|
الطرطور الإسلامي و الديكتاتور العُروبي .
صالح حمّاية
الحوار المتمدن-العدد: 3928 - 2012 / 12 / 1 - 20:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تحدتنا في المقال ما قبل السابق عن كيف أن المشروع الإسلامي الحالي لا يعدو كونه في الواقع سوى تشويه للمشروع القومي بصيغة أسوء ، بحيث أُحلت أيدلوجيا الإسلام بدل أيدلوجيا العروبة ، وعددنا في المقال الفروق بين النمطين .... عموما ونظرا للتطورات .. يمكن القول أننا لم نعطي الواقع حقه في المقال السابق رغم ما قلنا ، فلا تزال هناك فروق مهمة ، أو ربما تكون الأهم لم نذكرها ، ألا وهي أن القوميين قد لعبوا دور الديكتاتورية بحرفية ، في المقابل يمثل الإسلاميون حاليا كوميديا التاريخ الهزلية و المضحكة .
إذا أخذنا الرئيس مرسي كنموذج للمقابل القومي ناصر في طريقة استبداد كل منهما فيمكن القول أن مرسي يمثل السخرية والهزال الذي يمثله الإسلاميين في تاريخنا المعاصر ، فهذا الطرطور الذي يحاول أن يقلد الدكتاتور ناصر ، لم يفلح حتى في تقليد سلبياته فما بال الحديث عن إيجابياته .
سابقا وحين أراد ناصر الانفراد بالدولة وجعل نفسه طاغية أختار لهذا توقيت جلاء الانجليز من مصر، فهو الأمر الذي كانت له قوته أمام العالم و أمام شعبه ، بحيث كان لناصر أن يفتخر بإنجازه أمام المصريين لكي يقبلوه كزعيم حتى ولو كان طاغية ، في المقابل الطرطور مرسي اختار لتنصيب نفسه فرعونا توقيت توسطه لإعلان الهدنة في غزة ، و هي الهدنة التي لا قيمة فعليه لها في الحقيقة ، فالفلسطينيون في النهاية أبيدوا على أيدي الإسرائيليين بلا أي رحمة ولم يكن لهدنة مرسي أن تفعل لهم أي شيء ، في المقابل فالمصريون فمهما اهتموا بالشأن الفلسطيني فهم لم يكونوا ليعطوه أهميته على حساب الشؤون الداخلية لبلدهم ، وعليه كان أن إنجاز مرسي الذي حاول تسويق إعلانه الفرعوني عن طريقه لم يكن له أي وقع على المصريين ولم يعطي أي نتيجة .
الأمر الآخر ، أن ناصر وحين قرر احتكار السلطة لنفسه ، قام على اثر هذا بمنح كل مصري ليضحي بحريته السياسية فدادين من الأرض لتملكها ، (يقال أن والد مرسي اخذ خمس قيراطات من ناصر) أي أن ناصر وهو يسلب المصريين حريتهم العامة ، منحهم حريتهم الخاصة في المقابل ، بحيث كان لكل مصري ارض يتصرف بها لوحده وهو ما قد يعد مقايضة مقبولة ، فالفلاحون الذين ضاقوا ذرعا بتسلط ملاك الأراضي في تلك الفترة كانوا ليقبلوا أي شيء يحررهم من هذا التسلط ، في المقابل الطرطور مرسي وجماعته يتوهمون حاليا أنه يمكن للمصري أن يضحي بحريته مقابل زجاجة الزيت ، و رطلي السكر التي يرشونه بها ، وهذا طبعا جنون صرف فلا يمكن تخيل أن يضحي أي إنسان بحريته لقاء ثمن بخس كهذا ، ثم كيف إذا كان هذا الإنسان قد قام بثورة عظيمة كما فعل المصريون عمادها "الحرية" ، ظف إلى هذا ، وهو ما يغيب عن بال مرسي و جنوده أن هذا الإنسان أو المصري قد بات الآن أوعى و أذكى ، فمصريّو اليوم (خريجي الجامعات و مواطنو العولمة ..) الذي يحاول الطرطور استغفالهم ليسوا هم مصريي تلك الفترة (الفلاحين و الغلابى ..) الذين أستغفلهم ناصر ، هذا طبعا مع فارق تقدم الزمن و ثورة الاتصالات و أيضا مع فارق أن ناصر أحتكر في الواقع الحريات العامة فقط ، بينما مرسي و الإسلاميون يريدون سلب المصري حريته العامة بالإعلان الفرعوني ، و الخاصة بالمشروع الإسلامي أو بمعنى أدق مشروع التمكين للشمولية الإسلامية ، وعليه كان من البديهي أن رفض المصريون هذا الطغيان ، فالإنسان قد يقبل خسارته لبعض من حريته مقابل بعض المنافع ، لكن أن يخسر حريته كلية وبلا أي ثمن فهذا محال .
على هذا الأساس و كنتيجة نفهم لماذا راكم الطرطور مرسي كمًا من الكراهية له ولمشروعه في أربعة شهور ، أكثر مما راكم ناصر و ديكتاتوريته في ستين سنة ، فالمصريون تفهموا ديكتاتورية ناصر في إطار الجدية على الرغم من ظلمها لهم ، لكنهم لم يتقبلوا السخرية بآلامهم و أحلامهم كما يفعل الأغبياء الإسلاميون لأن هذا فوق مستوى الاحتمال .
بالمجمل يمكن القول أن المشروع الإسلامي هو سخرية التاريخ الهزيلة و الفاشلة في وقعنا ، فهذا المشروع هو العار الذي سيسود صحائفنا دائما ، لهذا فقد كان من الجيد أن نرى المصريين يثورون عليه حاليا ، فللتاريخ ليس من الإنصاف في حق شعب عظيم كشعب مصر أن يحكمه طراطير و مكبوتون جنسيا على غرار الإسلاميين ، فهذه الأمة تستحق أكثر من هذا ، و هي ومهما انحدرت نحو الهاوية فتاريخها لا يسمح لها بأن تنزل إلى الحضيض حيث المدينة الفاضلة كما يريدها الإسلاميون .
لقد كان من الجيد حقا أن المعارضة المصرية قد إختارت وهي تعلن تحديها لطغيان الطرطور مرسي أن تعلنها وهي تقف تحت صورة الزعيم سعد زغلول ، فأمة كمصر لا يجب أن تعبر عن نفسها إلا بقادة عظام كسعد زغلول ، أما الطراطير الأحفورية كمرسي أو المكبوت جنسيا حسن البنا ، أو المفجوع المنهار تحت وقع الصدمة كسيد قطب ، فهؤلاء مكانهم المصحات النفسية لتقلي العلاج والتأهيل وليس قصور الرئاسة و تزعم الأمم .
#صالح_حمّاية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شكرا مصر .
-
مستقبلنا في خمس دقائق .
-
في معنى - لكل زمان ومكان - .
-
أيها الورد
-
- أمان الله خان- ذكريات أفغانية .
-
كي لا تأذينا طيبتنا .
-
سيناريو 52 .
-
مراح الجزائري أم الوهابي .
-
حول الصعود الإسلامي .
-
كيف نقيّم التجربة العلمانية .
-
عن العدالة في الحكم الإسلامي .
-
كذب الإسلاميون ولو صدقوا .
-
الإستبداد المنتخب .
-
مغلوب لا يقلد الغالب .
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|