أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - المنصف رياشي - المأزق الإصلاحي لجبهة اليسار ( فرنسا )















المزيد.....



المأزق الإصلاحي لجبهة اليسار ( فرنسا )


المنصف رياشي

الحوار المتمدن-العدد: 3933 - 2012 / 12 / 6 - 07:31
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


يكثر الحديث أثناء فترات معينة من الصراع الطبقي أو الصراع السياسي عن ضرورة توحيد اليسار و تكوين جبهة يسارية تضم كل أحزاب اليسار و تيارته و كل من ينتقد هذا التوجه إذا لم يستوفي شروط تكوين جبهة يتهم بالانعزالية و تفويت الفرصة لليمين . لكن و إن كنت لا أدعي معارضة تكوين جبهة يسارية في مطلق الأحوال فإنني انتقد هذا التوجه في ظروف بعينها كتلك التي نعيشها أثناء المسار الثوري في تونس أو مصر حيث تكثر دعوات الجهلة و الخونة لخلط اليسار الثوري باليسار الانتهازي . في تونس , و بعد أن قاطعت رابطة اليسار العمالي التروتسكية الانتخابات الانقلابية على الثورة و رفضت كل المؤسسات السياسية البرجوازية المنبثقة عنها و نددت بكل محطات المسار الانقلابي المسمى المسار الديمقراطي الذي رعته الامبريالية و عملائها من أحزاب البرجوازية و اليسار الستاليني و الماوي , انتقلت مؤخرا إلى صف بائعي الثورة من ذلك اليسار الرث ضمن ما يسمى " الجبهة الشعبية " و هي جبهة شعبوية انتهازية لا برنامج نضالي لها و لا أفق لها غير الانتخابات التي ترعاها البرجوازية الحاكمة و أيادي الامبريالية و لا عمل لها إلا توظيف التحركات الاجتماعية لمصالحها الحزبية و حملاتها الانتخابية ولجمها و تجميدها و توجيهها إلى قمامة الحكومة بالتعاون مع القيادات البيروقراطية للاتحاد العام التونسي للشغل .
لئن كانت الظروف الموضوعية في فرنسا المتأزمة اقتصاديا و اجتماعيا ليست ثورية كما الحال في بلدان الثورات العربية فإن الدعوة إلى وحدة اليسار الفرنسي ضد سياسات تقشف اليمين لم تمر على المنظمات الثورية التي لا تسقط في فخ خلط الرايات مع الإصلاحيين و الرتل اليساري السائر خلف نظام البرجوازية مثل الحزب الاشتراكي المتبني لسياسات الخصخصة و الليبرالية الاقتصادية . في هذا الإطار تندرج ترجمة لمقال لرومان لامال و جيوم لوييك صادر عن موقع التيار الشيوعي الثوري في فرنسا ( تيار يعبر عن أقلية داخل الحزب الجديد المناهض للرأسمالية ) عله يكون دافعا للمناضلين المظللين و المهووسين بمجرد تجميع اليسار لمراجعة مواقفهم مما يسمى توحيد اليسار في تونس أو في مصر أو باقي البلدان العربية . هذا و إني لا أدعي لا تشابه الظروف الموضوعية و لا إسقاط الرؤى و الأفكار على واقعنا الخاص فهذا ليس أبدا لا من روح الماركسية و لا منهجها المادي الجدلي و لكن الهدف هو دحض تلك الأوهام حول الضرورة الدائمة و في كل الظروف لوحدة اليسار للاضطلاع بالمهمات السياسية و الاجتماعية المطروحة و كذلك الإطلاع على تجارب نضالية و رؤى ثورية و أخرى إصلاحية في العالم للاستفادة منها و وفاءا للنضال الأممي الذي تخوضه الطبقة العاملة في كل بلدان العالم .
قبل أن يبدأ القارئ في قراءة المقال كان من الضروري بسط بعض المعطيات عن منظمات يسارية ثورية فرنسية و بعض أبرز المحطات النضالية الاجتماعية في فرنسا في العقدين الأخيرين , بدونها يصبح يسيرا على غير المطلع على الصراع الطبقي في فرنسا استيعاب كل جزئيات المقال .

منظمات يسارية جذرية فرنسية :
الرابطة الشيوعية الثورية :
هي حزب تروتسكي فرنسي يمثل فرع الأممية الرابعة ( السكريتاريا الموحدة ) تأسس في سنة 1930 تحت اسم الرابطة الشيوعية الفرنسية ثم الحزب الشيوعي الأممي سنة 1944 فاسم الرابطة الشيوعية سنة 1969 و الرابطة الشيوعية الثورية سنة 1974 و قد انحلت الرابطة في 05 فيفري 2009 و اندمجت في الحزب الجديد المناهض للرأسمالية .
