أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خليل كلفت - عملية -عَمُود السَّحَاب- وأقدار مصر وسيناء وغزة بقلم: خليل كلفت















المزيد.....



عملية -عَمُود السَّحَاب- وأقدار مصر وسيناء وغزة بقلم: خليل كلفت


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 3919 - 2012 / 11 / 22 - 09:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



1: ركَّز كثيرٌ من المحلِّلين على موضوع "التوقيت" ("توقيت الحرب الإسرائيلية على غزة")، بطريقة تؤدى إلى تضخيم عامل التوقيت إلى حدٍّ يُوحى أحيانا بأن الوجود المتزامن لعدد من الظروف لم يكن فقط "سبب" .. "توقيت" الحرب، بل كان "سبب" الحرب ذاتها، بمعنى أن ظروفا اجتمعت معا دافعةً إسرائيل إلى الذهاب إلى الحرب. ولا شك فى أن ظروف وأسباب وعوامل "التوقيت" عديدة. ذلك أنه مهما كان العامل الذى يدفع إسرائيل إلى الحرب أصلا ويحدِّد أيضا توقيتها فإن من المستبعد أن تذهب إلى الحرب قبل أن تأخذ فى اعتبارها عوامل ظرفية تساعد وتشجِّع على توقيت محدَّد ملائم وعوامل ظرفية أخرى رادعة أو معرقلة أو غير مواتية لتوقيت بذاته.
2: ومن العوامل التى أشرتُ إليها فى مقالى "غزة وما بعد غزة" (منذ أقلّ من أسبوع)، عوامل حقيقية فعلية وعوامل من نسج الخيال الشعبى الذى تندمج فيه المخاوف المبرِّرة مع أحاسيس هاجس المؤامرة. وعلى سبيل المثال فإن فرضية خطة إيرانية سورية حمساوية لاستفزاز إسرائيل إلى حرب على غزة تخفِّف من الضغوط العربية والإقليمية والدولية الحالية على سوريا تبدو غير مقنعة، فما مصلحة حركة حماس فى تدمير بنيتها هى الأساسية مقابل أىّ ثمن تدفعه لها إيران (مع أن إيران بالطبع هى مصدر تسليح غزة)؟ ثم أين الاستفزاز الكبير الذى قامت به حماس لإسرائيل إلى حدًّ يدفع إسرائيل إلى الذهاب إلى الحرب رغم تكلفتها المادية والبشرية؟! ورغم الرعب الذى لا مناص من أن يعيش فيه سكان جنوب إسرائيل أياما وربما أسابيع رغم الفاعلية المحدودة لصواريخ المقاومة. ولا تبدو مقنعةً كذلك فرضية المؤامرة الإسرائيلية الأمريكية الحمساوية المصرية لترحيل سكان غزة إلى سيناء كوطن بديل، فرغم الاحتمال المنطقى تماما لوجود خطة إسرائيلية أمريكية مشئومة تهدف إلى الاستيلاء على سيناء فى مرحلة ما لترحيل سكان غزة إليها، وفى مرحلة تالية للتوسع الإسرائيلى المباشر، فإنه لا يمكن أن يبدأ تنفيذ خطة كبرى كهذه دون إعداد المناخ العربى والإقليمى والدولى الملائم لتمريرها وبطريقة بالغة الوضوح وليس فى السرّ. وهناك بالطبع مصلحة تحالُف نتانياهو-ليبرمان ومصلحة إيهود باراك، فى حرب يخرجون منها أبطالا قُبَيْلَ الانتخابات الإسرائيلية الوشيكة، وهناك رغبة إسرائيل فى إحباط وإفشال التحرُّك الفلسطينى الوشيك فى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على عضوية فلسطين فيها، وهناك رغبة إسرائيل فى اختبار السلوك السياسى لدول "الربيع العربى" وبالأخص مصر، وهناك رغبة إسرائيل فى ترويض وصهينة وأمركة حكم الإخوان المسلمين فى مصر. وهناك بالطبع احتمال مهم أيضا وهو احتمال إعداد إسرائيل لحرب ربما رأتْها محتومة ووشيكة ضد إيران بضرب غزة (وربما حزب الله) لكىْ لا تكون شوكة فى قدمها عند بدء الحرب.
3: غير أن هناك عاملا يتمثل فى الطابع "الدورى" للعدوان الإسرائيلى لتحجيم وتقليص وتدمير القدرة العسكرية للمقاومة الفلسطينية فى غزة وبالأخص البنية التحتية للقدرة الصاروخية كلما تراكمت خلال عدد من أعوام هدنة متفق عليها أو هدنة بحكم الأمر الواقع. والآن وبعد عملية الرصاص المسبوك (27 ديسمبر 2008-18 يناير 2009) بأربعة أعوام تقريبا من المفهوم جدا أن يكون توقيت الحرب نابعًا من طابعها "الدورىّ" الضرورى ما دام من الصعب أن نتصور أن تقف إسرائيل مكتوفة الأيدى بدلا من المبادرة إلى تدمير القدرات الصاروخية المتعاظمة لفصائل المقاومة الفلسطينية فى غزة.
