|
العلاقات السورية – الأميركية
أشواق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 1134 - 2005 / 3 / 11 - 10:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لطالما وصفت تلك العلاقة التي تجمع بين كل من الولايات المتحدة الأميركية و سوريا بالتذبذب و التقلب لاسيما خلال الفترة الأخيرة ،و لعل هناك من يعتبر أن هذا التذبذب ليس ناجما عن الجانب السوري بل هو نتيجة طبيعة للسياسة الخارجية الأميركية على اعتبار أن السبب يعود في ذلك إلى انطلاق كلا الطرفين في علاقته مع الأخر من مصالحه و مبادئه و سياساته و هو الأمر الذي يفترض مبدئيا الثبات النسبي لكن التغير الحاصل هنا و الذي يمس الجانب الأميركي هو التغير المفاجئ الذي يطرأ على ما تراه أميركيا بأنه يدخل ضمن مصالحها ، فسوريا لطالما سعت للحصول على علاقة مستقرة و جيدة تربطها بالجانب الأميركي و ذلك ضمن جملة الأسس التي وضعتها لنفسها لكن أميركيا تؤثر سلبا في إطار ما يمكن أن نسميه القبول أحيانا بهذه الأسس و الرفض النسبي أحيانا أخرى و الرفض المطلق أحيانا أكثر . فعندما تجد أمريكيا بأن هذه المصالح السورية المبنية على تلك الأسس تلتقي مع مصالحها تكون علاقاتها جيدة مع سوريا ، أما حين تفترق هذه المصالح فإنها تطلب من السوريون أن يقبلوا ما تريده و هو الذي لا ينسجم مع سوريا في كثير من الأحيان . و من هنا يمكننا اعتبار تجدد الأزمة الأخيرة بين دمشق وواشنطن خلال الأيام الأخيرة ، لاسيما بعد الأزمة الأخيرة في علاقاتهما التي أعقبت عملية الاحتلال الأميركي للعراق دليلا جديدا على أن علاقات هذين البلدين ما تزال تسير وسط حقل من الرمال المتحركة ، بل إن المستعرض لوقائع المسيرة المتعرجة التي سلكتها علاقات البلدين منذ مشاركة سورية في التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية في حرب تحرير الكويت عام 1991 وحتى الآن يدرك تماما على أن حركة المتغيرات الإقليمية و الدولية التي شهدتها المنطقة خلال هذه الفترة كانت تفرض على كلا الجانبين أن يتلاقيا باستمرار حول قضايا وتفاهمات محدودة تقيم بينهما نوعا من ((زواج المتعة)) الذي يمكن القول بأن عقده بين البلدين أبرم لأول مرة إبان مشاركة سورية في حرب تحرير الكويت ثم مشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط الذي عقد بترتيب من إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، وتوضح مسيرة العلاقات التي أعقبت المنعطفين المذكورين أن البلدين كانا يجدان أنفسهما مضطرين دائما لتجديد عقد ((زواج المتعة)) بينهما كلما انتهت مدة عقد زواجهما المؤقت والاضطراري ، فالريبة المتبادلة من جهة أولى كانت تمنعهما من تحويل العقد إلى عقد زواج دائم، و الحكمة التي تضبط تقديرات الجانبين من جهة ثانية كانت تمنعهما من إنهاء ذلك الزواج المؤقت والانتقال إلى مرحلة الفراق النهائي و الذي يجعل من المواجهة عملية مفتوحة و التي ليس لأي من الطرفين مصلحة في الانزلاق نحوها . و لا تشكل الأزمة الأخيرة التي عصفت بعلاقات البلدين إلا مثالا مشخصا عن هذا التوجه الذي يحكم العلاقات القائمة بينهما ، حيث نقرأ ذلك في سلسلة الوقائع التي بدأت بصدور قانون محاسبة سورية ثم قرار مجلس النواب اللبناني بالتمديد للرئيس أميل لحود مدة ثلاث سنوات وموافقة مجلس الأمن الدولي على القرار 1559 الذي تقدمت بمشروعه الولايات المتحدة وفرنسا وتضمن الدعوة لاحترام الدستور اللبناني وخروج القوات الأجنبية من لبنان وتكليف أمين عام الأمم المتحدة بتقديم تقرير عن تنفيذ القرار بعد مرور شهر واحد على صدوره ، وصولا إلى زيارة معاون وزير الخارجية الأميركي وليم بيرنز إلى دمشق والتي وجدت فيها الأوساط المراقبة (رغم تباين القراءات) دليلا يعكس بشكل أو بآخر اهتمام الإدارة الأميركية بالحفاظ على قناة مفتوحة للحوار مع دمشق (وبصرف النظر عن كل ما يمكن قوله حول اللهجة المستخدمة في ذلك الحوار).