الحزب الجديد المناهض للرأسمالية :
حزب من أقصى اليسار الفرنسي تأسس في 05 فيفري 2009 بدفع من الرابطة الشيوعية الثورية التي حلت نفسها و دعت إلى تأسيس حزب جديد منذ انتخابات الرئاسة 2007 . حاز مرشح الرئاسة الشاب للرابطة الشيوعية الثورية الشاب أوليفييه بيزانسينو على04 فاصل 08 بالمائة من الأصوات و منذ سبتمبر أطلقت الرابطة نداءا لتكوين حزب جديد تحت شعار مرحلة جديدة , برنامج جديد , حزب جديد فانبثقت الاجتماعات الشعبية في المدن و المؤسسات الاقتصادية و الجامعات لنقاش منظورات الحزب الجديد مع المجموعات المناضلة و التيارات السياسية و الأفراد . في المؤتمر الوطني للرابطة في جانفي 2008 ظهرت ثلاث أرضيات مختلفة لموضوع تأسيس الحزب الجديد :
الأرضية أ : ( 83 % من الأصوات ) تطرح ضرورة تأسيس لجان محلية للحزب تنبثق منها لجنة وطنية في شهر جوان أثناء مؤتمر وطني ينتخب فيه مندوبي اللجان لجنة مركزية للحزب و تضم اللجان ليس فقط أعضاءا من الرابطة بل كل الأفراد و المناضلين و السياسيين الذين يوافقون على الشروط الثلاثة و خاصة الاستقلالية عن الاشتراكية الليبرالية للحزب الاشتراكي .
الأرضية ب و ج :( 14 % و 03 % من الأصوات على التوالي ) يرى أصحاب هاتين الأرضيتين لتأسيس الحزب الجديد أن هذا الأخير لا يجب أن يكون معاديا للرأسمالية و ثوريا بل يجب أن يتوجه لكل التيارات المناهضة لليبرالية و أن لا تطرح مسألة الاستقلالية عن الحزب الاشتراكي كأولوية و أن يشكل الثوريون داخله تيارا . و في خصوص التأسيس فهي تطريح تأسيسا من فوق عبر التفاوض مع قيادات التيارات السياسية المعارضة لليبرالية و ليس تأسيسا من أسفل إلى فوق عبر اللجان المحلية .
في الأشهر التالية تكونت اللجان المحلية في عديد المدن الفرنسية على حسب الأرضية أ و في 28 و 29 جوان 2008 مثلت 300 لجنة منها 50 لجنة شبابية بما بين 900 و 1000 مندوب من كل مناطق فرنسا و قد ضمت هذه اللجان في عضويتها 10000 مناضل متجاوزين ال 3500 عضو للرابطة الشيوعية الثورية و الشبيبة الشيوعية الثورية . تم في هذا الاجتماع تحديد توجهات الحزب التالية : مناهض للرأسمالية _ أممي _ مناهض للعنصرية _ بيئوي _ نسوي . كما تأسست لجنة التنشيط الوطنية ب70 عضو منها 20 من الرابطة لإدماج كل اللجان في الحزب الجديد و الحفاظ على استقلاليتها عن قيادة الرابطة . ضمت هذه اللجنة أيضا ممثلين كمراقبين من ثلاث مجموعات : النضال العمالي و اليسار الثوري و الشرارة ( مجموعة طردت من النضال العمالي) .
في 08 و 09 نوفمبر عقد اجتماع لكل اللجان المحلية لتحضير نصوص المؤتمر التأسيسي للحزب الجديد .
انعقد المؤتمر التأسيسي في 6_7_8 فيفري 2009 بحضور 9123 عضو مؤسس ( أي ثلاثة أضعاف أعضاء الرابطة ) و 595 مندوب . أختير اسم الحزب الجديد المناهض للرأسمالية عوض اسم الحزب الثوري المناهض للرأسمالية ب 53 % من الأصوات في الجولة الثانية . علق أوليفييه بيزانسينو قائلا أن رغم ذلك تبقى الثورية راهنة في الحزب الجديد و " الحزب الجديد المناهض للرأسمالية ليس تروتسكيا فقط بل يضم كل التقاليد الثورية و الماركسية و التحررية " .
في المؤتمر الوطني أعلن الحزب الجديد استعداده لأي اتفاق طويل مع أي من القوى السياسية المناهضة للرأسمالية حول ثلاثة محاور :
_ الوحدة في مضمون واقعي و برنامج معادي للرأسمالية يغطيان المسائل الاجتماعية و البيئية و كذلك المسائل الديمقراطية .
_ الوحدة الميدانية في النضالات الاجتماعية و البيئية و رفض منظور يقتصر على الانتخابات .
_ وحدة في الاستقلالية عن الحزب الاشتراكي و ليس كارتيل انتخابي دون غد .
بدأت النقاشات على أساس هذه الشروط مع تيارات أقصى اليسار و اليسار المناهض لليبرالية , فتعثرت مع الحزب الشيوعي و حزب اليسار حول مبدإ الاستقلالية عن الحزب الاشتراكي . فقرر المجلس السياسي الوطني للحزب في 08 مارس 2009 رفض الانضمام إلى جبهة اليسار بتصويت 183 عضو ضد 7 . انشق كريستيان بيكي عن الحزب الجديد و انضم إلى جبهة اليسار في أول اجتماع لها معلنا تأسيس حركة اليسار الموحد .
شارك الحزب الجديد في الانتخابات الأوروبية لسنة 2009 مع اليسار الأوروبي المناهض للرأسمالية و كان شعار الحملة " في كل أنحاء أوروبا لن ندفع ثمن أزمتهم " من أجل " أوروبا اجتماعية بيئية ديمقراطية مناهضة للامبريالية و متضامنة " و اجراءات مثل منع التسريح . تحصل الحزب الجديد على 4 فاصل 98 من الأصوات في فرنسا و لم ينجح أي من مرشحيه . أثارت هذه النتائج إحباطا لدى قواعد الحزب و انتقادات من أقلية الرابطة الشيوعية الثورية .
