أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالخالق حسين - علاقة سلوك البشر بالحيوان في الرد على بن سبعان















المزيد.....

علاقة سلوك البشر بالحيوان في الرد على بن سبعان


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1136 - 2005 / 3 / 13 - 10:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن نظرية النشوء والارتقاء (أصل الأنواع The Origin of species) للعالم البريطاني داروين و التي نشرت عام 1859، صارت اليوم من الحقائق المسلم بها، تدرس في معظم المدارس والمعاهد في العالم عدا بعض الدول الإسلامية التي يهيمن عليها رجال الدين الذين مازالوا لا يعتقدون بها ولا بكروية الأرض. ولا غرابة في ذلك، فهذه النظرية منعت من التدريس حتى في بعض المدارس في إحدى الولايات الأمريكية ولموقف ديني أيضاً. النظرية تؤكد الأصل المشترك بين جميع الأحياء، بدءً من خلية واحدة في بداية الحياة والخليقة ثم تطورت عبر مليارات السنين إلى ما عليه الأحياء الآن، وأن أقرب فصيلة لنا في سلم التطور هي فصيلة القرود. والطيب الذكر داروين لا يدعي أن الإنسان تطور من سلالة القرود وإنما الإنسان والقرود يشتركون في أصل واحد.

لذلك فالمتخصصون في سلوك الإنسان يدرسون سلوك الحيوان أيضاً ومن خلاله يحكمون على سلوك الإنسان وتصرفاته وكيفية فهمها والتأثير بها. وبهذا الخصوص يشبه هؤلاء العلماء طبقات النفس البشرية بطبقات الأرض الجيولوجية، كل طبقة تمثل حقبة زمنية تقدر بآلاف أو ملايين السنين. فإذا أرجع داروين أصل الإنسان البايولوجي إلى حيوانات أقل منه في سلم التطور، فقد قام عالم النفس سيجموند فرويد بدراسة النفس البشرية وأرجعها إلى سلوك الحيوان أيضاً. ويعتقد فرويد أن العقل الواعي المفكر هو تطور جديد، وأن العقل عموماً يشبه الجبل الجليدي، تسعة أعشاره غاطس في الماء، يسمى بالعقل الباطن subconscious وعشره فقط مرئي ويسمى بالعقل الواعي. ومعظم سلوكنا يرجع إلى العقل الباطن أي دون إرادتنا. وتتراكم هذه الطبقات العقلية الواحدة فوق الأخرى وكل منها يمثل حقبة زمنية معينة كالطبقات الجيولوجية كما أسلفنا، ومعظمها تمثل الغرائز الحيوانية. أما الحضارة فهي حديثة العهد جداً لا تمثل إلا قشرة خفيفة أخف من قشرة البصل، وتحت تلك القشرة يكمن ذلك الحيوان الوحش وغرائزه. لذلك فأغلب تصرفات الإنسان لها جذورها في الحيوان وخاصة العدوانية منها.

ولعل أبرز عالم درس علم السلوك المقارن هو العالم الأمريكي البروفيسور دزموند مورس، صاحب كتاب (القرد العاري Naked Ape). ويقول المؤلف في المقدمة أن المقصود بالقرد العاري هو الإنسان، ولا يقصد إهانة الإنسان بذلك، وإنما يتحدث الرجل من ناحية علم الأحياء (البايولوجيا)، ويقول أن وفقاً لهذا العلم فالإنسان هو واحد من 193 نوعاً من القردة، جميعها مغطاة بالشعر ما عدى نوع واحد فقط وهو الإنسان، لذلك سماه بالقرد العاري,
طيعاً لم يثر اسم الكتاب في الغرب أي انتقاد أو حساسية بسبب تسمية الإنسان بالقرد العاري، ولم يعتبر إهانة لكرامته عندما شمله المؤلف ضمن فصيلة القرود، لأن المسألة لا تتعدى دراسة علمية أولاً، ولأن هذه الشعوب بلغت درجة عالية من الحضارة بحيث صار الإنسان يشعر فيها أنه جزء من الطبيعة والكون كما يشعر بالقرابة اليايولوجية مع الحيوانات الأخرى ويعطف عليها. ولكن فقط شعوبنا العربية والإسلامية، وبسبب التخلف وعقدة النقص، هي وحدها ترعد وتزبد عند أبسط مقارنة أو تشبيه في هذا المجال ولا تتحمل النقد مهما كان بناءً وعلمياً.

