|
الحكم الديني يُفضي حتما إلى الدكتاتورية
منعم زيدان صويص
الحوار المتمدن-العدد: 3931 - 2012 / 12 / 4 - 00:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا ادري لماذا أحدث إعلان الرئيس المصري الدستوري كل هذه الضجة فأنا أعتقد أن عودة مصر إلى الدكتاتورية كانت مسألة وقت لأن الحكم الديني لا ينجح إلا من خلال الدكتاتورية وحكم الفرد، فإطاعة الحاكم الديني واجب شرعا. لم ينجح أي حكم ديني، أو حكم مؤسس على الدين، لا في العصر الحديث، ولا في أوروبا في القرون الوسطى أو قبل عصر النهضة، إلا وكان دكتاتوريا وتوتاليتاريا. ولقد رأينا ما حصل في إيران التي بدأت بعد الثورة بتطبيق النظام الإنتخابي، ولم يستتب الأمر فيها إلا من خلال دكتاتورية الولي الفقيه. ولا يمكن تجنب الفوضى أو الخلافات الحادة في أية دولة يحكمها الإسلاميون أو يكوّنون في حكومتها كتلة كبيرة إلا من خلال نظام دكتاتوري. فتحْتَ نظام حكم ديني يأخذ التعددية بعين الإعتبار، يصعب إستتباب الأمن وسيطرة الحكومة الدينية على الأوضاع لكثرة الإختلافات والتفسيرات والإجتهادات المتعلقة بالمذاهب والمعتقدات المتعددة، وخاصة في هذا العصر، عصر ثورة المعلومات والإتصالات.
لم يكن الإسلام السياسي يؤمن بالديمقراطية حتى منتصف التسعينات من القرن الماضي، وكان الإسلاميون يصفون الديمقراطية بأنها من مخترعات الغرب "وكذبة من أكاذيبه." وفي سنة 1992 حاول الإسلاميون في الجزائر أن ينضمّوا للعبه الديمقراطية، واشتركوا في الانتخابات البرلمانية، وقبل أن تقفل صناديق الاقتراع، تيقن نظام العسكر الحاكم أن الإسلاميين سيكتسحونها فالغوها وقمعوا الإسلاميين، ونتيجة لذلك لجأ الإسلاميون إلى الإرهاب وبدأت فترة من عدم الاستقرار في البلاد. وكان لهذا العمل التعسفي من قبل النظام آثار مدمرة من ناحيتين. فقد دعم هذا القمع شعبيتهم وأضعف شعبية العلمانيين والمستنيرين، ومن ناحية ثانيه تأخر التنوير والتحول في التفكير في العالم العربي والإسلامي لمدة عقدين. ولو أنه سُمح للإسلاميين أن يحكموا الجزائر ويتحملوا مسؤولية الحكم لاكتشفوا أن كثيرا من مبادئهم وأفكارهم لا يمكن أن تصلح لإدارة الدول في العصر الحديث، وعندها سيضطرون إلى تعديل مبادئهم السياسية لتتلاءم مع عالم اليوم، وسيظهرون أمام الناس بصورة مختلفة عن صورتهم قبل الإنتخابات. والحقيقة أن الإسلام السياسي يدرك ذلك الآن بعد 20 عاما من إنتخابت الجزائر.
وفي عام 2006 جرت انتخابات في الضفة الغربية وغزه وفازت حماس، ونستطيع أن نقول أن نجاح حماس أحدث انقلابا في تفكير الإسلاميين الذين بدأوا منذ ذلك الحين يؤمنون بان نوعا من الديمقراطية مفيد لهم. والحقيقة أن فكرة الإسلاميين عن الديمقراطية خاطئة إذ أنهم يعتقدون أن الديمقراطية معناها حكم الأغلبية، وليس حكم الشعب، وهم يقولون بصراحة أنهم لا يؤيدون حكم الشعب بل "حكم الله،" ويعتبرون المناداة بحكم الشعب كفرا. ولو أن حكم الأغلبية معناه ديمقرطية لكان حكم هتلر ديمقراطي، فقد إنتخب الشعبُ الألماني، الذي كان بشكل عام يتبنى مبدأ تفوق العنصر الألماني، حزب هتلر، واعتبر كثير من الألمان كتابه "كفاحي" إنجيلا لهم. ولو أن حكم الأغلبية معناه ديمقرطية لكان حكم حماس في غزة ديمقراطي ولكان حكم الملالي في طهران ديمقراطي أيضا، وهو حتما ليس كذلك. إن من أهم مبادىء الديمقراطيه هو السماح لكل الناس أن يعبروا عن آرائهم بحريه منضبطة بالقوانين، وأن يكون هناك معارضة حره يحميها نظام الحكم ويدعمها ويمنحها حتى مخصصات مالية لكي تنمو وتقوى لأن قوتها جزء من قوة البلاد وغناها الثقافي. وفي تركيا حكم ديمقراطي ناجح بقيادة حزب إسلامي ولكن هذا الحكم ليس دينيا بل علماني، وقد نصح إردوغان الحكومات الإسلامية الجديدة في العالم العربي أن تتبنى علمانية شبيهه بعلمانيته ولكنها رفضت.
