|
حوار في قضية الحسين
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 3920 - 2012 / 11 / 23 - 18:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سنسلط الضوء على هذه القضية التي جرى فيها جدل وكلام كثير ، وفي ذلك نرجوا أن نكون موضوعيين غير منحازين وغير متعاطفيين لكي نحكم بروح إيجابية صحيحة وصادقة على تلك المرحلة من التاريخ الإسلامي . في قضية الحسين هناك جانبين سياسي وإنساني يحاول البعض إدماجهما معاً مستغلين الجهل تارةً ومستغلين العاطفة تارةً أخرى ، و المزج بينهما وعلى النحو الذي نعيشه الآن هو خطيئة أضرت وتضر بوحدة الأمة ووحدة قيمها ، لهذا يجب أن نكون موضوعيين ودالين على ما نريد من غير حاجة إلى هذا المزج الدعائي وإلى هذا المزج الديني .. ففي الجانب السياسي : تتبدى لنا صورة الحسين من خلال حركته الموضوعية المستندة إلى رأي الشعب الذي دعاه لتولي الخلافة ، أي إن حركته وتحركه لم يكن بوحي من قربه للرسول محمد أو من كونه وريثاً للبيت المحمدي ، فهذه القرابة لاتؤسس لمبدأ الحاكمية والحكم ، ذلك لأن الحسين يؤمن بأن الحكم في الإسلام إنما يقوم فقط وفقط على أساس الشورى أو الإنتخاب الشعبي ، وهذا ما عبر عنه الحسين بقوله - لم أخرج أشراً ولا بطرا إنما خرجت لطلب الإصلاح - ، يعني هذا إن خروجه لم يكن من أجل عودة الحكم إلى أهل البيت كما قد يتوهم البعض ، إنما خرج وفق السياقات الطبيعية والشروط الموضوعية ، والتي أعني بها إرادة الشعب في إنتخاب الحاكم المناسب وهكذا - كان الشعب يريد الحسين - ، كان يريده ليعود من خلاله لنظام الحكم الطبيعي والمنطقي نظام الشورى والإختيار الشعبي ، وكان يريد من خلاله كذلك نقض المفهوم الذي شرعهُ وسنهُ معاوية تحت بند - ولاية العهد - الذي خالف فيه منطق الشرع وإرادته ورغبته ، فمعاوية من خلال توليته أبنه يزيد حاكماً وخليفة أنتهك في ذلك القانون الشرعي والدستوري للإسلام وهذا ما أشار إليه أبن خلدون في مقدمته تحت مفهوم - المُلك العضوض - . فولاية العهد أو الوصية هي الشكل المخالف للقانون وللشريعة ، وهي سلوك غير حضاري يخالف معنى ومفهوم الشورى الذي أسسه الله في قوله تعالى - وأمرهم شورى بينهم - كأساس للحكم ، فالإسلام في الكتاب المجيد يرفض كل أنواع القهر والظلم وإحتكار السلطة وتوجيه الناس وفق رغبة معينة ، كما يرفض الإسلام التنصيب القهري للحاكم وإكراه الناس على شرعة معينة ، لهذا أسس للشورى كقاعدة حكم في إختيار الحاكم أو الوالي أو الرئيس ، وهذه القاعدة تحرك وفقها ومن خلالها الإمام الحسين ، من خلال إستجابته المشروطة لدعوة أهل الكوفة له ، أستجاب لهم وفق شروط موضوعية أهمها إجتماع كلمتهم ورأيهم في طبيعة الحكم وطبيعة الحاكم ، وقد عبر أهل الكوفة عن ذلك من خلال تلك المراسيل والكتب التي جاءته منهم ، ولتوكيد صحة هذه المراسيل والكتب والخطابات بعث إليهم مستشاره وثقته من أهل بيته - مسلم بن عقيل - ليطلع له عن قرب صحة وصدق توجهات الناس فيها ، فكان جوابه - إن الرائد لايكذب أهله فإقدم - ، على هذا الأساس تحرك الحسين وعلى هذا الأساس خرج ، وللإشارة والتنبيه لم يكن هذا رأي أهل الكوفة وحدهم بل كان هو رأي الناس في مصر واليمن والبحرين ومكة والبصرة ، هو رأي كان يمثل الغالبية من الجمهور الرافض لمبدأ ولاية العهد في الحكم . إذن الشعب أراد من خلال تلك الدعوة العودة لنظام الإنتخاب وإختيار الحاكم ، وكلنا يعلم مدى الجرائم والمفاسد الإدارية والمالية التي أرتكبت أبان الحكم الأموي زمن معاوية ، فالناس كانت تبحث عن طريق لمنهج في الحكم يؤسس للعدالة والحرية والسلام ، والخلاص من سلطة القبيلة وهيمنة الحزب الواحد ، ولم يجد الناس من هو أهلٌ وكفاءة وقدرة على تولي هذا الأمر غير الحسين لهذا كان رأيهم ببيعته في الحكم والخلافة ، وكما قلت إن هذا السلوك منهم ومنه إنما تم وفق شروط موضوعية وليس