و انتهاء باستخدام الولايات المتحدة لحادثة اغتيال الحريري مؤخرا ورقة مهمة في إعادة فتح الملف السوري اللبناني و بالتالي الضغط على سوريا و اللعب على مسألة الانسحاب السوري و "سيادة لبنان " . و لا يمكن لقراءة مدققة في تفاصيل هذه المرحلة إلا أن تفضح تلك القواعد المضمرة التي تقوم عليها توازنات المعادلة المضطربة التي تحكم مسيرة العلاقات السورية الأميركية خلال المرحلة الراهنة ، والتي يمكن إرجاعها بشكل أساسي إلى حسابات وتقديرات الجانبين وتوقعاتهما غير المعلنة حيال مستقبل العلاقة وآفاقها . فعلى الجانب لأميركي تكشف القراءة للأزمة الأخيرة في العلاقات السورية الأميركية ( الأزمة اللبنانية الآن – أزمة العراق من قبلها – ملف الإرهاب – ملف المقاومة الفلسطينية و المقاومة العراقية ...... ) عدم امتلاك مراكز القـرار الأميركي أية خطط جاهزة لإسقاط النظام السوري أو استبداله أو الدخول في مواجهة علنية و مباشرة رغم كثرة التصريحات الأميركيـة و التي كانت تقارب هذه النقاط أحيانا مقاربة شكلية وفي مقابل ذلك يمكن الجزم بأن الإدارة الأميركية لا يمكن أن تسمح لسورية بالذهاب بعيدا في تبني مواقف وسياسات تعارض وتعطل خطط الإستراتيجية الشرق أوسطية للولايات المتحدة الأميركيـة ، وعلى هذا الأسـاس يمكن التقدير بأن السياسة الأميركيـة في إدارة العلاقة مع سوريـة تقوم على قاعدة العمل اليومي ( أي التكتيكات ضمن الحالة الراهـنة و ليس السياسة الإستراتيجيـة بمعناها المباشر و غير المباشر ) من أجل حث دمشـق على تكييف مواقفها مع متطلبات ضمان حسن سير الخطط الأميركية في المنطقة تحت طائلة التهديد الدائـم باستخدام جميع الوسـائل الممكنة (بما فيها الوسائل العسكريـة) لإرغام سـورية على السير في هذا الاتجاه بصورة طوعيـة أو حتى قسرية. وبالانتقال إلى الجانب السوري يبدو أن المفتاح الرئيسي لفهم النظرة السورية نحو العلاقة مع واشنطن يكمن في الانطلاق من أن دمشـق لا تطمح ولا ترغب ولا تسعى لكي تكون حليفا للولايات المتحدة أو وكيلا لمصالحها في المنطقة على غرار الدور الذي تقوم به دول عربية عديدة (معظم دول الخليج إضافة إلى مصر والأردن وأخيرا وليبيـا)، وفي مقابـل ذلك لا تخفي سوريـة تخوفها وحذرها من الانزلاق نحو الدخول في مواجهة مفتوحـة مع الولايات المتحدة سواء بصورة مباشرة (بعد وصول القوات الأميركيـة إلى منطقة الحدود السوريـة العراقية) أو عبر البوابـة الإسرائيلي، التي تتلهف للحصول على ضوء أخضر للقيام بهذه المهمة. وعلى هذا الأساس يمكن الاستنتاج بأن مفهوم دمشـق للعلاقة مع الولايات المتحـدة يقوم على قاعدة تفادي شرور هذه القوة العظمى،من خلال إقامة علاقة جيدة مستقرة لا تنتهك الأسس السورية أو تعارضها ( و هو ما تعمل سوريا عليه لاسيما في أزمتها الحالية مع أميركا فإعلان الرئيس الأسد في خطابه الأخير الانسحاب السوري الكامل من لبنان و يعني أن سوريا قد نزعت فتيل التفجير الأميركي الذي تلوح به أميركا فيما يتعلق بالقرار 1559 و بالتالي الحيلولة سوريا" دون تصعيد الأزمة مع أميركا فيما يتعلق بالاتهامات الأميركية ، الأمر الذي سيدفع بأميركا في حال رغبتها باستمرار تأزم العلاقة و الدفع باتجاه تصعيدها إلى البحث عن فتيل أخر قد يكون على سبيل المثال اللجنة الدولية المتعلقة بإجراء تحقيق باغتيال الحريري ) أي نستطيع القول أن الهاجس السـوري يتركز حول تأمين تفادي تلك الشرور الأميركية المحتملة بأقل ثمن سياسي ممكن. وحيث يمكن الافتراض هنا أن القيادة السورية تدرك بأن الحد الأدنى للثمن السياسي الذي يتوجب دفعه لتفادي الشرور الأميركية هو حد متحرك بين فترة وأخرى حسب متغيرات الظروف الإقليمية والدولية السائدة، ورغم أن القيادة السورية تنطلق في إدارتها للعلاقة من استعداد عقلاني لتسديد الثمن المطلوب وفق معطيات كل مرحلة، فيبدو أن التحدي الأساسي الذي يواجه القيادة السورية في كل مرة يكمن في محاولتها لالتقاط خط الحد الأدنى للثمن المطلوب بصورة دقيقة ودون أية اندفاعـة يمكن أن تزيد على ذلك الحد الأدنى خطوة إضافية غير مبررة وليسـت مطلوبة، ودون التمسـك بمواقف متخشبة تبنى على تقديرات تجاوزتها حركة الأحداث المتسارعـة التي تجري على ساحة المنطقـة. و قبل التكلم عن أسباب الأزمة الأخيرة في العلاقة الأميركية – السورية وحتى نكون أكثر وضوحا فيما نقول , و ضمن أطار تقديم الحقائق التي توجه القارئ إلى معرفة الأسلوب الصحيح الذي يجب استخدامه في تفسير سياسيات الدول ( خاصة القوة العظمى في العالم "أميركا" ) لابد من تقديم بعض الحقائق حتى تعرف أبعاد الخطط الأميركية ضد سورية لذلك سنتطرق أولا إلى التقرير الرابع لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط وهو المعهد الذي يتولى عادة إعداد تقارير على شكل وصايا للرئيس الأميركي تكون بمثابة دليل عمل له خلال ولايته والتقرير الرابع هذا و الذي يعتبر الأهم من التقارير الثلاثة السابقة له لاسيما فيما يتعلق ببنوده ووصاياه المتعلقة بسورية ولبنان والعراق وفلسطين . لقد تم وضع التقرير الرابع هذا عام 2000 وكانت الغاية منه هو تقديم شيء متكامل يكون دليل عمل استراتيجي لرئيس البيت الأبيض, و هو ما اعتمده بوش الابن بحذافيره خلفية التقرير الرابع . تبدأ حكاية التقرير الرابع هذا عام 2000 حيث اجتمعت في ربيع ذلك العام مجموعة الدراسات الرئاسية على شكل هيئة من السياسيين والدبلوماسيين ,ومجموعة من المشرعين والمثقفين والخبراء وجميعهم من المنتمين إلى الحزبين الأميركيين: الديمقراطي والجمهوري . أي أن المجموعة كانت عبارة عن هيئة وطنية أميركية تضع توصياتها لتكون في خدمة الدولة ككل وليس خدمة إدارة الحزب الحاكم وحده كما جرت العادة . ومن هنا تأتي أهمية وخطورة تقريرها ، ولقد استغرق إعداد التقرير تسعة أشهر.وجدير بالذكر انه شاركت في أعمالها لجنة عليا جمعت أسماء لامعة سياسية ودبلوماسية وجامعية , ولم تكن تخلو من أميركيين يهود نافذين وفاعلين على مستوى الحزبين ( هوارد بيرمان وصموئيل براونباك وليسلي غايب وبنجامين غيلمان وألكسندر هيغ وماكس كامبلمان وأنتوني ليك وصموئيل لويس وجوزيف ليبرمان ومورتايمر زوكرمان) وقد قام العديد من الخبراء المكلفين بزيارات ميدانية إلى السعودية والأردن وفلسطين المحتلة ، والتقوا السياسيين وصناع القرار والمحللين ، وأقاموا حوارات واسعة مع النخب الإسرائيلية ، كتب التقرير روبرت ساتلوف وباتريك كلاوسون. أبرز توصيات التقرير أنه على واشنطن أن تعارض أي مسعى عربي للتوصل إلى مستوى الندّية والقوة الإستراتيجية مع " إسرائيل " ، وان تؤكد التحالف غير المكتوب مع إسرائيل . أن تدعم " إسرائيل " في الرد الانتقامي إذا هوجمت من قبل حزب الله (وقد أعلن الرئيس بوش عن ذلك في خطاب علني ) أن تمضي واشنطن قدما في نقل سفارتها إلى القدس . أن تكون مستعدة لاستخدام القوة الكاسحة ضد العراق ( وهو ما تحقق باحتلال العراق لاحقا( . أن تربط بين تقديم المساعدات للجيش اللبناني وانتشاره في الجنوب ونزع سلاح حزب الله (تجري المساعي والضغوط الآن لتحقيق ذلك وعلى ايقاع الانسحاب السوري من لبنان.