راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 3922 - 2012 / 11 / 25 - 16:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم يكشف لنا التاريخ حتى الآن كُنه حياة الإنسان الأول لانعدام عنصر التدوين ,رغم الأبحاث المستمرة والكشوف الأثرية المتعددة . لكنه على الأرجح بدأ حياته فى إحدى البقاع من الأرض ومنها انتشرت ذراريه فى جماعات صغيرة الى بقاع أخرى , وبتوالى الزمن اتسعت حاجات الإنسان وزادت مطامحه وتطلع الى توفير أحسن الطرز لحياته بُغية الراحة والهناء , ولوكان ذلك على حساب غيره من بنى جنسه...
وآنذاك فقط بدأت البشرية طور التدافع وحياة الأطماع والتنازع.
وقد تدرجت حلقات الحياة فمن طور الأسرة الى طور القبيلة ... الى الأمة ... الى الدولة ... سواء أكانت دولة مدينة , او دولة جامعة, او دولة إمبراطورية .
ويبدو ان تعدد مطالب الحياة وتشعب مشاكلها دفع أولئك الذين تجمعهم مصالح متشابهة الى الارتباط فى شكل حضارى موحد, والنضال فى سبيل إصلاح مجتمعهم وإن أضر ذلك بغيرهم من المجتمعات.
ونما التطاحن بمرور الزمن وتطور وتضخم ،وابرز صورة الخلافات التى سادت بين الأمم فى القرن العشرين وكانت نتيجتها حربين عالميتين متتاليتين لم يشهد التاريخ مثلهما فظاعة فى ضروب التقتيل والتدمير وخلَّفا عَالمَاً يائساً مُشوشاً عليلاً . واصبح إنسان هذا القرن مخلوقاً قاتماً هزيلاً.
لقد ظلت الإنسانية تعيش فى ظلام وتخبط على مدى قرون عدة لولا ذلك الضوء النورانى الذى كشف الحجب وسطع فى الأفق,,,ذلك الضوء الذى انبعث تباعاً من رسل الله وأنبيائه…
وهم ولاشك مُعلمو الإنسانية الأُول وقادتها المُبرَزون .
وحاملو مشاعل الحق والحرية ومبددو ظلام الجهل والعبودية.
ومما لامِرية فيه انهم لم يألوا جَهداً فى سبيل نشر دعواتهم والعمل على الارتقاء البشرى .
بل وبذل النفس والنفيس لتحقيق أهدافهم العليا ومُثُلِهم الرفيعة، ولطالما بشروا الناس بيوم موعود...فيه يتجدد العالم ويتحقق السلام ويأتى الملكوت الإلهى .
ويصير العالم أمة واحدة ويعمل الكل لهدف واحد ويعبدون ربـاً واحداً...وهو الله جل شأنه.
كما تنبأوا بظهور موعود الأمم الرجل الإلهى الذى يبلغ رسالة الله الجديدة الى الناس ويبنى عالم المستقبل بل ويكون هو نفسه نقطة البدء فى حضارة العالم المنشود.
ولم يخل تاريخ الإنسانية من مصابيح أخرى باهرة تلكُم هى الفلاسفة والمفكرون والمصلحون .
وان كانوا نفراً قليلا إلا ان أفكارهم لمعت وسط الظلمة وتحملوا المشاق فى سبيل نشر آرائهم الحرة وأفكارهم الإصلاحية الصادرة عن نفوس صافية يهزها شعورها العميق نحو إخوانها فى شجرة البشرية.
وقد تخيل كثير منهم - كحل لمشاكل الإنسان العتيدة - نوعاً من المدن الفاضلة أو اليوتوبيات.
وهم وان اختلفوا فى التفاصيل فقد اتحدوا فى اللب ناشدين عالمَاً ترفرف عليه ألوية السلام ويتمتع بالطمأنينة والوئام، وانتشر هؤلاء المصلحون - على قلتهم - عبر التاريخ فى الشرق والغرب منادين بدعواتهم فى محيطهم الخاص وقدر لهذه الآراء الانتشار بين شعوب كثيرة وامم شتى.
