أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين عاشور - الإسلاميون و الكذبة المقدّسة : قراءة في أخلاق التدجين















المزيد.....

الإسلاميون و الكذبة المقدّسة : قراءة في أخلاق التدجين


ياسين عاشور
كاتب

(Yassine Achour)


الحوار المتمدن-العدد: 3924 - 2012 / 11 / 27 - 02:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ماذا يعني أن يكذب السياسي الإسلامي المعاصر كذبةً مقدّسة ؟ ذلك الذي ينتمي في معظم الأحيان إلى ما يسمّى بالإسلام الحركي ( يكون عادةً إخوانيّا على الطّريقة المصريّة أو نهضويّا على الطّريقة التونسيّة مثلا ) .
يكفي أن تستمتع إلى نقاش يدور حول تطبيق الشّريعة بين إسلاميّيْن أحدها سلفي ( يكون عادةً جهاديا أو تحريريا ) و الآخر إخوانيّ لتدرك كنه " الكذبة المقدّسة " . سيسرّ الإخوانيّ إلى أخيه السلفيّ : " نحن مثلكم أخي في الله , نسعى إلى إقامة الشّريعة بحذافيرها , و ما تأخرّنا في تطبيقها إلا مراعاةً للظرف السياسي و الاجتماعي , دعنا أولا نصل إلى السلطة و نربّي المجتمع تربيّةً إسلاميّة , ثمّ نقيم شرع الله " .
نحن إذًا أمام براغماتيّة سياسيّة تدفع الإسلامي إلى تقيّة معاصرة يلبس من خلالها لبوس " المدنيّة " و " الديمقراطيّة " للتمويه و المغالطة – بدافع نوايا طيّبة و غايات إلهيّة صرفة - . هيّ عمليّة تدجين و تربيّة للمجتمع لنقله من الجاهليّة الجديدة إلى هدي الشّريعة و ما أنزل الله من حكمٍ . لقد تناول نيتشة في جلّ أعماله دراسة – سيكولوجيّة المصلح – الذي يرى في نفسه خلاصا لمجتمعه و للإنسانيّة جمعاء , و يحلّ لنفسه الكذب و الخداع من أجل غاياته الساميّة . " المشكلة الكبرى و المخيفة التي عكفت على تقصّيها لأطول مدّة من الزّمن : سيكولوجيا " مصلح " الإنسانيّة ... لقد كان الكذب المقدّس الإرث المشترك لكلّ الفلاسفة و كلّ القساوسة الذين انخرطوا في " إصلاح " الإنسانيّة . و لم يكن لا مانو و لا أفلاطون و لا كنفشيوس و لا الدعاة اليهود و المسيحيين , ليشكّوا لحظةً في حقّهم في الكذب " (1)
يؤسّس هؤلاء المصلحون كما قلنا لأخلاق التدجين في سبيل تنميط المجتمع و أخذه على ارتداء جبّة واحدة في صيغة جماعيّة يقودها مرشد روحي أعلى يكون خليفة أو إمامًا تأتمر الأمّة بإرشاداته المؤيّدة من قبل الله , فلا حكم إلا لله و ما هؤلاء إلا ظلال على الأرض لتطبيق إرادة السّماء . لكن ما هي إرادة السّماء إن لم تكن سعيًا لتحرير الفرد من سلطة الجماعة تحقيقًا لفردانيّة أصلها ثابت و فرعها يلتحم إبداعًا و استمتاعًا و تواصلا مع الفروع الأخرى أو الذّوات الحرّة التي تنتج كلّ في ذاتها تجربة أصيلة و خاصّة . أ و لم يؤكّد النصّ المؤسّس على ضرورة التجربة الدينيّة-الوجوديّة الحرّة {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً}[الإسراء:84] ؟
إن فحوى الكذبة الإسلاميّة المقدّسة لا تزيد عن كونها مُخاتلةً ماكرةً للجماهير التائقة إلى الدخول في الحداثة من بابها الدّيني المتنوّر , إذ النّاظر في الغايات البعيدة لهؤلاء – حسب استقرائنا لخطاباتهم – سيدرك الخطاطة الانقلابيّة على إرادة الشّعوب الحرّة , و ما تمويهاتهم و وعودهم إلا إستراتيجيا للتدجين و الأسلمة النّاعمة-الهادئة نحو تحقيق المجتمع السّلفي الموعود . لكن ما الذي نحتاجه بديلا عن أخلاق التدجين ؟