(. ان تواصل الضغط على إيران من اجل فرض التغيير على سياساتها في تقويض العملية السلمية وإنتاج أسلحة الدمار الشامل . ان هذا التقرير هو أهم مرجع لفهم إستراتيجية الإدارة الأميركية في الملفات الخطيرة المهمة , ونجده يتعرض لخطط عمل الإدارة الأميركية ورؤيتها السياسية والعملية في قضايا منطقة الشرق الأوسط . ويستطيع قارئه التعرف بسهولة إلى المقدمات التي تستند إليها الإدارة الأميركية التي نجدها الآن وهي تتصرف بوفاء والتزام تام بما جاء في التقرير بدءا من احتلال العراق وتوجيه الضغوط على سورية وضبط موضوع سورية ولبنان ما يخص سورية وتتضح الأمور أكثر في فقرة حملت عنوان " استطلع الفرص مع سورية " والعمل من اجل التغيير " . عند تدقيقنا للتوصيات وفحواها وأهدافها سوف نقرأ بالنسبة لسورية مؤشرات واضحة ملموسة على ارض الواقع , وسنجد التحركات المشبوهة مقروءة جلية تتصل بأحداث الشغب التي وقعت من بعض المواطنين السوريين من أصول كردية , وكيف استغلت المسيرات الشعبية لنصرة العراق ضد نظام الحكم في سورية , وكذلك مضاعفة الكتابات والمقالات المناوئة للحكم في سورية ونبرتها الحادة ومواضيعها الموحى بها من الخارج و انتهاء بالمسارعة الأميركية لتوجيه أصابع الاتهام ضد سوريا في اغتيال الرئيس الحريري 0 إن اخطر الوصايا التي تضمنها التقرير هي التي تمس المصالح الوطنية والقومية العربية ولاسيما السورية , والتي تسعى عبرها الإدارة الأميركية إلى إثارة التناقضات الداخلية : بحجة الديمقراطية والانفتاح , وتبادل الخبرات , ودور منظمات المجتمع المدني حيث جاء في التقرير: ( إن الفرص سوف تسمح ولو بشكل هامشي لترويج التغييرات الموالية للغرب حتى في الأنظمة المناوئة تقليديا لهذه التغييرات , كما في سورية , وعلى الولايات المتحدة أن تتواصل مع الشعب عن طريق تشجيع الأسواق الحرة , والاتصالات الحرة , والسفر بحرية أكثر .. إن الولايات المتحدة بتركيزها على أسلوب الحكم الجيد والشفافية ومساءلة الحكام والمسئولين تستطيع أن تساعد على تطوير شريط إقليمي يكون مواليا للغرب تعدديا وديمقراطيا .. كما عليها أن تساعد المنشقين الموثوق بهم من تلك الدول الذين يحتاجون إلى منصة يطلعون العالم من خلالها على ظروف بلادهم ..) ، هل لاحظنا ما يجري من حولنا الآن على ضوء هذا التقرير ؟ إننا نقرأ ونطالع كل يوم انجازات معينة مرفوضة عندنا قوميا وهي تتطابق مع التوصيات الواردة فيه ومن ذلك مثلا - إثارة التناقضات الداخلية وهو ما نلمسه على المستوى السوري و اللبناني رغم أن الرئيس الأسد في حديثه مع صحيفة " لاريبابليكا "الايطالية رأى ( أن التوتر يتصاعد إلى درجة تجعله الآن يتوقع هجوما على بلاده.. وأن واشنطن تمارس ضغوطا على دمشق تماثل تلك التي مارستها على بغداد قبل غزو القوات الأمريكية للعراق. ) و يبقى لنا أن نعلق هنا بأنه إذا كان النظام السوري قد خطط ونفذ عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري وإذا كان نفس النظام قد مول المقاومة العراقية واحتضنها ووجهها ضد قوات الاحتلال