ما حفزني لكتابة هذه المداخلة هو مقال الدكتور صالح بن سبعان الموسوم (وليست قرود الجزيرة وحدها: هل نطلق الحرية بلا قيد؟) المنشورة في إيلاف يوم 9/3/2005، يرد به على مقال الأستاذ جمال جمعة (قرود الجزيرة العربية) في ذات الصحيفة الإلكترونية يوم 8/2/2005. وبدوره، يقول الأستاذ جمال أن مناسبة مقاله "... هو التعليق الطريف للصديق د.عبد الخالق حسين الذي ذيّل به سطره الذي تحدث فيه بمقاله الموسوم "صعود وسقوط الشمبانزي الثالث" [راجع إيلاف 16.9.2004]. لذلك أرى من المفيد المشاركة في هذا السجال لتوضيح بعض الأمور وتعميماً للفائدة.

فمن متابعتي لكتابات الأستاذ جمال جمعة، أعرف سعة اطلاعه وثقافته الموسوعية، ليس في علم السلوك المقارن والتاريخ فحسب، بل وفي الأدب والتراث والشعر واللغة العربية وغيرها. فهو شاعر له عدة دواوين، وباحث وكاتب في مختلف المجالات، ويشهد بذلك حتى الدكتور ين سبعان نفسه عندما قال: "ما أعجبني حقيقة في مقال الأخ (جمعة) هذا الحفر التاريخي، ولا أقول المعرفي، عن المجتمعات والسلوكيات ( الفردية ) بأنواعها، تكشف عن سعة إطلاع الكاتب،..." وقد وقع الكاتب في تناقض عندما قال "ولا أقول المعرفي" فينكر على الأستاذ جمعة المعرفة بينما يعترف بعد عدة كلمات ليعترف فيقول " سعة إطلاع الكاتب" ويضيف في مكان آخر قائلاً: "وأنه يتمتع بقدر عظيم من العلم." ومن هنا فقد تدخل العامل العاطفي ضد الموضوعي عند الأخ بن سبعان سامحه الله.
وربما يعود سبب تضايق الأخ الدكتور بن سبعان من بحث الأستاذ جمعة أنه عربي ومسلم ومن سكان الجزيرة العربية، فراح يشكك في نوايا الأستاذ جمال جمعة، خاصة وكانت مقالته بعنوان (قرود الجزيرة العربية). فراح الكاتب يؤكد على اتهام الأستاذ جمعة بسؤاله " لماذا اضطر إلى اختيار طريق الغمز والرمز والمواربة؟"
في الحقيقة لم أر غمزاً ولا لمزاً أو رمزاً في مقالة الأخ جمال، خاصة وقد أشار الباحث إلى دراسة قدمها باحث سعودي ونشرها في مطبوع سعودي أيضاً ولم يثر مقال الباحث السعودي أي اعتراض، لا من الدكتور بن سبعان ولا من غيره من المثقفين السعوديين. إذ قال الأستاذ جمال: (نشرت مجلة "الفيصل" الصادرة في الرياض،عدد 290 / 2002، مقالاً مثيراً لباحث سعودي شاب قام بدراسة تجمعات القرود في المنطقة لما يزيد عن عشر سنين ووضع لها بحثاً خجولاً أسماه (مجتمعات القرود في الجزيرة العربية: من التماسك الى الإنحلال). من هنا نرى أنه حتى عنوان بحث الشاب السعودي مقارب لعنوان بحث الأستاذ الجمعة، فلماذا يا ترى هذه الحساسية من الأخير؟
التفسير هو أننا أبناء الشعوب العربية والإسلامية مصابون بعقدة النقص والحساسية المفرطة إزاء كل ما يمكن أن نفسره بأنه غمز ولمز ضدنا، ناهيك عن عدائنا للنقد. وهذا الموقف من النقد له دور كبير في تخلفنا، إذ لا يمكن التقدم بدوم نقد. فكما قال أحد الفلاسفة (النقد أساس التقدم).