4: ويمكن القول إن المعادلة القائمة الآن تتمثل فيما يلى: غزة باقية تحت الحصار البرى والبحرى والجوى الذى تفرضه إسرائيل، وهى مُجبرة، بحكم علاقات القوة العسكرية بينها وبين إسرائيل، على الرضوخ لفترات من الهدنة الرسمية أو الفعلية، إلا أن قدرتها على التزوُّد بأسلحة وتصنيع أسلحة فى فترات الهدنة ليست معدومة. ومن خلال تهريب الأسلحة عبر أنفاق سيناء (وهى الأسلحة الآتية من إيران أو الآتية بتمويل إيرانى، كما أكد رمضان شلَّح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامى) وكذلك من خلال تزوُّد فصائل المقاومة الفلسطينية بالمعرفة التقنية فى مجال التصنيع المحلى لصواريخ وأسلحة أخرى، تستطيع هذه الفصائل أن تُعِيد بناء قدرتها وربما تحسينها وتطويرها. ورغم أن من مصلحة إسرائيل أيضا أن تتمتع بفترات الهدنة، ورغم اضطرارها أحيانا لأسباب ظرفية تمنع الهجوم على غزة مثل الرغبة فى سلامة الجندى الإسرائيلى الأسير شاليط إلى عقد هدنة ممتدة، إلا أنه لا مناص من لجوء إسرائيل من وقت لآخر إلى هجوم واسع النطاق على غزة لتدمير القدرة العسكرية التى تكون قد تراكمت فى فترة الهدنة. ومن هنا هذا الطابع "الدورى" للحرب على غزة لقطع الطريق على تطور قدرتها العسكرية حتى لا تشكِّل خطرًا ما على إسرائيل. وهذا هو العامل الرئيسى وراء الحرب وكذلك وراء تحديد توقيتها مع أخذ الأوضاع الظرفية الحقيقية فى الاعتبار.
5: وتحتاج إسرائيل أثناء الحرب، بطبيعة الحال، إلى مناورات ديپلوماسية تقوم بتوظيفها فى خداع فصائل المقاومة بإخفاء النوايا المتمثلة فى أنها لن توقف الحرب مطلقا قبل أن تحقق مهمتها "الدورية" التى يستحيل أن تتراجع عنها، ورغم إدراك هذه الفصائل لحقيقة النوايا الإسرائيلية المستنتجة من تجاربها السابقة مع إسرائيل، فإنها لا تمانع فى الاستجابة لمساعى استعادة وتثبيت الهدنة إذْ يداعبها بصيص أمل فى أن تكون ضغوط الوسطاء على إسرائيل قادرة على وقف العدوان. والحقيقة أن علاقات القوة العسكرية بين إسرائيل وفصائل المقاومة، رغم خطاب العنتريات، بل رغم استخدام القدرات الصاروخية وغير الصاروخية المحدودة الفاعلية على كل حال (بعض الأضرار المادية، سقوط عدد من الجرحى، سقوط عدد قليل من القتلى)، لا تحارب فصائل المقاومة حربها الدفاعية العادلة بصورة فعالة (مهما كانت البطولات والتضحيات) بل تظل تتلقَّى الضربات من الجو والبر والبحر إلى أن تكون إسرائيل قد حققت أهدافها من عمليتها العسكرية، فتكون مستعدة لعقد هدنة جديدة وتنفيذها. ومن هذا الثقب الضيق لحاجة كلٍّ من إسرائيل والمقاومة إلى وُسطاء يدخل هؤلاء لحمل الرسائل التخديرية الخداعية الخادعة للفلسطينيِّين والعرب فى المرحلة السابقة لتحقيق أهداف الحملة العسكرية، ولحمل الرسائل الحقيقية وإجراء المفاوضات الحقيقية بين الطرفين "المتحاربيْن" بعد تحقيق تلك الأهداف.