الأمريكي في العراق وإذا كان النظام السوري قد حرض فصائل المقاومة الفلسطينية على تنفيذ عمليات استشهادية في إسرائيل فهذا النظام عليه أن يغير اسمه إلى سوريا العظمى وان يطالب بمقعد دائم في مجلس الأمن أسوة بالدول الكبرى دائمة العضوية لان هذه الاتهامات الأمريكية –الإسرائيلية إذا صحت فهذا يعني أن سوريا فعلت ما لم تجرؤ كوريا على فعله ولم تجرؤ روسيا على أن تفعل واحدة مما اتهم به النظام السوري. وكما أن تطبيق الطائف بمعانيه الجديدة هو صيغة وديعة لتطبيق شق من القرار 1559، فإن المطالبة اللاحقة بـ" تدوير حزب الله سياسياً" ستكون صيغة وديعة أخرى لتطبيق الشق الثاني من القرار 1559، أي لاستكمال عملية الانتقال بلبنان من موقع إلى موقع.
الأزمة الحالية في العلاقات السورية – الأميركية نستطيع القول أنه و بعد الحرب الأميركية على العراق ظل التوتر الدائم يحكم العلاقات الأمريكية – السورية رغم محاولة الأخيرة التخفيف من حدة هذا التوتر بين الحين و الأخر و رغم أن هذا التوتر كان قد وصل في بعض الأحيان إلى مراحل خطيرة تجلت بشكل واضح بصدور قانون محاسبة سوريا ثم استصدار أميركا بالتعاون مع فرنسا القرار رقم 1559 القاضي بانسحاب القوات السورية الكامل من لبنان ثم جاءت حادثة اغتيال الحريري لتسرع من وتيرة تدهور العلاقات السورية - الأمريكية، حيث تتالت التصريحات المتشددة بحق سورية، لاسيما تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية و التي اعتبرت أن اغتيال الحريري هو ذروة لسلسلة طويلة من المشاكل مع السوريين والتي تشمل استخدام المسلمين في العراق للأراضي السورية، وتأكيدها بأنه يجب على السوريين أن يفهموا أن الولايات المتحدة جادة بشأن النشاطات التي تنطلق من سورية والتي قد تعرض قوات بلادها للخطر لقد لحق عملية اغتيال رئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري تصعيد غير مسبوق في اللهجة الأميركية ضد سورية وانتقادات مباشرة من الرئيس جورج بوش للدور السوري في لبنان،و الذي اعتبره متخصصون في العلاقات السورية - الأميركية وقريبون من البيت الأبيض مقدمة لعقوبات أوروبية - أميركية مالية ودبلوماسية على دمشق بهدف «عزلها دوليا»، ورأى بعضهم احتمال فتح نافذة لضربة عسكرية )غير مباشرة( تقوم بها تل أبيب بعد تلقيها «الضوء الأخضر» من واشنطن. لكن كل ذلك لم يعني أن الموقف الأميركي من سوريا هو موقف واحد داخل الإدارة الأميركية لاسيما مع تردد أخبار متعددة عن حجم الخلاف بين الاستخبارات الأميركية و"المحافظين الجدد" حول التعامل مع الملف السوري وهو ما أكده عميل الاستخبارات السابق مستشار لجنة الاستخبارات في الكونغرس دانيال بايمان » أن هناك انقسامات في إدارة الرئيس جورج بوش الثانية لجهة تعاملها مع الملف السوري.( ويوضح أنه فيما تفضل وكالة الاستخبارات المركزية (سي.أي.أي) المحافظة على الشراكة الاستخباراتية السورية في الحرب على الإرهاب» والتي ساعدت في اعتقال رموز من تنظيم "القاعدة" وكشف وتعطيل خطط لضرب السفارة الأميركية في كندا، والبحرية الأميركية في البحرين، يدفع تيار المحافظين الجدد وصقور الإدارة في الاتجاه المعاكس. أسباب الأزمة حسب الادعاءات الأميركية : يمكننا التكلم هنا حسب المنظور الأميركي أسباب التأزم الأخيرة في علاقاتها مع سوريا عن أسباب غير مباشرة و أسباب مباشرة ، الأسباب غير المباشرة تندرج في إطار التالي : - الدعم السوري للمقاومة اللبنانية - عدم تحويل سوريا حزب الله إلى حركة سياسية - الوجود