|
الدولة الفاشلة .... ضعف السيادة وتفشي الفساد وقيم الانحطاط السياسي
شمخي جبر
الحوار المتمدن-العدد: 3935 - 2012 / 12 / 8 - 18:09
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تتميز الدولة في المنطقة العربية بل في منطقة الشرق الاوسط بأنها لم تأتي على وفق ارادة داخلية محضة بل فرضت على الكتلة المجتمعية بشكل عمودي.اذ يرى الباحثون انها (الدولة)عبارة عن (الانتشار الثقافي لمشروع الدولة في المركز الاوربي بأتجاه الاطراف في الشرق الاوسط) وقد تكون خيار النخبة السياسية او محاكاتها لاوربها او انها جاءت (بالقوة المفروضة كولونياليا ) فهي لم تكن نتيجة تمخضات مجتمعية وواقع موضوعي جاءت لتلبية متطلباته ،اي لم تكن مشروعا مجتمعيا ، كما لم تكن نتاج واستحقاق نضج سياسي، كما انها والحال هذه لم تستطع عبور البنى الاجتماعية التقليدية او صهرها داخل البنية الاجتماعية على مسار التحديث. واتبعت الدولة مسارا قد يبدو معاكسا لمسارها في اوربا ، اذ تشكلت قانونيا وسلطويا ولم تشكل مجتمعيا وثقافيا بعد . دولة هذه مواصفاتها لم تستطع ان تحقق نضجا سياسيا او مؤسسيا واضحا وقد يرى البعض ان سبب هذا عدم وجود فسحة زمنية من الاستقرار . وكما يرى منظري موضوعة الدولة ، فأن عملية بناؤها (تتطلب عملية بناء الامة وبناء اقتصاد وطني في الوقت نفسه وتؤدي هذه المحاولة المثلثة الجوانب وبخاصة في ظروف استمرار التبعية الى وقوع المجتمع في براثن التسلطية ودخول الدولة في مجال ممارسة العنف. ولمتابعة كفاءة الدولة مؤسسيا ،تقوم بعض مراكز البحوث بوضع مؤشرات ومعايير لقياس مستوى أداء الدول وتطورها ،او تخلفها في الجوانب التنموية الاقتصادية والاجتماعية او اوضاعها السياسية. وهناك مؤشرات ومعايير توضع لقياس مدى كفاءة النظام السياسي في هذه الدولة او تلك في مواجهة متطلبات مواطنيه. وقد تكون تلك المؤشرات لقياس مستوى التحول واشاعة القيم الديمقراطية، كمؤشر انتهاكات حقوق الانسان والحريات العامة ، وحرية الاعلام ، نزاهة الانتخابات واستقلالية القضاء، ومدى وجود احزاب فاعلة والتعددية السياسية. الا ان هناك مراكز بحوث او وحداث بحثية في بعض المؤسسات الدولية او الاقليمية اهتمت بمفهوم ( الدولة الفاشلة) ، اذ وضعت مقياس يتم على اساسه تأشير هل هذه الدولة فاشة ام لا اذا اعتمدت للوصول الى نتائج في هذا الاتجاه بعض المؤشرات والمعايير الاقتصادية كالنمو الاقتصادي ومستوى رفاهية افراد المجتمع ومستويات دخلهم، فضلا عن مدى شرعية النظام السياسي ومستوى العنف الذي يمارسه المهمشين اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ان وجد، اضافة الى مؤشرات ومعايير اخرى مثل الفساد والشفافية والمساءلة ، ومدى فرض الدولة لسيادتها على اقليمها بكامل حدوده والسيطرة على المنافذ الحدودية والمياه الاقليمية ، ومستوى الرضا الشعبي عن النظام السياسي القائم.
