أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - لماذا تحوّلنا إلى تيوس ننطحُ الصخرَ ؟















المزيد.....

لماذا تحوّلنا إلى تيوس ننطحُ الصخرَ ؟


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1136 - 2005 / 3 / 13 - 11:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-
قال شاعر العرب قبل الإسلام الأعشى (ميمون بن قيس)، وليس شاعر العرب الجاهلي فأنا أرفض كلمة "جاهلية" لأن العرب لم يكونوا جهلاء قبل الإسلام - وربما كانوا جهلاء بالدين الإسلامي الذي لم يكن قد جاء بعد- بل كانوا أصحاب حضارة وحكمة كما بين لنا المؤرخ العراقي الكبير جواد علي في سِفره الضخم بأجزائه العشرة (تاريخ العرب قبل الإسلام) .. قال هذا الشاعر بيتاً من الشعر، خلّده وحفر اسمه في الذاكرة العربية المثقوبة، كما خلّدت بيوت أخرى من الشعر شعراء آخرين، اتسمت بالحكمة ونفاذ البصر والبصيرة قال الأعشى البصير:

كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها، وأوهى قرنه الوعل

ولم يردد العرب بيتاً من الشعر كما رددوا هذا البيت في كل مناسبة، يرون أن لا فائدة من متابعة السير في هذا الطريق أو ذاك، أو في مناسبة أن أعداء الأمة العربية والعقائد العربية والتقاليد العربية والثوابت العربية والمقاعد الفكرية الخشبية العربية هم كمن يناطح صخرة صمّاء لا يضيرها شيء، ولا ينال الوعل منها إلا تكسير قرنيه. وحوّل العرب هذا البيت من الشعر إلى مثل سائر فقالوا: "أحمقُ مِنْ ناطح صخرة". وحذّر العرب في أدبياتهم من الأحمق فقالوا: " اتق الأحمق أن تصحبه إنما الأحمق كالثوب الخلق كلما رقعت منه جانباً صفقته الريح وهناً فانخرق سمعاً فأساء إجابة".

كما كتب العرب هذا البيت من الشعر بماء الذهب في أبرز كتب التراث الأدبية العربية كـ "نهاية الأرب في فنون الأدب" للنويري، و"نقد الشعر" لقدامة بن جعفر، و" لباب الآداب" للثعالبي، و"كتاب الصناعتين" لأبي هلال العسكري وغيرها. وعلّق كثير من الحكام العرب هذا البيت من الشعر في مراكز الشرطة ودوائر المخابرات وغرف تعذيب المعارضة وفي الزنازين فوق مطارح نوم المساجين من السياسيين، لكي يلقوا في روعهم أن الدولة الديكتاتورية الاستبدادية الطاغية لا تقاوَم، وهي كالصخرة الصمّاء لا يفيد من ينطحها غير تكسير القرون.

-2-

إن تراث العرب كبقية تراث الأمم الأخرى مليء بالأمثلة والحكم التي تتوارثها الأجيال عن الأجيال وتستفيد منها الأجيال في مواجهة متغيرات العصور والأيام، وتحاول أن تهدي بها الأحفاد لعلهم يجدون بها سواء السبيل. ولكنا لاحظنا في الأونة الأخيرة أن غالبية العرب تستعمل هذه الأمثال والحكم لتأكيد دور المعاندين والمكابرين والخياليين والمغامرين والمهووسين والمستنجدين بالجان ودعاة السحر والشعوذة وأعداء الحداثة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

فنجد أن بيت شعر الأعشى السابق بدل أن يُستخدم في النظرة الواقعية العقلانية إلى الأمور، وهو الغرض الأساسي الذي قيل من أجله حسب ظني واعتقادي. وهو يمتُّ إلى السياسة والحنكة وحسن التصرف أكثر من أن يمتَّ إلى أي شيء آخر. ولو كان لدينا علم "أسباب القول" للشعر العربي قبل الإسلام، كما هو الحال في علم "أسباب التنـزيل" بالنسبة لآيات القرآن لكنّا قد أدركنا بأن هذا البيت من الشعر قد قيل كجزء من حكمة العرب الغنية قبل الإسلام والتي يقول عنها المؤرخ العراقي جواد علي في سِفره العظيم "تاريخ العرب قبل الإسلام" بأنها كانت حكمة مشهودة.. بيت الشعر هذا، قد تحوّل إلى عصا غليظة يطرق بها السلفيون الحداثيين، ويضرب بها المحافظون الليبراليين، ويستعملها الارهابيون لكسر رؤوس الضحايا الأبرياء من المدنيين. كما يتغنّى بهذا البيت أصحاب الثوابت والحفاظ على المنابت، وأصحاب الخشب والقش والقشور وحفارو القبور.

