خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3926 - 2012 / 11 / 29 - 00:03
المحور:
القضية الفلسطينية
من المؤسف استمرار تجاهل النخب الفلسطينية, مهمة مراجعة وقراءة تاريخنا, الامر الذي يديم فقداننا ادراك ووعي خصوصيتنا القومية, وبذلك نفتقد اساس استقلالنا الفكري والايديولوجي, ونبقى رهن التشوهات الفكرية التي تركتها فينا السيطرة الخارجية تاريخيا, ونبقى على اختلاف استنتاج حول قضايانا تبعا لاختلاف المشارب الفكرية التي سكنت عقلانيتنا مسبقا, ويستمر انعكاسه فينا على صورة انقسام وانشقاق طائفي, الى جانب الانقسام الطبقي,
فنحن نتخذ المواقف من القضايا تبعا للحضور الفكري المشوه طائفيا غير المؤسس على ادراك تجربتنا التاريخية, وهو طائفي اما اسلامي او مسيحي او يهودي, عمقه من قبل الطبقي الفلاحي كما كان قبل 1948 و يعمقه الان الطبقي الراسمالي, فيخلق الاغتراب الفكري فينا ( وطنية محلقة ) لاتربطها بواقعها وخصوصيته القومية رابطة فكرية الصحيحة, وها هو الاختلاف الخلافي يتجلى الان في حوارنا الداخلي حول مقولة الدولة, فتتصارع الشعارات بين الدولة الديموقراطية والدولة الدينية, بل وتتصارع ايضا على حجم الدولة وشروطها, وعلى منهجية اقامتها, فلماذا هذا الاختلاف؟
اننا لا ننتقد السمة الديموقراطية لحق التعددية الفكرية وتعددية المواقف, فهذا لا خلاف ولا اختلاف فيه, لكننا ننتقد التشوه الفكري المسيطر كمظلة على وعي وادراك العقلانية الوطنية الفلسطينية, فيتضاعف حجم ومساحة الاختلاف وتتعزز مسلكيته وتجهض منهجية التوافق, وها نحن نخلط بين البعد الوطني في مطلب التحرر من السيطرة الاجنبية وضرورة تجسيده في دولة الاستقلال والسيادة, ووبين تحديد نوع ومضامين ( نظام ) الدولة وهو البعد الديموقراطي الذي يحدد الاتجاه الحضاري الذي تاخذنا نحوه الدولة كاداة وادارة والية تشغيل للنظام,
بل اننا لا ندرك ان مطلب الدولة الفلسطينية, هو انجاز حضاري نحاول الارتقاء لمستواه الاعلى مما تحقق لنا حتى الان من انجازات حضارية, فالدولة الفلسطينية ليس انجازا تحقق سابقا في الواقع الفلسطيني وسلبه منا الاستعمار الاجنبي, بل مطلبا كنا حضاريا في مسار الوصول اليه غير ان الاستعمار البريطني والاحتلال الصهيوني ومؤامرة تقسيم فلسطين قطعت علينا طريق الوصول اليه بطريقة ( طبيعية موضوعية ),
فمسار التطور الحضاري الفلسطيني انجز المستوى ( المجتمعي ) في الظاهرة القومية الفلسطينية, والتي لم تستكمل المستوى ( السياسي ) لها في صورة الدولة السيادية المستقلة المتولية مهمة ادارة الشان القومي الداخلي والخارجي, فقد حرمنا ( تاريخيا ) هذه الميزة ومنعتنا من انجازها السيطرات الاجنبية الاستعمارية المتواصلة على فلسطين,
وفي سلبية موازية فان تاريخ الطموح الفلسطيني في التحرر لم يتعلق قط بالاستقلال والسيادة الوطنية, بل حددت مفاهيمه ومضامينه العقائد الطائفية ذات الاصول العرقية ومصالح تعددية مراكزها الطبقية, ولذلك كان الفلسطيني تاريخيا يقبل من التحرر ما يتوافق فيه الطائفي المحلي مع الطائفي الاستعماري, وطمعا في مردود يعود على المركز الطبقي الطائفي, المتناغم مع السيطرة الاجنبية, تساوى في ذلك منهجية كل الطوائف الدينية الاسلامية و المسيحية و اليهودية, وفي مقابل ذلك كانت فلسطين تستكين لوضعها كنطاق من نطاقات الخارطة الادارية الاستعمارية, وعمليا لم يبرز المفهوم الوطني السياسي لمطلب التحرر الفلسطيني الا خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين خلال عهد الانتداب البريطاني, جراء عوامل متعددة يهيمن من بينها عامل الارتقاء الحضاري الفلسطيني من نمط الانتاج الزراعي الى نمط الانتاج الراسمالي, وما يحتاجه ذلك من وحدة سوق ومركزية سياسية مستقلة, وما حمله المشروع الصهيوني الاستيطاني من منهجية نزع ملكية عملية الانتاج الفلسطيني ووظيفتها الادارية....