والمقياس الذي أصدرته مجلة "فورين بوليسي" و"صندوق السلام" ، اعتمد تعريف الدولة الفاشلة على أنها الدولة التي تعجز عن فرض سيطرتها على أراضيها ، بما يحيلها إلى ملاذ آمن للجريمة والمخدرات والقرصنة والإرهاب ، ويعرض وحدتها الترابية للخطر ، غير قادرة على اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياة مواطنيها ولا توفر خدمات أساسية لهم ، وتميل إلى استخدام القوة والعنف ، ويتفشى فيها الفساد والاستبداد.ضعف الدولة وتآكل شرعية الحكم ونمو البنى والعلاقات والمؤسسات "السابقة للدولة" ، إثنية كانت أم قومية ، دينية أو طائفية ، جهوية أم عشائرية. ومن هنا يمكن القول ان الدولة الفاشلة تتسم بعدة صفات يمكن تلخيصها بانها الدولة التي لاتحترم القانون وتمارس فيها انتهاكات حقوق الانسان بشكل واسع،وعدم وجود قضاء مستقل بل يخضع للمؤثرات السياسية ، وعدم وجود حرية تعبير مع وجود اعلام تابع وغير مستقل. مع غياب مبدأ المواطنة اذ تغيب الحقوق ويغيب مبدأ تكافؤ الفرص ،ويفتقد المواطنون في هكذا دولة الى مؤسسات وقوانين تحميهم لهذا فأنهم يحتمون بطوائفهم وقبائلهم ،
وبالتالي نزوعهم نحو هوياتهم الفرعية، فتبنى الدولة على اساس الولاء السياسي العائلي والطائفي والعشائري. وتهدر الاموال في ظل تفشي الفساد وشيوع المحسوبية والمنسوبية. وتعجز الجهات الرقابية الرقابية كالبرلمان والاعلام لضعفها او لتبعيتها للنظام السياسي القائم. يقول مدير برنامج «الصراع بين الدول» في أكاديمية كينيدي ورئيس مؤسسة السلام الدولي روبرت روتبرج(أن الدول الفاشلة متوترة، وتشهد صراعا شديدا، وتخوض الفصائل المتحاربة فيها حروبا خطيرة ومريرة. وفي معظم الدول الفاشلة تحارب القوات الحكومية متمردين مسلحين. وأحيانا تواجه السلطات الرسمية في تلك الدول أكثر من تمرد مسلح في وقت واحد، ومجموعة من الاضطرابات المدنية، ودرجات متفاوتة من السخط الاجتماعي، وطائفة كبيرة من أشكال المعارضة الموجهة للدولة أو لجماعات داخل الدولة») يعرف الدكتور حيدر ابراهيم الدولة الفاشلة بأنها الدولة العاجزة عن بسط وجودها فى كامل حدودها الدولية العروفة .والتي لاتستطيع بسط الأمن فى ربوع أراضيها , بحيث يتعرض مواطنوها وغيرهم من السياح الى النهب والخطف ...... الخ .بحيث تصبح بعض المناطق داخل البلد خارج سيطرة الدولة . فضلا عن انها تخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين مواطنيها بتفضيل فئة على غيرها من المواطنين وتوئد بذلك مبدأ المساواة . واذا كان هناك من يعرف الدولة الفاشلة بأنها(الدولة التى لايوجد فيها سلطة مركزية قوية تربط مختلف السلطات حتى تعمل كل فروع الدولة فى تناسق وانسجام لينساب القرار السياسى والقوانين والأمن فى فروع البلد تماما مثل الدم فى عروق الجسد السليم) وقد يذكرنا هذا التعريف للدولة المطلوبة وكأنها الدولة التسلطية الاستبدادية ، علما ان الدولة الاستبدادية مع انها ظاهريا تبدو قوية الا انها من الداخل هشة ومنخورة وآيلة للسقوط. وفي ظل الدولة الفاشلة يصاب المواطن بالاحباط والاستلاب السياسي فيغدو غريبا في وطنة او يهاجر الى دولة اخرى ، فتهدر الطاقات والموارد البشرية وتنزف الدولة كل الكفاءات العلمية. فبدلا ان تصرف موارد الدولة لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والرخاء الاقتصادي للمجتمع الا ان موارد الدولة يبتلعها الفساد وتستحوذ عليها قلة قليلة تمثل النخبة السياسي وبطانتها ومناصروها . فتسود في ظل الدولة الفاشلة ،الامية والتخلف بكل انواعه وتتفشى الامراض وتتخلف الخدمات الصحية وتهمل البنية التحتية،اذ تعجز الدولة عن الايفاء بالاتزاماتها تجاه مجتمعها فتتمظهر حالات العجز والفشل والتخبط السياسي والاقتصادي، مع شيوع عدم الانسجام بين مكونات المجتمع الدينية والطائفية والعرقية وقد تصل الى حد الاحتراب. والدولة الفاشلة ضعيفة منخورة السيادة مهددة الاوصال لاتستطيع بسط نفوذها على رقعتها الجغرافية بما في ذلك المدن البعيدة عن المركز او القرى والارياف ، فتقع هذه الاماكن تحت هيمنة اطراف اخرى من داخل الدولة او المجتمع فتصبح خاصرة رخوة تهدد وحدة الدولة واستقلالها وسيادتها.
#شمخي_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
25 تشرين الثاني
-
ثورة الحسين ... المأثرة الانسانية والتضليل الديني
-
المثقف وثورة الحسين
-
بمناسبة اليوم العالمي للطفولة
-
رحلة عدوها الادراك وحجابها العقل
-
الحريات اولا
-
الايمو ...الظاهرة وحقوق الانسان
-
بمناسبة الثامن من آذار ...تاريخ نضالي مجيد وواقع متردي
-
الاسلام السياسي وقطف ثمار انتفاضات الربيع العربي
-
نزيف عراقي مستمر
-
مبادرة السلم الاهلي
-
الحرية مخاطرة
-
بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان 10 كانون الاول
-
بمناسبة اليوم العلمي لمناهضة العنف ضد النساء 25 تشرين الثاني
-
بمناسبة يوم الطفولة العالمي ... صرخة طفل .... صرخة امة
-
العرب بأنتظار الدرس التونسي
-
قانون حرية التعبير
-
رسالة الى اعلامي كبير ، لكنه صغير..!!!!
-
الوافد الثقافي ... الصادم والمصدوم
-
الواقع واوهام البعض !!!
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|