ليس أفضل من تجريب الدعوة إلى الأنوار الكانطيّة في مجال تداولي عربي إسلامي صعودًا من الذات إلى النصّ و نزولا من النصّ إلى الواقع , تلك الأنوار التي تعنى بالفرد ذاتًا حرّةً لا رقمًا في قطيع . يستهلّ كانط إجابته عن سؤال ما الأنوار بقوله أنّ " بلوغ الأنوار هو خروج الإنسان من القصور الذي هو مسئول عنه , و الذي يعني عجزه عن استعمال عقله دون إرشاد الغير . و إنّ المرء نفسه مسئول عن حالة القصور هذه عندما يكون السّبب في ذلك ليس نقصًا في العقل , بل نقصًا في الحزم و الشّجاعة في استعماله دون إرشاد الغير . تجرّأْ على أن تعرف ! ( Sapere Aude ) كن جريئًا في استعمال عقلك أنت . ! ذاك شعار الأنوار " (2)
إنّ خروج المسلم عن قصوره الذاتي و انطلاقه في مغامرة الوجود يحتاج إلى تربيّة دينيّة متنوّرة لا تربيّة تدجينيّة تخضعه لسلطة الفقيه المعرفيّة التابعة لسلطة وليّ الأمر السياسيّة في ثنائيّة فرعونيّة-هامانيّة تدّعي الوصاية على عقله و إدماجه في القطيع مسلّمًا أمره إلى السنّة و الجماعة . و لعلّ أوّل ما على المسلم المعاصر الوعي به هو أنّ " كل مسلم فقيه؛ إذ يُطلَب من كل مسلم التفقه في الدين على قدر حاجته، حتى لا يأتي أعمالَه، وهو جاهل بأحكامها، قوانين وأخلاقا، فلا تنفعه في عالمه الغيبي، فضلاً عن عالمه المرئي؛ وعلى هذا، فليس المطلوب هو تكوين فئة من المتخصصين في الجزئيات الظنية والاجتهادية المتفرعة من الأمرية الإلهية بِقدر ما هو تعميم الثقافة الدينية الأساسية على جميع أفراد المجتمع المسلم كما تُعمَّم أيُّ معرفة قانونية أو اجتماعية لا يُعذر جاهلها، حتى يكون هؤلاء الأفراد كلُّهم متفقهين في دينهم تفقهاً حياً ... وإذ ذاك، لا يمتاز المتخصص منهم عن غيره إلا من حيث التوسع الصناعي في هذه المعرفة، هذا التوسع الذي لا يؤهله للاستفراد بمهام تدبير شؤونهم... " (3) .
لذلك فإنّنا ندعو إلى إسلام التحرير و التنوير بدلا عن إسلام الإصر و الأغلال , و إسلام السنّ و الجمع المتجدّد و المبدع بدل إسلام السنّة و الجماعة الجامدة , و إسلام المتحوّل الإبداعي بدلا عن إسلام الثابت الاتّباعي , و إسلام اليسار بدلا عن إسلام اليمين ...
"الإسلام بيتنا. لن نهجره بدعوى أن المتشددين احتلوه أو أنهم يوشكون، ولا يشاؤون أن يتركوا فيه مكاناً لغيرهم. في هذا البيت متّسع للجميع، من عقلانية العقلانيين وعلمانية العلمانيين وعقائد الأقليات وجنسانية المثليين وأنطولوجيا اللاأدريين، إلى حيث يشاء رب العالمين. لذلك، نقيم في بيتنا هذا الذي يتسع لكل القناعات والأذواق، بشروط فكرية ونفسية مريحة؛ لأنه مسكن الجميع وليس ملكا عقارياً لأحد. لسنا ضيوفاً على كهنة قندهار والربع الخالي، ولسنا عابري سبيل. وإسلامنا هذا أقرب إلى البساطة منه إلى السلطة، وإلى الحقائق منه إلى الخوارق، وإلى الحرية منه إلى التحريم. لأننا لم نستعره من أحد؛ لأنه إسلام الحياة والفطرة، لأنه إسلامنا." (4)


الهوامش :
(1) فريديريش نيتشة - غسق الأوثان - ترجمة علي مصباح - منشورات الجمل
(2)إيمانويل كانط - ما الأنوار ؟ - ترجمة محمود بن جماعة - دار محمد علي الحامي
(3)طه عبد الرحمن - روح الدين : من ضيق العلمانيّة إلى أفق الائتمانيّة - المركز الثقافي العربي
(4) سعيد ناشيد - نشر هذه الفقرة على صفحته الشخصيّة بالفايسبوك



#ياسين_عاشور (هاشتاغ)       Yassine_Achour#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كنَعِيقِ البُومِ أو أتْعَسْ
- هَمْسُ البَرَاءَةِ
- سَعَةُ البَيْنِ
- فاتحةٌ لروايةٍ لمْ تبدأْ بعدُ
- الكينونةُ مأساةً و استحالةً


المزيد.....




- مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ ...
- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال ...
- الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت ...
- تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ ...
- استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين عاشور - الإسلاميون و الكذبة المقدّسة : قراءة في أخلاق التدجين