والشيء بالشيء يذكر، ففي الثمانينات من القرن الماضي أثير جدل بين الدول الأوربية من جهة وبريطانيا من جهة أخرى حول تلوث البيئة، فاتهم الأوربيون بريطانيا بأن السحب الدخانية من معاملها تنقلها الرياح إلى الدول الإسكندنافية كانت سبباً للأمطار الحامضية Acid rains التي تسببت في قتل الأحياء المائية في البحيرات وتدمير الغابات في تلك البلدان.. الخ. فوصف أحد الوزراء الأوربيين بريطانيا ب(رجل أوربا القذر!! The dirty man of Europe). وذكر ذلك في نشرات الأخبار في التلفزيونات البريطانية. فسأل المذيع وزير خارجية بريطانيا، وكان يومها دوكلاس هيرد (سيادة الوزير، هل حقاً بريطانيا رجل أوربا القذر؟) فواجه الوزير السؤال بمرح وبكل رحابة صدر وهو يضحك بثقة عالية قائلاً (لا لا أبداً، بريطانيا ليست كذلك!) وانتهى الأمر. ولا أعتقد أن بريطانيا خسرت ذرة من مكانتها وكرامتها من ذلك الوصف لأن الشعب البريطاني واثق من نفسه ومكانته الحضارية. لنتصور أن وزير عربي وصف بلداً عربياً آخر بالرجل القذر، فما هو رد الفعل؟ طبعاً سيكون عنيفاً إلى حد القتل والاحتراب، لأن هذه البلدان مصابة بعقدة النقص وتعتبر أي نقد إساءة لكرامتها طبقاً لقاعدة (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبها الدم).
ويتهم الدكتور بن سبعان الباحث فيقول: [ ولكنه اختار الطريق الخطأ... لأن أسلوب الغمز والمواربة والترميز له مدخل آخر وهو الخيال الأدبي، وقد فعلها من قبل " ابن المقفع " وعند أهل الغرب فعلها في "مزرعة الحيوانات " كونادويل.]. والصحيح أن مزرعة الحيوانات Animal farms لجورج أورويل وليس لكونان دويل. والأخير اشتهر برواياته البوليسية واختراعه لشخصية شرلوك هولمز. وكما نعلم، لم يقتل النظام السوفيتي المعني ب(مزرعة الحيوانات) المؤلف كما دق الخليفة العباسي عنق الحكيم بن المقفع.
وتحت عنوان صغير (معمعة أخرى) يشكك الكاتب في نوايا الأستاذ جمعة عندما يستشهد بياقوت الحموي
[ "موضع القرود" بأنه ( موقعها ) يقع بين مكة المكرمة والطائف، ومن جبل اسمه يسوم يقع قرب مكة المكرمة تأوي إليه القرود التي تفسد " قصب السكر " الذي ينبت على جبال السراة " مما يعني أن القرود التي تقيم في الجزيرة العربية كانت مستوطنة هنا منذ أمد بعيد جداً " كما قال نصاً.]
هنا أيضاً يشكك الدكتور في النوايا فيقول: (لاحظ هذا الحفر التاريخي للربط بين مكة والقرود.). هذا التشكيك هو الغمز واللمز الذي لا يخلو من خطورة لأنه بمثابة التحريض على الأستاذ جمعة خاصة ونحن في زمن أتخذ فيه الإسلام ذريعة للإرهاب وقطع الرقاب. ولا أدري ماذا سيكون مصير الأخ جمال لو استشهد بهذه المقولة من مستشرق أوربي "يهودي" بهذا الخصوص؟ ولماذا لا يشكك بن سبعان ولا الذين من قبله بياقوت الحموي نفسه مثلاً. حينما أطلق تلك الفرضية؟ والغريب أنه عندما تصدر المقولة من الحموي نفسه لا تثير أي إشكالية ولكن ما أن تأتي من جمال جمعة يكون قصده "الربط بين مكة والقرود". إن هذه التهمة هي بمثابة تحريض ضد الأستاذ جمعة، فما الفرق بين أن تقتل شخصاً برشقة رصاص أو رشقة كلمات تحريضية؟ إنها عقدة عبدالله بن سبأ ونظرية المؤامرة التي ابتلى بها العرب منذ فحر الإسلام إلى اليوم.
وفي دفاعه عن المطاوعة (الشرطة الدينية)، ومن سياق البحث يريد الدكتور سبعان أن يقول لنا أن سبب نقاء مجتمعاتنا من الفساد والآفات الاجتماعية الأخرى التي ابتليت بها المجتمعات الغربية يعود إلى المطاوعة وطريقة حكم البلدان الإسلامية وسياسة القبضة الحديدية والعصا لمن عصى. وقد أسهب الدكتور في ذكر أرقام وأحصائيات مفيدة عن جرائم القتل والإغتصاب والإساءة للأطفال في أمريكا وأوربا معتقداً أن مجتمعاتنا العربية خالية من هذه المشاكل.
في الحقيقة، أن الدول الغربية تهتم بالإحصائيات وتجري دراسات دورية عن كل ما يحدث في بلدانها من مختلف الجرائم والأمراض الاجتماعية وغيرها. وبذلك يخضعونها للدراسات العلمية من أجل الكشف عن أحجامها وأسبابها ومعالجتها وبالطرق العلمية أيضاً لا بالطرق الهمجية. ويقومون بذلك بكل شفافية ولا يستحون من كشف الحقائق ويتعاملون معها على المكشوف بلا نفاق أو ادعاءات زائفة. أما البلدان العربية والإسلامية فهي تتبع سياسة النعامة في دفن رأسها بالرمال لكي لا ترى الحقيقة المرة، وتدعي جزافاً أنها نقية. فعدم معرفتنا لحجم الجرائم لا يعني أن مجتمعاتنا نقية وبشرنا صاروا من صنف الملائكة.