في انتخابات الرئاسة الفرنسية لسنة 2012 تنازل أوليفييه بيزانسينو عن الترشح و في الاجتماع الوطني في 25 و 26 جوان 2011 رشح الحزب العامل في صناعة السيارات فيليب بوتو لخوض انتخابات الرئاسة باسم الحزب . إلا أن الأكثرية حول الأرضية الأولى انقسمت و صوت 41% من الحاضرين للتقارب مع جبهة اليسار مع رفض جون لوك ميلونشون كمرشح لها لانتخابات الرئاسة و 5 فاصل 75 % من الأصوات كانت لصالح التحالف مع " النضال العمالي" . في 05 و 06 نوفمبر 2011 انعزلت المجموعة " الوحدوية" ( الوحدة مع اليسار المعادي لليبرالية) لتأسس " اليسار المناهض للرأسمالية " لتجذب إليها 40 % من مندوبي المجلس السياسي الوطني و يخسر الحزب الجديد ما بين 4000 و 5000 عضو . و في 22 مارس 2012 دعت الفرنسيين إلى التصويت لصالح جون لوك ميلونشون و انسحابها من الحزب الجديد المناهض للرأسمالية . جمع فيليب بوتو 1 فاصل 15 % من الأصوات في الجولة الأولى بعدها دعا الفرنسيين إلى التصويت ضد فرانسوا ساركوزي قائلا " هذا لا يعني أي دعم لفرنسوا هولاند" ( مرشح حزب الاشتراكي الذي سيفوز ) و دعا إلى تجمع واسع في " المعركة ضد التقشف من اليمين و كذلك اليسار" .
اليسار الثوري : هي منظمة تروتسكية فرنسية أسسها قرابة 80 عضو بعد طردهم من الشبيبة الشيوعية الثورية التابعة للرابطة الشيوعية الثورية في سنة 1992 . وهي الفرع الفرنسي للجنة الأممية للعمال ( تأسست في 1974 بدفع من مجموعة تيد غرانت و بيتر تافي "الاتجاه المناضل أو " توندونسي ميليتري " و تضم 43 فرعا في العالم ) و قد انضمت إلى الحزب الجديد المناهض للرأسمالية في فيفري 2009 و خرجت منه في 10 فيفري 2012 .
النضال العمالي : منظمة تروتسكية فرنسية تأسست سنة 1939 ( مجموعة بارتا ) وهي الفرع الفرنسي للاتحاد العالمي الأممي .
أوليفييه بيزانسينو : من مواليد 1974 بفرنسا انقطع عن الدراسة الجامعية من أجل العمل الحزبي و النضال داخل الرابطة الشيوعية الثورية و يعمل كساعي بريد . كان مرشح الرابطة للانتخابات الرئاسية في 2002 و 2007 و ناطق رسمي باسم الرابطة ثم الحزب الجديد المناهض للرأسمالية .
فيليب بوتو : فرنسي من مواليد 1967 وهو عامل بصناعة السيارت . هو مناضل نقابي و عضو ب"النضال العمالي" ثم بالرابطة الشيوعية الثورية فالحزب الجديد المناهض للرأسمالية الذي رشحه سنة 2012 لانتخابات الرئاسة .

أبرز التحركات الاجتماعية في فرنسا في العقدين الأخيرين :
إضرابات 1995 في فرنسا :
هي إضرابات اندلعت في فرنسا في القطاعين العام و الخاص في خريف 1995 ردا على مشروع رئيس الوزراء ألان جيبي حول التغطية الاجتماعية و التقاعد و كانت الأقوى منذ انتفاضة 1968 . ملايين من العمال نزلوا إلى الشارع رافضين هذا المشروع . وصل عدد الأيام المضربة إلى ستة ملايين يوم منها أربعة ملايين يوم في القطاع العام . في 12 ديسمبر وصل عدد المتظاهرين إلى مليونيين و في 15 ديسمبر اضطرت الحكومة إلى التراجع عن مشروعها لكن ميزانية التغطية الاجتماعية أصبحت مذاك خاضعة لتصويت البرلمان . كانت الاجتماعات العامة الشكل التنظيمي الذي اتخذته تلك المظاهرات .
المظاهرات ضد عقد أول تشغيل :
أدى ظهور مشروع قانون عقد أول تشغيل ثم تبنيه من طرف البرلمان الفرنسي في 31 مارس 2006 إلى مظاهرات طلابية و تلمذية في فيفري و مارس و أفريل مدعومة من نقابات عمالية مطالبة بسحب هذا القانون . وقد قام الطلاب والتلاميذ بإضرابات واحتلال للجامعات والثانويات و لمقرات حزب اليمين الحاكم و م منظمة الأعراف . وقد واجهت الحكومة هذه الحركة النضالية بقمع شديد: تدخلات عنيفة لقوى القمع مستعملة شتى أنواع الغازات في باريس، رين، غرنوبل، تور،… مما أدى إلى إصابات وتمت اعتقالات في صفوف الطلبة المحتجين ..
احتجاجات الضواحي : اندلعت احتجاجات عنيفة لمهاجرين مهمشين في ضواحي باريس ليلة 27 أكتوبر 2005 بعد وفاة شابين مهاجرين كانت تلاحقهما الشرطة و امتدت الاحتجاجات إلى مدن فرنسية أخرى و أعلنت حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أسابيع .
الإضرابات ضد قانون التقاعد الجديد في 2010 : لمواجهة أزمة الدين العام لجأت الحكومة اليمينية إلى تحميله للشغيلة الفرنسية عبر الترفيع في سن التقاعد و خفض التغطية الاجتماعية وهو ما سبب رفضا عارما ترجم بنزول الملايين للشوارع رافضين هذا القانون .

