أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الحمّار - ما معنى أن تكون لنا وزارة للغة؟















المزيد.....


ما معنى أن تكون لنا وزارة للغة؟


محمد الحمّار

الحوار المتمدن-العدد: 3922 - 2012 / 11 / 25 - 22:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في تونس وفي بلدان "الربيع العربي" أسفر الواقع المتردّي في المجالين اللغوي والديني (أو التديّني) عن تشابك رهيب بين هاذين البعدين، مما انتهى إلى دمجهما معا وبالتالي إلى بروز مشكلة مزدوجة تتسم بالاستعصاء. لقد أصبحت مشكلة قائمة بذاتها تؤثر في الحياة العمومية وفي السياسة على الأخص. وقد انجرت عنها ظواهر خطيرة نعيشها اليوم مثل العنف السياسي و السلفية والانفلاتات بجميع أنواعها بما فيها الانفلات الديني والانفلات اللغوي.

فالمشكلات السياسية (المختزلة في تلكم الظواهر الخطيرة) الناجمة عن المشكلة التواصلية (اللغوية/الدينية)، من بين أصول أخرى، أدركت درجة عالية من الاستعصاء هي الأخرى، مما جعلها تتجاوز كل السلطات التنفيذية التقليدية مثل وزارات التربية والتعليم العالي والشؤون الدينية والثقافة وغيرها، وبالتالي جعلها تنحصر في بؤرة اسمها الحل الأمني والمتجسد في المؤسسة الأمنية أي في وزارتي الداخلية والدفاع الوطني. ومع ذلك فالمجتمع السياسي من سلطة ومعارضة وأحزاب، وأيضا المجتمع المدني، لا يعيران لب المشكلة السياسية، أي الجذر اللغوي/الديني، الأهمية التي يستحق. فكيف تسمح النخب السياسية والفكرية لنفسها بتجاهل صفارات الإنذار التي يطلقها المنكبّون على المسألة، وفي الوقت ذاته يندهشون من تنامي الظواهر الخطيرة؟

وللارتقاء بالمسألة إلى مستويات تخول للمجتمع بأسره البحث عن الحلول واتخاذ التدابير اللازمة لتجاوز الوضع المتأزم، وتخول للسياسيين ضرب المفارقة التي تكبلهم وتحرمهم من التفرغ لإسعاد العباد ولتطوير البلاد، ارتأينا أن نقترح إحداث "وزارة الشؤون اللغوية" (مقالنا الأول الذي كتبناه في هذا الغرض منشور على الانترنت). فما معنى أن تكون لنا وزارة للغة؟

إنّ معنى ذلك هو أنّ للغة سلطة لم يتفطن لها السياسيون. وحتى لو تفطنوا لها لمَا قدروا على تملك هذه السلطة ليمارسوها بما ينفع البلاد والعباد. فالسياسيون في معظمهم يستعملون السلاح اللغوي الفتاك لكنهم يفعلون ذلك لغايات عادة ما تكون مريبة ومشبوهة ومثيرة للجدل إن لم نقل خسيسة مثل التملق للشعب ولجمهور الناخبين الافتراضيين أو الفتك بخصومهم أو ممارسة المماطلة و التسويف إزاء قضاياهم الساخنة والمستعجلة مثل قضية تحرير الدستور وتعيين تاريخ الانتخابات القادمة والعدالة الانتقالية وتطهير المؤسسات من الفساد. وليس من باب الصدفة أن عُرفت لغة السياسيين بـ"اللغة الخشبية" والحمالة لأوجه والمزدوجة وما إلى ذلك من الأوصاف السالبة.

أما التوظيف الإيجابي لسلطة اللغة كما نراه فيهدف أولا وبالذات إلى وقاية عامة الشعب من اللغة الخشبية للسياسيين. وهذا يفترض تحويل الشعب، بما أنه سيصبح متملكا للغة ولسلطتها، من رعاعٍ تابعٍ لقادة يأمرونه وينهونه حسب أهوائهم ومصالحهم إلى كتلة فاعلة مؤثرة في النخبة السياسية بل ومحاسبة لها.

وسلطة اللغة، ككل سلطة، وإن اعترفنا أنّ لها سلطة، تستدعي هيكلا تنفيذيا. في هذا الخصوص نعتقد من جهة أنه لم يكن أبدا للهياكل التقليدية التي تعنى باللغة في تونس وفي البلاد العربية من الصنف المذكور أنفا أية فاعلية تذكر في الارتقاء باللغة من مرحلة الأداة إلى مكانة الفكر، ناهيك أن تحوّلها إلى سلطة تنفيذية لها كلمتها في المشكلات السياسية المتنوعة. كما نعتقد من جهة أخرى أنّ الهيئات العلمية والثقافية المتمثلة في مجامع اللغة والجمعيات الألسنية و الفرق المسرحية والسينمائية وغيرها ممن تشتغل أساسا بواسطة اللغة وتسعى إلى حسن توظيفها وتطويرها لم تفلح إلا قليلا في الرفع من الشأن اللغوي، ومنه في الشأن السياسي. والسبب في ذلك يتلخص في حصر الشأن الثقافي عموما واللغوي خصوصا في بوتقة لا تتصل بمجال الفعل السياسي والقرار السياسي، لا بصفة مباشرة ولا بصفة غير مباشرة.

