لطيف الحبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3925 - 2012 / 11 / 28 - 22:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الفاشية الدينية في العراق
وخطـّت اللهَ على صدرها
وخوّضتْ بالدم ِحتى الحِزام
الجواهري
من الضرورة جدا فهم الجانب الروحي للفاشية الدينية ,وخلاف ذلك لا يمكن فهم البربرية واللصوصية والقتل, والدمار والتخلف والجهل الذي تمارسه احزاب الاسلام السياسي في العراق,فهي تدخل مجددا دائرة العنف في العراق للخلاص من مأزقها السياسي , ولكن هذه المرة بفوهات المدافع و بوحشية التفكير العنصري وببشاعة التاليب القومي ،فاتكأت على التجمعات والفرق والحركات العنصرية والأصولية المعادية للاكراد والاقليلات الاخرى مهما اختلفت مرجعياتها الدنية سنية وشعية, فولائها للقائد العام للقوات المسلحة ,هو مقياس اخلاصها ,فالتاريخ الديني وثقافته الغيبية تشكل المرتكزات الاساسية للفاشية الدينية التي تتحكم بمصائر العراق .
تعتبر الفاشية الدينية ظاهرة فوق وطنية ,وقوتها الدافعة المشتركة ، ليس مبادئ ومقايس دنيوية واحدة، ولا تربطها أيديولوجية بل يجمعها اله واحد, وتشريعاته المنزلة المقدسة, هي اداتها في تطبيق تلك الشرائع الربانية على الارض, مستخدمة كل الاساليب المتاحة من الترغيب الترهيب حتى التعذيب في اخضاع الانسان للقيم السماوية المطلقة التي احتوتها كتب الله ,تبث الدعاة لتبشير الامة بما انزله الله كلا على هواه , ومن يخرج عن قيم السماء يلقى عذاب اليم, فهم حماة هذه القيم والتشريعات الالهية بعد الله القابع في السماوات العليا , وهم ايضا كهنته وحواريه وقساوسته واائمته على الارض , فالفاشية الدينية ليس لها وطن ومواطن, بل هي امة يهودية وامة مسيحية وامة اسلامية , فوطنها الارض ودولتها يهودية او مسيحية او اسلامية , وخاضت هذه الامم الدينية على مدي التاريخ حروبا طاحنة ضد بعضها , ولم يستطيع الله ايقاف المذابح والمجازر التي ارتكبتها امم انبيائه على مدى العصور , من سبي اليهود الى الحروب الصليبية والقومية والطائفية , وكلها ارتكبت دفاعا عنه وتحت ظل سمائه وباسمه , وهو ربهم جميعا .
هل يتحول الاسلام السياسي الحاكم في العراق الى حكم الفاشية الاسلامية؟؟ , فمؤاشرات الانحدار نحو مستنقع الحرب الاهلية (القومية) تعد لها هذه الاحزاب الدنيية, لتجعلها نموذجا لما هو قادم في المنطقة ضد فئات من المجتمع العربي تحمل فكرا دنيا وتنتمي الى قومية غير عربية .
من المعروف ان عناصر الفاشية الدينية الهامة ،هي الدولة الشمولية المعادية للمدنية وتشكيلاتها, وهذه الدولة تسعى لاضعاف ومن ثم محوطبقات المجتمع, وبناء مجتمع مناهض للطبقات الاجتماعية يقوم على اسس نظرية العدل الالهي, يقوده مكلفون بتحقيق العدالة السماوية ,وتطبيق قوانينها وشرائعها, وهم كوادر الاحزاب الدينية التي تلعب دورا هاما في تشكيل فكرو تنظيم ,وتقنيات الممارسات الفاشية ,وهم ايضا مادتها وادواتها التحريضية ,والقتالية ضد المعارضين, ويعتبرونهم كفرة وزنادقة , ليس لانهم لايؤمنون ويرفضون الدين بل لانهم ضد سياسة واخلاق الدولة الدينية المعادية للديمقراطية, ولانها تقوم على أساس دولة الحزب الواحد وتأليه القائد ،الذي يسيطر على اجهزة الامن والشرطة القمعية، والمنظمات المختلفة من المليشيات المسلحة والمعباءة بالفكر الظلامي وكذلك السيطرة على مفاصل المجتمع وتعبئته لصالح دولته الاستبدادية . الفاشية الدينية هي حركة تحاول بكل الوسائل للاستيلاء على الدولة والحياة الخاصة والعامة وإقامة دكتاتورية مطلقة تسعى الى
1- تنظيم حركة قومية دنية ,قوتها العسكرية حراب ميليشيات الاحزب الدينية .