المقال المترجم : المأزق الإصلاحي لجبهة اليسار 04 أكتوبر 2011

أسست جبهة اليسار بمناسبة الحملة الإنتخابية الأوروبية في 2009 من طرف تحالف مكون من الحزب الشيوعي الفرنسي و حزب اليسار المنشق عن يسار الحزب الاشتراكي بقيادة الوزير السابق جون لوك ميلونشون .سريعا انظم إلى هذه الجبهة الانتخابية الإصلاحية " اليسار الموحد " لكريستيان بيكاي ثم توسعت الجبهة لتشمل الفيديرالية لأجل بديل اجتماعي و بيئي و" إلتقاء و بدائل" و مجموعة جمهورية و اشتراكية .
رغم أن جبهة اليسار كانت غير متجانسة لأبعد الحدود فإنها حددت هدفها منذ البداية في تحقيق الوحدة ليسار الحزب الاشتراكي عبر الحملة المضادة ضد الدستور الأوروبي في عام 2005 . هذا المشروع يشابه في بعض الأوجه مشروع الحزب الجديد المناهض للرأسمالية الذي صاغته العصبة الشيوعية الثورية قبل أن تظهر جبهة اليسار و قبل أن يحوز ميلونشون على يسار الحزب الاشتراكي . ذلك كان سببا إضافيا في الخلط الذي يسود اليسار الجذري رغم تحديد التقاليد و السبل النضالية و رغم أن الأزمة التاريخية للرأسمالية تجعل الأفق الثوري أكثر واقعية و تستلزم صياغته الواضحة و التحضير له . ما الموقف من جبهة اليسار ؟ هذه بعض الأفكار نعرضها في ضوء المؤلف الأخير لجون لوك ميلونشون " فليذهب الكل : بسرعة , الثورة المواطنية .
بقلمي رومان لامال و غيوم لوييك :
معالجة إنتاج سرطان المالية ؟
ترك الانحطاط النهائي للحزب الاشتراكي إلى حزب برجوازي متعهد بإصلاحات مضادة في كل القطاعات و قريبا بالتقشف الرأسمالي بالإضافة إلى الأزمة العضوية للحزب الشيوعي الفرنسي الستاليني فضاءا انتخابيا و سياسيا فارغا في فرنسا لصالح تنظيمات إصلاحية مثل جبهة اليسار الأكثر تنظيما في يومنا هذا . رغم البلاغة المستعملة و المسيئة الاستعمال لمصطلح الثورة أو التي تتحدث عن التأميم أو زيادة الأجور فإن الإستراتيجية المتوخاة من جبهة اليسار تبقى محصورة في إطار المؤسسات البرجوازية . حتى أن ميلونشون لا يخفي أن ثورته ستكون " بصناديق الاقتراع و ديمقراطية و مواطنية " (1) و لن تكون اشتراكية في كل الحالات أو عمالية أو مناهضة للرأسمالية . لهذا كان برنامج جبهة اليسار هلاميا بينما الأزمة الحالية للرأسمالية تجعل البرجوازية أكثر عدائية و مستعدة دائما للهجوم على مكتسبات العمال و لكن ميلونشون يوهمنا بسراب "الجمهورية السادسة" الملاذ الآمن بين الطبقات . و هذا ليس التعارض الرئيسي بين ميلونشون و الثوريين .
ميلونشون مرشح جبهة اليسار لا يريد النطق باسم العمال بل باسم " المصلحة العامة" نافيا أن تكون المصالح في المجتمع بين المهيمنين و المهيمن عليهم في صراع و تضاد . بهذا الانحراف يحاول ميلونشون نفي وجود الطبقات الاجتماعية . فمثلا حين يتحدث عن عن توزييع القيمة المضافة لا يذكر العمال و الرأسماليين بل المنتجين و ذوي الدخل .
يفسر لنا ميلونشون أن التداين أمر طبيعي و يمكن أن يتواصل بينما يبين نهب اليونان أن الدين هو وسيلة للرأسماليين من أجل مزيد من الإثراء على ظهور العمال و الشباب و أن الحل الوحيد له هو إلغاؤه التام بتأميم القطاع البنكي تحت رقابة العمال و الشعب لجعله في صالح الكل .
بصفة عامة جبهة اليسار توهمنا بأن الأزمة مرتبطة بأسباب ظرفية و متاهات مالية ( "ديكتاتورية المساهمة") وهو ما يفتح الطريق لخطاب تهذيب الرأسمالية و بالتالي للاستراتيجيات المؤسسية و الانتخابية . و في مؤلفه الأخير قال الدكتور ميلونشون بصريح العبارة أنه يريد ببساطة " معالجة إنتاج سرطان المالية " . لكن أزمة الرأسمالية الحادة التي نمر بها لا تترك لنا هامشا من المناورة الإصلاحية . الرأسمالية ليست نظاما اقتصاديا للعلاج أو التهذيب أو للأنسنة بل يجب قلبها .
الأصول الثلاثة للميلونشونية : جوريس , توريز و تشافيز
من أين تأتي هذه الإصلاحية " الجديدة" ؟ يحاول ميلونشون أن يمرر خطابه على أساس خطيب جديد . لو حللناه بانتباه فالتركيب اللغوي المتوخى لجبهة اليسار ليس بجديد . فهو يجمع ثلاث تقاليد لليسار, فشلت كل واحدة منها و لم تكن غير توجيه لثورة الطبقات الشعبية إلى مآزق سياسية .
