سامان كريم
الحوار المتمدن-العدد: 3927 - 2012 / 11 / 30 - 22:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وصف الفنان «فتحي عبدالوهاب» معارضته ضد اعلان الدستور لمرسي الدكتاتور الجديد لمصر بجملة واحدة وهي: «لقد وقعنا في الفخ» وهي معارضة ولكن معارضته سلبية وحتى استسلامية, اي استسلام المجتمع للواقع "الفخ" حسب تعبيره او للواقع المرير الذي يعيش فيه المجتمع في المصر. مرسي بإصداره "الاعلان الدستوري" أوقع نفسه في مأزق سياسي كبير, ليس هو كرئيس لمصر فقط بل حزبه الاخوانجية ايضا. يضاف الى ذلك وقعت البرجوازية كطبقة وقواها في مأزق سياسي كبير اذا تستلتهم الطبقة العاملة والقوى الثورية الاخرى دروسها من ثورة 25 يناير وماتلاها من حوادث وانتهاكات للحقوق السياسية والاجتماعية والفردية في المرحلة الانتقالية لحد الان. كيف لا نقع بالفخ مرة اخرى؟ ماذا تعني هذه الجملة البسيطة؟ لا نقع في الفخ وفق "فتحي عبدالوهاب" يعني ان الثورة وامالها وقعت في فخ الاخوانجية, يعني ان الاخوانجية التهموا روح الثورة وتطلعاتها, يعني انقلبوا على الثورة.... هذه هي المعاني المختلفة لهذه الجملة... برأي كلها خاطئة.
إن الاخوانجية والاحزاب البرجوازية كافة في المرحلة الثورة كانوا ضد الثورة, يقودون الثورة المضادة بإسم الثورة, ولإجهاض الثورة وتطلعاتها, و تمكنوا من تحقيق هذا الهدف لحد الأن, إذن القضية ليست "وقعنا في الفخ" بل في انعدام الرؤية السياسية للثورة لدى الثوريين, وبالتالي انعدام التنظيم لتحقيق اهداف الثورة. في هذا القرار اي "الاعلان الدستوري" مع االاخوانجية كل القوى البرجوازية الرجعية في مصر والمنطقة بمجلمها في مصر ومعها السلفين من حزب النور والدعوة السلفية... بصورة مطلقة ويشاركون في التظاهرات التي من المزمع تنظيمها غدا السبت لتأيد قرار مرسي... ومعها ايضا القرضاوي الفتوجي الارهابي الغارق في الفساد, ومعها الاخوانجين في الاردن وسوريا... وهكذا.
في البداية اود ان أشير الى محور مهم وهو ان الاخوان المسلمين وكل القوى البرجوازية من الحركة القومية العربية بمختلف اطيافها اليمينة واليسارية من الحزب الوطني الحاكم الى اطياف مختلفة من القوميين الليبراليين من حزب الوفد واليسار القومي من الحزب الشيوعي المصري وفروعها المحتلفة, والشخصيات البرجوازية من احمد شفيق وعمرو موسى والبرادعي وعبدالفتوح وحمدين الصباحي الرئيس السابق لحزب الكرامة الناصرية وهو ذو ميول ناصري الذي يقع في خانة القوى القومية العربية, وذهب مع الاخوانجية في تحالف ضمن "التحالف الديمقراطي من أجل مصر" في الانتخابات مجلس الشعب المصري الذي تزعمه حزب الحرية والعدالة الاخوانجية سنة 2011-2012.. كل هذه القوى التي تدير دفة السياسية في مصر الحالية هي ضمن عائلة برجوازية واحدة على رغم اختلافاتها في وجهات النظر حول ادارة الحكم. لكن في المحتوى, كلها تدير حكم الطبقة البرجوازية اي إستغلال العامل اشد الاستغلال والاستثمار. أن استغلال العامل عبر "العامل الرخيص" هو محتوى حكم الطبقة البرجوازية في مصر, وهذا يعني استبداد سافر ويعني الدكتاتورية سواء كان عبر الفرد مرسي او مبارك أو بن علي في تونس او صدام في العراق او بشار في سوريا والملك عبدالله في السعودية او عبر النخبة وتداول السلطة تحت قبة البرلمان الامر سيان من حيث المحتوى, ولكن من حيث الشكل هناك فرق طبعا, واذا ليس لديك اختيار اخر عليك ان تختار حينذاك حكم النخبة بدل الحكم الفردي. هذا ليس حل طبعا بل الخنوع للواقع المرزي الذي يعيشه المجتمع المصري, هو اختيار لأهون الشرين. ارى ان القضية التي امامنا اي "الاعلان الدستوري" هي قضية داخلية لعائلة البرجوازية, والقضية هي: هل للرئيس حق مطلق لتشريع القوانين وإلغائها ولو بصورة مؤقتة ام لا؟ البرجوازية المعارضة من الحزب الوطني والقوى القومية العربية بكافة اطيافها وشخصياتها واليسار القومي لديهم اجابة وهي لا "للاعلان الدستوري" ومعهم المجتمع بأكثريته... اما القوى الاسلامية من حزب الحرية والعدالة الى السلفين يقول نعم "للاعلان الدستوري"... هذا هو شكل القضية بمجملها.
