|
-عسكريون يتربعون على -مملكة البحر
مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 1135 - 2005 / 3 / 12 - 12:01
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
شكلت الفلاحة وقطاع الصيد البحري على وجه الخصوص أحد المجالات التي نشطت داخلها بشكل حيوي بعض النخب العسكرية من خلال الاستثمار في الصيد في أعالي البحار أو في بعض القطاعات المرتبطة به كصيانة البواخر وما شابه ذلك. وقد استفادت الفلاحة منذ الاستقلال من طبيعة السياسات العمومية التي عرفتها البلاد والتي أعفت العالم القروي من أداء الضرائب..بعد ما تم ضرب كل المخططات السياسية الرامية إلى إقرار الإصلاح الزراعي و توزيع الأراضي على الفلاحين الصغار.. الشيء الذي جعل المستثمرين في هذا القطاع يستفيدون أكثر من غيرهم من هذا الوضع. ومن هذا المنطلق اتجه بعض العسكريين ـ خصوصا بعد مرحلة السبعينات ـ إلى توظيف أموالهم في قطاع الصيد البحري، مستفيدين من الخيرات الطبيعية للبحر المتمثلة في الثروات السمكية الهائلة، وموظفين سلطاتهم القوية ونفوذهم الواسع قصد حماية وتأمين مصالحهم كما هو حاصل في السواحل الصحراوية، وقد منح هذا الوضع البعض منهم موقعا اقتصاديا متقدما، جعله يكدس ثروات خيالية لدرجة أن بعض الأسماء شكلت نوعا من "الإمبراطوريات البحرية" التي استفادت ولا تزال دون غيرها من ثروات البحر. وهكذا تعاقبت على إدارة شؤون وزارة الصيد البحري مجموعة من الوجوه المخزنية المعروفة سواء عبر الطبيعة أو الاكتساب، حيث كان مهندسو الحكومات السابقة ينتقونها بعناية اعتبارا لحساسية هذا القطاع الذي يعرف تواجد مصالح هامة لبعض الكوادر العسكرية التي تملك مواقع حساسة داخل المؤسسات العسكرية. فالمتربع على رأس هذه الوزارة لم يكن بمقدوره أن يقاوم الممارسات والسلوكات التي تصدر عن أصحاب هذه "الامبراطوريات البحرية"، كما أن الرأي العام والمجتمع المدني على وجه التحديد لم يكن بمقدورهما فضح مثل هذه الممارسات نظرا لغياب المعطيات من جهة والتضليل والتعتيم الممارس من قبل الدوائر الرسمية لحماية مصالح هذه الفئات الاجتماعية المحظوظة من جهة أخرى.. كما أن بعض الممارسات التي اجتهدت الصحافة الحرة في فضحها لم تكن تجد الآذان الصاغية لدى الجهات المسؤولة المختصة قصد محاربتها والقطع معها خاصة في الأقاليم الجنوبية المرتع الخصب للعسكريين الكبار. وتجدر الإشارة إلى أن بعض المنابر الإعلامية كانت قد نشرت في السنوات الأخيرة معطيات جد هامة تكشف النقاب عن بعض الأسماء وشراكاتها مع الرأسمال الأجنبي ومؤسساتها المستفيدة من هذا القطاع إلا أن هذا الحدث لم يمر حينها في شكله العادي دون أن تتحرك كالعادة "الهواتف الخاصة" قصد تحذير أصحاب هذه المنابر بالكف عن الكتابة حول مثل هذه الأمور التي تدخل في نظرها في مجال "المحرمات السياسية" !؟ أكيد أن السواحل البحرية ببلادنا تختزن مياهها ثروات سمكية هائلة، لا يعرف قيمتها إلا المستفيدين منها، فضلا عن الأجانب الأوربيين منهم على وجه التحديد الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها إثر اعتزام المغرب توقيف تجديد اتفاقية الصيد البحري.. مع التذكير في هذا الباب إلى أن هذا القطاع يشكل رهانا يعتمد عليه المغرب في علاقاته مع الجارة الإسبانية وشركائه الأجانب. فالخطاب الرسمي يظهر وجود رغبة للاستثمار في هذا القطاع إلا أن واقع الحال يؤكد أنه قطاع يدخل ضمن اقتصاد الريع الذي يستفيد منه رجالات المخزن ذوو المواقع المتقدمة داخل مراكز القرار السياسي ببلادنا. والأكثر من هذا