السوري العسكري و الأمني في لبنان - عدم تنفيذ سوريا و لبنان للقرار 1559 - إيواء و دعم المنظمات "الإرهابية" الفلسطينية - مساعدة سوريا للبعض في إثارة المشاكل و القلاقل في العراق - عدم ضبط الحكومة السورية لحدودها مع العراق و بالتالي عدم الحيلولة دون تسلل ما أسمتهم بالإرهابيين - إيواء بعض الإرهابيين و عدم التعاون مع المجتمع الدولي في حملته ضد الإرهاب أما السبب المباشر كما أعلنته أميركا على لسان رئيسها و كبار قادة إدارته فهو اغتيال الرئيس الحريري و هو ما يعني بأن دمشق انتقلت( حسب الرؤية الأميركية ) من المنطقة البرتقالية إلى المنطقة الحمراء بل الى منتصف المنطقة الحمراء .بناء على ما سبق ما تسعى أميركا الى تحقيقه هو - تقديم سوريا لجملة من التنازلات (تنازلات قاتلة) - المطلوب من سوريا التآكل الجيوبوليتيكي أي إنهاء الوضع الذي أقامه الرئيس حافظ الأسد لإنقاذ بلاده من التجزئة، الآن ثمة شرق أوسط آخر يبنى، والضغط على دمشق يبلغ مداه، مع تطور الوضع اللبناني على ذلك النحو الدراماتيكي الأميركيون يقولون بانسحاب سوري فوري من لبنان، ولكن ماذا بعد الانسحاب؟ في واشنطن يكثر الحديث مؤخرا في الأوساط العسكرية (البنتاغون) و الدبلوماسية (الخارجية الأميركية ) عن ضربة واسعة النطاق لسورية و هي ليست ببعيدة أبدا ، فالمسألة تتعلق بما يمكن أن يسمى بـ التوضيب الاستراتيجي للمنطقة، و هو ما يعني فعليا بعدم وجود أي ارتباط بين قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 بموضوع تعديل الدستور اللبناني والتمديد ثلاث سنوات للرئيس إميل لحود (وهو ما أشار إليه الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه الأخير في مجلس الشعب السوري ) ، هذه مسألة رتيبة في المفكرة الأميركية، لا بد لسوريا أن تنخرط في العملية الأميركية ، ودون أن تجري محاولة إثارة الحنين الروسي، ولا أيضا التلويح بتفعيل العلاقات مع إيران ، واشنطن كانت تطالب في الآونة الأخيرة من سوريا تطويرا (نحو الأفضل) لمفهوم البراغماتية، ولكن يبدو أن هناك وجهات نظر في العاصمة السورية تعتبر أن التراجع خطوة واحدة أمام الإعصار الأميركي يعني التراجع إلى النهاية، كل ذلك يجب أت يتم عبر ما هو مخطط له عبر عدة مراحل ،المرحلة الأولى تتطلب قطع الخيوط بين دمشق والملف العراقي، وبينها وبين الملف الفلسطيني لكي يتم ترتيب الأوضاع وفق الرغبة الأميركية و المرحلة الثانية الانتهاء من الملف اللبناني السوري ، وبالصورة التي تؤدي إلى عزل سوريا جيوبوليتيكيا أو بالأحرى إلى تآكلها جيوبوليتيكيا . إذا لا مجال للقول بإمكانية تطبيع العلاقات بين واشنطن ودمشق إلا إذا قدمت هذه (حسب ما تدعوها الدبلوماسية ) بـ التنازلات القاتلة ، سوريا تبقى داخل حدودها، يتطور نظامها السياسي وفقاً للوصفة الأميركية الجاهزة، تتعاون مع الولايات المتحدة استراتيجياً بشأن العراق، أما في ما يتعلق بموضوع السلام مع إسرائيل، فالمطلوب من سوريا تفكيك حزب الله في لبنان، وقطع أي علاقة لها بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي، وبالطبع فك التلازم بين المسار اللبناني والمسار السوري، فالدولة اللبنانية (حسب المزاعم الأميركية ) ينبغي أن تستعيد شخصيتها وتبني سياستها الخاصة، وبكل بساطة، وكما قال سلفان شالوم ، فإن لبنان سيكون الدولة العربية الثالثة التي تبرم معاهدة سلام مع إسرائيل، حتى إذا ما حدث هذا أصبح بالإمكان إقامة نوع من الكونفديرالية (إسرائيل، الأردن، لبنان، الأراضي