وكان لها كبير الأثر فى بعض النفوس المتعطشة للسلام فنشأت بعض الجماعات العالمية والجمعيات الدولية ساعية نحو الوحدة وازداد هذا النشاط فى القرن الحالى خاصة بعد الحرب العالمية الأخيرة.
ومما لاشك فيه ان مطالب الحياة الجديدة الواسعة التى تجلت فى القرن العشرين تدفع الإنسان للعمل على الاتحاد وبأوسع معانيه, بخطى ثابته وطيدة , فتقدم طرق المواصلات تقدماً عظيماً قهر المسافات , بل ألغاها وجعل العالم وكأنه (مدينة كبرى) .
ومن هنا فقد اصبح لزاماً على البشر ان يبحثوا عن حل يُؤَمِّن سلامتهم ويهيئ لهم معيشة مطمئنة وحياة رغدة.
فازدياد حاجات العصر وتعدد مطالبه ومشاكله دفع أولئك الذين يردون تحقق أمانى السلام والوحدة العالمية الى العمل الدؤوب فى هذا السبيل .
ومنهم مفكرون عالميون يدعون الى الوحدة العالمية والسلام العام والأخذ بأسباب الإصلاح لكافة البشر.
من هؤلاء المفكرين الذين يمارسون موضوع مستقبل الإنسان(الدوس هاكسلى) الأديب والناقد والمتصوف. وهو وافر الثقافة واسع الإطلاع مُتوقد الذهن وله عقلية وثَّابة أحاطت بتاريخ العالم قديمه وحديثه، وهو ممن ينظرون الى المستقبل ويقدرون مصير الإنسان ولكنه لا يأتمن العلم وحده على مصير الأفراد والجماعات. العلم الذى يخلق من الناس آلات صماء هى أسيرة لنظام ميكانيكى جامد .
ولا سبيل الى هداية الإنسان إلا أن يتوجه الى السلام فى عالم الروح.
ولاينسى هاكسلى رأى الماديين فى ان الإنسان مجموعة من الاحساسات ولكنه يسأل...
ماالذى جعلها وركبها فى هذه الصورة البشرية. تلك الوحدة هى شئ من عالم الروح، وهى على اتصال بالروح الكلى الذى تقوم به الموجودات، والغاية القصوى ان يعقد المرء الصلة بين قبسه الروحانى وبين الروح الكلى الذي لاتخلو منه حياة
وقد قسم طريق الوصول الى هذه النتيجة الى ثلاثة ابواب
الباب الأعلـى : هو باب التأمل والنظر
الباب الأدنـى : وهو باب الزهد
الباب الأوسط : وهو باب الرياضة الروحية والديانة الصوفية
وان المرء ليصل الى الحقيقة الإلهية , ولو لم يكن من الفلاسفة والعلماء , لان استعداد طلب هذه الحقيقة الإلهية وهذه الحقيقة هو الحب ونقاء القلب والوداعة والصفاء.
وخلاصة قوله ان المرء حين ينحصر فى حدوده ويشتغل بشهواته ومطامعه تقوم الحجب بينه وبين الروح الكلى الذى يعم الأكوان ولا يخص الأفراد والجزئيات، فإذا خرج الإنسان من جزئياته وروَّض نفسه على الحب يسبب له ذلك ، الاتصال الذى يشفيه من داء الإنفصال. وبالدعة وتحطيم الكبرياء يلتقى بالعالم ولا يحجبه عنه سور، وينقى قلبه فلا يطويه على شئ ينعزل به عن البصائر والأبصار.
ومعنى ذلك ان يحيا افضل مما هو وان يتسلط بالجوهر الإنسانى فيه على الطبائع الحيوانية.
وليس فى ذلك تضحية بترك الصفات المبتذلة فى سبيل الكمال المنشود فإن الروح أقوى من الجسد وأقدر على تطويقه، ومن الجائز ان يهتدى السالك الى الروح الكلى على يد المرشدين والعظماء من العارفين , ولكن لابد للوصول من ان يعتمد على بصيرته ووجدانه.