أولا الجوراسية : يشبه جون جوريس الزعيم الاشتراكي الديمقراطي الفرنسي لما قبل 1914 كاريكاتور ميلونشون الذي لا يكل من ذكره في كل حواراته . من هذا الإرث يبدأ التركيز على " الجمهورية" التي يقدمها على صورة الدولة المتعالية على الطبقات و القادرة على ضمان "تساوي الحظوظ" بين " المواطنين" . لكن من هو المواطن ؟ الجلادون مثل أوغسط تيي الذين قمعوا الكومونة و أسسوا الجمهورية الثالثة أو العمال الباريسيين الذين حاولوا التحرر من تسلط الأعراف ؟ المبشرون بالاستعمار أم العمال و الشباب المستغلين من قلة من المستغلين ؟ جون لوك ميلونشون لا يتألق بحسه تجاه البلدان المستعمرة . فهو يتحدث مثلا عن " بلدان الواجهة المغاربية " كبلدان تربطها بفرنسا " تاريخ مترابط و قرابة و لغة مستعملة مشتركة " دون أن يقول كلمة عن الجرائم التي قامت بها فرنسا الاستعماريين و تجار المدافع بالأمس و اليوم . و ليس من قبيل الصدفة أن لا تتردد جبهة اليسار في إحدى منشوراتها الأخيرة في استعادة الجملة العنصرية لغيون حول " الإحساس بأنك لست في بيتك "و تكتب " مع حكومة ساركوزي لدينا الإحساس بأننا لسنا في جمهورية " . و كأن عنصرية الدولة لم تكن أمرا واقعا منذ بداية الجمهورية التي كانت دائما امبريالية . و كأن شركات الأمن الجمهوري لم تكن أداة القمع العنيف و الرجعي لكل حركة اجتماعية . بالتجائها الدائم للنموذج الجمهوري و المواطنة تخدم جبهة اليسار المصالح الايديولوجية للبرجوازية بمساندتها في التمويه على العلاقات الطبقية . فعوض أن تشير للعمال إلى الرأسماليين الذين يستغلونهم تقدم جبهة اليسار نقدا لأوليغارشية مزعومة وهو ما يعني الإشادة بالرأسمالية "الطبيعية " أكثر بوليسية دون شك .
التقليد الثاني المستوحى في بلاغة جبهة اليسار يعود بالطبع إلى الحزب الشيوعي الفرنسي و تشوهاته التاريخية . ميلونشون يشبه غالبا بالأمين العام السابق للحزب الشيوعي الفرنسي جورج مارشاي وهو أي ميلونشون مثل آخرين قبله و على رأسهم توراز يريد " صنعا فرنسيا" مستهزءا من مصير العمال الأجانب . وهو يريد اليوم ضم والوني البلجيكية إلى فرنسا و يشتكي من أن "فرنسا قدمت 5 مليار يورو و لم تقبض شيئا" . فرنسا , هذه القوة الامبريالية يفتخر ميلونشون بكونها " القوة الخامسة في العالم" و " الشعب الأول في الاتحاد لخمسة عشرة سنة و الأولى من حيث المساحة و الثانية من حيث الناتج المحلي الإجمالي في القارة العجوز " , "قوة نووية " و " وطن جمهوري " . يريد جون لوك ميلونشون قبل كل شيء الدفاع عن بلاده لأجل أن يكون " الشعب الأكثر تعليما في العالم" وهذا ما يذكر بخطابات رجالات "لليسار" سابقا بدءا من فيري الوزير السابق للمستعمرات في عهد الجمهورية الثالثة . بالنسبة إلى جبهة اليسار المسألة اليوم هي النضال ضد تمشي " الفوضى التي تسببها أساسا الولايات المتحدة الأمريكية" و كوارث عدم الإستقرار . هذا يعني المساواة بين عمال البلدان الأخرى و مستغليهم البرجوازيين في كونهم المسؤولين عن آلامنا بدل برجوازيتنا الوطنية المستعدة لكل الهجومات لأجل زيادة مرابيحها . لا تقدم رأسمالية قومية في تنافس ضاري مع جيرانها أي حماية إضافية و الحل الوحيد يكمن في تأسيس المقاومة العالمية لمضطهدينا الطبقيين لكن جبهة اليسار لا تبدو مستعجلة لان تسير في هذا الدرب .
التقليد الثالث الذي تنخرط فيه جبهة اليسار هو حكومات " اليسار " في امريكا اللاتينية مثل حكومات تشافيز في فينيزويلا و موراليس في بوليفيا و كوريا في الإكوادور . يعرفهم جون لوك ميلونشون ك" تجارب يمكن أن نستلهم منها نماذج يمكن إتباعها" و " ثورات تحكم البلدان " . ماذا حدث في هذه البلدان ؟ بعد عقدين من علاج الصدمات المكرسة تحت هيمنة واشنطن و البلدان الأوروبية عرفت القارة موجة من الثورات و تمشيات مؤسساتية قادت في بعض الأحيان إلى قلب حكومات نيوليبيرالية ( بوليفيا , الإيكوادور , الأرجنتين ) . حكومات جديدة من " اليسار " وصلت بفضل حركات اجتماعية قوية . بعد إثنتي عشرة سنة من وصول تشافيز للحكم و ستة سنوات من وصول إيفو موراليس و خمسة سنوات من وصول رافائيل كوريا و لئن حسنت بعض الإصلاحات الاجتماعية على الهامش الواقع الأكثر فقرا فإن البنى في المجتمع لم تتغير . بعد إنكار استقلالية الحركات الاجتماعية لعدة سنوات فإن الاضطهاد كانت الوسيلة الوحيدة التي تبنتها هذه الحكومات . في الشهر الفارط بوليس إيفو موراليس قمع بوحشية ثورة محلية للسكان المحليين للمنتزه الوطني ( الرافضين لمد طريق ) على صورة ما فعلته الحكومة اليمينية الشيلية مع المقاومة المابوشية ( أقلية عرقية في الشيلي و الأرجنتين ) أو ضد الحركة الطلابية التي تجتاح البلاد حاليا . منذ سنوات كانت حكومتا تشافيز و موراليس تتصرفان بنفس الطريقة . في فرنسا يعتبر ميلونشون أن ساركوزي "يجرم الاحتجاج الاجتماعي " . لماذا ليس لعمال أمريكا اللاتينية الحق في نفس العناية مثل العمال الفرنسيين ؟ إن استراتيجيات الحكومات ما بعد النيوليبيرالية في أمريكا اللاتينية هي مأزق للطبقات الشعبية التي بدأت تقطع على الهامش مع تلك الحكومات مثلما نرى حاليا في بوليفيا . واجب المناضلين الأمميين هو الوقوف بجانبهم ضد الحكومات . على العكس من ذلك فإن ميلونشون متضامن مع هاته الحكومات و تربطه علاقات صداقة مع بعض هؤلاء البيرقراطيين مثل الرئيس الشاب للمكتب الديمبلوماسي للرئيس تشافيز .
