|
التناول الإعلامي المكثف للشعر الشعبي العراقي هل هو مؤشر للتراجع الثقافي أم استسهال الإعداد لبرامج ثقافية جادة؟
زينب سلمان
الحوار المتمدن-العدد: 3923 - 2012 / 11 / 26 - 06:35
المحور:
الصحافة والاعلام
تعد الكتابة في التحليل الإعلامي للرسالة التي تبثها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقرؤة كما يعرفها المختصون من أصعب الكتابات الصحفية، وذلك لأنها تشمل دراسة موضوعية عن توجهات متلقي الرسالة واهتماماته وهذا يتضمن دراسة مجتمعية قد يحتاج الصحفي للقيام بها الى الاستعانة بمختصين لدراسة ظواهر مجتمعية معينة . وعلى سبيل المثال لا الحصر ظاهرة مثل تداول الشعر الشعبي على ألسن الناس. ليس غاية المقال ان يقدم دراسة مجتمعية لهذه الظاهرة سلبيتها أو إيجابيتها لكنه سيحاول طرح أسئلة ربما تساعد القارئ في نهايته على فهم هذه الظاهرة وتداولها وماهية مدلولاتها الفكرية والثقافية. لم يعد الخوض فيما عاناه العراق بالأمر الجديد، وما سببته هذه المعاناة من تراجع ثقافي بدأنا نحسه ونعاني منه، في الشارع والمدرسة ومكان العمل بالأمر الغريب، لكن الغريب أن تعمل القنوات الفضائية وهي الصرح الإعلامي الأكثر مسؤولية على الرقي بذوق الناس على تعزيز هذا التراجع وتغذيته. منذ 2003 وانطلاق القنوات الفضائية للبث يبدو لمتتبع الحركة الإعلامية العراقية ان هناك اتفاق غير مرئي بين تلك القنوات على ضرورة إيجاد برامج تعنى بالشعر الشعبي العراقي أسبوعية تعاد على مدى أيام الأسبوع الأخرى، وهذا يبدو للوهلة الأولى شيء عظيم، إذ ان الشعر الشعبي جزء من موروثنا الثقافي ويرى الكثيرون أنه في فترات كثيرة من فترات العراق لعب دور ريادي في قيادة الشعب ضد الاستعمار والأنظمة الرجعية والدكتاتورية. لكن هذا في زمن كان العراق الأول بين البلدان في نسبة المتعلمين والمثقفين، وفي زمن كان العراق مشهوراً بأن مواطنه هو الأول في قراءة كل ما تطبعه المطابع اللبنانية وما يكتبه أدباء مصر، وفي زمن كان العراق لا ينفك عن إنجاب المفكرين والأدباء الذين يؤثرون في الحركة الثقافية العربية . فكان الشعر الشعبي ظهيراً قوياً وغنياً ورقيقاً للمشهد الثقافي يرفد الحياة العامة بصور أكثر رقة للحب والنخوة وربما للتعبير المباشر عن الحزن الذي كانت تعاني منه البيئة التي ولد منها هذا النوع من الشعر. وقد يكون جديراً بالذكر ان من كتبوا الشعر الشعبي في ذلك الزمن كانوا من مثقفي عصرهم وتناولوا الشعر بكل أنواعه. كما أن جودة الشعر الشعبي آنذاك انعكس إيجابياً على إنتاج الموسيقى والأغاني . لكن وبالرغم من أهمية الشعر الشعبي فان نوعيته تردت مثلما تردت كل مناحي الحياة كنتيجة طبيعية للحروب والكوارث السياسية التي بلي بها العراق في الأربعين سنة الأخيرة. وطرأ على الشعر الشعبي كما طرأ على الحياة الأدبية بالعموم أشخاص ليس لهم علاقة بهذا الفن كانت غاياتهم بعيدة كل البعد عن إنتاج قيمة ثقافية يمكن أن تغني الحياة بالجمال والخير والشفافية. وكان لنوعية البرامج التي تعنى بالشعر الشعبي دوراً كبيراً بتغذية هذا التردي من خلال إنتاجها برامج لا ترقى لأبسط مقومات البرامج الثقافية. وأن كانت هذه حقيقة لا تخفى لماذا تحرص القنوات الفضائية على إنتاج هذه البرامج والترويج لها؟ . أختلفت الأسباب التي يمكن أن نعزو لها هذه الظاهرة، من جهة المتلقي، قد يكون التراجع الثقافي والنكسه الفكرية التي يعاني منها المجتمع العراقي والتي انعكست على المشهد الثقافي العام، ومن جهة أخرى استسهال إعداد هذه البرامج فقد اشتركت تلك البرامج باعتمادها على استضافة واحد أو أثنين من "الشعراء الشعبيين" وفتح خطوط الاتصالات المباشرة التي تجني منها القناة الأموال . فلا يمكن لأي جهد في مرحلة الإعداد حتى وان كان بسيطاً ممكن أن يظهر البرامج بهذا المستوى المتدني. وذلك لأن غالباً ما يكون المعد هو نفسه المقدم، وهو نفسه ضيفاً في برنامج آخر على قناة فضائية أخرى. وقد نرضى بذلك لو أن مستوى القصائد أو الضيوف أو حتى أغلب مقدمي تلك البرامج تكون بمستوٍ يحترم مشاهديه. كما يعزو بعض الصحافيين الذين كتبوا في نفس المجال أن بعض القنوات الفضائية تتخذ تلك البرامج كمادة لحشو ساعات البث. غاب أو غُيب عن القائمين على تلك البرامج أن كل إنتاج ثقافي رديء سيؤثر بشكل أو بآخر على البنية الفكرية للمشاهدين وبالتالي تغيير توجههاتهم، وهذه حقيقة علمية إعلامية قديمة قامت على أساسها منظومة الإنتاج الدعائي للمنتجات الاستهلاكية، ويمكن بسهولة تعميمها على الإنتاج الفكري والثقافي. وللانصاف أنا أيقن أن المؤسسات الإعلامية العراقية بالذات أمام تحدي كبير لا أحسدهم على مواجههته هو إيجاد التوازن بين ما يجب أن تقوم به المؤسسة مهنياً وأخلاقياً وبين ما يجذب المشاهد ويحقق نسب المشاهدة. قد أبدو لقارئ هذا المقال بأني ضد هذا الفن الشعري او ضد البرامج التي تعنى به لكني على العكس من ذلك فأنا أعرف أن الشعر الشعبي هو ما أنتج أجمل الأغاني السبعينية التي لازلنا لا نستسيغ غيرها. لكن ما دفعني الى كتابة هذا المقال هو محاولة لإلقاء الضوء على ظاهرة قد يلتفت القائمون على تغذيتها فيقومون باستغلالها لرفع مستوى تلك البرامج ليتم الرقي بذوق المجتمع ومنه الى إنتاج موسيقي وغنائي محترم .
#زينب_سلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
برنامج - أكو فد واحد - بين الأسفاف والاعتداء على حقوق الأقلي
...
-
نجم ضال
-
شهيق القنابل
-
حب مع سبق الاصرار
-
يوميات من بلادي/ رحلة نحو الشمس
-
لحظة الموت حباً
-
يوم للنسيان
-
ذكرى مقاتل نسى رأسه في خوذته
-
اغتراب
-
ومضة
-
لقاء أخير
-
حزن الغياب
-
قلبي والمطر
-
عرس الانتظار الاخير/- تداعيات الانتظار الازلي للحظة فرح مؤجل
...
-
فجر جديد
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|