أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - شاكر النابلسي - بورقيبة ينهض من قبره















المزيد.....

بورقيبة ينهض من قبره


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1136 - 2005 / 3 / 13 - 10:16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


-1-
بورقيبة ينهض من قبره، فلا يجد عبد الناصر ولا أحمد سعيد، ولكنه يجد فهمي هويدي وراشد الغنوشي .
الحبيب بورقيبة ينهض اليوم من قبره ليسألن معشر الأعراب: هل اهتديتم، وهل عرفتم طريق الصواب بعد أربعين عاماً من التيه في صحراء الشعارات وحروب المغامرات ؟
ومن هو الأكثر رعباً للعرب: زيارة رئيس وزراء إسرائيلي لبلد عربي، أم اصرار رئيس بلد عربي على عدم التقدم نحو مزيد الإصلاحات السياسية والاكتفاء بتعديل المادة اليتيمة من الدستور، والإصرار على ترشح الحاكم عدة مرات، دون مدة محددة والى أن يحين أجله، ويستخيره الله إلى جواره ؟



-2-

دعوة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لشارون لزيارة تونس لحضور "ملتقى
تكنولوجيا المعلومات" في نوفمبر القادم من هذا العام، ليست غريبة على القيادة السياسية التونسية التي دشنها مؤسس الدولة التونسية الحديثة الزعيم الحبيب بورقيبة. فبورقيبة كان أول زعيم عربي طالب العرب بالاعتراف بقرار الأمم المتحدة 181 لعام 1947 الخاص بالتقسيم وقال لهم "خذوا وطالبوا"، وقال لهم "إن عدم الاعتراف بدولة إسرائيل هو الخطأ. نحن لا نستطيع تجاهل كون إسرائيل واقع قائم، ولا نستطيع ان نتظاهر بأنها غير موجودة. سياسة كل شيء أو لا شيء قادت الي الهزيمة. سياسة الخطوة وراء الخطوة وحدها نحو الهدف هي التي تقود الي النجاح". وقال بورقيبة مؤكداً: "السلام الحقيقي ليس سلام المنتصرين والمهزومين. من الممكن التوصل الي تعايش مع اليهود وسيأتي يوم ونكتشف ان كل هذه المآسي ليست ذات قيمة أو معنى. هذا اليوم سيأتي إن آجلا أو عاجلا. الكراهية تقودنا الي الخلط بين العداء للصهيونية وبين اللاسامية، الامر الذي يتسبب في انتشار التعصب والتشدد لدي الناس، وهذا التعصب الذي سيصبح خطيرا في اليوم الذي سنتفاوض فيه". وكان كل ذلك في خطابه الشهير في 3/3/ 1965 بمخيمات اللاجئين بأريحا قبل أربعين عاماً، والذي على أثره تم شتم بورقيبة في الإعلام القومجي الفاشستي الناصري آنذاك كأكبر عميل لإسرائيل وأرذل خائن في تاريخ العرب الحديث، كما يُطلق الآن على كثير من العقلانيين والواقعيين السياسيين من مفكرين وسياسيين ومحللين، بينما رشّحه المجتمع الدولي لنيل جائزة نوبل للسلام.



-3-
دعوة ابن علي لشارون ليست بالخطوة التونسية الأولى وليست هي الأخيرة. فقد قال كلود سيتفون رئيس جمعية الصداقة الإسرائيلية - الفرنسية (هآرتس، 3/3/2005)، "أن إسرائيل وتونس أقامتا علاقات دبلوماسية فيما بينهما في عام 1996. هذه العلاقات جُمدت من قبل تونس في سبتمبر 2001 مع اندلاع الانتفاضة الثانية. إلا ان وزير الخارجية الإسرائيلية سيلفان شالوم يملك اليوم علاقات قوية مع نظيره التونسي عبد الوفي هيرميس. وعما قريب سيتوجه الي تونس وفد إسرائيلي تونسي الأصل ليحل ضيفاً علي الحكومة التونسية. هذه البعثة ستشمل تكنولوجيين وصناعيين وأكاديميين ومثقفين. وأن أكثر من نصف الجالية اليهودية في تونس (55 ألفاً) هاجروا الى إسرائيل. وكانت تونس الدولة الوحيدة في شمالي افريقيا التي حظيت فيها الصهيونية بتعاطف الجالية اليهودية والشريحة النخبوية منها. وهجرة كل الشرائح سهلت استيعاب يهود تونس في المجتمع الإسرائيلي في حينه، حيث أسسوا كيبوتزين و16 قرية تعاونية."