6: ومن البداية إلى النهاية يدخل الوسطاء على الخط، ويتمثل الوسيط الرئيسى، الطبيعى والمنطقى، فى حالة الصراع بين إسرائيل وحماس فى مصر. وتدفع مصر إلى الهرولة للوساطة عوامل متنوعة. ذلك أن مصر طرف أصيل فى الصراع بأسبابه ونتائجه فى كل الأحوال. فمصر هى الدولة الوحيدة ذات الحدود المشتركة مع غزة وإسرائيل عند نفس الخط، وتؤثر الضربات الإسرائيلية الموجَّهة ضد غزة على حياة ومبانى ومنازل رفح المصرية، وقد تحدث إصابات مباشرة محرجة لمصر، وقد تتطور الأمور إلى احتلال إسرائيلى مؤقت أو ممتد لمحور صلاح الدين (محور فيلادلفيا) وهو شريط من أرض غزة يمتد على طول الحدود بين غزة ومصر (بطول 14 كيلومترا)، وقد تحدث مطاردات إسرائيلية لجماعات جهادية فلسطينية أو مصرية فتشتبك معها داخل سيناء، ومما لا يمكن تفاديه أن يؤدى اجتياح برى محتمل على نطاق واسع إلى انتقال سكان غزة إلى سيناء كما حدث أثناء عملية الرصاص المسبوك منذ قرابة أربعة أعوام، وتقوم السلطات المصرية فى الوقت الحالى بإقامة معسكرات فى شمال سيناء لاستقبال اللاجئين المحتملين من غزة بدلا من تركهم أياما أو أسابيع فى العراء فى برد الشتاء القارس، كما حدث فى العملية السابقة. فمصر إذن متورطة بصورة أو بأخرى فى الحرب، وفى هاجس المخططات الإسرائيلية لسيناء، والأخطر، فى سياق هذا الهاجس، أن يمتد الحصار الإسرائيلى لسكان غزة من غزة إلى سيناء عند نزوحهم إليها، وأن تصير سيناء مسرحا للحروب الإسرائيلية "الدورية" على سكان غزة فى سيناء. ورغم أن سيناء تحت الحصار الإسرائيلى أصلا وفقا لمعاهدة السلام فإن التزام مصر ببنود المعاهدة كان يجعل سيناء بمنأى عن عمليات عسكرية إسرائيلية إلا فى حدود ضربات محدودة عند الضرورة كردّ فعل على نشاط يمس إسرائيل فى سيناء.
7: وفى حالة تحوُّل سيناء إلى غزة الجديدة (وفقا لهاجس منتشر الآن فى مصر) ستكون مصر إذن (شاءت أم أبتْ) فى اشتباك عسكرى ممتد بمستويات متعددة مع إسرائيل، غير أن هذا الاشتباك العسكرى الممتد مع إسرائيل قابل للحدوث حتى بدون نزوح فلسطينى من غزة: مع المزيد من صوملة سيناء وسيطرة المنظمات الجهادية المتطرفة المسلحة على مناطق أمامية فى سيناء.
8: ومن المهم أن نقف هنا قليلا لنتأمل مسألة الحصار وما يسمَّى (بلاغيًّا) بإنهاء أو كسر الحصار. هناك حصار إسرائيلى صارم على كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك على سيناء. وهو حصار مفروض على هذه الأراضى الثلاث بنفس المنطق ولنفس الهدف، وهو حصار لا سبيل إلى فكِّه طالما استمرت علاقات القوة الحالية بين إسرائيل من جهة والفلسطينيِّين والمصريِّين من جهة أخرى. ذلك أنه حصار يتمثل هدفه المشترك فى أمن إسرائيل وأمانها وتأمينها وتحصينها من أىّ هجوم فلسطينى أو مصرى، كبُر أم صغُر.
9: وتماما مثل حصارها على كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة، تفرض إسرائيل حصارها على سيناء وفقا لمعاهدة السلام، وهو حصار لا يمكن إنهاؤه أو كسره إلا بإلغاء معاهدة السلام، وهو أمر لا يمكن تصوُّره فى ظل غياب الإرادة السياسية والقدرة العسكرية من جانب مصر. ولا يقتصر حصار سيناء على مناطقها الأمامية، بل يشمل الحصار سيناء كلها التى تقع شرقىّ قناة السويس وفقا لبنود وترتيبات المعاهدة التى تجعل من سيناء منطقة عازلة بين مصر وإسرائيل لضمان وتأمين أمن وأمان إسرائيل. ويرتبط حصار إسرائيل لسيناء ارتباطا وثيقا بمحاصرة مصر كلها فالمفروض عليها، بالإضافة إلى تأمين الحدود الآمنة والاعتراف بحق إسرائيل فى الوجود على أرض فلسطين (وهو وجود يمتد إلى أراضٍ اُحْتُلَّتْ فى يونيو/ حزيران 1967 بحكم الانسحاب من أراضٍ وليس من الأراضى) يشمل التطبيع، وعدم الدخول فى أىّ اتفاقيات أو معاهدات أو تحالفات تتعارض مع المعاهدة، كما تُحاصر إسرائيل الجيش المصرى بوقف نموِّه ما دام تسليحه وتدريبه موكولان إلى الحليفة الإستراتيچية لإسرائيل: الإمپراطورية الأمريكية، وتُحاصر الاقتصاد المصرى بحكم الارتباط الوثيق بين الالتزام بالمعاهدة والعلاقات الاقتصادية بين مصر والغرب الأمريكى والأوروپى، وكذلك بحكم العلاقات الاقتصادية المباشرة مع إسرائيل مثل اتفاقية تصدير الغاز إليها واتفاقية الكويز بشأن المكوِّن الإسرائيلى فى الصادرات المصرية إلى أمريكا دون جمارك أو حصص. وتتمثل غاية هذا الحصار العسكرى (وغير العسكرى) على سيناء كمنطقة عازلة بل على مصر كلها، على سيادتها وإرادتها وجيشها واقتصادها، فى إبقاء مصر عاجزة تماما وبصورة إستراتيچية مستقرة عن إزعاج أمن إسرائيل. غير أنه حتى إذا ظلت مصر كدولة عاجزة عن إزعاج أمن إسرائيل فإن التدهور المتواصل فى اتجاه صوملة سيناء بما فى ذلك تحوُّلها إلى مركز للجماعات الجهادية المسلحة وتنظيم القاعدة لن يعجز عن إزعاج الأمن المقدّس لإسرائيل. وهنا تقع مصر بين نارين: العجز عن أىّ مواجهة مع إسرائيل، والعجز عن تطوير سيناء مما يؤدى إلى صوملتها وبالتالى احتمال توريطها فى مواجهة غير متكافئة مع إسرائيل.