الفلسطينية)، وهو ما يضمن أوتوماتيكيا، حل المشكلات الأساسية التي تعترض أي ترتيب نهائي للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين: واحتواء مشكلة فلسطينيي الشتات بتوطينهم في لبنان (الذي قد يحدث تعديل في صيغته الدستورية الراهنة)، وتجاوز قضية القدس باعتبارها ستصبح مركز الحالة الكونفديرالية، وبالطبع لن تكون هناك مشكلة حدود أومياه خيارات واشنطن واشنطن اتخذت الإجراءات التي تعتبرها ضرورية في علاقاتها مع سوريا في هذه المرحلة وستبحث الخيارات الأخرى المتاحة. و التي تتجه نحو : - اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية ضد سوريا تشمل مزيدا من العقوبات الاقتصادية، وقد تصل إلى تفويض الجيش الأميركي بالعراق للقيام بعمليات ملاحقة للمسلحين عبر الحدود السورية. - إعادة التلويح بقانون محاسبة سوريا و الذي يتيح فرض المزيد من الإجراءات العقابية على دمشق. (تشمل العقوبات المقترحة في مشروع قانون محاسبة سوريا قائمة ممنوعات، هي منع الصادرات الأميركية باستثناء السلع الغذائية والأدوية, ومنع الشركات الأميركية من الاستثمار في الاقتصاد السوري, وتقييد حركة الدبلوماسيين السوريين, وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ) - تجميد الممتلكات تحت الوصاية الأميركية التابعة للحكومة السورية أو مقربين منها، إضافة ووقف حركة الطيران المتبادلة بين البلدين والتي أنزلها بوش في أيار (مايو) الفائت
- استدعاء السفيرة الأميركية في دمشق و الذي اعتبرته وزيرة الخارجية الأميركية بأنه نتيجة لتدهور العلاقات بين البلدين . - التلويح بالعصا العسكرية الأميركية المدعومة أوروبيا و دوليا ضد سوريا ما لم تستجب تلك الأخيرة لكل المطالب الأميركية .
المطالب الأمريكية من سوريا : (كما جاءت على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش) - عدم استخدام الأراضي السورية من اجل إثارة الفوضى والقضاء على الأرواح في العراق - العثور على مؤيدي نظام صدام وتسليمهم للعراق، - ألا تستخدم أراضيها من اجل دعم المجموعات الإرهابية، - الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1559 القاضي بإخراج كامل قواتها من لبنان، - والسماح بحدوث انتخابات حرة وعادلة في لبنان - تجريد حزب الله من سلاحه و تحويله إلى حركة سياسية - عدم التدخل السوري و بشكل نهائي في لبنان
التعامل السوري مع الأزمة انطلاقا من سياستها المرتكزة على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع أميركا و انطلاقا أيضا من رغبتها في تهدئة الأزمة الحالية مع أميركا و عدم الدفع بها إلى حدود الانفجار و تأكيدا على تنفيذها لكامل التزاماتها (حسب اتفاق الطائف ) و حرصها على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية (رغم إقرارها بعدم قانونية القرار 1559 )عملت سوريا على تهدئة الأزمة و عدم الدفع باتجاه تصعيدها و ذلك من خلال إعلانها عن الانسحاب السوري الكامل من لبنان إلى سهل البقاع كخطوة أولى و من ثم إلى الحدود السورية اللبنانية كخطوة ثانية يتم الاتفاق عليها خلال اجتماع المجلس السوري اللبناني ، بما لا يناقض أسسها و ثوابتها القومية أولا و الوطنية ثانيا و لتنزع بذلك (كما أسلفنا) فتيل الأزمة الذي تذرعت به أميركا ، و لتسحب من مجلس الأمن و الأطراف الدولية التي لعبت دورا هاما في تسعير أزمتها كافة ذرائعهم التي اعتمدوا عليها في إدانة الموقف السوري ، و لتثبت من جانبها عقلانية سياسية تقيها من شرور السياسة الأميركية .
