|
ما بعد الحقبة السورية: تحديات الوطنية اللبنانية الجديدة
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1135 - 2005 / 3 / 12 - 12:00
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
سياسة القتل وقتل السياسة لم تفسح وفرة المضاربات حول هوية قتلة الرئيس رفيق الحريري والتحليلات السياسية لاحتمالات تطور الأوضاع اللبنانية والإقليمية عشية اغتياله مجالا للتأمل في بشاعة مذبحة الاغتيال ذاتها. فكما لم يهتم قتلة الراحل بحياة لبنانيين آخرين، لم ينشغل الإعلاميون والمحللون بفظاعة الفعل وما ينم عليه من استرخاص الحياة البشرية وإباحة جريان الدماء في الشوارع. من وجهة نظر القتلة ليس لسقوط 12 لبنانيا من مرافقي الحريري او العابرين غير قيمة لا سياسية يمكن إهمالها. فهؤلاء الصغار محض خسائر جانبية لفعل "سياسي" كبير: إعدام رفيق الحريري. ويفترض بالصفة السياسية للفعل أن تخفف من وقعه الأخلاقي لا أن تثقله. فقتل شخص عادي جريمة، أما قتل شخصية عامة فهو سياسة. اغتيال الحريري فصل جديد آخر من حكم القتل، حكم طبّع القتل وجعلت منه إجراء سياسا عاديا. ومن باب الاعتياد والتطبيع هذا قلما نفكر بوحشية القتل وفظاعته العارية. نحن أيضا نطبّع القتل ونحلله حين نحلله فحسب. نفعل ذلك كي نحمي عقولنا من فحش الفظاعة وبذاءتها. لكن الاكتفاء بالتحليل العقلاني للفاحش يجازف بأن يجعله حلالا أو محض عادة لا تكاد تختلف عن غيرها. لقد أفضى تطبيع القتل إلى فل حدة نفورنا الإنساني السوي من القسوة والوحشية، وبلد شعورنا بالحق والباطل والعدل والظلم، ما يعني موت الذات الأخلاقية فينا. كما ضيق الفجوة بين السياسي والسفاح، وبين الدولة والميلشيا، وبين الجهاز والمافيا. وبالنتيجة اثمرت سياسة القتل قتل السياسة في مجتمعاتنا وخروج بلداننا ودولنا من حقل الفاعلية التاريخية البانية للعالم. عقلانية "غير متوازية" يحكم اختلاط الدولة بالمافيا والميلشيا وانحطاطها الجهازي بالبطلان على معظم التحليلات السياسية التي اجتهدت لتقدير الفاعل المحتمل استنادا إلى مفهوم المصلحة (من المستفيد؟). ذاك ان المقدمات العقلانية للتحليل السياسي، الدولة كفاعل سياسي واحد وتاليا كعقل سياسي موحد يتمحور حول مفهوم المصلحة الوطنية، غير صالحة لمقاربة الدولة المختلطة. فهنا تتمازج وتتعايش أجهزة سرية ومافيات ودول وميلشيات وعصب قرابية، وتتصرف بعضها باستقلال واسع، كما تتصرف استطالة سرطانية في جسم مريض. هذا يقوض من الأساس افتراض عقلانية سياسية واحدة، ويلغي إمكانية التنبؤ بسلوك "الدول" أو توقع ردود افعالها. وتختلف اللاعقلانية هذه عن جيل اول من اللاعقلانية عرفته المجتمعات العربية حتى مطلع السبعينات، وتميز باللاتناسب بين الإمكانيات والسياسات، أو بين المناهج والأهداف، إضافة إلى الافتقار إلى خطة سياسية متماسكة تعبر عن انسجام عقل الدولة وتعرف توجهاتها العامة. جيل اللاعقلانية الأول تخرج من مدرسة التحرر الوطني، اما جيلها الحالي فهو خريج مدراس الحرب الأهلية، المعلنة أو الضمنية، التي شهدتها مجتمعات المشرق العربي في الربع الأخير من القرن العشرين، المدارس التي يشكل القتل معيارا للنجاح والتفوق فيها.