10: وهذا الاحتمال وارد وقائم، كما سبق القول، بغزة وبدون غزة، بل حتى لو كانت غزة غير موجودة أصلا على الخريطة بين مصر وإسرائيل. وهنا تطفو على السطح أسطورة الأمن القومى المصرى. وقد برز هذا التعبير المضلل فى مصر بعد انقلاب 1952 العسكرى، حيث كان الأمن الوحيد القائم هو الأمن الإمپراطورى البريطانى فى مصر. ويتضح الطابع الأسطورى لهذا الأمن القومى المصرى المزعوم من حقيقة أن مصر ظلت بعد ذلك الانقلاب العسكرى منذ ستين عاما إما محتلة من يونيو 1967 إلى أپريل 1982، أىْ طوال 15 عاما (ولم تَعُدْ طابا إلى مصر إلا فى مارس 1989)، وإما تحت الحصار الذى أشرنا إليه منذ قليل بموجب معاهدة السلام (مارس 1979) أىْ بلا سيادة كاملة على سيناء وعلى مصر كلها إلى الآن، أىْ طوال قرابة ثلاثة وثلاثين عاما، وإلى أجل غير مسمًّى، أىْ أن مصر ظلت تحت الاحتلال وتحت حصار معاهدة السلام طوال 45 عاما من أصل 60 عاما منذ ما يسمَّى ب "ثورة" 1952، بالإضافة إلى استمرار الاحتلال البريطانى حتى 1956، والإسرائيلى خلال فترة 1956-1957 نتيجة لحرب السويس، وهذه 6 أعوام أخرى، وهذا يعنى أن مصر لم تكن بدون احتلال عسكرى مباشر وبدون "احتلال" بمعاهدة السلام إلا فى فترة 1957-1967، أىْ حوالى 10 أعوام منذ "ثورة العسكر" إلى يومنا هذا، وقد شهدت هذه الأعوام أيضا التورط المصرى الذى بدأ فى 1962 فى حرب اليمن ولم يكتمل الانسحاب إلا فى 1970، وكانت مغامرة حرب اليمن من عوامل هزيمة 1967 والاحتلال الإسرائيلى، وليس هناك إذن سوى 5 أعوام بدون احتلال أو حرب ضاعت بدورها بجانبها الأكبر فى مغامرة الوحدة المصرية- السورية. وإذا كان التورط فى هاتين المغامرتيْن قد حدث فى إطار ارتباط "الأمن" القومى المصرى بالأمن القومى العربى والقضية القومية العربية والوحدة القومية العربية، وكذلك الانزلاق فى إطار نفس الارتباط الأمنى المصرى العربى إلى التورط فى حرب 1967 لحماية سوريا من حشود إسرائيلية مزعومة قيل إنها كانت تستعد للعدوان عليها، فإن كل هذا يوضح الطابع المتهافت لمقولة الأمن القومى المصرى بوصفها مجرد خطاب عنترى، والحقيقة أنه لا مكان بصورة حقيقية لصدق تعبير الأمن القومى أو الإمپراطورى إلا فى بلد صناعى متقدم حقا ومستقلّ حقا ويمتلك قدرة عسكرية ذات شأن.