إنّ الرفع من الشأن اللغوي انعكاس على الأداء السياسي أو لا يكون. فاللغة العربية كانت على مر العصور وعلى الأخص منذ نزول القرآن الكريم، بمعية الدين الحنيف، هي القاطرة التي تجر ركب التقدم العلمي والرقي المعرفي عند العرب والمسلمين. وينبغي القيام ببحوث خصوصية لاستقراء المبادئ التي ارتكز عليها أجدادنا حتى كوّنوا من لغة القرآن تلك السلطة التي كانت تحكم بأحكامها في مجالات الحياة كافة. وفي هذا الصدد لا يكفي التباهي بأنّ لغة الضاد هي لغة كلام الله حتى نعيد لها بريقها ونوظفها في خدمة الصالح العام. إنما المطلوب هو إيضاح علاقتها، بوصفها لغة القرآن وكذلك بوصفها لغة العرب، بالدين والتديّن. وهذه مأمورية ذات طبيعة علمية صرفة لا يمكن أن توكل لعلماء الدين دون سواهم ولا للأدباء والألسنيين دون سواهم.

فإذا الدراسات أنجِزت والبحوث تمّت بما يكفي لإثبات العلاقة اللصيقة والمتينة بين اللغة العربية، بل بين اللغة عموما، والدين الإسلامي، وبما يشدد على البُعد السلطوي للغة، لم يبق سوى ابتداع الإطار الضروري الذي سيسمح لمجتمعاتنا العربية الإسلامية بتوظيف السلطة اللغوية لتغيير ما بالنفس حتى يغير الله ما بالقوم والأمة. ونعتقد أنّ هذا البعد السلطوي للغة، وهو بُعدٌ تحرري لا تسلطي، هو الذي يرشح هذه الأخيرة بأن تتمتع بمرتبة المركز مقارنة مع كل نشاطات الحياة المنظمة.

إنّ صفة المركزية هذه في حياتنا كعرب ذوي أغلبية مسلمة ليست غريبة عن اللغة العربية، لا تاريخيا ولا نظريا، مثلما رأينا. وبالتالي يتوجب اليوم تلبية الحاجة الطبيعية لهذه اللغة وذلك بتزويدها بالمكونات الضرورية التي تثبتها في وضعها، الجديد والمتجدد، كمركز في مجال القرار السياسي. بهذا المعنى تكون وزارة اللغة هي الهيكل الأمثل الذي يحتضن اللغة فيوفر لها الشروط الموضوعية لتلعب دورها الطبيعي وتضطلع بوظيفتها كسلطة قرار. وتكون هذه الوزارة المستحدثة بالتالي أمّ الوزارات كلها.

ومن أهم الصلاحيات المستقبلية لوزارة اللغة نذكر ما يلي: التكييف العلمي لكل أصناف الخطاب، إن الديني من باب أولى وأحرى أم العلمي أم الفني أم الأدبي والشعري أم الرياضي أم الشعبي. من هذا المنظور يخول لهذه الوزارة تحديد البرامج التعليمية في كل المواد، علمية كانت أم أدبية أم اجتماعية أم إنسانية. ويتم ذلك عبر التشارك والتنسيق مع وزارات الإشراف التقليدية مثل وزارتي التربية والتعليم العالي. كما يخول لوزارة اللغة الإشراف على البرامج الثقافية والإعلامية، السمعية والبصرية والمكتوبة تبعا للرؤية التحررية التي تسمح بها المستجدات في مجال فلسفة اللغة وعلم الألسنيات وما اتصل بهما من علوم أخرى وبالخصوص في مجال ترجمة التدين إلى لغة وسلوك.

أخيرا وليس آخرا، وفضلا عن تعاملها مع وزارات السيادة الثقافية والهوياتية، ستكون وزارة اللغة قادرة أيضا على التفاعل ولو بصفة غير مباشرة مع سائر الوزارات، إشرافا وتوجيها وتشاركا، وبنفس الرصيد الفلسفي والوظيفي والتواصلي الذي تمارس بفضله صلاحياتها إزاء الوزارات الأصلية.



#محمد_الحمّار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل إحداث وزارة للشؤون اللغوية
- هل وحّدتنا صواريخ غزة؟
- الجبهة والتحالف في تونس: قطب ثالث بلا منهاج؟
- مشهدٌ من الوفاق ولا العيش 23 سنة أخرى في الأنفاق
- اعطوا الشباب مشروعيةً يعطيكم ثورة حقيقية
- جبهة شعبية دون تطبيع العلاقة مع الدين؟
- الله رب (النهضة) وربنا جميعا
- ما البديل عن أسلمة المجتمع؟
- ألاَ تجوز النظرية المادية في الإسلام؟
- هل نحن مجتمع ضال؟
- الشرط الأساس ليجتازَ اليسارُ خط التماس
- أنا سني غير معتزلي إذن أنا أفكر
- أيُشترط أن نكون معتزلة لنقدّم العقل على النص؟
- أضعف الإيمان أن نستردّ مكانة الحيوان الناطق
- لو لم تكن الديمقراطية، هل تكون الخلافة الحرة؟
- -النهضة- و صورة المسلم الأبله
- المطلوب تجفيف ينابيع الهيمنة الغربية على الوطن العربي
- الحالة المدنية: مواطن
- النخب خارجة عن موضوع الثورة، والتجديد الديني ضرورة تاريخية
- هل مثقفونا عربإسلاميون أم مستقطَبون؟


المزيد.....




- هآرتس: إيهود باراك مؤسس الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب
- الاحتلال يسلم عددا من الاسرى المحررين قرارات بالابعاد عن الم ...
- هآرتس: الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب أسسها إيهود باراك
- السويد ترحل رجل دين ايراني دون تقديم توضيحات
- 10 أشخاص من الطائفة العلوية ضحايا مجزرة ارهابية وسط سوريا
- الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا ...
- الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
- الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي ...
- إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الحمّار - ما معنى أن تكون لنا وزارة للغة؟