مرشح ممتاز للقتل لم يكن لدى رفيق الحريري عسكر وميليشيا، الأمر الذي جعله مرشحا سهلا للقتل؛ ولم يكن على خصومة مع أي من القوى القوى اللبنانية الفاعلة، الأمر الذي جعله مرشحا مفضلا للقتل. وبالضبط لأن الحريري بلا عسكر وميلشيا، وحد اغتياله البشع اللبنانيين واسهم في تقريبهم من بعضهم. لقد انقسم اللبنانيون حول الحريري حيا، لكن موته الفاجع وحدهم أكثر من اي وقت مضى. وحدة منقوصة؟ نعم للأسف. والفضل في انتقاصها يعود إلى الهدية المسمومة التي تضمنها القرار 1559، أعني انتشار الجيش إلى الجنوب وتجريد حزب الله من سلاحه. فقد أدمج القرار المذكور مطلبين، إن توحد اللبنانيون حول أحدهما صعب أن يتوحدوا حول الآخر. وبينما اتصل مطلب الانسحاب السوري في القرار المذكور بتعديل الدستور اللبناني للتمديد للرئيس لحود، فإن المطلب الثاني بند في أجندة أميركية قديمة لا علاقة لها بالتمديد. بعد خروجه من رئاسة الوزارة اللبنانية شغل الحريري بسرعة موقع الوساطة ومثل جسرا للتفاهم بين القوى الأساسية في المجتمع السياسي اللبناني. لقد أضحى "دولة" بعد أن كان "دولة الرئيس"، بل إنه صار "دولة" لأنه كف عن كونه "دولة الرئيس". واالقصد أنه شغل الموقع المفترض للدولة كإطار للتفاعل الطوعي بين المصالح والقوى والرؤى الاجتماعية المتعارضة. شكل موقع الحريري عائقا أمام استتباب نظام الهيمنة، النظام الذي لا يقبل منافسا في احتكار موقع السيطرة على التفاعلات بين جماعات اللبنانيين والتحكم بوجهتها وإشهار الفيتو في وجه ما لا يناسب منها. يقوم النظام هذا على إنتاج التبعثر الاجتماعي وإعادة إنتاجه وحراسته وترسيخه كشرط لدوامه هو. إنه بحاجة إلى حرائق كي يلعب دور الإطفائي، وإلى فوضى كي يجلب الاستقرار. فغياب الحرائق وانعدام الفوضى وليس وجودهما هو ما يشكل تهديدا مصيريا لنظام الهيمنة، نظام هندسة الحرب الأهلية والتنازع العام. خطر الحريري، بهذا المعنى، يتناسب مع اعتداله لا مع تطرفه، ومع وسطيته لا مع تشدده. خلافا لذلك، لطالما خدم عقائديون ومتطرفون ومعارضون شرسون استقرار الهيمنة وتبرعوا لها بأقوى حجج تسويغها. ولعل في ذلك ما يوجه نحو استراتيجية تقوم على محاصرة نظم الهيمنة بالمعنى المشار إليه هنا بالاعتدال لا بالتطرف. فهي تقوم على سياسة التفريق وتخويف الناس من بعضهم وتغذية الريبة والشك حيال بعضهم كي تكون الممر الإجباري لكل توحيد وتفاعل. فإذا تفاعل الناس طوعا وتواصلوا فيما بينهم دون خوف وارتياب سددوا لها ضربة مهلكة.
هندسة الحرب الأهلية يوجه الاغتيال الدموي للحريري رسالة من مهندسي الحرب الأهلية إلى المجتمع اللبناني وغيره من مجتمعات المشرق العربي تخيرها بين نظم هيمنة تجمع الفساد الأقصى والقسوة الاستئصالية وبين مستقبل من التفكك والحرب الأهلية. بل في الواقع بين شكلين من الحرب الأهلية: شكل ينتحل الدولة وشكل يدمرها، شكل نقتل فيه بعضنا وشكل يحتكر القتل المشروع فيه قاتلون غير منتخبون. والغرض من هذا الخيار قطع الطريق على تحول سلمي نحو نظام مدني تعددي وتمثيلي، تخضع فيه السلطات للمساءلة، وينفصل فيه المال عن السلطة، والنظام عن الدولة.