الخ, وحينها فقط طرح مطلب التحرر بالمضمون السياسي, الذي تنازعه التعريفان ( الفيدرالي والوطني ), حيث رفع شعاران متناقضان هما شعار الاستقلال والوحدة الاقطاعي , يقابله شعار الاستقلال والسيادة البرجوازي, وللاسف فان التعريف الفيدرالي لا يزال مسيطرا حتى الان ان كان بصيغته الطائفية شعار يرفعه الاسلام السياسي, ( دولة او امارة الاسلامية), وايضا بمضمونه العرقي الليبرالي ( فلسطين حرة عربية ) مع ملاحظة ان الشعار العرقي الليبرالي يطرح الاستقلال والسيادة الوطنية اسوة بباقي المنطقة, لا جراء ادراك وطني لتاريخ مسار التطور الحضاري الطبيعي الفلسطيني, والا لكان الشعار فلسطين حرة مستقلة فقط
ان التطور في الفكر السياسي الفلسطيني الذي يحمله الفكر والشعار العرقي الليبرالي الفلسطيني بصدد هذه المسالة انما يجسد فقط مدى من الاقتراب والانحياز النسبي للمضامين السياسية لمقولات الاستقلال والسيادة الوطنية, دون القطع مع الولاء العرقي, وفي الاتجاه المضاد يذهب الشعار الطائفي الى مدى انكار استقلال الذات القومية الفلسطينية تاريخيا وحضاريا, بل وانكار ضرورة استكمال مسار التطور الحضاري الفلسطيني باقامة الدولة المستقلة ذات السيادة, وليس ذلك بمستغرب على من يسقط من تعريفه لفلسطين صفة الوطن ويسمها بانها ارض وقف ديني,
ضرورة الدولة الفلسطينية
لقد بينا فيما سبق الضرورة الحضارية والتاريخية لمطلب اقامة الدولة الفلسطينية, من اجل جسر مسافة التباين بين ( مطلب التحرر الاجتماعي ) الذي يشكل فعليا الجوهر الايديولوجي الذي يحمله البرنامج الوطني الفلسطيني و ( مطلب التحرر السياسي السيادي) الذي يجب ان يحمله منهج قيادة النضال الفلسطيني من اجل التحرر ( الناجز ) والذي يعني فكريا تحرير المجتمع الفلسطيني من منطق الاستكانة للسيطرة الاجنبية وقطع تكرارعودة السيطرة الاجنبية على فلسطين, وتوضيح الفارق بين التحرر ( الوطني )من السيطرة الاجنبية عن التحررالاجتماعي الديموقراطي من الظلم الطائفي المستظل للسيطرة الاجنبية, وللعلم فلا يجب ان ينكر احد وجود مثل هذاالفكر والرؤية في الواقع الفلسطيني, فجميع مقولات الكونفيدرالية والفيدرالية والتقاسم الوظيفي والعودة لصورة الوضع ما قبل عام 1967م, لا تزال للاسف تجد لها من يسوقها في الواقع الفلسطيني, وكان اخرهم فخر النضال ( الوطني ) واحد مؤسسي حركة فتح, السيد فاروق قدومي, وفخر الثراء الراسمالي والبرجوازية الفلسطينية وفخر مدينة نابلس جبل النارعائلة المصري, بل ونجد صدى لذلك في الطبقات الشعبية الفلسطينية ممن يحنون الى حياة الهدوء حتى لو لم يكن لهم حقوق سياسية ومواطنون من الدرجات الثانوية,
ان مطلب الدولة الفلسطينية اذن هو ضمانة تحقق حالة تحرر فلسطينية ناجزة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وضمانة لاستمرار حرية التمتع الفلسطيني بمردودها, وضمانة لتوجيه مسار التنمية الفلسطيني بحسب الاحتياجات الحضارية الفلسطينية, لا بحسب الاحتياجات الحضارية لمجتمعات قومية اخرى
كيفية نشوء الدول:
ان الدولة باعتبارها حافظة ومجسدة المركزية السياسية في القومية, واداة ادارة شأنها, ومشغلة نظامها, والعنوان السياسي لعلاقاتها مع دول القوميات الاخرى, لم تنشا تاريخيا الا في اطار الاصطراع القومي العالمي, ومخطيء من يظن ان نشوئها كان جراء ميكانيك الية فعل الملكية الخاصة, فهذه نفسها كانت احد نتائج الصراع بين القبائل والاعراق. وحتى التطور الموضوعي للظاهرة القومية نفسها بدأ بصراع الاعراق وانتهاءها الى اثنية سياسية حملتها نتيجة التصادم العسكري المتبادل بين الاعراق ومتواليتها من اثنيات اقتصادية واجتماعية وثقافية وحقوقية...الخ, لقد كانت هذه الاثنية السياسية هي المدخل التاريخي لنشوء المركزية السياسية والتي لم تتعدى مهمتها في البداية سوى الحفاظ على حقوق المنتصر وملكيته وقمع المهزوم وتشغيله واستيلاده,