وراء الاكمة شئ ما ؟ظاهرة ما ربما لا يراها كل فرد متظاهر ومعارض لاعلان الدستور وربما أيضا لا يراها كل فرد من مؤيدي هذا الاعلان. الشئ الذي وراء الأكمة هذه هي إبعاد الجماهير الثورية عن مطالباتهم الثورية, إبعاد الطبقة العاملة من دورها الريادي و انخراطها في السياسية كقوة سياسية مقتدرة. حيث ان القضية "أعلان الستوري", كما أكدت هي قضية تخص الدولة البرجوازية الحالية, اي تبقى الدولة ويبقى النظام وتبقى الجيش وكافة مؤسساتها الرجعية و تبقى البطالة و قلة االجور و سلب الحريات, والفقر و العوز, تبقى كل هذه الاشياء والصراع بين تلك القوى هو حول كيفي ادارة امور عائلتهم فقط.... ان قضية المعارضة البرجوازية هي: "اما أن نأكل الوضع كشركاء في القرار او نحشد الحشود ونعارضك" هذه هي قضية البرجوازية بكل اطيافها. الصراع بين الطرفين اي القوى السياسية المعارضة "وليس الحشود الجماهيرية في التحرير" للاعلان الدستوري والقوى المؤيدة لها ليس على تطلعات الثورة, ليس على مطالب الثورة, الثورة قامت على اسس واضحة وهي "الحرية والخبز" وبمعنى اخر توفير الحريات السياسية بما فيها حرية التنظيم والاضراب وحرية التعبير عن الرأي وحرية النقد والحريات المدنية والفردية والاجتماعية والمساواة بين الرجل والمراة وتأمين الضمانات الاجتماعية وزيادة الاجور وتوفير العمل وضمان البطالة لكل العاطلين عن العمل... هذه عناوين مختلفة لتطلعات وآمال ثورة يناير. من الطبيعي ان تحقيق هذه الاهداف والمطالب يتطلب دولة عصرية دولة مبنية على اسس حق المواطنة المتساوية, اي فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم.... وهذه دولة لتحقيق مطالب الثورة الجماهيرية العامة... ان قضية "الاعلان الدستوري" هي قضية العائلة البرجوازية بحكامها ومعارضيها, ولكن الحشود المليونية في التحرير اندفعت بقوة نحو المطلب الاكثر عمقا وهو "ارحل ويسقط الدكتاتور" هذا الحشد الجماهيري الضخم متعطش لتحقيق امال الثورة للحرية والخبز, وقضيتها مختلفة تعي بذلك او لا.. وهي غير منظمة وليس لها افق سياسي واضح, ربما اسير لسياسات ومناهج فكرية للمعارضة البرجوازية ولكن قضيتها مختلفة تماماً عن هذه القوى وفق شعارها التي رفعته بسرعة...
ان المعارضة البرجوازية الموجودة هي شريكة في بقاء النظام الحالي كنظام طبقي مبني على اساس "العامل الرخيص" وليس على ذلك خلاف بين المعارضة والحاكم. حيث لم نسمع عن اية معارضة تذكر ضد اخضاع مصر والمجتمع المصري لقوانين وقرارات البنك الدولي الذي وفر قرض لمصر مثل ايام مبارك تماما. لماذا لم نسمع معارضة او احتجاج ما من قبل هذه القوى ضد هذا الاخضاع؟ لان هذا الصفقة بين مصر والبنك الدولي تعني التقشف والبطالة والخصخصة التي تمس قلب المجتمع النابض اي الطبقة العاملة في مصر والجماهير المليونية الكادحة والموظفين في الدرجات الادنى, تعني اعادة هيكلة الاقتصاد وغلق المعامل... وهكذا. وهذه هي الروح المشتركة بين الفريقين قوى المعارضة الموجودة والحاكم الموجود... وروحهم المشترك او بالتحديد روح واحد.... هو بقاء النظام الراسمالي واعادة توليد هذا النظام بصورة مستمرة عبر شتى وسائل التحميق والتضليل والقمع.