وهو يقول ان هناك طريقاً الى الحقيقة الإلهية من داخل النفس..من داخل العالم وجواهره وأعراضه , فإذا اتفقت الطريقتان فهو المنهج السديد للوصول، وهو يفرق بين طلب البقاء وطلب الحقيقة الإلهية لان الحقيقة حضور سرمدى لاينحصر فى زمان ولامكان.أما البقاء ففى قبضة الزمان انتـقال من حال الى حـال.
هذه خلاصة موجزة من ناحية التصوف الحديث فى كتابات هذا الكاتب العالمى، والعجيب ان تستولى هذه الحكمة الصوفية عليه فى هذا العصر المادى، ويؤخذ من نزعة هاكسلى ان الحقائق المادية غير ثابتة وان احق الناس بالعرفان أولئك الذين نظروا الى الكون بعين الباطن قبل النظر إليه بعين الظاهر.
ومن مفكرى القرن العشرين المبرزين الأديب والعالم الإنجليزي الذائع الصيت(هربرت جورج ولز) الذى عكف على دراسة المشاكل الإنسانية دراسة مستفيضة . فالحياة عنده وحدة شاملة لا تتجزأ.
وقد كان فى شبابه مثالياً يدعو الى(يوتوبيا) اى المدينة الفاضلة ولكنه اصبح فى كهولته واقعياً ينشد الكمال فى التطور طبقاً لناموس الإرتقاء. وقد شعر بما يصيب البشرية من الانحلال دوماً , وما وصلت إليه من مآسى الحروب نتيجة للتهور , فوضع فى خلال الحرب العالمية الثانية كتاب( عالم الغد ) أورد فيه آراء ومقترحات يَعُدَها دواء لعالم أزمـنـت عـلله.
فدعا فى كتابه الى مبادئ يمكن ان تكون دعائم لسلام عالمى0 ويعتقد ان المسابقة فى التسلح هى سبب كارثة الحروب الى جانب طموح بعض القادة والزعماء.
ولم يكن الناس فى العصور الماضية يحلموا بإدارة عالمية مستتبة او صلات دولية وثيقة, اللهم إلا المعاملة الاقتصادية التى كانت تُوَلِّد نوعاً من الاتصال الدولى. ثم تفشى مذهب المغالاة الوطنية والدعوة الى تقديس الجنس فكانت هذه العوامل سبباً فى الكارثة كما ان عقول الحكام لا تُسلِم بان عهدهم قد مضى. ويجب إصلاح العالم من أساسه واستبدال النظام بغيره وهو يقول أننا نعيش فى خاتمة عهد من عهود التاريخ...واننا فى دور انتـقال...
ومن رأيه ان نتحدث : بصراحة وإفاضة , إذ أن الإصلاح أمر جوهرى لعالم يزداد تدهوراً.
فيجب كشف الحقيقة الى كل الناس رغم خضوعهم الى الرقباء ورغم الاضطهاد والفوضى التى عمت شئون الإنسان , فلابد من إعادة بناء العالم , ولكن ليس فى الأفق بوادر الى ظهور رأى عالمى قوى الملاحظة , والجامعات صامتة , والبيئات العلمية منصرفة...الى غير ماخُصِصَت له !
فنحن فى حاجة الى مبادلات صريحة وتفاهم عام حتى يتحقق ... السلام العالمى ! ...
ويجب على كل إنسان ان يفكر , ويعمل , ويُلقى برأيه , ويستمع الى آراء الآخرين , فان عالمنا يسير الى التهـلكة فلابد من إعادة إنشـائه , ولـن يكون هذا مجديـاً إلا فى ... النـور ... ولن ينقذنا , إلا ...عـقل نيـر , حـر , صريـح !