أود أن أشير إلى تقرير نشرته صحيفة (الشرق الأوسط) يوم 25 مايو 2004، عن وقائع مؤتمر عقد في الرياض عن «الإساءة للأطفال» في السعودية، يؤكد أن الخصوصية السعودية عائق أمام كشف الحقائق حول الظاهرة التي تعالج في إطار سري للغاية. وأكد المشاركون جميعا على عدم وجود احصائية سعودية دقيقة عن هذه القضية، معترفين ان الامر اصبح ظاهرة يجب الوقوف عندها بشكل جدي.
وقال الدكتور طلعت وزنة مدير ادارة الخدمات الطبية بوزارة الشؤون الاجتماعية: «قبل 9 سنوات فقط كنا نتطرق الى قضية الاساءة للاطفال على استحياء في لقاءاتنا وندواتنا العلمية لكن الامر بات مختلفا الآن بعد ان اصبح الحاكم المدني يحيل الينا جميع هذه القضايا للنظر فيها». وأضاف وزنة: «الاطفال الاكثر عرضة للاعتداءات الجسدية والجنسية هم ممن يتمتعون بالوسامة الى جانب الاطفال المعاقين وصغار الحجم».
وكشف الدكتور يحيى بانافع من مستشفى الولادة والاطفال بجدة ان «الاعتداء على الاطفال في السعودية يشمل الاعتداء الجسدي والجنسي والعاطفي ولكل منها صور مختلفة ولكن اسوأها هو الاعتداء على الاطفال المعاقين او من يقل عمرهم عن سنة». واضاف: «لا توجد لدينا اي احصائيات ثابتة وموثقة، لكننا نعتمد على النسب العالمية التي قد تكون مقاربة للوضع المحلي».
والأسوأ من كل ذلك قال أحد المشاركين في المؤتمر وهو الدكتور الطويرقي ان طبيعة المجتمع السعودي تشجع على ظاهرة الاعتداء على الاطفال، اذ «كثيرا من الآباء يأتون الى مدرسة أبنائهم ويقولون صراحة للمعلمين او لمدير المدرسة عن اطفالهم ان (لكم اللحم ولنا العظم!)، وهذا يعني موافقتهم على ان يقوم المعلم بضرب ابنه وتأديبه بأي شكل، طالما تجنب اصابته بالكسور!».
وعن حجم مشكلة الاساءة للاطفال في السعودية كشف القحطاني عن وجود دراسة اجراها مركز مكافحة الجريمة التابع لوزارة الداخلية بالرياض جاء فيها ان «21 في المائة من الاطفال يتعرضون للايذاء الجسدي والنفسي بشكل دائم و45 في المائة منهم يتعرضون للايذاء بشكل يومي، بينما يتعرض 33 في المائة للايذاء النفسي، كما احتل الحرمان بمختلف انواعه نسبة 66 في المائة، وجاء ترك الطفل مع الخادمة او مع من يخاف منه وحيدا في المرتبة الاخيرة دون ان تحدد الدراسة النسبة المؤية لذلك». (الشرق الأوسط 25 مايو 2004).