11: ولتأمين أمن وأمان إسرائيل أيضا تحاصر إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة. وإذا كان الصوت العالى يتحدث عن حصار غزة (لأن العمليات العسكرية الواسعة ضدها هى الوحيدة الجارية ضد الشعب الفلسطينى منذ مواجهات الانتفاضتيْن الفلسطينيتيْن الكُبْرَيَيْن فى الضفة الغربية) فإن حصار الضفة الغربية بدوره قائم بل أشدّ خطورة أيضا. ذلك أن الضفة الغربية محاصرة بقوات جيش الدفاع الإسرائيلى من كل الجهات شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وتُحكم إسرائيل بالتالى سيطرتها على الضفة أكثر من غزة بفضل الحدود المشتركة بينها وبين مصر، ببوابة رفح وأنفاقها، وقد التهمت المستوطنات الفلسطينية أكثر من 40 فى المائة من أراضى الضفة الغربية، بالإضافة إلى تمزيق أراضى الضفة بمختلف التدابير الأمنية ومنها الجدار الفاصل. ويعتمد اقتصاد الضفة الغربية بجانبه الأكبر على إسرائيل من حيث التجارة والعمالة الفلسطينية فى إسرائيل. ومنذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) التى بدأت فى 8 ديسمبر 1987 واستمرت سنوات حتى اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية فى 1993، والانتفاضة الفلسطينية الثانية، أو انتفاضة الأقصى، التى بدأت فى 28 سپتمبر 2000 وصارت انتفاضة مسلحة واستمرت بدورها سنوات، وكانت محصلة هاتين الانتفاضتين آلاف الشهداء، وعشرات الآلاف من الجرحى،.. منذ هاتين الانتفاضتين... يعيش سكان الضفة الغربية حياة تشبه مجرد "البقاء"، عاجزين بحكم علاقات القوة عن التحرير، وعن وقف الاستيطان، فى انتظار غدٍ أحلك سوادًا من اليوم لا يحمل بشارة بل يحمل رياح الترانسفير العاتية خاصة فى حالة التمرد لسكان يمثلون قنبلة ديموجرافية فى نظر إسرائيل، فيما تُواصل السلطة الفلسطينية جهودها العبثية فى سبيل التوصُّل إلى تسوية للقضية الفلسطينية على أساس قيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967 بجوار دولة إسرائيل. ولضمان أمن وسلامة إسرائيل فإنه لا مناص من أن تظل الدولة الفلسطينية المنشودة فى الضفة والقطاع منزوعة السلاح، ولكىْ تبقى منزوعة السلاح بصرامة فإنه لا مناص من مواصلة الحصار الصارم إلى أن يأتى وقت الترانسفير (ذلك أن "لكل شيء زمانٌ ولكل أمر تحت السماوات وقت"، كما قال الجامعة فى الآية الكريمة الأولى من الأصحاح الثالث من سفره الشهير فى العهد القديم)، وفى حالة الترانسفير/ الترحيل سوف ينتقل الحصار إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن وإلى سيناء. ويعنى هذا بوضوح أنه طالما احتفظت إسرائيل بتفوقها العسكرى (وهى لا تستطيع الاستمرار فى مجرد البقاء بدون هذا التفوق) سيكون الحصار قائما متواصلا، وسينتقل إلى أراضٍ جديدة، مفروضا من إسرائيل التى ستكون قد ضمَّتْ إلى تربتها "القومية؟" المقدسة أراضى الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلة فى حرب 1967.
12: وينطبق على غزة نفس القانون المقدس المتمثل فى أن مقتضيات ضمان أمن وسلامة إسرائيل تُوجب الحصار الصارم على غزة، إلا أن غزة وسيناء مرتبطتان بالضرورة بحكم الجغرافيا منذ القِدَم، وبحكم الأساطير التوراتية المكوِّنة لأيديولوچيا الدولة اليهودية فى إسرائيل من النيل إلى الفرات، ولكنْ قبل كل شيء بحكم أمن إسرائيل الأكثر أهمية وقداسة من الجغرافيا والأيديولوچيا معا. وأسطورة إنهاء أو كسر الحصار عنصر أساسى فى بلاغة خطاب العنتريات الفلسطينية غير أنه لا سبيل إلى رفع الحصار ولا حتى إلى تخفيفه. ذلك أن التخفيف يتعارض مع الحصار الصارم الذى من شأنه أن يوقف تماما نموّ القدرة العسكرية للمقاومة الفلسطينية فى غزة؛ وفى سيناء الآن وفى المستقبل بعد الترانسفير (انظرْ المخطط الصهيونى لسيناء كما جاء فى التقرير الذى أعدَّه جيورا آيلاند مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق لمعهد بيجن-السادات، والذى كشفت عنه الدراسة التى أعدها مركز الدراسات الإستراتيچية للقوات المسلحة المصرية بأكاديمية النصر).