ثم ينتقل الى عوالم الهدم , وأولها إلغاء المسافة الذى ظهر أثره مؤخرا ً, والمستحدث من آلات التخريب واستنفاد الثروة فيما لا يجدى. وقد اشتدت الحاجة الى ضابط عالمى يدبر حياة البشر بعد ان تحطمت عصبة الأمم ( جنيف ) والمحكمة الدولية ولم يؤديا ماكان متوقعاً لهما، وما عاصفة الحرب التى ترجع الى الانحلال فى نظام الحكم إلا مظهر من مظاهر الحاجة الى توحيد الجهود الإنسانية , توحيداً يقوم على العقل وان نتحرر من السيف والمدفع , وسطوة التجار وطغاة المال ولابد من بُعد النظر والكفاية الذهنية.
ومن الأخطاء الماثلة شيوع الجهل , وأنصاف المتعلمين , وإهمال الشباب , وتعقد مشكلة البطالة ,مما يقوِّض أركان المجتمع. ونجد أن ولاة الأمور يقفون أمام هذه المشاكل حيارى مكتوفى الأيدى.
وقد باءت حلولهم بالفشل لانها امتزجت بالعصبية الشعوبية , فوقعوا فى أخطاء شنيعة دفعت العالم الى الإفلاس التام , وأطمعت كُبريات الدول فى صُغرياتها , واصبح معظم الناس فى قلق دائم على مصيرهم.
وفى بحثه فى مسألة حرب الطبقات , يرى إنشاء حكومة عامة تعمل على تحقيق الاخوة الإنسانية عملياً , وقد أوضح ان النظم التى سادت عالمنا , زمناً من فاشية وديمقراطية واشتراكية , ومذاهب ثورية قد أخفقت ولم تفد شيئاً . إذاً فلا سبيل لذلك الإصلاح إلا بظهور... نظام هادئ متعقل , يسوى بين الجماعات ويحفظ عليهم حقهم بعد ان خـابت الآمـال .
ثم يقول : ان بنى الإنسان يواجهون الآن قوى هائلة ...
إما قست على الإنسانية وإما رفعتها الى مستوى لم يسبق له مثيل . !
فلابد من التحكم فى هذه القوى لتوجيهها توجيهاً صحيحاً يُصلِح من شأن الانسانية.
أما عن المحاولات المرتجلة فقد فشلت جميعاً وكلما ازداد الأمر تعقيداً اشتدت التجربة فشلاً ! وزاد الجنوح الى الحاجة الى نظام أوسع شمولاً وأدق تطبيقاً بحيث يكفل الحرية الشخصية ويحميها ويعمل على التقدم المطرد . ثم أوضح ان معظم الأديان بنظامها الحالى تَحُول دون التقدم وتعوق الجهد البشرى.
ولابد من الاتحاد كى نتغلب على التعصبات.
ولقد فشلت الاتحادات السابقة وصعُب تطبيق دساتيرها بدون تضرر أحد ولم تُحقِق الآمال المنشودة منها. وهو ينزع نحو المساواة والاخوة بين النوع البشرى بالتغلب على القوة والأحقاد الكامنة فى النفوس والتحرر من الأخطاء العتيقة حتى يمكن تنفيذ فكرة الاتحاد وان تدخل جميع دول العالم فى إنبـيق الصهر , فتنشأ عالمية جديدة الصبغة ذات طراز جماعى.
ولإعادة تنظيم العالم يجب ان يكون هناك عملاً , او حركة , او عقيدة , او ديناً ...جديداً ! ... يستطيع ان يهيئ عدداً كافياً من العقول فى ربوع العالم بغير النظر الى الجنس او الأصل اواللون.
تعترف هذه الحركة بأصول المشكلة الإنسانية ويستتبع ذلك اشتراكهم المنتج فى جَهد علنى واضح داعٍ لإعادة بناء وتشييد المجتمع الإنسانى فيبذلون كل ما فى وسعهم لينشروا ويشرحوا بالمشاركة مع كل من له القدرة على هذه الأفكار الواسعة والاستعداد الخُلقى لها . ويكون هذا الجَهد الجبار صادراً من أرصن العناصر البشرية , وأقدرها على التنظيم فى جبهة عريضة متنوعة وفى عالم يقظ محتاج الى الإصلاح فى جميع الوجوه علمياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.
وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية , وبعد اكتشاف القنبلة الذرية واستخدامها , وما جلبته معها من خوف الدمار الشامل وهلاك ملايين البشر بالجملة , الشئ الذى أطلق عليه الكُتَّاب , الرعب الذرى , ظهر كتاب(قضية السلام) لمؤلفه أمرى ريفز , وقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة فى جميع الأوساط العالمية, وكتب عنه معظم الكُتَّاب , وقرَّظه كُبريات الصحف .
وقد صور الكاتب المشكلة العالمية تصويراً يدل على رسوخ واتزان وحرية رأى , فنوَّه بأن تفكيرنا يمر اليوم بعـصر انتـقال.
أصبحنا نشك فى القوميات التى سببت الحروب المتواصلة - وحيث أننا نحل مشاكلنا العامة داخل كياننا القومى بواسطة القانون والحكومة ,فيمكن تطبيق هذه النظم فى الكيان العالمى لحل المشاكل الدولية ، وذلك ... بإنشاء... حكومة عالمية , تنظم علاقات الشعوب بمقتضى القانون .
وبعد ان أشار الى إخفاق كل النظم والمذاهب الاجتماعية الحاضرة ألمح الى التشويه الدينى فى كل امة ، فمع ان العنصر المقدس فى الأديان أنها عالمية , وان الناس خلقوا متساوين أمام الله ! فقد تغلب الشعور القومى على معظم الدول الغربية وتحولت الكنائس المسيحية , الى هيئات مختلفة متباينة المذاهب , تؤيد الروح القبلية، وقد وُجِدت ان الوحدة التى احتفظ بها القرآن قرونا بين الشعوب الإسلامية المختلفة الأصول ذهبت ، وصار الشعب الإسلامى قوميات شتى ، وقد نسى الجميع الصبغة العالمية التى كانت أساس دين الإسلام العظيم، والامر لايقتصر على ذلك فاليهود وهم اقدم الموحدين نسوا تعاليم دينهم الأساسية وهو انه عالمى , فهم يبغون ان تكون لهم قومية منغلقة ، وانه لخطر على الإنسانية ان لا تتدارك عقيدة التوحيد العالمية , ومامن سبيل الى إنقاذ الجماعة الإنسانية إلا ... بالعـالمـية ...
فإذا لم تَعُد دور العبادة الى مبدئها المركزى فيما تعمل فإنها ... ستزول أمام عقيدة جديدة عالمية ... لابد ان تبرز من بين الخرائب والآلام التى سببها تهافت الناس على القومية الضيقة.
والقانون وحده هو الذى نجح فى التنظيم الاجتماعى وضمن للإنسان الأمن , والحرية , والسلام .
وذلك فى وحدات اجتماعية ذات مصدر مُفرد للقانون ،والنتيجة ... ان السلام فى زماننا رُهِنَ بإقامة نظام قانونى يستعلى على , القوميات خصوصا وان عهد الحروب سينتهى قريباً ...وفى خلال هذا القرن على الأرجح ، ومهمتنا وواجبنا ان نسعى لإيجاد إشراف موحد بالقانون على العالم .
وان نعلن أولا المبادئ ونحقق الغاية بالاقناع. وقد طال الحنين بعد جهاد الجنس البشرى الطويل فى سبيل الارتقاء لإيجاد نظام اجتماعى يفوز فيه المرء بالحرية والأمن , وهذه المثل العليا هى المبدأ الأول فى اليهودية والمسيحية والإسلام , وهى وحدانية الله , وان الناس سواء عند الله الذى هو المصدر الأعلى للتشريع والسلام الحقيقى , وهو القانون وهو النظام وهوالحقيقة .
