غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 3933 - 2012 / 12 / 6 - 20:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أستعيد في هذه اللحظات مجريات الثورة الفرنسية (عام 1789) ضد الاستعباد والاستبداد الذي امتد أكثر من ألف عام تحت حكم أنظمة ملكية ادَّعَت أنها "ظل الله في الأرض" .. فكانت الثورة التي جرفت الظل وصاحبه ونظامه معلنة ولادة فجر جديد لنظام نقيض لحكم الفرد ، تسوده الحرية والمساواة والمواطنة وبزوغ عصر النهضة بعد أن تم إلغاء سيطرة الكنيسة على عقول الناس ... وها هي مصر -رغم بُعد المسافة في الزمان ، ورغم اختلاف معايير الظلم والاستعباد وأنماط التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي- تعلن ثورتها مؤذنة بافتتاح عصر انعتاقها وتحررها ونهوضها .
فبعد سبعة آلاف عام من رضوخ الشعب المصري واستعباده أو استسلامه لأقدار ومشيئة الفرعون أو الحاكم بأمر الله أو الأمير المملوكي أو السلطان و الخديوي والملك ثم القائد الفرد المُخَلِّص المستبد العادل على طريقة الراحل جمال عبد الناصر وصولا إلى القائد الحاكم المستبد على طريقة السادات ومبارك ... ها هي مصر وشعبها العظيم يعيشون إرهاصات صوب تحولات سياسية ومجتمعيه تطرد "ذهنية العبيد" وتتمرد على فكرة "القائد" "الرئيس" "المُخَلِّص" معلنة إسدال الستار على مشهد بدأه الفراعنة وانتهى بإسقاط "حسني مبارك" ومحاكمته ، ومن ثم ولادة مشهد جديد -مُعَمَّد بالتضحيات والدماء الغالية- لم تعهده أو تعرفه مصر من قبل .. مشهد المُواطِنْ والمُواطَنَة والحرية وكسر الخوف ورفض فكرة "القائد المخلِّص" لكي تتحول القيادة إلى وظيفة "مدفوعة الأجر" خاضعة لروح التغيير والحرية والديمقراطية والشعور بالمواطنة التي ترفض الخضوع للقائد الفرعون أو أي قائد أو رئيس يعتبر نفسه رمزا لمصر ودولتها ... هذه الروح تنتشر اليوم لتسكن عقول وقلوب جماهير الشعب المصري التي انطلقت من جديد لكي تحطم قداسة القائد أو الرمز أو الرئيس الفرد ، وتستبدله بقيادة تحكمها معايير ومرجعية الوطن والوطنية والمواطنة والحريّة والعدالة الاجتماعية للفرد والجماعة ضمن عقد اجتماعي مدني وديمقراطي يفصل الدين عن السياسة ويفصل السياسة عن الدين ويكون المصدر الوحيد لشرعية الرئيس-الموظف المدفوع الأجر لمدة محددة ، يعود بعدها ذلك الرئيس مواطنا عاديا بين الناس الذين من حق أي منهم أن يُرشح نفسه لذلك المنصب أو تلك الوظيفة ... تلك هي طموحات الشعب المصري في لحظة ثورته ، ليس ضد جماعة الإخوان المسلمين فحسب ، بل أيضا ضد كل مظهر من مظاهر إعادة الفرعنة والاستفراد والتَحَكُّم في الدولة المصرية ومستقبلها .
بناءً عليه .. فهذه الثورة المُشتَعِلَة اليوم في مصر على مفترق طرق ... إما العودة إلى السكونْ والرّضوخْ للفَرعَنَة وإعادة إنتاج التخلُّف واستبداد "القائد الفرد" أو مواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها في الحرية والديمقراطية والمواطنة والدولة المدنية من قلب الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية ... إنها لحظة النهوض الثوري لمصر وللوطن العربي كلـه .
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