|
القاهرة مدينة مجنونة 2
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 3930 - 2012 / 12 / 3 - 23:22
المحور:
المجتمع المدني
ــــــــ القاهرة مدينة مجنونة 2 ــــــــــ فعلا القاهرة مدينة مجنونة، ومختلفة في جنونها عن الكثير من عواصم العالم المجنونة هي الأخرى مثلها، كما جاء في الجزء الأول من مقالتي السابقة التي قلت فيها أن الذي منحها صفة الجنون والتميز، هو أشتداد ازدحامها وكثر ضجيج محركاتها وزلزال زعيق منبهات سياراتها، وجعلت من القاهريين، شعبا قلقا إلى درجة التشاوم من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، الذي اصبح واضحا للعيان بين الكثير من ساكنة هذه المدينة، والذي حالة بل ظاهرة إجتماعية، حسب استطلاع مؤسسة "غالوب الاميركية للبحوث" الذي جرى مع 150 ألف مواطن في 140 دولة في العالم ,حسب برنامج شارك برأيك الذي يقدمه المبدع سمير فرح من البي بي سي, والذي تبين منه أن المصريين هم الاكثر تشاؤما ومثلهم سكان بلغاريا وهايتي, بينما الأكثر تفاؤلا هم سكان الدانمارك وإيرلندا والبرازيل التي يكفيها فريقها لكرة القدم لتوفير كل التفاؤل المطلوب. ويظل السؤال الذى يطرح نفسه بقوة، هو ما المر الذي يجعل الشعب المصري الطيب الصبور المرح المنكت -الذي يسمي بلده المحروسة وأم الدنيا وهي كذلك فعلا- يتشاءم ؟؟ وما الذي يشكل مصدر إزعاج ومثار قلق لساكنة قاهرة المعز الطويلة العريضة؟؟ وفي أرضها أعرق الحضارات، وأقدم الآثار التاريخية، والاهرامات وأبو الهول، وأعظم المتاحف الأثرية المجسدة لمراحل التواريخ الفرعونية القديمة، كـ"المتحف المصري" إلى جانب ميدان التحرير الذي تربع على عرش أشهر ميادين العالم شهرة وصيتا، والذي فاقت شهرتهن في الآونة الخيلاة، ميدان شارل ديغول بفرنسا، وميدان فيتوريو بإيطاليا، وغيرهما من أشهر ميادين العالم.....وفيهم من رموز الابداع والفن، ما لم يعرفه غيرهم، الاحياء منهم والأموات، كأم كلتوم، وعبد الوهاب، وعبد الحليم، والريحاني، ونجيب محفوظ، وطه حسين، والعقاد، ويوسف شاهين، وغيرهم كثير جدا. لقد شَكّلت قراءَتي لخبر التشاؤم الذي أورته مؤسسة "غالوب الاميركية" للبحوث، دهشة وتعجبا اختلطت فيهما الواقعية بالخيال, لكن سرعان ما زال ذهولي بعد وقوفي - خلال زيارتي الأخيرة لمدينة النيل العملاق - على بعض مظاهر ذلك التشاؤم وأسبابه، التي توغر نفوس المواطنيين، وتستعدي بعضهم على البعض الآخر، والمتمثلة في استغلال البعض لحساسية المرحلة التى تمر بها البلاد، من غياب للرقابة الجادة، ليضربوا بالقانون عرض الحائط، من أجل تحقيق كسب أكثر، وربح أوفر، وعلى رأسهم أصحاب المقاهى، الذين حولوا أرصفة المدينة الى ساحات مغلقة تخص مقاهيهم وحدها، مضيقين بذلك الطريق، بل وقاطعينها على العامة، غير عابئين بحق المارة المترجلين من الأطفال والنسوة المقيمين بجانب تلك المقاهي، التي أصبح وجودها ومشهدها، وهى تعتلى بكراسيها وطاولاتها كل مساحات الأرصفة المحيطة بسكنى القاهريين، مصدر قلق وإزعاج لهم، وعرقلة لمرور الناس أمامها، وسببا في اعتلال صحتهم الجسدية والنفسية الناتجة عن كثافة الأدخنة المنبعث من أفواه المشيشين، وكثرة ضجيجهم وكلامهم البذيء وتشنج لاعبى الورق من روادها. ليست ظاهرة استغلال المقاهي للأرصفة، ومزاولة نشاطاتها فوقها، بطرق خارج عن القانون والمألوف، وتجاوزات خطيرة لها، -كمرفق عامة يعد ملكاً للجميع، في حاجة ملحة إلى المراقبة الدورية للجهات المعنية بإصدار القرارات الردعية بشأن هذا المشهد غير الحضاري، الذي لا يراعي حقوق الناس- هي السبب الوحيد والذي يزعج المواطن القاهري ويثير تشاؤمه، الذي يوغر نفوس المواطنيين، ويستعدي بعضهم على البعض الآخر، ويحدث الفرقة بين ساكنه القاهرة، التي يعتقد البعض، أنها المدينة الوحيدة التى تعانى من هذا النوع من المشالكل، لكن بتدقيق بسيط فى أحوال بعض مدن العالم الأخرى، نكتشف أنها ليست وحدها في ذلك الهم، فكثيرة هي المدن المعانية مما تعانيه تعيشها القاهرة مع مقاهيها، كحال الكثير من المدن المغربية التي تعرف هي أيضا المعاناة ذاتها- مع بعض التفاوتات- حيث يؤكد الكثير من القاطنين بالقرب من المقاهي، أن وجودها بتلك الكيفية، والناتج عن تساهل المسؤولين، وغض طرفهم عن احتلالها للأرصفة بذلك الشكل السافر، ليعتبر أمرا هجينا، وانتهاكا سافرا لحقوق ساكنة المدن، وتعدياً فاضحا على أما تفتح المقاهى والمطاعم أبوابها إلى ساعات متأخرة من