وذاك أن ضعف القدرة التصنيعية ببلادنا سهل عملية استغلال هذه الثروات السمكية من قبل الأجانب إضافة إلى العلاقات التي نسجوها مع دوائر معينة اجتهدت في رعاية مصالحهم.. فمغادرة الأسطول الأوربي لسواحلنا البحرية على سبيل المثال لم يؤدي إلى الوفرة وتقليص الأسعار عند الاستهلاك في أسواقنا المحلية على اعتبار أن هذه الأسعار لم تتغير بالشكل الإيجابي لفائدة المواطن، كما أنها لم ترفع من عائدات القطاع على خزينة المملكة.. إن السياسة التي اتبعها المغرب لم تسمح له بجعل خيرات هذا القطاع مصدرا للتغذية ومصدرا لإنعاش مناصب الشغل.. ذلك أن الصيد البحري ظل قطاعا تسوده الفوضى والتسيب، حيث تستفيد حفنة من رجالات المخزن مدنيون وعسكريون منهم على حد سواء بثرواته السمكية ضدا على غالبية المغاربة المحرومين من مادة غذائية ذات منافع صحية وذلك بفعل غياب المراقبة خاصة إذا علمنا أن شبكات مصلحية دولية توظف تكنولوجيا جد متطورة تمنحها القوة لاستنزاف الخيرات البحرية وبيعها للأجانب مقابل الحصول على العملة الصعبة الموضوعة في مؤسسات بنكية عالمية بأوربا والولايات المتحدة الأمريكية. فاللوبي النشيط داخل هذا القطاع الحيوي لعب دورا كبيرا في الضغط على المغرب من أجل إيقاف عملية تجديد اتفاقية الصيد البحري مع الأوربين تحت ذريعة الدفاع عن السيادة السمكية، إلا أن واقع الحال سرعان ما كشف عن زيف مثل هذه الشعارات التي لم يستفد منها سوى اللوبي المتحكم في ثرواتنا السمكية، فالأسعار عرفت ارتفاعا مهولا، كما أن الإنتاجية تراجعت ناهيك عن التسيب الذي أضحى عنوان قطاع الصيد البحري ببلادنا.. مما لاشك فيه أن المخزن قد فتح باب الاستثمار في قطاع الصيد البحري في وجه رجالات الجيش الكبار كامتياز منه لهذه الشريحة الاجتماعية قصد إبعادها عن التدخل في الحياة السياسية وضمان حيادها بعد المحاولتين الانقلابيتين، كما أن منطق المكافآت والامتيازات الذي أحسن استعماله سواء مع مناصريه أو معارضي مخططاته يدخل في عمق معادلة الاقتصادي والسياسي التي تتحكم في فلسفة المخزن في علاقته بالمجتمع ونخبه.
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحركة الأمازيغية والمسألة الهوياتية بالمغرب
-
سؤال الإدماج والإقصاء داخل النظام السياسي بالمغرب
-
هل يعـرف المغرب حربا حول الهوية؟
-
الملك محمد السادس يعين ياسين المنصوري على رأس جهاز المخابرات
...
-
حميدو العنيكري يضع هيكلة جديدة للإدارة العامة للأمن الوطني
-
العائلـــة الحركيـــة الحليف الدائم للمخزن
-
المطالبون بالإصلاحات السياسية بالمغرب ينتظرون دستور محمد الس
...
-
الملكية في المغرب تبحث عن يمين سياسي حقيقي
-
سؤال من يحكم المغرب يعود إلى الواجهة السياسية
-
معتقل تمارة -السري- بالمغرب تحت المساءلة القانونية
-
على المرابط يتحدث عن زيارته إلى تيندوف ولقائه بمحمد عبد العز
...
-
أي موقع لمطلب ترسيم الأمازيغية في أجندة الحكم المغربي؟
-
قراءة في حرب إدريس البصري وزير داخلية الحسن الثاني ومحمد الي
...
-
الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب في مفترق الطرق
-
خطاب أجدير وسؤال التعدد الثقافي واللغوي بالمغرب
-
لمـاذا يطـالب الأمازيغيـون المغاربة بالعلمـانية؟
-
الدين والسياسة في استراتيجية الملك محمد السادس
-
متى تستحضر المؤسسة الملكية بالمغرب الوعي بالعمق الأمازيغي؟
-
محاولة رصد بعض -الصفقات السياسية- الأساسية المبرمة بين نظام
...
-
هل المغرب في حاجة إلى حكومة سياسية؟
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|