مستقبل العلاقات الأميركية السورية كثيرا ما كانت تثار مسألة أن العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا و رغم ما تبلغه أحيانا من ذروة التوتر إلا أنه سرعان ما يعاد ترتيب الأمور بين الدولتين لتعود العلاقات بينهما سواء بتوسط هذه الدولة أو تلك،أو حتى أحياناً من دون أي طرف ثالث؟. و رغم أن البعض يذهب إلى القول بأن الأزمة في علاقات البلدين هذه المرة تأخذ طابعا أخر و تحيط بها ظروف أخرى قد تجعل من هذا القول غير قابل للتحقيق خاصة وأن ثمة إدارة أميركية الآن يتقاطع فيها الإيديولوجي مع الاستراتيجي تدير هذه الأزمة ، لاسيما مع المعاني التي يحملها مشروع الشرق الأوسط الكبير، وكيف هو الاتجاه لمعالجة الأزمات ولترتيب أوضاع بعض الدول ،فسوريا الآن لا تستطيع أن تكون سوريا من سنوات ، والولايات المتحدة في عمق المنطقة . (العراق يبدو على حدود كل دول المنطقة). رغم جميع هذه المؤشرات نستطيع القول أن ثمة ما يشير إلى أمكانية عودة الهدوء إلى هذه العلاقات لاسيما بعد السحب السوري لفتيل الأزمة ( إلا إذا كانت الولايات المتحدة ترغب بإعادة تجربة العراق مرة أخرى بشكل سوري ) و هذه المؤشرات يمكن أن نأخذها حتى من تصريحات المسئولين الأميركيين أنفسهم و التي يأتي في مقدمتها : - تصريح باوتشر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ( إن استدعاء السفيرة تم بعد إعلام سورية بذلك وان هذا لا يعني سحباً للسفيرة ولا تخفيضاً لمستوى العلاقات) - مدى التعارض و التناقض أحيانا في المواقف الأميركية ذاتها ،( و هو ما يعتبر مؤشر هام على أن السياسة الأميركية تتعامل مع دمشق بشكل تكتيكي يومي ) فبينما اعتبر الرئيس الأميركي و وزيرة خارجيته أن استدعاء السفيرة هو نتيجة تدهور العلاقات ، اعتبره باوتشر الناطق باسم الخارجية الأميركية بأنه لا يعني سحبا أو تخفيضا للعلاقات ) - تسليم السفيرة الأمريكية بدمشق مارغريت سلوبي رسالة إلى الوزير الشرع خلال لقائها به قبل مغادرتها دمشق و تحميل الشرع رسالة جوابية من خلالها إلى الإدارة الأميركية على القضايا الواردة في الرسالة وعبر عن اهتمامه باستدعاء السفيرة لأنه يشكل فرصة لنقل مواقف سورية مباشرة إلى الإدارة الأمريكية إزاء التطورات في المنطقة.
#أشواق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النفط العراقي و الخصخصة القادمة
-
العلاقات السورية اللبنانية
-
ألية وضع الخطة المالية في المشاريع الاستثمارية
-
قضايا الإصلاح في العالم العربي
-
عراق ما بعد الانتخابات
-
منتدى المستقبل و الاصلاح في العالم العربي
-
الملـف النفطـي في العراق
-
العلاقـات الأميركيـة – السوريــة
-
قراءة في قانون محاسبة سوريا
-
قراءة في الواقع الحالي و المستقبلي لشركة مايكروسوفت وورد
-
قراءة في مشروع الشرق الاوسط الكبير
-
قراءة في الزيارة المرتقبة للرئيس السوري إلى روسيا
-
قراءة في عالم محمد أركون
-
منتدى المستقبل مهادنة مؤقتة بين الإصلاح السياسي و الإصلاح ال
...
-
قراءة ثانية في مشروع الشرق الاوسط
-
قراءة في مفهوم الديمقراطية الشرق أوسطية
-
قراءة ثقافية في مشروع الشرق الأوسط الكبير
-
النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة الاميركية
-
قراءة في العلاقات الاميركية - الاسرائيلية
-
قراءة في قانون محاسبة سوريا
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|