لكن ما نحب ان نلفت الانتباه له هنا, هو ان الدول لا تنشأ او تتلاشى فقط جراء عاملها الذاتي فقط, بل تنشأ وتندثر ايضا جراء جدل الصراع بين عاملها الذاتي وعامل الاجندات القومية من حولها, فالدول بمعنى من المعاني اما ان تساعد على نشوء دولة او تقضي على وجود دولة ولا يقدم الواقع الفلسطيني فقط مثالا على ذلك بل ان التجربة العالمية مليئة بمثل تلك النماذج حيث اقيمت دول لم تكن موجودة وهدمت دول كانت موجودة, ولذلك اقرت الشرعية الدولية مقولة حق الامم والشعوب في تقرير المصير كمحاولة انسانية للقضاء على هذه الالية وما تعكسه من ارباك في حالة السلم والامن العالمي, وما تلحقه من ضرر بها, وفي اطار هذه الصورة نجد اهمية لجوء قوى التحرر ( الوطني ) لكافة اشكال المقاومة السلمي والعنيف وصولا الى نيل التحرر السياسي السيادي, ولا يصل لمثل هذا الانجاز الا قوى التحرر التي تستطيع انهاك حالة الاحتلال وارباك استقرار العلاقات الدولية بلجوئها لمختلف اشكال النضال والمقاومة, ومن اجل ذلك لا يجب على المجتمع الفلسطيني التفرد والالتفاف على شكل واسلوب واحد من اشكال واساليب النضال والادعاء بانه كفيل بتحقيق التحرر الوطني, بل ضرورة توظيفها جميعا بما يتوائم واحتياجات ذلك, فالمهم هو انجاز التحرر السياسي السيادي وتجسيده في صورة الدولة المستقلة وفي اطار هذه المبدئية العامة لا يختلف الشرط الفلسطيني عن شروط باقي الشعوب التي انجزت تحررها
ان التطبيق الخلاق لهذه الحقيقة في الواقع الفلسطيني, يفترض يتطلب الجمع بين صيغة الصراع المباشر مع العدو, وصيغة الصراع ضده في المجال الدولي, ولا يعيقنا في ذلك رغم توفر امكانياته في واقعنا الموضوعي سوى حالة الانقسام والانشقاق الفلسطينية التي امتدت الى كل المجالات, والتي يرجع سببها الجوهري لواقعة التباين الفكري الايديولوجي, وعليه فان علينا ان نعمل من اجل
1- صيغة انهاك الاحتلال, بمختلف اشكال واساليب المقاومة, ولكن بمنحى التحرير لا منحى الازعاج
2- صيغة ابقاء الموقف العالمي في مسار العمل على اقامة الدولة الفلسطينية, والذي يتطلب ضرورة خلق قناعة عالمية ان نضال الشعب الفلسطيني من اجل التحرر لا يستهدف الاضرار بمصالح هذه الدول بل هو حريص قدر الامكان على سلامة مصالحها,
3- ضرورة الجمع بين صلابة المقاومة ومرونة العلاقات العالمية في منهجية متكاملة قادرة على خلق هذه القناعة العالمية, وانهاك الاحتلال, ودون خسارة الالتفاف الوطني حول مهمة النضال
من المنطلق السابق يجب اعلان تاييدنا ل:
1- الحفاظ على شكل واسلوب المقاومة المسلحة الفلسطينية وليس المطالبة بالتخلي عنها, بل المطالبة بتطوير المضامين السياسية لمنهجيتها الازعاجية الراهنة لتصبح مسارا للوصول الى حالة حرب تحرير شعبية متكاملة
2- تاييد التدويل الفلسطيني للصراع, وخصوصا توسيع حالة الصراع مع الكيان الصهيوني في مؤسسات الشرعية الدولية فالاتفاقيات والاعترافات المتبادلة ليست مقدسة ولا يجب ان تشكل قيدا يمنعنا عن ذلك ويمكن مستقبلا تجاوزهذه الاتفاقيات والالتزامات, ولكن لا يمكن الاستغناء عن توثيق الاعتراف بنا في مؤسسات الشرعية الدولية, والذي سيخدمنا في مجال التفاوض, ومجال المقاومة في نفس الوقت
3- تطوير مقولة المصالحة السياسية الفلسطينية, لترتقي عن مفهوم التصالح بين الفصائل الى مستوى الجمع بين اشكال واساليب النضال والمقاومة
4- تجاوز الوضع التقسيمي بين الضفة وقطاع غزة ليصبح توزيعا للمهام الوطنية بينهما حيث لا يمكن اجهاض الوجود السياسي الوطني الفلسطيني في الضفة واخلائها سياسيا لصالح الاحتلال ولا اهدار المهام الوطنية لحالة الانفراج الوطني الموجود عليها القطاع
5- الخروج من محاور النفوذ العالمية و الاقليمية والتعامل مع دول المنطقة من واقع استقلالية مصالحنا وعلاقاتنا وقرارنا,
6- رفع شعار فلسطين اولا في مجال علاقتنا بشعبنا الفلسطيني وعلاقة شعبنا بمهمة النضال التحرر, ورفض خنقها من قبل سيادات دول المنطقة
خالد عبد القادر احمد
[email protected]
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