حتى ان الدستور المصري الذي تدافع عنه المعارضة هو دستور لبقاء هذا النظام كنظام طبقي وليس دستور لتحقيق تطلعات الثورة واهدافها السياسية كما ذكرنا اعلاه. عليه لكي لا يقع المجتمع مرة اخرى في فخ البرجوازية سواء كان من المعارضة او غيرها... على الجماهير المحتجة وبالتحديد الطبقة العاملة تنظيم ذاتها في حزبها الطبقي عبر صفها الطليعي... ان النقابات العمالية التي تشكلت في زمن الثورة وما تلاها بامكانها ان تعلب دورا تاريخيا عظيما على هذا المسار. هذه الصورة هي صورة موضوعية للحالة الراهنة في مصر. هل تقع الجماهير الثورية مرة اخرى في الفخ؟! سؤال مطروح, والاجابة هي التاريخ القادم الايام والشهور القادمة, التاريخ الذي لم يكتب لحد الان, هل الجماهير الثورية ستكتب تأريخها الخاص بها ام ستقع في الفخ مرة اخرى؟
لكي لا تقع الجماهير في الفخ مرة اخرى
القضية الرئيسة براي هي فصل جماهير الثورة وخصوصا طليعي الطبقة العاملة عن اهداف وسياسات القوى والحركات البرجوازية سواء المعارضة أو الحاكمة وبالتحديد عن الحركة القومية العربية بيسارها ويمينها من الحزب الوطني الى الناصرين واليسار القومي من الحزب الشيوعي المصري ومشتقاته من جانب ومن قوى الاسلام السياسي كافة ومن مراوغاتهم ووعودهم الكاذبة... ان النقذ السياسي والفكري الجذري للحركة القومية العربية والاسلام السياسي, هي مهمة طليعي الطبقة العاملة والشيوعين العماليين على غرار تقاليد ماركس وبالتالي تنظيم الطبقة العاملة في حزبها السياسي اسسه الاحياء السكنية والمصانع والمعامل وارساء قواعد الثورية كمهمة ثورية عبر تنظيم وتشكيل المجالس في المحلات والمصانع ومصاردة المصانع فورا وادامة التوليد فيها عبر ادارتهم الثورية وفي المحلات ايضا تحقيق ادارة المحلات من قبل هذه المجالس وتنظيم المجالس على اساس المدن ومنها على صعيد الدولة ككل... ان اليات العمل لتشكيل هذه المجالس.. ربما تكون مختلفة من منطقة الى اخرى... ربما تبدأ من الراس اي عبر نشطاء عماليين وجماهيريين والشباب والنساء في منطقة ما كنواة لبناء مجلس جماهيري مؤثر او ربما مباشرة من القاعدة عبر تحشيدات جماهيرية في المحلات وانتخاب ممثلين عنهم حيث يشكيل مجلس المحلة وفي المصانع هكذا ايضا... ان المجالس هي منظمة جماهيرية ثورية لادارة الاعمال السياسية والاجتماعية ولسن القوانين اي هي منظمة تنفيذية وتشريعية في ان واحد... هذه المجالس يجب ان تدافع عن نفسها بالسلاح وتدافع عن مكتسباتها وعن حقوق المواطنين... ان النقابات العمالية والمنظمات المختلفة الشبابية التي تشكلت في مرحلة الثورة وبعدها لها مقومات ثورية كبيرة للانخراط والأنطلاق نحو تحقيق هذه الاهداف لصالح الجماهير برمتها.
والقضية الاخرى هي عدم التوهم بالجيش والشرطة... ان الجيش والشرطة وكافة المؤسسات الدولة الموجودة هي مؤسسات للقمع والاستبداد وللحفاظ على النظام الراسمالي.. ان استخدام الجيش في مرحلة ثورة يناير كوقوفه "حياديا" ولو ليس حياديا, هو تكتيك سياسي معين لحصار الثورة وعدم تعميق الثورة في كافة مفاصيل الحياة الاجتماعية حيث انحصرت الثورة في تلك المرحلة في الساحات والميادين والشوارع وهي كانت ضعف كبير في المرحلة السابقة, وايضا لخوف دولة مبارك والقوى العالمية من انفلات الوضع والخروج من سيطرتهم.... اذا المطلوب هو ان لاتقع الجماهير في الفخ مرة ثانية, عليها ان تستلهم دروسها من ثورة يناير.. وان تحقق برنامجها السياسي والحزبي خارج اطار الاحزاب البرجوازية.. 30 / 11 / 2012
#سامان_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