يعرب العيسى
الحوار المتمدن-العدد: 1136 - 2005 / 3 / 13 - 10:35
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
بعشيقة أقل إثارة من زوجة، وزوجة أقل إخلاصاً من عشيقة.
بخيارات لا تنتهي من المهن غير المتاحة، والأحلام غير القابلة للتحقق.
بأفعال يومية هي تماماً عكس ما يليق، ورغبات عكس ما يمكن.
حسرات على كل ما مضى دون استثناء، ورعب من كل ما سيأتي دون بصيص.
بانتماءات مخجلة، وتاريخ شخصي مثقل بالعار، أصدقاء لا يوثق بهم، ورعب من كل شيء.
بمعارك خاسرة دوماً، بمعارك خاسرة سلفاً، بطعام وشعارات دون طعم، بماء وحقائق لها طعم.
بوطن أقل قليلاً من منفى اختياري، وأكثر قليلاً من إقامة جبرية.
بعينين ذاهلتين منكسرتين، ونظرات زائغة دوماً، بشفتين مزمومتين وذراعين مشدودين للجذع وبظهرٍ منحنٍ.
هكذا يؤرخ ابن بلدي للحظته، وهذا ما يحدث له في هذا اليوم.
أما ما حدث في مثل هذا اليوم، فهو باختصار: الأقل سوءاً في كل مرة، إذا كنت عائداً للخلف في الزمن، والأشد هولاً في كل مرة إذا كنت تسير للأمام في الزمن ـ وما أظنك تفعل ـ
ففي مثل هذا اليوم من العام الماضي كان حزيناً ويائساً، وفي مثل هذا اليوم منذ عامين كان حزيناً، وفي مثل هذا اليوم من تسعة أعوام كان مكتئباً، ومنذ خمسة عشر عاماً كان قلقاً، ومنذ ثلاثين عاماً كان متوجساً، ومنذ أربعين عاماً انتبه، واليوم أعتقد أنه يجب أن يموت منتحراً. ولا شك أن خروج أي منا إلى الشارع اليوم سيكون أمراً مرعباً، لأنه منطقياً وبحساب رياضي بسيط سيجد الآخرين موتى كلهم، وسيجده الآخرون ميتاً كله.
فالموت لا يعني فقط تخثر البروتين داخل الخلايا، وتحول الجسد البشري الآثم إلى ما يشبه البيضة المسلوقة، بل هو بشكله الأوضح والأكثر صرامة، خيارات تشبه خيارات الموتى، وأفق يشبه آفاق الجثث، فسريرياً يرى الأطباء أن توقف الأفعال الإرادية دون أمل بالعودة هو موت، وسياسياً غياب الحراك هو موت، ولأن ارتداء الكفن ليس فعل حياة، فإن ارتداء ما يشبه الكفن (الحجاب وجلابيب الملتحين البيضاء القصيرة) ليست حراكاً سياسياً.
إذا اتفقنا على أن الجلوس بانتظار جلبي محمول على بريمر هو خيار من خيارات الموتى، فسنتفق أن الجلوس بحد ذاته يقارب آفاق الجثث.
لقد حدث في مثل هذا اليوم كثير من الأشياء، لكن حتماً حتماً لن يحدث شيء آخر، فالتاريخ توقف هنا، لأننا مهما أطلقنا العنان لخيالنا لن نجد ما هو جدير بالحصول لأننا لن نجد ما هو أسوأ، ولن تمر بنا لحظات قلق أبداً، لأننا دخلنا منطقة الذعر.
#يعرب_العيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