2- اضعاف الديمقراطية البرلمانية وصولا الى حل البرلمان والاحزاب, وسيطرة الحزب الواحد .
3- احتكار سلطة الدولة , وبناء دولة الاستبداد وتجديد امال الأمة, ببعث الدين قانونا وشورى وحكما
(الاسلام هو الحل) .
4- تحويل الدين الى سياسة وتقديمه الى الناس كمقدسات دينية تتحول الى رموز مؤسساتيه (الحاج رئيس مجلس الوزراء ) ,تختفي العناوين الوظيفية لادارة مؤسسات الدولة وتحل محلها النعوت الدينية ( الواعض – الداعية -الملا – السيد- الشيخ – الحاج- الحجة – اضافة الى ايات الله العظمى والصغرى ).
5- يوظف الدين السياسي, الفكر الوهمي الاسطوري الذي يعتبره مقدسا سماويا ,ليحقق الاعتقاد الجماعي بتقديس سياسته ,عبراحياء العقائد والطقوس والخرافات ورموزها ووصاياهم الدينية , الصالحة لكل زمان ومكان .
أهم وسيلة لتحقيق برامج احزب الاسلام السياسي "الفاشية الدنية",القمع الكامل لجميع الحريات الدستورية، العامة والخاصة - والقضاء على كل حركة ليبرالية وانهاء الحياة السياسية .ايقاف عمل مؤسسات الدولة اذ لم تقدم الولاء والطاعة الكاملة للقائد , فهو لايكفيه السيطرة على السلطة فحسب ,بل يريد السيطرة على وعي الناس وهو الذي يحدد قناعاتهم , ويستغل قوة الدولة المستبدة وجيوشها ومليشياته لحماية مصالح المجموعة الحاكمة , بل ومهاجمة كل من ينتقدها ,ويمسك جميع أجهزة الدولة، والبرلمان، والسلطة القضائية في قبضته ,فضلا عن القوات المسلحة، والأدوات التابعة للحزب الواحد، حينها فقط يستطيع تحقيق واجباته المقدسة وتطبيق شريعة السماوية , كماحلم موسوليني يوما " بتغير جوهر وعي الإيطاليين " خرج علينا احد قيادي حزب الدعوة السيد خضير الخزاعي ببدعة (اعادة تشكيل وعي الشعب العراقي ).
بني فكرحزب الدعوة على الشروط الأساسية لخطاب الدين السياسي ,الذي يؤمن بتوسيع مفهوم "وظيفية الدين" ليشمل مفاصل الحياة المدنية ومنها الاقتصادية والثقافية ,ومنحه قدرات تحليلية لكل ظاهرة يتم تناولها ,حيث تتحول اشكال تقديس الكتب السماوية ودعاتها الى تقديس وظيفة دولة الدين الشاملة , ففي الدولة الثيوقراطية، تعتمد القيادة السياسية على الشرعية الإلهية , فتاخذ الأطروحة الأساسية للدين شكل مشاريع سياسية,تعتمد فكرالطائفة الدينية ,وتلعب الطقوس والاحتفالات الدنية دورا فعالا في تعبئة الجماهير ", فحكم الفاشية الدينية الشمولي، مبني على الطقوس والمهرجانات الطقوسية مثل العروض العسكرية، وانطلاق المسيرات اعلام ورايات والتشابيه ، أو الشروع في "ركضة طويرج" كلها تفضي الى قداسة مشروع الاسلام السياسية ودولته الفاشية الدنية .
ان ادعاء انحطاط وتحلل الأمة من جهة ,واعادة بنائها وبعثها من جديد على اسس الاسلام والشرائع السماوية يقودها الفقهاء ومرجعياتهم من جهة اخرى, يطالب الانسان بالتوجه الى العبادات والايمان بالله باعتباره هو الخلاص الامثل " من رجس الدنيا الفانية " ,في هذا الصدد قادوا حملاتهم ، ضد المثليين جنسيا , والمشروبات الكحولية وغيرها واهملوا المعوقين جسديا وعقليا، اهمالا متعمدا وما فضحية "دار الحنان"الابشاهد واحد ، توجيه الجيش لمحاربة النشاطات الثقافية والاجتماعية بهمجية من خلال مهاجمة مقرات هذه الجمعيات والنوادي والاتحادات المهنية ,وحقيقة الامر رغبة الدولة الدينية بالقضاء على اخر متنفسات الحرية وسحق الراي الاخر .