استكمال المصالحة الوطنية التحدي الأساسي الذي سيواجه لبنان ما بعد الحقبة السورية هو بناء نظام سياسي واسع القاعدة لا يستبعد ايا من المكونات الطائفية للمجتمع اللبناني. فإذا جرف تيار الضغوط الدولية الراهنة الوجود السوري في لبنان فإنه يخشى أن تجد المعارضة اللبنانية نفسها مدينة لتلك الضغوط إلى درجة الالتزام بالأجندة الدولية على حساب الترابط اللبناني الداخلي، وبالخصوص التزامها حيال طرف يجمع بين تمثيل مهم لطائفة لبنانية كبرى، ودور اساسي في تحرير الجنوب، وكونه موضوع استهداف دولي: "حزب الله". هنا سيبدأ العد التنازلي لانفجار القنبلة الموقوتة، المزروعة في القرار 1559. كان القرار مفخخا كما اشرنا لأنه دس أجندة أميركية قديمة في مطلب انسحاب "القوات الأجنبية" من لبنان. كيف يمكن للنخبة السياسية اللبنانية المعارضة ان تعارض نظام الهيمنة بفاعلية، دون أن تخدمه بالانسياق إلى مواجهة مع "حزب الله"؟ باختصار كيف يمكن ضمان وفاق وطني حقيقي دون تنازل عن الاستقلال، واستقلال تام دون المجازفة بتوتر أهلي؟ هل يكفي تطبيق الطائف، ولو متأخرا، لقطع الطريق على القرار المفخخ؟ يبدو أن الديناميات الحالية تتجاوز هذا الخيار. إذ أن اغتيال الحريري قلب ترتيب الأولويات، واضعا الخروج السوري قبل تطبيق الطائف، أو بالأحرى قبل استكمال عملية المصالحة الوطنية اللبنانية التي وصلت حدا لا يمكن تجاوزه على أرضية السيادة السورية في لبنان. ستصطدم عملية المصالحة من كل بد بمعضلة موقع المقاومة و"حزب الله"، وتاليا الشيعة، في النظام اللبناني الجديد. تتمثل المعضلة في التالي: لن تستكمل الدولة اللبنانية المستقلة مقومات سيادتها وشرعيتها دون أن تحتكر وحدها العنف، في الداخل وحيال الخارج، ما يعني وجوب نزع سلاح المقاومة. لكن المقاومة عنصر ردع حقيقي لإسرائيل من جهة، ومن جهة ثانية بينها وبين المحتل الإسرائيلي وراعيه الأميركي ثأر- أين منه الثأر البدوي. من يضمن ألا تبدأ إسرائيل بالاعتداء على مياه لبنان واراضيه إذا تم تفكيك الجهاز العسكري لحزب الله؟ ومن يضمن ان لا يبدأ الإسرائيليون والأميركيون بتصفية قيادات حزب الله واغتيالهم واحدا واحدا؟ ليس ثمة ما يسوغ ادنى حد من الثقة بالإسرائيليين والأميركيين في هذا الصدد. وسيعرض ذلك الاستقلال اللبناني الغض لضغوط لن يتحملها، وسيفتح من جديد الباب لاستقطابات واصطفافات مولدة للتنازع الأهلي. المعضلة إذن حقيقية. ولا يمكن القفز فوقها بكلمتين عن الجيش اللبناني. وهي، أو معالجتها، الموضوع الأساسي، بل الوحيد، لاتفاق طائف جديد. ما الحل؟ هل يمكن أن يحصل لبنان على تعهدات دولية ملزمة للجميع بأن لا تنتهك إسرائيل سيادته أو تعتدي على المقاومة؟ أم ينبغي الإبقاء على المقاومة وقدرتها الردعية في ظل تفاهم لبناني داعم لها، على أن يقتصر عملها على الدفاع عن لبنان، ريثما تنضج ظروف تسوية إقليمية؟ أي من هذين يفيد، لكن التفاهم اللبناني هو الحل أولا وأخيرا. إن تفاهم اللبنانيين على خطأ خير من اي صح يتنازعون عليه. ولعل حزب الله الذي حرص على خطاب معتدل بعد اغتيال الحريري مدعو إلى الجمع بين مبادرات إيجابية حيال القوى اللبناني الأخرى وتوسيع فسحة التفاهم معها، وإلى النأي بنفسه، بل برأسه، عن ان يكون موضوع لصفقات ومساومات تفتقر إلى الحساسية والحياء بالفعل. قبل أيام قال رئيس الوزراء اللبناني: "اذا خرج السوريون من يجرد حزب الله من سلاحه ومن يجرد المخيمات من سلاحها"( الحياة 19/2/2005). هذا مهين لحزب الله قبل أي طرف آخر. وكان يمكن أن يكون مهينا لسوريا ايضا، لولا أننا نتذكر أن رسميين سوريين قالوا ما يشبهه قبل أقل من عامين.