والجدير بالذكر أن في المجتمعات الإسلامية لا يمكن معرفة جرائم الاغتصاب الجنسي لعدة أسباب: الأول، إن الضحية تفضل السكوت خوفاً من الفضيحة والخزي، لأن حتى وهي ضحية يمكن أن تقتل من قبل العائلة والعشيرة لغسل العار، وثانياً، ونتيجة للإخلاق البدوية الموروثة، فالمجتمع لا يتعاطف مع الضحية والضعيف، بل يتعاطف مع الجاني والقوي، ويعتبرون الجرائم من علامات الرجولة والشجاعة. فالشعوب العربية هي الوحيدة في العالم التي تمجد الغزوات والسلب والنهب في تراثها وتاريخها. وثالثاً والأهم، لا يمكن إثبات جريمة الاغتصاب الجنسي في الشريعة الإسلامية، لأن ذلك يتطلب أربعة شهود عدول يرون الميل بالمكحلة على حد قولهم. ويبرر رجل الدين ذلك أن الإسلام يريد الستر. وقصة المغيرة بن شعبة، والي البصرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) معروفة في كتب التاريخ، فقد ذكرها الطبري بالتفصيل وكيف تمت براءته وجلد ثلاثة من الشهود الأربعة لأن الرابع لم ير المرود بالمكحلة رغم تطابق شهادته مع ما قاله زملائه الثلاثة الآخرين في المواصفات الأخرى للمشهد!

وتحصل حالات اغتصاب جماعية في البلاد العربية لا تقل عن الغرب وربما تختلف بشدة عنفها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حصلت جريمة اغتصاب لتلميذ في مرحلة المتوسطة من قبل المعلمين في دولة عربية والضحية ابن لأستاذ جامعي في ذلك البلد من دولة عربية أخرى. وأخبر الطفل والده الذي رفع الأمر إلى الحكومة، ولم يكن لديه أربعة شهود فتم جلده وطرد هو وعائلته من البلاد. ونشرت قصة المأساة إلى صحافة بلد الضحية. في الدول الإسلامية لا يعتبر التحرش الجنسي ولا التلامس الجسدي اغتصاباً حتى ولو كان عنوة. بينما هذه المضايقات تشكل القسم الأكبر من حوادث الاغتصاب في الغرب. وهذا هو المطرب المشهور مايكل جاكسون في ورطة ومازالت محاكمته مستمرة بتهمة التحرش الجنسي بالأطفال. كم من هذا النوع يجري في البلاد العربية وكأن شيئاً لم يكن؟

