نايف عبوش
الحوار المتمدن-العدد: 3934 - 2012 / 12 / 7 - 19:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المقال المنشور في موقع الحوار المتمدن الحوار المتمدن-العدد: 3934 بتاريخ 7-12- 2012 المحور:العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني، بعنوان(لايمكن الاقتداء بمحمد) بقلم احمد داؤود،ماهو الا تكرار محض لتنطعات اثارها من قبل العديد من الكتاب،الذي يحاولون المس بشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم،اما لغرض مقصود في ذاتهم، او لجهل بحقيقة الذات المحمدية،او لقراءة مغرضة للسيرة النبوية بغير ادوات منهجية المعرفة الاسلامية.
ولان مثل هذه السلبيات المتكررة،لا تخرج عما سبق ان أثير،وما سيثار من مثلها في هذا الصدد مستقبلا،ولان التراث الاسلامي مليء بالرد الموضوعي على هذه المماحكات،وحيث بإمكان أي قاريء الرجوع اليها، والوقوف على تفاصيلها بنفسه،فسوف لن نعرج عليها،لأنها اشبعت ردا بموجب منهجيات المعرفة الإسلامية وبأعلى درجات الموضوعية.
وبغض النظر عن أن الحقيقة المحمدية للذات الشخصية للرسول الكريم -صلي الله عليه وسلم- أخذت معنى الرمزية الاعتقادية المطلقة عند المسلمين،باعتباره النموذج النبوي للإنسانية، للتأسي به في تكامل الفضائل المطلقة، والقيم النبيلة: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، فكان بتلك المناقب المثالية العالية وعاءً للفضيلة: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]،حيث تجسد فيض خلقه الرفيع على الإنسانية والعوالم الأخرى بالرحمة التي أضفاها عليه رب العالمين بقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].ولا جرم أن الرسول محمدا-صلي الله عليه وسلم- بهذا المعيار الإلهي كان رسولَ رب العالمين إلى العالمين جميعًا، وعليه، فرحمته العامة، ورأفته الرساليَّة بالعالمين، والتي تجسَّدت في السلوك النبوي الفاضل في كل مجالات الحياة، يجب أن تقابل بالحب من جميع الناس،لا بالتنكر له، والإساءة إليه، التي تكفَّل الله -تعالى- بردِّها عنه من أي شانئ إلى يوم الدين، على قاعدة: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 3]،فبقي في ظل هذه العناية الربانية، طيب الذكر على الدوام، بمقتضى الإرادة الإلهية، التي أصَّلت لهذه الرفعة الأزلية، على قاعدة: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4].
ومع ان الرسول الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم، لا يحتاج الى إطراء، ومدح من احد بعد ان أثنى عليه رب العالمين في أروع ألفاظ المدح، وأوجزها، وابلغها معنى،وبيانا، في الورى، عندما قال سبحانه وتعالى، في محكم كتابه العزيز(وانك لعلى خلق عظيم). كما ان الله جلت حكمته، رفع شانه عاليا،بحيث لم يعد بحاجة الى من يمدحه، ويطريه بالمزيد من الثناء، لكي يعلي من شانه، بعد ما خصه ربه برفع ذكره، في الدنيا والآخرة، عندما قال(ورفعنا لك ذكرك)،فان الذي تجدر ملاحظته من استقراء سيرته بحق،ان النبي محمدا لقب من قومه بالصادق الامين،قبل ان يبعث نبيا.ولهذه الخصال فقد ارتضوه حكما للفصل في نزاعهم على من يرفع الحجر الاسود الى جدار الكعبة، يوم اعادوا ترميم الكعبة،وهم بعد في الجاهلية.فلم يجدوا في انفسهم حرجا بما قضى لهم يوذاك،وسلموا بما قضى تسليما.
على ان البصيرة العربية الثاقبة لجده عبد المطلب، دعته لان يمدحه بأبلغ البيان وهو بعد ما يزال طفلا عندما قال بحقه:
وابيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عزة للأرامل
وجريا على هذا السياق، تبارى الشعراء _بما شكلوه من ظاهرة اجتماعية_ في مدحه، صلى الله عليه وسلم،ببلاغة متناهية،حيث تأصل حب النبي صلى الله عليه وسلم، في قلوب المؤمنين، من أمته، فأبى عليهم، الا ان يتسابقوا الى مدحه، للفوز بقصب السبق، في محبته، والحظوة باجارته، وشفاعته،فهذا صاحب البردة العصماء يمدحه بقوله فيه:
ان الرسول لنور يستضاء به
مهند من سيوف الها مسلول
مرورا بالبوصيري في مدحه له، في نهج بردته البليغة الخالدة:
ما سامني الدهر ضيما واستجرت به
الا ونلت جوارا منه لم يضم
وليس انتهاء بشوقي،ولا بالمعاصرين الاخرين ومن تلاهم،وعلى رأسهم وليد الأعظمي الذي صدح بمدحه عاليا:
ياهذه الدنيا اصيخي واشهدي
انا بغير محمد لا نقتدي
حيث سيستمر الشعراء،والمفكرون،والكتاب،والفلاسة المنصفون أبدا، في مدحه، والتغني بمناقبه الرفيعة،التي اهلته لنيل لقب الصادق الامين،الى ان يرث الله الأرض ومن عليها، في سياق حب وجداني له، بما يشبه المعجزة المستمرة لهذا النبي الكريم،مما يمنح الرسول محمدا شهادة انسانية بأنه القدوة الحسنة،ونموذج التأسي، حتى قبل ان يمن الله عليه بهذا الوصف.
وفي ضوء ما تقدم من معطيات،ومن أجل مواجهة العنصرية،ونبذ التطرف على قاعدة(لا نفرق بين احد من رسله)،ولكي لا يتكرر سيناريو مثل هذا الانتقاصات من الرسل الكرام،عند التعاطي مع سيرتهم العطرة بين الحين والآخر،فإن المفترض ان يتناول المفكرون،والكتَّاب، والعلماء، ورجال الإعلام،سيرة الانبياء بأعلى درجات الموضوعية،وبمعايير ومنهجية المعرفة المعتمدة في العلوم الدينية،لكي يقتربوا من الحقيقة العلمية،ويتفادوا القياس الشخصي،الذي قد يؤدي الى الإساءة للأديان بشكل او بآخر،مهما حاول الباحث التحلي بالإنصاف.وبهذا يحرصوا على أن تبقى الاديان ورموزها المقدسة،من الكتب المنزلة، والأنبياء، موضع اعتزاز إنساني من الجميع،باعتبار أن تبجيل الأديان، واحترام رموزها،هو حالة حضارية راقية،قبل ان تكون لازمة عقدية.
#نايف_عبوش (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