-4-
الرئيس ابن علي لم يدعُ شارون لزيارة تونس.
روح الحبيب بورقيبة هي التي نهضت من القبر، ودعت شارون لزيارة تونس، بعدما رأت حال العرب المتدهور، لا حباً بشارون السياسي الزائل من الحكم في إسرائيل بعد فترة قصيرة، ولكن مساهمة من تونس في بعث تراث بورقيبة السياسي العقلاني والواقعي، والذي استفاد منه الفلسطينيون والإسرائيليون في محادثاتهم في أوسلو 1993 ، ونال فيها الفلسطينيون أقل بكثير مما عرضه عليهم بورقيبة في 1965 ، كما يؤكد الباحث التونسي لطفي حجّي في كتابه (بورقيبة والإسلام: الزعامة والإمامة).
فلماذا كل هذه الضجة الكبرى القائمة الآن في تونس من قبل المعارضة، التي ترفع وتتغرغر بشعارات سوق الخردة (الروبابيكيا) السياسية العربية، والتي هي من مخلفات حروب المنابر الخطابية السياسية في الخمسينات والستينات؟



-5-
إن من يسمع أو يقرأ هذه الشعارات التي ترفعها المعارضة التونسية الآن ضد دعوة الرئيس بن علي لشارون يحسب أن تونس قد تحوّلت إلى دولة مواجهة في الصراع العربي- الإسرائيلي، وهي الدولة التي لا تملك رصاصة واحدة في مواجهة قوة عظمى إقليمية كإسرائيل.
فماذا تريد المعارضة من هذه الضجة المفتعلة والتي هي في حقيقتها ليست ضد هذه الزيارة، ولكنها ضد عهد ابن علي شخصياً الذي ما زال في الحكم منذ العام 1987 ولفترة رئاسية خامسة فاز بها في 2004 والذي عدّل الدستور لصالح بقائه في الحكم مدة أطول وربما مدى الحياة كما كان عليه الحال مع بورقيبة، فأثار غضب المعارضة وحنقها؟ فقلوب المعارضة ملآنة سخطاً على عهد ابن علي، وهي تريد مناسبة كهذه لكي تكيل له الصاع صاعين، وتقول له وللرأي العام التونسي ما هو محبوس في صدرها من غضب وسخط، وتفرّغ ما في قلبها. فجاءت دعوة شارون مناسبة لتفريغ ما في القلوب من قهر واحتقان. ومن هنا قال بيان "حركة النهضة" التونسية الإسلامية بقيادة راشد الغنوشي في 3/3/2005 من أن " دلالة هذا الحدث واضحة على غياب الحرية إذ أن غيابها هو الذي أغرى الحاكم بالدوس على كرامة الشعب ومن ذلك إمعانه في إنكار وجود أكثر من 500 سجيناً سياسياً خاضعين منذ عقد ونصف لخطة موت مبرمج".



-6-
والمعارضة التونسية تعلم علم اليقين، بأن دعوة شارون لتونس ما هي إلا تحصيل حاصل، لما تقوم به السلطة الفلسطينية الآن وبعض الدول العربية من تطبيع كامل للعلاقة مع إسرائيل كحل وحيد للقضية الفلسطينية في ضوء المستجدات الدولية الراهنة وفشل "انتفاضة الأقصى" فشلاً مدوياً أعاد القضية عشرات السنين إلى الوراء، وهي الانتفاضة التي أطلق عليها عرفات اسماً دينياً ، محولاً الصراع السياسي إلى صراع ديني، وبغباء شديد.
فعندما يقول بيان "الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين" عن هذه الدعوة إنها " تصدم وجدان كل وطني اعتباراً لتشبث المحاماة التونسية بعدالة القضية الفلسطينية وقدسيتها وباعتبار أن هذه الدعوة تتنـزل في إطار التطبيع و تكريس الاحتلال للأراضي المغتصبة من طرف الكيان الصهيوني." فمن الواضح أن هذه الشعارات هي من الشعارات السياسية التي تُباع في سوق الخردة السياسية، وهي من بقايا من القاموس السياسي القومجي السيء السمعة في المحافل الدولية والذي أذاب فلسطين كما يذوب قُمع الآيس كريم في يد الطفل.
وعندما يقول بيان "الشباب الديمقراطي التقدمي" التونسي من أن هذه الدعوة " تعدُ سابقـة خطيرة ، وتجاوزاً لكل الخطوط الحمراء، ومن شأنها أن تصبح وصمة عار في تاريخ تونس وعلى جبين كل تونسي"، فهؤلاء الشباب لم يقرأوا التاريخ جيداً ، ويبدو أنهم ولدوا بعد 1965 ، ولم يقرأوا خطاب بورقيبة السابق الذكر في أريحا.
وعندما يقول بيان "حركة النهضة" التونسية الإسلامية بقيادة راشد الغنوشي في 27/2/2005 عن هذه الدعوة أنها " مخالفة صارخة لقيمنا والتزاماتنا تجاه القضية الفلسطينية وفي قطيعة كاملة مع الرأي العام التونسي والعربي والإسلامي الذي يتابع ما يرتكبه هذا الإرهابي من جرائم واعتداءات ومجازر في حق شعبنا الفلسطيني الصامد" فإن هذه الحركة تبدو غائبة غياباً تاماً عن الساحة الدولية الآن، وانها ما زالت تعيش القضية الفلسطينية قبل 1947. فصحّ النوم!