وهناك حساسية أخرى من حقيقة لا يمكن نكرانها، وهي قول الكاتب (( فإن الإسـلام لم " يقتبس " مثلما قرر هو من اليهودية، .. ولكنه خاتم للأديان كان كتابه مهيمناً على ما سبقه، وسيظل كذلك ولو كره الكافرون.)) هنا احتقان الكاتب حيث يلجأ إلى إرهاب الند باستخدام لغة التكفيريين. ويضيف: [" ولا يروج لفكرة الاقتباس هذي إلا من لا يعتقد أن القرآن كتاب منزَّل من عند الله، حتى ولـو كـان اسـم أبيه (جمعة) وهو اليوم المقدس عند المسلمين مثلما السبت عند اليهود".] لقد عدنا ثانية إلى نغمة عبدالله بن سبأ! يبدو أن المعتزلة كانوا يتمتعون بحرية أكثر مما نتمتع به الآن، فقد جاز لهم أن يناقشوا موضوع "خلق" القرآن، قبل أكثر من ألف عام ولا يجوز لنا نحن بمجرد الإشارة إلى هذه الأمور الفكرية رغم أننا في القرن الحادي والعشرين، فسيف التكفير مسلط على الرقاب. حقاً أننا في زمن التكفير. إن هذه العقلية هي التي أنتجت لنا بن لادن والزرقاوي ومشايخ فتاوى ذبح العراقيين مثل القرضاوي وغيره من فقهاء الموت.
وفي (خـاتـمــة) يترك الكاتب موضوعيته ويركز على الجانب العاطفي فيسأل: "من هو جمال جمعة؟" وهنا يتدخل عامل التحريض وتصفية حسابات أجتزئ مما قال:((من الواضح أن الكاتب لا يستهدف المملكة العربية السعودية، بقدر ما يستهدف الإسلام والشريعة الغراء، وأن يتخذ لذلك وسائل وأساليب جد ذكية، وأنه يتمتع بقدر عظيم من العلم.. ولكن كيف يوظفه؟. وهذا ما لا يعلمه إلا الله ثم أُولي العلم.)) ويضيف الدكتور بن سبعان: ((إلا أن القارئ قد يكون لاحظ معنا ونحن نستعرض مقالته أنه محتقن من قوله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز " ولـقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت، فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين " البقرة الآية (65). فمن هو؟ أمِن المحتقنين من الآية؟..)) مرة أخرى ونحن إذ نسأل، من هو المحتقن؟
وختاماً أقول، أن من حق الكاتب أن ينتقد أي كاتب آخر لا يتفق معه في الرأي، ولا أحد يتهم الدكتور صالح بن سبعان بالتطرف، ولكن اللجوء إلى تكفير الآخر بالغمز واللمز أمر في غاية الخطورة، كان عليه تجنبه خاصة في هذا الزمن الرديء حيث صار فيه قتل المفكرين مفتاح الإرهابيين لدخول الجنة.



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا الأردن أخطر من سوريا على العراق؟
- تحية للمرأة في يومها الأغر
- سوريا والإرهاب
- أعداء العراق في مأزق
- اختيار الطالباني رئيساً ضرورة وطنية
- من وراء اغتيال الحريري؟
- بريماكوف الأكثر عروبة من العربان!!
- وحتى أنتِ يا بي بي سي؟
- العراق ما بعد الانتخابات
- مرحى لشعبنا بيوم النصر
- يوم الأحد العظيم، يوم الحسم العراقي
- الشريف الحالم بعرش العراق
- مقترحات لدحر الإرهاب؟
- الزرقاوي، الوجه الحقيقي للثقافة العربية-الإسلامية
- البعث تنظيم إرهابي وعنصري
- لماذا لا يصلح النظام الملكي للعراق؟ 5-5
- لماذا لا يصلح النظام الملكي للعراق؟ 4-5
- لماذا لا يصلح النظام الملكي للعراق؟ 3-5
- هل الانتخابات وسيلة أم هدف؟
- لماذا لا يصلح النظام الملكي للعراق؟ 2-5


المزيد.....




- مشتبه به بقتل فتاة يجتاز اختبار الكذب بقضية باردة.. والحمض ا ...
- في ظل استمرار الحرب والحصار، الشتاء يضاعف معاناة نازحي غزة و ...
- قصف إسرائيلي عنيف يزلزل الضاحية الجنوبية لبيروت
- صدمة في رومانيا.. مؤيد لروسيا ومنتقد للناتو يتصدر الانتخابات ...
- البيت الابيض: لا تطور يمكن الحديث عنه في اتصالات وقف النار ب ...
- نائب رئيس البرلمان اللبناني: لا توجد عقبات جدية تحول دون بدء ...
- استخدمت -القرود- للتعبير عن السود.. حملة توعوية تثير جدلا في ...
- -بيروت تقابلها تل أبيب-.. مغردون يتفاعلون مع معادلة حزب الله ...
- مشاهد للجيش الإسرائيلي تظهر ضراوة القتال مع المقاومة بجباليا ...
- ماذا وراء المعارك الضارية في الخيام بين حزب الله وإسرائيل؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالخالق حسين - علاقة سلوك البشر بالحيوان في الرد على بن سبعان