجري، أود أن ألاحظ بعض الأمور، وأن أعلق عليها كذلك. أولاً: إن ما يحدث يختلف عن الوضع الذي كان عليه في 1975، وليس كما يشير الكثيرون إلى أن الحرب قادمة، وأن النار تغلي تحت الرماد. وما إيحاء السوريين بأن اتفاقية 17 أيار ستعود من جديد إلا نوعٌ من التهويل المرعب قصد الإخافة فحسب. فالجدير بالذكر بأن الاعتصام القائم في ساحة الشهداء، الذي وإن كان لا يضم إلا أحزاب المعارضة، لم يتفق أن يحدث في تاريخ لبنان المعاصر، يعني ببساطة إن ما يحدث وتقبل الدولة له، حالة فريدة من نوعها، وليس من الممكن أبداً أن تؤدي إلى حرب. ثانياً: إن الأحزاب المتواجدة في لبنان حالياً ليست مستعدة أبداً للدخول في معمعة حرب جديدة، مهما كانت الأسباب ومهما كانت الظروف. ولكل حزب رأيه في هذا المجال، ولكل اتجاه نقاطه. فالأحزاب الشرقية-المسيحية تفهم وتعي بأنها ليست في الوضع العسكري والمعنوي والبشري القادر على مجابهة أحزاب الجهة الغربية-الإسلامية، كحزب الله مثلاً، الخارق عسكرياً بالنسبة للكثيرين. كذلك فإن حزب الله يفقد كثيراً من بعده الإقليمي والعربي وصورته كأمل للمسلمين والمستضعفين في كل العالم العربي إذا ما دخل في حسابات محلية ضيقة. إذا باختصار المسيحيون ليسوا مستعدين للحرب والمسلمون كذلك ليسوا داخل المعمعة. ثالثاً: العدو الخارجي ليس موجود حالياً لكي يلام على كل شيء كما اعتدنا أن يحدث في لبنان. فالسوريون يرحلون تباعاً، ولن يمضي أكثر من شهر حتى يصبحون تقريباً كلياً خارج لبنان. أما بقية الأجانب، كالفلسطينيين مثلاً، فهم ليسوا خطراً يذكر، ثم إنهم موجود فقط داخل كنتوناتهم المغلقة إلى حدٍ ما المسماة بالمخيمات. بالتالي ليس هناك من غريب لكي يتم وضع اللائمة عليه لكي تبدأ الحرب بقصد التحرير أو غيرها من الشعارات التي يحتاجها "بطل" من أي طرف. رابعاً: صحيح أن الأحزاب منقسمة حالياً إلى موالاةٍ ومعارضة، إلا أن كلا الطرفين لا يجرؤ على إطلاق النار ولو حتى كلامياً على الطرف الآخر بعنف. فالموالاة مثلاً كحزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الإجتماعي كلها تخاف من ردة فعل الشارع، ولا تريد أن تخسر الشارع السني والشارع المسيحي، إذا ما راهنت على الدور السوري، وخصوصاً مع تصاعد النفوذ الأميركي والاحتمال الكبير بقدومها المدجج إلى لبنان. بينما تخشى الأحزاب في الجهة المقابلة التأثير الكبير الذي يمتلكه حزب الله على الشارع الشيعي في لبنان، وما لشعبيته الجارفة في الوسط الشعبي العربي من تأثير كبير. وما مظاهرات الموالاة التي تحدث إلا دليل على قدرة حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله من قدرة على التحكم بقدرات هذا الحزب الكبيرة. خامساً: حزب الله وأمينه العام، ليسوا مستعدين أبداً للدخول في معمعة حرب أهلية، وقد قلت قبل قليل بأن للأمر علاقة بالبعد العربي وبسلاح المقاومة الذي يجب أن لا يرفع إلا بوجه إسرائيل، قد يكون هذا هو السبب، ولكن هناك أسباب أُخر. فالحزب يستمد شرعيته من كونه المقاومة الإسلامية، وليس حزب الله فقط، وقد بدا كلام السيد حسن واضحاً للغاية وفي أكثر من مناسبة بأن السلم الأهلي هو خطٌ أحمر، وقد بدا الانضباط الهائل الذي تبدى في مسيرة المليون دليلاً على أن الحزب مصرٌ على أن السلم الأهلي لن يمس. سادساً: وهي النقطة الأخيرة، يتحدث الكثيرون عن تعاون عدد من اللبنانيين مع الأميركيين أو الفرنسيين، وبأنهم يريدون بديلاً عن الاحتلال السوري متمثلاً باحتلال آخر، وهو بالحقيقة أمر بعيد عن الحقيقة. ليس لطهارة السياسيين اللبنانيين، ولكن لأن لا أحد في لبنان يحتمل أو يستطيع أن يتحمل ذنب ادخال احتلال أجنبي جديد إلى البلاد، فالمسيحيون لا يزالون لغاية الآن يدفعون ثمن إدخال الجيش السوري إلى لبنان في أول مرة. قد يتمنى الكل رحيل السوريين، وحرية لبنان وسيادته واستقلاله كما في الشعار الذي يطلقه التيار الوطني الحر، لكن لا أحد يريد أن يدفع ثمن احتلال جديد. أخيراً، أشير بأن الساحة اللبنانية اليوم، والتي تعصف بها رياحٌ متعددة بدءاً من الرياح العربية-الخليجية، مع اختفاء للدور المصري كلياً. وكذلك الرياح الغربية متمثلة بفرنسا وأميركا، تبشر بالكثير من التغييرات، وكذلك تبشر بأن الشعوب العربية قد تتجه لأن يكون لها رأيٌ أهم في العصر القادم، فبدأً من المظاهرة-الاعتصام الدائم في ساحة الشهداء، انتهاءاً بمسيرات حزب الله، كل ذلك يوحي بأن الشعوب في طريقها إلى المشاركة، فهل سيحدث ذلك في بلادنا في العصر الحالي، فلنتمنى.
#عمرو_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين أبجدية الأخلاق وأخلاقية المجتمع
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|