التمثيل الزائد لايديولوجية لجبهة اليسار
ماذا تعني إذن الأهمية التي أخذتها حاليا إصلاحية جبهة اليسار بينما الأزمة تستفحل كل يوم و أوروبا تغرق في أفق الكوارث المالية المتسلسلة ( اليونان , البرتغال , إيطاليا , إسبانيا ...) و إفلاس البنوك ؟ لابد من تحليل جبهة اليسار في إطار مرحلة تاريخية خاصة لفهم ظهورها الذي لم يكن ممكنا في زمن آخر . بينما آليات الأزمة تظهر بوضوح أكثر فأكثر دوافع الصراع الطبقي و اللامعقولية لنظام مؤسس لصالح أقلية ضئيلة فإن الخطابات الإصلاحية تصبح فجأة في صالح البرجوازية حيث تصلح لاستمالة استياء و تجذر الجماهير مع التفادي بعناية لسؤال دور البنية الطبقية , السؤال الذي يعرض سلطتهم للخطر : وهو ملكية وسائل الإنتاج . لذلك نرى ميلونشون يتردد على الحوارات التلفزية و الراديو ليظهر صورة مشاكسة مفتعلة .
و رغم حقدها العميق له فإن البرجوازية تقدم لميلونشون منبرا إعلاميا لأنه يخدم مصالحها الإيديولوجية في هذه الفترة المضطربة فلو أن تحركا عميقا في المجتمع بدأ فإن جبهة اليسار ستكون الحليف الموضوعي الوحيد على ذمة الطبقة المهيمنة من أجل تحويل وجهة الاحتجاج نحو مؤسساتها المضادة لمصالح الجماهير المحتجة . من أجل النضال ضد خوصصة البريد فإن جبهة اليسار دعمت تنظيم استفتاء وقع تجاهله من قبل الحكومة . نفس الشيء في الخريف الفارط عندما دعت الجبهة إلى استفتاء في ذروة الاحتجاجات المدافعة عن التقاعد و نزول ملايين العمال إلى الشوارع من مختلف المهن لينتظموا بصفة جنينية و يظهر تنظم ذاتي قادر على فرض ضرورة المعركة ضد البرجوازية و البيروقراطية النقابية التي رفضت المواجهة إلى النهاية مع الحكومة . و للتذكير بخصوص المنشور الذي وزعته جبهة اليسار في أثناء التحضير ليوم السادس من نوفمبر : في الصفحة الأولى دعوة إلى وحدة التحركات وهي وسيلة لتأمين هيمنة الإدارة النقابية التي أدخلت الحركة في الحائط ( و الكثير من الموجهين كانوا مرتبطين بجبهة اليسار ...) بينما الصفحة الثانية اقترحت جبهة اليسار كبديل عن ساركوزي في الانتخابات القادمة . إذن فميلونشون يقوم بحملته الدعائية في وسط الحراك و يحاول أن يوجهه نحو المؤسسات السياسية البرجوازية لأجل أولئك الذين يريدون إخماده .
توصيف جبهة اليسار و تحديد دورها في المرحلة الحالية سيكون منقوصا من دون الحديث عن بنيتها الإيديولوجية الحالية و العلاقات فيما بين المنظمات التي تكونها . إذ أن هناك حقل أيديولوجي تكون بالتفاعل , و الوزن الفوقي لمنظمة سياسية هو مربوط بالمعارك التي يشنها منافسوها . في هذا الصدد و إلى جانب الفائدة الإيديولوجية التي تجنيها البرجوازية بطريقة غير مباشرة من نمو الإصلاحية في مرحلة الأزمة فإن وزن جبهة اليسار هو مرتبط أكثر بالأزمة الحالية لليسار الجذري . لهذا يمكن القول أن مشروع ميلونشون هو اليوم ممثل أكثر من الطبيعي إيديولوجيا بسبب احتشام و تذبذب الحزب الجديد المناهض للرأسمالية و" النضال العمالي" .