-3-

فالفقهاء المتناطحون بالفتاوى المتضاربة، الذين يضيرهم التجديد في الدين ويهدد هذا التجديد مصالحهم، وربما يعزلهم من دورهم الاجتماعي في الحياة، يرددون بيت الأعشى البصير في مواجهة دعاة التجديد (التيوس) الذي يناطحون صخرة التراث، وفي مواجهة كل من ينادي بتحديث الإسلام واخضاع أحكامه الاجتماعية والاقتصادية لظروف الزمان واختلاف المكان باعتبار أن الإسلام قد جاء بنوعين من الأحكام أحكام العقائد وهي التي لا تتبدل ولا تتغير وتعتبر عابرة للتاريخ، والأحكام الاجتماعية والاقتصادية وهي التي كانت ابنة ظروفها قبل 1400 كما يقول لنا العلاّمة التونسي ورائد الإصلاح الديني وداعية التنوير الأبرز الطاهر حداد في كتابه (إمرأتنا في الشريعة والمجتمع ،1929).

والسلفيون الذين يهتدون بآراء سكان القبور ويرددون الأفكار التي كانت لزمن من قضوا، والعادات التي كانت لحال من مضوا يرددون بيت شعر الأعشى البصير، لكي يثبتوا لتيوس التجديد والحداثة والليبرالية أن من يغير الثوابت كمن يناطح صخرة صمّاء لا يفيده غير تكسير القرون.

ولقد نُصح الإسلامويون والأصوليون بالوئام بدلاً من الصدام، وبعدم التناطح مع الأديان الأخرى والثقافات الأخرى والبحث عن صيغة للتلاقح بدلاً من التناطح، وبالتسامح بدلاً من التناطح، تأسياً برسول الله في "صلح الحديبية" الذي وجد صخرة قريش أمامه، فلم يتحداها ولم يناطحها وانما التف حولها التفاف العاقل الواقعي، وكُتب له الظفر في النهاية. ورغم هذا ما زلنا حتى الآن نقوم بالتناطح مع كل المختلفين معنا، ليس بقرون الوعول فقط ولكن بأجساد الشباب والشابات التي تُشترى بالمال والوعود بالجنة، وتحوّل إلى قنابل موقوته لقتل المدنيين من الأبرياء.

فهل علمنا من هم التيوس في النهاية؟

-4-

في الجانب الآخر من التناطح، كان هناك تيوس عظام وجبابرة استطاعوا أن يناطحوا الصخور الصماء عاماً بعد عام ولمدة تزيد عن نصف قرن. فغالبية العرب ناطحوا الشرعية الدولية وناطحوا القوى العظمى في أمور شتى في فلسطين وغير فلسطين. ورغم أنهم نصحوا بأن " تناطح الفعل السياسي العربي مع العالم على مسرح المعركة مع اسرائيل لمدة تزيد على أربعة عقود لم يفلح الا في تكديس المكاسب لمصلحة اسرائيل" إلا أن العرب ما زالوا يمارسون "لعبة التيس والصخرة"، باعتبارهم من أهل الهمم التي تناطح السحاب، وبدلاً من يلتفوا حول الصخرة لكي يجدوا مسالكهم الصحيحة، يناطحون هذه الصخرة وصخوراً أخرى.

وأصحاب مواقف "الصمود والتصدي" ما زالوا يناطحون الصخر، وما زالت قرونهم تتكسر، ولكنها تطلع ثانية من جديد وتتكسر وهكذا، ولم يدركوا حتى الآن أن كثيراً من الشعوب عندما رأت أن لا نتيجة من مناطحة الصخر، وفرّت قرونها والتفّت حول الصخرة، وأخذت طريقها نحو الرقي والازدهار، وصانت قرونها وقرون أبنائها في المستقبل.

لقد قضينا نصف قرن منذ عهد الاستقلال العربي حتى الآن ونحن كالتيوس نناطح صخور عدة، دون أن نستعمل العقل في كيفية الدوران حول هذه الصخور بدلاً من أن ننطاحها، فكانت النتيجة قبض الريح الذي نحن فيه الآن.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورقيبة ينهض من قبره
- أسطورة الحريري في الحياة والممات
- شمس العراق تسطع على لبنان ومصر
- الملك عبد الله والإعلام الظلامي
- الدرس المفيد من العراق الجديد
- من فلسطين بدأ الإرهاب ومنها ينتهي
- الحب في زمن الإرهاب
- لماذا لا ينضم العراق إلى الإتحاد الأوروبي؟!
- الإصبع العراقي: لله وللحرية
- أولويات العراق بعد الانتخابات
- العراقيون يؤدون الأحد صلاة العيد!
- الانتخابات العراقية بين الشرعية والتبعية
- صناديق الاقتراع مقابر للرعاع
- الانتخابات العراقية والامتحان الليبرالي
- العراق والمصير المنير
- أول شيخ أزهري يُثني ويُوقّع على -البيان الأممي ضد الارهاب
- محمود عباس والخوارج
- أسئلة الأعراب في أسباب الإرهاب
- محمود عباس والطريق إلى الدولة الفلسطينية
- -الإصلاح من الداخل- دعوة طفولية ساذجة لتطييب الخواطر وتقليل ...


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - لماذا تحوّلنا إلى تيوس ننطحُ الصخرَ ؟