13: وانطلاقا من الإدراك الواضح للأبعاد الخطيرة للصراع الإسرائيلى العربى (الفلسطينى-المصرى) تهرول مصر التى صارت على بيِّنة من قدرها الذى لا فكاك منه إلى الوساطة كلما نشب صراع فى غزة، بهدف إقرار صفقة تهدئة جديدة وعقد هدنة جديدة. وهى لا تملك إلا أن تستميت فى وساطتها من أجل وقف الحرب وإتمام صفقة عقد الهدنة الجديدة التى تتمناها طويلة بل حتى أبدية ("إنْ أمكنا")! ولكنها تحلُم أحلام يقظة عندما تتمنى الهدنة الطويلة وناهيك بالأبدية. فالهدنة الطويلة تسمح للمقاومة فى غزة بتطوير قوتها الصاروخية وغير الصاروخية. ولهذا فإن العمليات العسكرية الإسرائيلية الدورية ضد غزة لن يوقفها سوى التوقف الكامل لنموّ القدرة العسكرية الصاروخية وغير الصاروخية لكل فصائل المقاومة الفلسطينية فى غزة. ولا يمكن ضمان ذلك إلا بواحدة من وسائل إستراتيچية كبرى تعيد إنتاج الأخطار ذاتها. أولى هذه الوسائل قيام إسرائيل باحتلال غزة من جديد مثلما تحتلّ الضفة الغربية لضمان وقف نموّ القدرة العسكرية غير أن إسرائيل لا تريد هذا الحلّ لارتفاع تكلفته المادية والبشرية بصورة تفوق طاقتها على الاحتمال حتى لأعوام تقوم فيها بترويض وتصفية المقاومة فى غزة كما فعلت بنجاح كبير فى الضفة الغربية بعد تحطيم انتفاضاتها مع دفع ثمن إسرائيلى بشرى ومادى كبير. وتتمثل الوسيلة الثانية فى قيام إسرائيل بإجراء فكّ ارتباط بينها وبين غزة بحيث يجرى عقد صفقة مع مصر تقوم مصر وفقا لها باستلام قطاع غزة كوديعة من جديد وبالتالى باحتلال غزة وتنفيذ المهمة الإسرائيلية المتمثلة فى وقف نموّ القدرة العسكرية للمقاومة الفلسطينية وترويض وحصار وتصفية هذه المقاومة، وهو سيناريو مستبعد لأن مصر لا تملك القدرة على هذا، بل لا تملك القدرة على ضبط الجماعات الجهادية فى سيناء، وكذلك لأن أىّ نظام حاكم فى مصر سوف يعانى من ردّ الفعل الشعبى المصرى والعربى والعالمى بحيث لا ينعم بالاستقرار والاستمرار ويؤدى إلى إسقاطه. والسيناريو الثالث هو الترانسفير/ الترحيل إلى سيناء وهو سيناريو وارد بحكم الجوع الصهيونى إلى الأرض، والذى يشمل أراضى الضفة والقطاع، وبحكم الكثافة السكانية فى غزة، والتى تمثل أعلى كثافة سكانية فى العالم الأمر الذى يهدِّد بالضرورة فى مستقبل مرئىّ بالتدفق إلى خارج غزة وليس الاتجاه الوحيد الممكن سوى سيناء. وفى سياق هذا السيناريو الذى يوجد بالفعل مخطط إسرائيلى به، وهو ما يؤدِّى إلى أن ينتشر الآن، إنْ لم يكن يسود، فى مصر هاجس كابوسى بشأنه وبالأخص منذ بدء عملية "عَمُود السحاب". ويعنى هذا السيناريو الكئيب قيام إسرائيل ومصر معا بالمهمة الإسرائيلية المصرية المشتركة ضد سكان سيناء الفلسطينيِّين وسكان سيناء "الأصليِّين" ("المصريِّين") فى آن واحد. وكما سبق القول فإن هذا السيناريو مؤجَّل، فلا مفرّ إذن من أن تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية "الدورية" فى غزة، وأن تواصل مصر بدورها عملياتها العسكرية فى سيناء التى تستفحل صوملتها بكل أعراضها المسلحة الجهادية والقاعدية (مع أن الحل الأمنى الخالص مصيره الإخفاق)، مع باب مفتوح لاستمرار تدخلات عسكرية إسرائيلية، تكبُر أو تصغُر وفقا للضرورة، فى سيناء التى يجرى "الآن" تأكيدٌ إسرائيلى ونفىٌ مصرى لانطلاق صاروخ جديد منها نحو إسرائيل.