الطريق و الآفاق
إن التمايز عن الدعاية التي تتوخاها جبهة اليسار هي مهمة حاسمة االيوم لمناهضي الرأسمالية الثوريين و إذا لم نتفهم ذلك فالطريق سيكون معبدا للإصلاحيين . لذلك فإن شعار " اليسار الموحد" الذي تنادي به الأرضية "ب" للحزب الجديد المناهض للرأسمالية هو أكثر سخافة اليوم . فكل إستراتيجية تطمح لقلب الرأسمالية لا بد أن تقطع بوضوح يوميا مع ميلونشون لتحد من تأثيره و نفوذه في أوساط الذين هم مستعدين للنضال . لأجل كل الأسباب التي ذكرت في هذا المقال هذه القطيعة ليست أمرا صعبا . لا بد أن نوضح أن الدولة الحالية ليست إلا وسيلة في صالح الطبقة المهيمنة و أن لا تغيير مؤسساتي يستطيع إلغاء الصراع الطبقي و أن أسباب الأزمة بنيوية و تؤكد ضرورة قلب النظام الرأسمالي . علينا العمل على ذلك في النضالات و في أوساط الجبهات المناضلة و في حملاتنا الانتخابية إلخ . لكن الحزب الجديد المناهض للرأسمالية ظل إلى اليوم عاجزا عن استيعاب هذه المهمة و حتى مرشحنا غير قادر على تبرير غيابنا عن جبهة اليسار .
تأسس الحزب الجديد المناهض للرأسمالية قبل تكون جبهة اليسار التي أساءت إليه كثيرا . عدد كبير من المناضلين دخلوا وقتها الحزب مع بيزانسينو على أمل تحقيق " وحدة الحركة الاجتماعية " . هذا الحزب و بسبب عدم البت في مسألة المناهضة الراديكالية لليبرالية و المناهضة الواسعة للرأسمالية و الثورة و تفسير واضح لقطعه الاستراتيجي مع حزب اليسار و جبهة اليسار فإنه فقد جزءا مهما من مناضليه بينما الأرضية ب التي تضم 40 بالمائة من المناضلين في الاجتماع الوطني لازالت تردد أن الترشح المستقل كان خيارا غير صائب ( أي ترشيح الحزب الجديد لفيليب بوتو للرئاسية بدل التوافق مع أحزاب اليسار المناهض لليبرالية على مرشح _المترجم_ ) . عندما يتعلق الأمر بتوضيح تمايزنا فإن القيادة الحالية تراوغ في الإجابة عن المسألة الإستراتيجية الأساسية و تقدم الحزب الجديد المناهض للرأسمالية ك"حزب النضالات" الحالي في الحراك الاجتماعي و في الانتخابات .
هذه الحجة قابلة للنقاش وهي غير كافية . أولا قابلة للنقاش لأن الحزب الجديد انتظم منذ تأسيسه بالخصوص حسب النسب الانتخابية أولا حول شخصية بيزانسينو و ال4 بالمائة في الانتخابات الرئاسية في 2007 ( تحت يافطة الرابطة الشيوعية الثورية ) ثم بالنقاشات المضنية في أوساط المنظمة في كل استحقاق منذ تأسيسه : جهوية و أوروبية و في المقاطعات , ليطرح في كل مرة السؤال حول علاقتنا بجهة اليسار إلى حد تحالفنا مع الميلونشونيين في منطقة الليموزين . منذ المؤتمر الأخير اجتاحت الحزب توترات حادة بسبب موضوع الرئاسية بينما المرحلة الجديدة للصراع الطبقي التي افتتحتها المسارات الثورية في العالم العربي _وهي بعيدة عن الانتهاء_ تجعل من الضروري أكثر من السابق التفكير في التدخل الثوريين فيها . السؤال حول تعريفنا البسيط ك"حزب النضالات" غير كاف أيضا لأنه رغم أن الميدان الخاص بالثوريين هو ميدان النضال الطبقي فإن السؤال هو هو معرفة كيف يسيس الماركسيون الثوريون نضالات العمال و كيف يعممونها و يدافعون عن استقلاليتهم و يهيكلونها إلى أن يضعوا سلطة البرجوازية في الخطر وكيف يستعملون من جهة أخرى الانتخابات كمنبر لطبقتنا , دون أوهام ...
دون أن يعرف الحزب الجديد كيف يتميز أكثر مما في السابق فإن جبهة اليسار تستغل جذرية المرحلة الحالية لتقدم دوريا كلمات من نوع هجومي :1600 أورو كحد أدنى للأجور تأميم , ترسيم العرضيين في الوظيفة العامة , إلخ مطالب هي الأخرى بالطبع مرفوعة من قبل الحزب الجديد . لكن بدون تدليل واضح حول ضرورة إستراتيجية ثورية و تمشي انتقالي فإن حزبنا يبدو أنه يحتل نفس المساحة التي يحتلها أنصار ميلونشون . من هنا تظهر رؤية البعض : خوض صراع من أجل نتيجة انتخابية جيدة عبر دعم مرشح قديم للسلطة , مندمج جدا في وسائل الإعلام البرجوازية , أكثر من عامل متجاهل مثل فيليب بوتو . بالعكس يجب أن نكون قادرين , و هذا هو الرهان الذي نعمل لأجله عبر فيليب بوتو , على استغلال صورة فيليب من أجل أن نتميز و أن نعمم النضالات و بدء المواجهات الأكثر راديكالية و إسماع أصوات المستغلين . لكن هذا لا يمكن أن يكون ذلك في إطار الحزب الجديد اليتيم من فرضيات إستراتيجية مثلما قال دانييل بن سعيد . هذا هو الفراغ الذي ينتج ارتباك المناهضين للرأسمالية و التمثيل الزائد لجبهة اليسار .