-7-
دعوة الرئيس بن علي لرئيس وزراء إسرائيلي، جاءت متأخرة جداً الآن، وكان المفروض أن تتم منذ الثمانينات، بل وقبل أن يتنحى الزعيم بورقيبة في 1987 مؤسس المدرسة الواقعية العقلانية السياسية العربية. ولكن كان لهذا التأخير ظروفه التاريخية. فمنذ 1983 وحتى 1993 وتونس على مدى عشر سنوات كانت تستضيف منظمة التحرير الفلسطينية، وكان من الصعب عليها أن تقوم بكسر حاجز الخوف التونسي – الإسرائيلي، والمليشيات الفلسطينية تنام معها في نفس السرير. وبعد 1993 وإلى الآن وتونس تحاول أن تستجمع قواها في ظل هذا البحر العربي الظلامي الهائج والمتلاطم. وقد آن لها الآن أن تتخذ القرار الصائب في هذه الدعوة التي هي ليست دعوة لشارون شخصياً ، بقدر ما هي دعوة للرأي العام الإسرائيلي وللتيارات الإسرائيلية الليبرالية المؤيدة للسلام وانهاء الاحتلال لكي يدرك ويفهم الشعب الإسرائيلي أن الخوف من العالم العربي لم يعد قائماً. وأن العالم العربي - الذي كان وما زال عبارة عن مجموعة نمور من ورق - لم يعد أداة تدمير لمحو دولة عضو في الأمم المتحدة من الوجود. فهذه الخطوة ليست غريبة على تونس، فيما لو علمنا أن الشعب التونسي معتدل المزاج السياسي، وله علاقة وثيقة باليهود تمتد إلى آلاف السنين، ويحتضن أماكن عبادات يهودية مقدسة في جُربة، وتونس هي مكان ولادة سياسيين يهود بارزين الآن، منهم وزير الخارجية الإسرائيلي الآن سيلفان شالوم وسفير إسرائيل في باريس ومدير شؤون العالم العربي في وزارة الخارجية الإسرائيلية.. الخ. وما زالت تونس تحتضن جالية يهودية.
وأخيراً، فعندما تخطو تونس هذه الخطوة الواقعية العقلانية السياسية فهي تتماهى بالتالي مع خطوات المجتمع الدولي الذي يريد لهذه المنطقة السلام والازدهار، والذي لن يتأتى إلا بمثل هذه المبادرات التي افتتحها واقعياً وبشجاعة
الرئيس السادات الذي علينا جميعاً أن نعيد الاعتبار السياسي الريادي له الآن. ولو كان حجم تونس بحجم مصر، ولو كانت إسرائيل تحتل أرضاً تونسية لما توانى الرئيس ابن علي عن فعل ما قام به السادات من زيارة إسرائيل وإلقاء خطاب في الكنيست، وربما يفعل ذلك مستقبلاً في المستقبل القريب، فيما لو استمر قطار السلام على السير متهادياً في وادي العرب، دون أن يخطفه قُطاع الطرق، ودون أن يخرج عن قضبانه، بفعل العمليات الانتحارية هنا وهناك.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسطورة الحريري في الحياة والممات
- شمس العراق تسطع على لبنان ومصر
- الملك عبد الله والإعلام الظلامي
- الدرس المفيد من العراق الجديد
- من فلسطين بدأ الإرهاب ومنها ينتهي
- الحب في زمن الإرهاب
- لماذا لا ينضم العراق إلى الإتحاد الأوروبي؟!
- الإصبع العراقي: لله وللحرية
- أولويات العراق بعد الانتخابات
- العراقيون يؤدون الأحد صلاة العيد!
- الانتخابات العراقية بين الشرعية والتبعية
- صناديق الاقتراع مقابر للرعاع
- الانتخابات العراقية والامتحان الليبرالي
- العراق والمصير المنير
- أول شيخ أزهري يُثني ويُوقّع على -البيان الأممي ضد الارهاب
- محمود عباس والخوارج
- أسئلة الأعراب في أسباب الإرهاب
- محمود عباس والطريق إلى الدولة الفلسطينية
- -الإصلاح من الداخل- دعوة طفولية ساذجة لتطييب الخواطر وتقليل ...
- عراقٌ نادرٌ بين الأمم


المزيد.....




- الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر ...
- هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
- الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو ...
- دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل ...
- عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية ...
- إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج ...
- ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر ...
- خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - شاكر النابلسي - بورقيبة ينهض من قبره