لأحقية القرابة والصلة برسول الله ، فهذه لاتؤسس لحكم ولا لقيادة .. وبعد خروج الحسين ونزوله أرض كربلاء مجبراً مكرهاً ، وجد إن القوة قد تمكنت من رقاب الناس واجبرتهم عن التخلي عن دعوتهم له من خلال القهر والدعاية المضللة وإستمالة ضعاف النفوس ، رأى من الحكمة إن الخروج من هذا المأزق السياسي يتطلب المزيد من الجهد والمزيد من التنازلات ، ولهذا بدأ في حوار مفتوح طالباً العودة من حيث أتى وموافقاً على مبايعة يزيد وهذا ما قاله علماء المذهب الشيعي وأساطينه - كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيد المرتضى - ولمن أراد عليه بمراجعة كتاب إشكالية الخطاب لوقعة كربلاء - للشيخ الركابي - ، فالحسين قد رأى تبدل موازين القوى ورأى إن الشروط الموضوعية التي خرج على أساسها قد أنتفت وتبدلت ، لهذا وجد أن لاضير من البيعة إن كان في ذلك حفظاً للدماء والأعراض ، وهو يعلم في ذلك إن بيعته ليزيد هي كبيعته لمعاوية وهي لاتعني صحة حكم معاوية أو يزيد بل تعني إحترام رأي الغالبية وإحترام الشروط الموضوعية القاهرة ، وهو يعلم إن يزيد ليس سوى سوءة من سواءات معاوية ، لكن ثلاثي الجريمة والعدوان أعني - يزيد وعبيدالله والشمر - رفضوا مقترحاته هذه و اصروا على أن يتنازل لهم من دون قيد أوشرط ، ثم بعد ذلك يُترك الخيار لهم ليروا فيه رأيهم إن شاءوا عفوا وإن شاءوا قتلوه !! . في هذه الحالة وجد الحسين نفسه محاطاً بجيش كبير همه قتله وإذلاله وإنتهاك كرامته وإرادته ، تحدى الموت وتمسك بمقولته الرائعة - هيهات منا الذلة - معلماً الناس معنى الكرامة والصبر والتحدي ، إلى هنا يكون الجانب السياسي قد أنتهى في رحلة الحسين وأبتدأ الجانب الإنساني أو المأساوي من القضية ، والذي تمثل بهذا القتل الفظيع له ولأصحابه ولأهل بيته من قبل عصابة الشر والجريمة ، العصابة التي تحالفت على الظلم وتعاونت على الجريمة ، العصابة التي ولدت لنا جيشاً لها في أعصارنا من التكفيريين والحاقدين والإرهابيين والقتلة من المجرمين والسفاحين الذين لاهم لهم إلاّ القتل وإنتهاك الحرمات ، فهم يقتلون على الهوية وعلى الأسم وعلى المنطقة ، وجدنا هذا في عراقنا بعد سقوط بغداد ، حين تناثرت الجثث وتقطعت الرقاب بدعوى طائفي ومناطقي وديني ، هي سُنة سنها جناة التاريخ في إنتهاك القيم وعدم الإحتكام للعقل ورأي الناس ، في الجانب المأساوي سنظل نتذكر الحسين ونتذكر معه كل مظلوم بالحق ، في الجانب المأساوي لا يجب ان نعمم الطريقية والكيفية ، بل لابد أن نعتبر ماحدث جريمة من أناس معينيين ولايجب تعميم هذا الجرم ليشمل كل الناس في كل المراحل ، الجريمة لها وضعها القانوني والأخلاقي والدستوري ، وليعلم الجميع إن هدفنا من ذلك كله وحدة الأمة وتلاحم كلمتها على الحق والخير والعدل والحرية والسلام ... السلام على الحسين ثائراً ضد الظلم ورحم الله الحسين شيهداً
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الليبرالية الديمقراطية في مواجهة التحديات
-
الليبرالية الديمقراطية ... مشروع الحضارة
-
لماذا نؤوسس لليبرالية الديمقراطية ؟
-
نمو التيار الليبرالي الديمقراطي في المنطقة العربية
-
معركة بناء الدولة في العراق
-
الليبرالية العربية
-
بيان إستنكار
-
فلسفة الخلاف
-
الحرب القذرة
-
الحوار هو الحل
-
إنتاج عقد إجتماعي جديد
-
الليبرالية الديمقراطية حركة فكرية شاملة
-
الليبرالية الديمقراطية هي أساس الفضيلة
-
الدكتور أحمد الكبيسي والعقلانية الدينية
-
المرأة العربية والعالم الجديد
-
رسالة الليبرالية الديمقراطية
-
أرحل يابشار
-
العرب وطبيعة التحول السياسي
-
الفدرالية ونظام الأقاليم كيف نفهمه ؟ وكيف نفهمها ؟
-
المنظمة الدولية - للعدالة والحرية والسلام –
المزيد.....
-
خلال لقائه المشهداني.. بزشكيان يؤكد على ضرورة تعزيز الوحدة ب
...
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|