14: ومن المهم إبداء ملاحظة هنا، وهى تتعلق بمشاعر سلبية متزايدة تتولد وتتعاظم لدى كثير من المصريِّين ومنهم مواطنون من سيناء بسبب هاجس أطماع إسرائيل فى سيناء كوطن بديل لسكان غزة فى المرحلة الأولى، وهو سيناريو الترانسفير. وقد تضاعفت هذه المشاعر السلبية بسبب وجود الإخوان المسلمين فى الحكم هنا فى مصر وهناك فى غزة، بالإضافة إلى أشياء أخرى فى الخطاب المصرى على مستوى الرئاسة، منها أولوية خاصة لغزة يتكرر الحديث عنها بصورة تستفز كثيرين فى مصر على خلفية أزمات متنوعة فى مصر منها أزمة المشتقات النفطية. وأعتقد أنه لا مبرِّر لمثل هذه المشاعر؛ أولا: لأن سيناريو الترانسفير/ الترحيل لا يجرى تنفيذه فى الوقت الحالى فليس هناك خطر وشيك من هذا النوع، ثانيا: لأن الجوار الجغرافى بين مصر وفلسطين (وغزة بالذات) فى وجود دولة إسرائيل صار قدرا لا مفرّ منه فى الماضى والحاضر والمستقبل وحتى نهاية الزمن مهما كان نوع النظام الحاكم فى مصر، بالإضافة إلى أن الهزائم التى جلبتها حروب مصر مع إسرائيل وكذلك أطماع إسرائيل فى أرض سيناء المقدسة وكذلك الصوملة المتفاقمة لسيناء تجعل الصدام مع إسرائيل واردا بغزة وبدون غزة، ثالثا: لأن الفلسطينيِّين لم يُلحقوا بنا أىِّ ضرر، بل نحن الذين ألحقنا بهم الأضرار (خاصة بحكم مسئولية مصر عما حدث ويحدث لهم منذ حرب 1967 التى أوقعتهم فى قبضة إسرائيل وقد تصيبنا عقدة الذنب عندما ندرك أبعاد دور مصر فى البؤس الحالى للشعب الفلسطينى، مع أن جمال عبد الناصر لم يقصد ذلك على الإطلاق بل ضاع الشعب الفلسطينى فى الضفة والقطاع وضاعت سوريا فى الجولان مع ضياع مصر قبلها جميعا)، فهم يستحقون منا إذن كل التعاطف والتأييد والعون.
15: ومن ناحية أخرى يجرى الحديث الآن عن اتفاق تهدئة تم التوصل إليه سيتم إعلانه فى التاسعة من مساء اليوم الثلاثاء (20 نوڤمبر) بتوقيت القاهرة، ويبدأ تنفيذه عند منتصف الليل، مع تصريحات إسرائيلية بأن هذا الاتفاق ليس نهائيا، بل سيتم اختبار التزام غزة به على مدى يوم كامل (24 ساعة). ونحن لا نعلم شيئا عن أُسُس وتفاصيل الاتفاق، لنعرف بماذا قبلت حماس، غير أن من الصعب تصوُّر صموده أمام رغبة إسرائيل فى إتمام العمل الذى بدأته، وأمام مقتضيات عدم الإضرار بالحملة الانتخابية للتحالف الحاكم فى حالة عدم إتمام هذا العمل، لأن التهدئة ستكون فى هذه الحالة "انتصارا سياسيا" لغزة وبالتالى "هزيمة سياسية" لإسرائيل، وربما أمام مدى قدرة غزة على أن تكظم غيظها فتتجه إلى الرضوخ، بعد خطاب عنترى عن "فتح أبواب الجحيم" على إسرائيل. ومهما يكن من شيء فإن نجاح أىّ تهدئة اضطرارية فى الصمود طويلا أمر مشكوك فيه. والأهم هو الاتجاه العام الذى لا يمكن إلا أن يجعل أىّ تهدئة أو هدنة مجرد جملة اعتراضية لوقت لا يستمر طويلا. ومن المحتمل أن تقصد إسرائيل بالاتفاق على تهدئة عابرة مع غزة وبدء تنفيذها، ضربةً إعلامية تدل على مرونتها ورغبتها فى إعطاء فرصة للسلام مهما كانت النوايا التى تُخفيها والمبررات التى سوف تتذرع بها بعد ذلك لاستئناف عمليتها العسكرية. والآن وبعد مرور التاسعة التاسعة مساءً وكذلك منتصف الليل بدون الإعلان عن أىّ اتفاق تهدئة وناهيك بتنفيذه، تتواتر من غزة وإسرائيل أنباء الفشل فى التوصل إلى اتفاق، ونعلم من نتانياهو و هيلارى كلينتون أن إسرائيل والولايات المتحدة ستعملان مع مصر على التوصل إلى تهدئة خلال الأيام المقبلة! وكم كان الرئيس محمد مرسى متسرِّعًا كعادته عندما أعلن أمس الثلاثاء أثناء دفن جثمان المرحومة شقيقته بشارته التى أكد فيها أن الحرب على غزة ستنتهى بعد ساعات فى نفس اليوم (الثلاثاء) بفضل جهود الوساطة، التى يُوحى بأنها جهوده فى المحل الأول.