أما ثورات ما يسمى الربيع العربي فقد غيّرت مفاهيم الإسلاميين عن الولايات المتحدة والغرب عموما بعد أن أعلن هؤلاء تأييدهم لهذه الثورات وتخليهم عن أصدقائهم من الحكام السابقين، الذين تركوهم يواجهون مصيرهم المحتوم، بنفس الطريقة التي تخلوا بها عن شاه إيران في نهاية السبعينات. وهذا سبّب هزة للأفكار التي كان يحملها الإسلاميون عن الغرب.
الحكومة الدينية لا تستطيع أن تتعامل مع مبادىء الديمقراطية التي تنص على حرية الفكر وتعدد الآراء، والتي لا يعترف بها الحكم الثيوقراطي. إن الدين شيء مقدس في ضمائر المتدينين، وإذا طُبّقت المبادىء الدينية حرفيا على السياسة ستصبح السياسة مقدسة، فكيف يستطيع المتدين أن يناقض أو يغير أو يعدل المبادىء السياسية المبنية على هذه القداسة ويتعامل مع الدول على أساس المصالح المتبادلة الخاضعة للتغيير والتبديل؟
أما في مصر فقد وجد مرسى نفسه يواجه أمرين: إما أن يطبق المبادىء الديمقراطية، ويخاطر بتجريد السياسة من الدين، وهذا ما لا تقبله قاعدته العريضة، وإما أن يستولى على معظم السلطات ويفرض سيطرته على البلاد تحت خيمة دينية، وهذا ما فعله في النهاية، متهما "اقلية" بمحاولةإجهاض "أهداف الثورة." وقد سمّت أجهزة إعلامه ما حصل ب "الثوره التصحيحية،" معيدة إلى الأذهان حركة حافظ الأسد التصحيحية في سوريا عام 1970. ومرسي يعلم أن أي مجلس شعب سيضع العقبات في طريقه ولذلك فمن مصلحته أن يؤجل الإنتخابات البرلمانية أطول فترة ممكنة. ولا أعتقد أن الأخوان المسلمين سيحققون في الإنتخابات البرلمانية القادمة المكاسب التي حققوها في الإنتخابات السابقة لأن المصريين إكتشفوا أن حكومة الإخوان لا تختلف عن الحكومات المصرية السابقة إلا بالاسم. لقد كان واضحا في الجولة الثانية للإنتخابات الرئاسية المصريه ونتائجها أن فُرص مرسي في الفوز كانت ستتبخر لو أن حزبين كبيرين آخرين أتفقا على دعم مرشح آخر، ولذلك على أحزاب المعارضة التي تتظاهر ضد مرسي الآن أن تلوم نفسها لأن التنافس فيما بينها كان سبب نجاحه.
#منعم_زيدان_صويص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليهود إذا إنتقدوا إسرائيل
-
عندما يتكالب على الأردن القريب قبل الغريب
-
أبو حفص الموريتاني وسياسة الجزيرة التحريرية الجديدة
-
ميشال عون وسوريا، وتضحيات لبنان
-
المسيح كان ثائراً على الديانة اليهودية
-
ملالا يوسف زاي .. -جان دارك- باكستان
-
الغرب يعوّل على الإخوان المسلمين في محاربة الجهاديين
-
مؤامرات وحقائق
-
الفلم المعادي للإسلام والهجوم على السفارات
-
ثورات الشعوب العربية وعلمانية أردوغان
-
الربيع العربي و-الفوضى الخلاقة-
-
متى يتوقف الإسلاميون المتزمتون عن تدمير الآثار الإنسانية؟
-
دول -الممانعة- تصعّد تهديداتها لإسرائيل
-
الأردن والدولة الفلسطينية
-
تهديدات إيران لإسرائيل أضعفت الموقف الفلسطيني، والمطلوب إنتف
...
-
هل يريد محمد مرسي حقا إعادة مجلس الشعب بالشكل الذي كان عليه؟
-
مطلوب جهود متواصلة وقاموس عصري لدعم اللغة العربية
-
الحكم الهاشمي في الأردن وانتكاسة ديمقراطية الخمسينات
-
دعوا الإسلاميين يحكمون
-
المطالبة ب -ملكية دستورية- في الأردن الآن تمهيد للوطن البديل
المزيد.....
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|