الليل، فذاك له عندنا حسابات أخرى تبعا للترخيص المعطى. بل نجد أن هناك أمورا آخرى أكثر إثارة للقلق ومدعاة لتشاؤم الذي يوغر نفوس المواطنيين، وتستعدي بعضهم على البعض الآخر، ويحدث التفرقة بين مواطني هذه المدينة المجنونة، والتي ترجع بلا شك إلى تفرد القاهرة، عن باقي العواصم العلم، في عدم التزام مقاهيها بمواعيد وتوقيتات محدد لعملها، حيث لا يوجد بلد فى العالم، يسمح فيه للمقاهي وغيرها من المحال التجارية، بالعمل حتى الثالثة صباحا، بل منها ما تواصل الليل بالنهار، فلا تقفل أبواها أبدا، حتى تجاري إيقاع وحركة القاهريين، التي لا تتوقف أبدا، وفي كل الاتجاهات، وكأنها خلية نمل أو نحل لا تنام ساكنتها؛ ومن الطبيعي أن يحتاج ساهرو الليل إلى الراحة بعد أن ينهكهم التجوال في مناكب المدينة العريضة، ويدفع العياء بالكثيرين إلى الإرتماء على كراسي المقاهى المنتشرة فى كل طرقات وساحات القاهرة، الجانبية منها والرئيسية على حد سواء، والتي تمثل ملاذا مفتوحاً للسهر فى الهواء الطلق، للترفيه عن النفس، وتمتيعها بنسائم الليالي الحارة، واحتساء المشروبات، ولعب الورق، وتدخين الشيشة... دون مراعاة لما تسبب فيه من إزعاج وقلق متشاوم، لقاطني البنايات التي توجد أغلب المقاهى أسفلها أو بمحيطها.. ولحل هذه الإشكالية، بتنظيم مواعيد فتح وإغلاق المحال، وبما يعيد الاعتبار لقيم الترابط الأسرى، وتغير الثقافة غير المنتجة لمجتمعها الليلى، وحل مشكلة الأمن ولو جزئيا، اضطرت الحكومة إلى إصدار قرار إغلاق المقاهي والكثير من المحلات التجارية في ساعة معينة، بدل أن تبقى مفتوحة الى الصباح. لكن الحكومة عجزت على تطبق قرارها الرامي لتنظيم مواعيد الإغلاق الذي يتسبب في حال من الركود الاقتصادى لكافة المحال التجارية وأصحاب المقاهي، زيعطل أرزاق فئة عريضة من الكادحين المصريين البسطاء، والعديد من الموظفين محدودي الدخل الذين لا يكفيهم مرتبهم الشخصي لسد احتياجاتهم اليومية، والذين يلجؤون إلى العمل في الفترة المسائية لتغطية مصاريف المعيشية المرتفعة، الذين اعترضوا بقوة على القرار وطالبوا الحكومة بالتراجع عنه. ولاشك أن هذا ال يقرار، يذكرنا بقرار مماثل -مع فارق أن الأول كان قرارا إنفراديا، بينما كان الثاني منظومة متكاملة فى التعامل مع قضية مواعيد المحال التجارية المبني على الحوار مع أصحاب الشأن- صدر في فونسا، فى منتصف التسعينيات، خلق نقاشا حادا داخل البرلمان الفرنسى، حول اقتراح فتح المحال التجارية يوم الأحد بسبب حالة الركود الاقتصادى النسبى، وكيف كان حديث النخب السياسية ونواب البرلمان وممثلى المجتمع الأهلى عن «الترابط العائلى» وعن «لقاء الأحد» الذى يجمع الأسر والأبناء والأحفاد وكيف أن قراراً من هذا النوع سيقضى على هذا الترابط. لذا يجب على المسؤولين على قرار نظام مواعيد المحال، الاعتماد على الحوار مع أصحاب الشأن، ولا يجب أن يتركوا الأمور للمزايدات والحسابات الصغيرة المدمرة لكل القرارات مهما كانت تروم تحسين أحوال البلد. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حق المدينة وبرج شباط!!!؟
-
القاهرة مدينة مجنونة
-
كل نكتة وانتم بخير!
-
العيد في عاصمة -أم الدنيا- القاهرة.
-
تدهور الارصفة
-
أزمة صحافة أو أزمة سياسة؟
-
الثورات لا يطلقها المنظّرون، والمفكرون، وإنما البسطاء والفلا
...
-
قضية حزب الاستقلال، بين منطق العقل ومنطق العاطفة والاندفاعية
...
-
أغرب مأدونيات وزارة التجهيز والنقل تصاريح -20D -!
-
ذكرياتي المرة مع المستشفيات العامة والخاصة.
-
حتى لا تنسينا قضية -الغزيوي/النهاري- قضايانا الحساسة !؟
-
خطاب بنكيران بين الشعبوية والدهاء السياسي !؟
-
مؤتمر حزب الاستقلال، تمرد أم ثورة؟
-
مذكراتي مع المستشفيات العامة والخاصة. الحلقة الثانية: سياسة
...
-
ذكرياتي المرة مع مستشفياتنا الخاصة والعامة.
-
إلى متى هذا العجز عن القضاء على الفساد بالكاملة؟
-
خواطر عمالية على هامش مؤتمر نقابي!
-
من الأحق بالشكوى من الزيادة المواطن أم الحكومة !؟؟
-
فن المعارضة أن تنام موالياً وتستيقظ معارضا
-
ماذا بعد اللقاء الأول لمحاسبة رئيس الحكومة!؟
المزيد.....
-
-وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس
...
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا
...
-
إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد
...
-
مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|