أية سياسة لسوريا؟ يبدو أن التفكير السوري الرسمي لم يعد يدور حول الانسحاب من لبنان بل حول توقيته وصيغته وشروطه. ورغم أنه لن يكون ثمة "خطوات مرنة" قريبة من قبل سورية، وأنها لن تقدم على اية "خطوة ملموسة تؤدي الى إضعاف حلفاء[ها] في لبنان وتقوية المعارضة"، فإن سوريا على استعداد "لتقبل نتائج الانتخابات حتى لو أدت الى فوز للمعارضة وتشكيل برلمان يطلب من سورية الانسحاب من لبنان"، وذلك حسب مصادر مراسل جريدة "الحياة" النافذة في دمشق (21/2/2005). ووفقا لمن وصفه المراسل بأنه "خبير سوري" فإن الخروج بطلب من برلمان لبناني "سيكون مشرفاً"، إذ أن سوريا "تقول باحترام الشرعية اللبنانية والمؤسسات الرسمية وان الوجود هو نتيجة طلب من الحكومة الشرعية وبالتالي الخروج سيحصل اذا طلبته الحكومة". قد يتضمن الكلام السوري رهانا على الوقت وأملا بحصول انعطاف ما يحفظ "الوجود" و"الشرف" معا، لكنه ينطوي كذلك على ترويض النفس على تقبل "الخروج" المقدور. غير أن دلالة الكلام السوري أبلغ من مضمونه وأخطر. إذ يبدو أن السلطات السورية تخلت عن زمام المبادرة لمصلحة سياسة "لننتظر ونر"، ما يعني عمليا أنها قيدت نفسها بنفسها إلى مبادرات الآخرين. ولا شك أن الشعور بان اية مبادرة اليوم لن تكون مشرفة يثبتها على هذه السياسة السلبية. لكن ربما تحتاج دمشق إلى ان تنتفض على هذا الاقتناع الخطير وتستجيب لاقتراح المعارضين اللبنانيين بحوار سياسي مباشر. سيمكنها ذلك من توسيع الحوار ليتجاوز قضية الانسحاب من لبنان إلى التوافق على اسس العلاقة السورية اللبنانية في المستقبل. فانسحاب سوري متفق عليه سياسيا هو المخرج المفضل لسوريا وليس للبنان وحده. إذ لن يكون لسوريا إسهام في رسم مستقبل لبنان دون أن تتصرف كطرف سياسي فاعل وقادر على الاختيار لنفسه، اي لا كقوة إكراه وقسر و"كسر رؤوس" من جهة، ولا كطرف منزو ينتظر أن يحدد له الآخرون خياراته من جهة أخرى. هل من المعقول أن ينحصر الدور السوري في لبنان بين "الكل في الكل" او اللاشيء؟ وهل من المعقول أن تنسحب سوريا من سياسة لبنان قبل أن تنسحب منه عسكريا؟ نعم، معقول. فباختصار مخل: ليس هناك سياسة سورية في لبنان لأنه ليس هناك سياسة سورية في سوريا، وليس هناك سياسة سورية في سوريا لأنه ليس هناك سياسة في سوريا. لكن كما لا انتصار إن لم يكن سياسيا (لذلك لم ننتصر أبدا)، كذلك ما من استسلام إلا وكان غير سياسي. فالاستسلام ثمرة حصرية لغياب السياسة. أما الخشية من ان التفاوض مع المعارضين اللبنانيين يعني إقرارا سوريا بأن الدولة اللبنانية لا تقيم في بعبدا فهي في مكانها، لكن لا ينبغي أن تمنع رؤية الواقع والتصرف بموجبه: الدولة اللبناني في مظاهرة المليون الحقيقية التي خرجت في تشييع الحريري وليس في "مظاهرة المليون" المنحولة التي سبقتها بشهرين.