يسعى الفاشيون الدنيون الى بناء نوع جديد من الأمم , تقوم على اسس وشرائع الدين وفتواي مجتهديه وهيمنتها على المجتمع ، بمعنى اخر, القضاء على الديمقراطية ومنجزها الاجتماعي في حرية الانسان كونه القيمة العليا والاساسية في المجتمع ،وهدم التراكم التاريخي الحضاري ، وتسويقه على أنه إنقاذ الحضارة ذاتها ,ونشر اساطير الخرافة والتجديف بين الناس ,لان الدين عامل مهم وجذاب في اساليب الهيمنة. الدولة الفاشية الاسلامية الشمولية تبررالاستبداد الديني بسعيها إلى إلغاء الفصل بين الدين والدولة، وبالتالي تقدس الحياة السياسية للدولة الاسلامية ,مثلما قدس الدين منذ العصور القديمة . ما يحدث في العراق تحت سيطرة وحكم حزب الدعوة هو دمار وخراب الوطن وانسانه , وشواهد المجازر وذبح المواطن العراقي مستمر منذ استلام الحزب السلطة , وقد فاقت جرائم الطاغية صدام وعتاة ازلامه .
مأساة انسانية حدثت في العراق يوم 31/8 /2005 في حادثة جسر الأئمة في بغداد,حيث وصل عدد الضحايا إلى ما يزيد عن ألف بين غريق وجريح . فماذا فعل رئيس الوزراء ورئيس حزب الدعوة الاسلامية ابراهيم الجعفري انذاك ؟؟ ,اعلن الحداد العام في العراق لمدة ثلاثة ايام على ارواح الضحايا عبر محطات التلفزيون , واضاف « نعزي في استشهاد الامام موسى الكاظم وعدد من الزوار من محبيه وانصاره من الذي قتلوا في تدافع واختناقا"ليس غير , وبهذه التعزية منح السيد الجعفري كل الغرقى مفاتيح الجنة , اما الجرحى فلمسة من يده الطاهرة بلسم لشفاء جروحهم ( مازال يعاني لحد هذا اليوم اليتامى والارامل من هول الصدمة ) اخرج الجعفري من محراب رئاسة الوزراء المقدس , وشكل الاعرجي حكومة فاشية دينية لها شرطتها الخاصة في الكاظمية . ضحايا الفاشية الدينية هم الاطفال والشيوخ والعجائز ,فمازلت مواكب الضحايا تقدم على مذبح ايام" عاشوراء" يدفعون بالترغيب والترهيب والتدجيل, للسير في مياسم الموت نحو كربلاء, ويقدمونهم لقمة سائغة لتفجيرات الارهابين حرصا على الرقم المليوني الذي تتبجح به قوى الاسلام السياسي . نتذكر في اواخر سنة 2002 وقبل سقوط النظام اطلق صدام 120 الف مجرم من سجن ابو غريب ارباب سوابق من قتلة عتاة , وتجار مخدرات وقطاع طرق, اين هم الان ؟؟ اختفوا في حلقات الذكر في الجوامع ومواكب التطبير في الحسينات, انتموا الى الاحزاب الدينية ,كلا حسب طائفته , باسم الدين يذبحون الشعب العراقي . ابتليت ارض العراق بحروب امراء الطوائف الاسلامية القادمون من الصحراء ,تخفق راياتهم جميعها دفاعا عن الله ورسوله , خلفهم جيل معمم افاق لم يتورع عن سرقة مفردات الحصة التموينة لشعب جائع.
يحدثنا الروائي عزيز نيسين عن المحتالين من الشيوخ والدجالين اصحاب العمائم واللحى , حوار بين البيك والشيخ ص153 " لماذا تحتاج القرية الى شيخ ؟؟ البيك- واضح جدا .. ليس عندنا انسان , في هذه المنطقة لايوجد طبيب ، ولا قابلة ولا دواء ، ولا عمل ، ولا نقود...عندما لا يكون عنده شيء, يقول لو كان عندي شيخ على الأقل . ولاه قواد ، سأبصق على لحيتك السوداء . إن التراب الذي تدوس عليه بقدمك القذرة هذه , يأخذه القروي ليجعل منه مرهمأ لجرحه ، ودواء لرئتيه ، وشرابأ لزوجته العاقر ، وهل يفعل هذا لأنه يعرف عدم إفادته ؟ ، لايوجد دواء ، ولا نقود . ماذا سيفعل ؟ إنه نوع من الأمل ، ولو كان هذا الأمل فارغأ . لو كان لدى هؤلاء البشر بيوت يعاش فيها كالبشر ، ولديم عملهم ، وطبيبهم ودواؤهم ، لربطوا لحيتك بتنكة ولحقوا بك حتى يحصروك." عزيز نيسين / رواية الطريق الوحيد / ترجمة عبد القادر عبد اللي / عن دار المدى للثقافة والنشر / 1997
#لطيف_الحبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