في موقعها الإلكتروني كتبت جبهة اليسار " الانصهار في أفضل تقاليد الحركة العمالية و المعارك الجمهورية و الحركات الاجتماعية و الحركات البيئية السياسية " . هذا ما يقوله الحزب الجديد عن نفسه . بنفس الطريقة تطور جبهة اليسار الديالكتيك بين الحكومة و التحركات لتوضح استراتيجيتها بالحديث عن " جبهة مواطنية موجهة لإطلاق دينامية شعبية " : هذا ما يقوم به أنصار الأرضية ب رغم اختلاف الكلمات . في هذه الوضعية تستطيع جبهة اليسار و أنصارها انتقاد الحزب الجديد بسهولة بالإشارة إلى " إستراتيجية الانعزال " و الجهل المتعمد ب" الدينامية الموجهة إلى اليسار " و تأكيدها : " بالتموقع ك"حزب نضالات" فقط فإن الحزب الجديد يبدو قد فضل التدخل فقط في الميدان الاجتماعي و الاستفادة من الانتخابات كمنبر . يبدو أنه يؤجل الأسئلة حول السلطة و أدوار المنتخبين إلى ما يجب أن يقوم به يسار في السلطة " .
فعلا يرفض الحزب الجديد اليوم السؤال حول السلطة . رأيناه في التحركات الأخيرة للجماهير في فرنسا بخصوص الإصلاحات المضادة لنظام التقاعد حيث كان الحزب متذبذبا بين الدعوة إلى إضراب عام و إيقاف الاقتصاد و امتنع بصورة ممنهجة عن مجادلة جبهة اليسار و القيادات النقابية الذين نجحوا في وأد الحراك بفرض اضرابات متقطعة عزلت القطاعات المتقدمة لتفادي المواجهة مع الحكومة . بعيدا عن التوصيات , الحزب الجديد يرفض بصورة منهجية تقديم محور هيكلي بصراحة للحجج النظرية الداعمة لخيار الإضراب العام و ضرورة التنظم الذاتي للجماهير لأجل العصيان البروليتاري . هذا جزء من " أفضل التقاليد الثورية للحركة العمالية" : القدرة على شرح أن أزمات الرأسمالية تطرح السؤال حول استلام السلطة و ضرورة التحضير لذلك . بينما نحن نعيش مرة أخرى مرحلة أزمة تاريخية للرأسمالية فإنه من المؤسف أن اليسار الجذري في فرنسا غير قادر على التمايز بوضوح و بصراحة عن تحالف انتخابي إصلاحي مثل جبهة اليسار بالمناداة عاليا و بكل قوة أن السلطة التحررية التي نريد تأسيسها لا تمر عبر المؤسسات البرجوازية .
إذا لم يوفي الحزب الجديد بمهمته في مجادلة جبهة اليسار و إفتكاك قيادة النضالات منها فإن النشاط _ أو بالأصح غياب نشاط_ المقدم من " النضال العمالي " لا يمكن أن يعوض هذا العجز . في الحالات النادرة لتموضعها في هذا الموضوع يشرح "النضال العمالي " بصواب لكن بطريقة غير كافية أن جبهة اليسار تقدم منظورا مظللا لمناهضة إصلاحية للرأسمالية . و يبين كذلك " النضال العمالي " أيضا أن جبهة اليسار لن تتردد في التحالف مع الحزب الاشتراكي بين الجولتين . لكن في نقطة مشتركة مع الحزب الجديد لا يظهر " النضال العمالي" أي تحليل استراتيجي في هذا الموضوع في مقالاته النادرة ( 2) : لا شيء في خصوص الرابط مع الأزمة و الضرورة و الوسائل لإفتكاك مكانه في وعي جبهة اليسار .
إذا كانت اليوم المساحة الإيديولوجية التي تشغلها جبهة اليسار مهمة في اليسار فذلك لأننا لم نتحرك للحد منه في النضالات و النقاشات . فعوض معاتبة الجماهير على تخلفها و نقص الوعي لديها وهي حجة سهلة استنجد بها اليسار الجذري لتبرير احتشام تدخلاته , فإنه على الثوريين إدراك الدور الذي يجب أن تلعبه منظماتهم في تشكيل الوعي . و كذلك بعرض برنامجنا و ضرورته بكل وضوح نستطيع التقدم بذاتية الجماهير .بل هكذا نستطيع إغلاق الطريق المفتوح على جبهة اليسار بسبب نقص المنظورات الإستراتيجية التي تميز اليسار الجذري و منظماته
. ترجمة المنصف رياشي

04 أكتوبر 2011
[1] Jean-Luc Mélenchon, Qu’ils s’en aillent tous ! : Vite, la révolution citoyenne, Flammarion, Paris, 2010, p.15.
[2] Voir notamment : http://www.lutte-ouvriere-journal.o... après le fête de l’Huma, et http://www.lutte-ouvriere-journal.o... sur le meeting de janvier dernier



#المنصف_رياشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة السورية و خيانة اليسار الستاليني و الماوي
- تونس و مصر : غاب الحزب الثوري وغابت المجالس العمالية
- الثورة التونسية دون قيادة ثورية
- في تونس حزب محاكم التفتيش يتسلم قيادة الثورة المضادة
- المؤتمر 22 للإتحاد العام التونسي للشغل


المزيد.....




- الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
- عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و ...
- في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در ...
- حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
- تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا ...
- تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال ...
- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - المنصف رياشي - المأزق الإصلاحي لجبهة اليسار ( فرنسا )