واما القول بان الاختلافات الموجودة بين الجنس البشرى , تَحُول دون قيام قانون ونظام عالميين , فمناقض للواقع , فان معظم القوميات الأوربية ظلت زمناً طويلاً على تباغض وتنافر ولكنها اضطرت بعد الحرب العالمية الثانية , ان تعيش جنباً الى جنب فى وئام .
وقد شرح الكاتب فكرة( الحكومة العالمية ) فقال :
ان خمسة آلاف سنة مضت من حضارة الإنسان لدليل على ان الحروب تنشب , كلما تلاقت جماعات الناس فى منزلة واحدة من السيادة ومن المصالح المتشابهة , ولم يستتب السلام بين البشر الا حين وجد قانون واحد ينظم علاقات بعضهم ببعض، والرأى الغالب هو إنشاء ( هيئة دولية ) تستطيع منع الحروب بين القوميات التى تخضع لنظام قانونى واحد صادر عن جمعية تشريعية عالمية , تؤيدها قوة من الشرطة الدوليين،وقد أوضح ان هذه الحكومة لا تقضى على كيان الامم. لان القوميات هى التى تقضى على بعضها, ولولا الاتحاد لأباد الاسكتلنديون الانجليز , والانجليز الاسكتلنديين.
ثم نوَّه بان الفكرة مازالت فى طور التحضير والمبادئ لم تتبلور بعد ، ولازالت هناك مراحل فى الطريق الُمفضى من الفرض الى التحقيق بتصوير الفكرة واعلان المبادئ , ونشر المذهب , وانتخاب ممثلين لتنفيذ المبادئ الجديدة بعد دراسة البرامج والتفاصيل , التى تؤدى الى ... الحل الصالح.
وان عشر سنوات ينبغى ان تكون كافية لإنجاح الجماعة التى تدعو الى السلام والقانون العام , والحركة التى لابد منها , لإنشاء الحكومة العالمية , ينبغى ان تستمد قوتها من جميع الناس وانه يوجد فى كثير من البلاد من يتوقون الى القيام بهذا العمل وليس أمامنا سوى ان نقنع الآخرين بما نؤمن , ونحثهم على إقناع غيرهم , فقوة الرأى : تتفجر وتنتشر على نمط الطاقة الذرية فيما نسميه(التفاعل المتسلسل) وان نستعين فى ذلك بالصحافة , والسينما والراديو وجماعات تعقد للبحث، وينبغى ان تدوى فى بيوت الله , أصداء هذا المذهب العالمى , وتدرس فى المدارس , وينبغى ان يرتفع فى كل بلد ...صوت يعبر عن العمل , من اجل الوحدة , فى اقرب فرصة مُستطاعة , حتى يجئ اليوم الذى تُدفع فيه الأمم دفـعاً مُضـطرداً نحو... ( الحكومة العالمية ).
والخلاصة ...ان معظم المفكرين العالميين المتأخرين , اجمعوا على ان , العالم مريض ، ونظام غير مستقر ، وقد نضبت روحه , وان ملايين الناس يجب ان تجد لها مجالاً للعيش فى سلام بما يناسب وجودهم كبشر.
وهم حين يبرزوا هذه العيوب بأجلى صورها , ويصفوا لنا حالة عالمنا المتدهور , لم يوفقوا فى وضع الحلول المناسبة الكافية للإبراء من هذه الأدراء , ولم يرشدوا الى العقل النير الذى يقود الإنسانية من جديد نحو أهـداف نبـيلة.
فالشعور اصبح دفاقاً , بتكوين الجامعة العالمية ... وبالإحساس بالحقوق العامة لأهل العالم اجمع , والاتجاه نحو تأسيس حضارة وثقافة عالمـية.
ولابد لتنفيذ هذا المشروع ... العالمى الخطير , من قائد , ومعلم , يصلح مافسد من حال البشرية, ويقود سفينتها من وسط هذه الأنواء والزوابع والأمواج المتلاطمة , حتى تصل الى شاطئ السلامة والطمأنينة والأمن ... حتى تصل الى رجـاء العـالم . !
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