الضحايا الدائمون تعرض عمال سوريون في لبنان للاعتداء في أكثر من منطقة إثر اغتيال الرئيس الحريري. وبينما قد يمكن تفهم الواقعة فإنه يصعب تفهم ألا يرتفع صوت أحد قادة المعارضة السياسيين أو الفكريين بكلمة تهدئ الجمهور الغاضب وتعلن براءة أولئك البؤساء المنكودين مما يؤخذ على نظامهم. كان من شأن ذلك أن يهدئ من روع بضع مئات من الألوف أسهموا في بناء لبنان، ولم تسعفهم شروط حياتهم بفهم شيء من السياسات الدائرة فيه وحوله. هذا مهم في حد ذاته. والأهم أن يلمس قلوب ملايين السوريين ممن اشمأزوا من جريمة اغتيال الحريري وأدانوها، لكنهم غير مستعدين لتقبل إهانة بلدهم ومواطنيهم دون تمييز. العمال السوريون في لبنان ضحايا أكثر مما هم اللبنانيون بجميع فئاتهم ضحايا لنظام الهمينة. بل هم ضحاياه المزدوجون: محرومون من حقوقهم السياسية في وطنهم، ومستغلون بلا أي شكل من الرعاية والتنظيم في لبنان، ولطالما عوملوا فيه باحتقار يشارف العنصرية. والأهم بعد، أن النهي عن إيذاء العمال السوريين كان من شأنه ان يعبر عن وعي بوحدة الكفاح اللبناني من اجل الاستقلال والكفاح السوري من اجل الديمقراطية. إن الاعتداء على مجموعات من الفقراء الضعفاء المتغربين شنيع في حد ذاته، والسكوت عليه لا يمكن أن يلقى تسويغا سياسيا من اي نوع. هذا لا يشرف لبنان. لا ينبغي تسييس قضية العمال السوريين على غرار ما دأبت على فعله أصوات موتورة، يتملكها الجنون حيال "السوري" كيفما كان. لا كذلك ينبغي أن يقسم السوريون إلى صنفين: جيدون، يعادون نظام الحكم في بلدهم؛ وآخرون، الأكثرية، لا أهمية لهم إن لم يكونوا سيئين. هذا منطق مبتذل وتبسيطي، ولا يفيد غير نقل سياسة الهوية التي دمرت لبنان إلى العلاقة بين لبنان وسوريا، ودفع السوريين جميعا إلى التماهي بنظامهم والاحتماء به كيفما كان. المفارقة الأليمة أنه محسوب علينا، نحن السوريين، اننا كنا محتلي لبنان و"أسياده" طوال 15 عما على الأقل! يا حسرة! افتقر السوريون خلال ايام "سيادتنا" ولم يغتنوا، وكان عمال "دولة الاحتلال" يعاملون بمزيج من الاحتقار والاستغلال في "البلد المحتل". سوريا جزء من لبنان، ومن وجوه كثيرة يختلف لبنان وسوريا عن غيرهما بطريقة متماثلة. استطراد كنت كتبت الكلام السابق حين أدلى السيد وليد جنبلاط بتصريح يدعو فيه إلى عدم التعرض إلى العمال السوريين في لبنان. هذا سديد جدا وموفق وفي وقته. وكنا، عشرات من المثقفين والفنانين والناشطين السوريين، قد وجهنا قبل يوم واحد من تصريح السيد جنبلاط (الأحد 20/2/2005) رسالة إلى "المثقفين والإعلاميين وقادة الرأي اللبنانيين" نشير فيها إلى أن "مقتضيات العدالة ذاتها التي تسوغ مطلبكم برفع الهيمنة عن لبنان تسوغ وتفرض ان يعامل عمال فقراء أسهموا في بناء لبنان معاملة لائقة تصون حياتهم وكرامتهم وثمار عملهم"، ونأمل منهم "أن يحرصوا على تنقية العلاقة السورية اللبنانية لا من الهيمنة وحدها، ولكن ايضا من إهانة سوريا وشعبها وتصويرها عدوا للبنان واللبنانيين". ولم اشا أن أعدل شيئا في الفقرة الأخيرة من هذا المقال حتى بعد تصريح السيد جنبلاط لأعبر لإخوتنا وأصدقائنا اللبنانيين عن نوعية هواجسنا ومواطن قلقنا. إن لبنان المستضعف أعز علينا من أن يجور على ضعفاء ممتهنين.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمام الأزمة وجهاً لوجه
-
من يقتل رفيق الحريري؟
-
الإعلام الفضيحة: ماذا فعلت جريدة -تشرين- بالحوار مع الأسير ا
...
-
السجناء السوريون في إسرائيل أو موقع الجولان في الوعي السوري
...
-
دولة مؤسسات أم دولة أجهزة؟
-
في ذكرى انتفاضة الجولان: الشجاعة وحدها لا تكفي!
-
موجتان لنزع العقيدية في الثقافة السياسية السورية
-
نظام اللاسياسة: العنف الطليق والعقيدة المطلقة
-
ضد الحرية وليس ضد -الحرة-
-
عشر أطروحات حول السلطة والندرة
-
موقع الثقافة في مشروع الإسلاميين السوريين
-
من يهين سوريا؟
-
اصول تناقضات السياسة الخارجية السورية
-
تعاقد سوري لتقاسم تبعات سلام مفروض
-
لبنان المستقبل لا يبنيه لبنانيو الماضي!
-
السوريون والسياسة الأميركية: هل من جديد؟
-
محددات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
-
نقد ثقافة الضحية
-
بين النقد والاتهام
-
نقد ذاتي
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|