16: والحقيقة أن دور الرئاسة المصرية كان بالغ السوء فى بعض مراحل الوساطة وحتى قُبَيْلَ الحرب، فقد قامت إسرائيل بتوظيفها فى طمأنة حماس إلى أنها تراجعت عن العملية العسكرية التى كانت تهدِّد بها مع أنها كانت تخدع بذلك مصر وحماس معًا؛ الأمر الذى أدى إلى حالة استرخاء بعد حالة استنفار من جانب فصائل المقاومة وترتبت على تلك الطمأنة الخداعية خسائر حقيقية. وقد تمثَّلَ الطابع العام لوساطة رئاستنا فى توظيف نفوذ الإخوان المسلمين المصريِّين لدى الإخوان المسلمين الحمساويِّين لتشجيع استعدادهم الأصلى للتوصل إلى وقف العدوان بأىّ ثمن، وهذا ما حدث بالفعل حيث كان على غزة أن تكظم غيظها فتبلع خسائرها الفادحة فى قادتها ومقاتليها وشيوخها ونسائها وأطفالها وصواريخها ومرافقها ومبانيها لتتفادى المزيد والمزيد من الخسائر (تجاوزت الخسائر البشرية 160 من الشهداء و1200 من الجرحى). وبالطبع فإنه لا يمكن لعاقل أن يطالب مصر بالحرب دون استعداد، ولكن من حقنا أن نطالبها بأن تكفّ عن التباهى بدور عظيم ومشرِّف قامت به وساطتها.
17: ومهما يكن من شيء فإن منطق هذا الجدل الإسرائيلى-الفلسطينى-المصرى حول ارتباط غزة-سيناء الذى رأينا من قبل أنه لا مجال لكسره سوف يتواصل وصولا فى نهاية المطاف إلى استحالة تفادى مواجهات مصيرية بين إسرائيل ومصر. ويمثل هذا العامل الدافع الرئيسى وراء هرولة مصر إلى الوساطة التى تلقَّى الرئيس محمد مرسى التقدير العالى من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل على دوره فيها. ورغم إدراك مصر لحقيقة الأخطار التى لا مجال لتفاديها فى المستقبل لكل السيناريوهات المشار إليها أعلاه فإنها تعمل، جيلا بعد جيل، على "ترحيل" هذا المستقبل إلى مستقبل أبعد فأبعد ليصير تركة مُهداة إلى الأبناء والأحفاد.
18: وينبغى أن نشير إلى أن هذه التسمية التوراتية ("عَمُود السحاب") التى أطلقتها إسرائيل على العملية العسكرية ضد غزة تسمية مشئومة حقا، ذلك أن التسمية التوراتية والعملية العسكرية تربطان، على السواء، بين فلسطين وسيناء. فخروج اليهود من مصر الفرعونية كان إلى سيناء، ويعنى هذا أن أساطير الأيديولوچيا الدينية اليهودية التوراتية تجعل سيناء فى مركز الاهتمام حتى عند ضرب غزة. وهذه التسمية رمز وشعار وتعويذة؛ وهى تعويذة وتبرُّك بالمعجزة لأن الرب كان يحمى اليهود الذين كان فرعون مصر يطاردهم أثناء خروجهم؛ وتقول الآية 22 الكريمة من الأصحاح الثالث عشر من سفر الخروج (العهد القديم): "وكان الرب يسير أمامهم نهارا فى عَمُود سَحَاب ليهديهم فى الطريق، إلى آخر الآية الكريمة" (طريق أرض فلسطين، رغم "أن الله لم يهدهم فى طريق أرض فلسطين"، الآية الكريمة 17 من نفس الأصحاح). وهكذا فعندما تذهب إسرائيل إلى الحرب متسلحة برمز توراتى إلى وقوف الرب مع اليهود ضد مصر: "فانتقل ملاك الرب السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم وانتقل عمود السحاب من أمامهم ووقف وراءهم فدخل بين عسكر المصريِّين وعسكر إسرائيل" (من الآيتين الكريمتيْن 19 و20 فى الأصحاح 14، سفر الخروج). ولا شك فى أن بينهم مَنْ يعتقدون أن "الله" ما يزال يحارب معهم ويحميهم كما فعل أثناء خروجهم عبر سيناء من المصريِّين الذين يعتبرونهم أعداءهم بحكم الجغرافيا المقدسة لأرض سيناء والتاريخ الأسطورى لخروجهم بمعجزة السحاب الربانى وشق موسى (عليه السلام) للبحر. والشيء بالشيء يُذكر، كما يُقال: الأمر الذى له دلالته فى مجال وجود وجه من وجوه الشبه بين الإسلام السياسى أنصار الدولة الإسلامية وإسرائيل الدولة اليهودية أن المقاومة الإسلامية فى غزة واجهت التسمية الأيديولوچية الدينية اليهودية التوراتية للعدوان الإسرائيلى بتسمية أيديولوچية دينية إسلامية قرآنية هى تسمية "حجارة سجِّيل" (ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف مأكول)!
19: ولأنه لا يمكن الرهان على مجلس الأمن، ولا على جامعة الدول العربية، ولا على الدول العربية، ولا على إيران أو تركيا، ولا على مصر بالذات، ولا على القدرة العسكرية الذاتية، فإنه لا مناص لغزة من أن يسودها انتظار الفرج من الله فإنْ لم يستجب للدعاء الآن فلا مناص من انتظار الفرج من الله من جديد، حيث تتلقَّى الضربات الإسرائيلية الدورية واليومية، إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا. وكما سبقت الإشارة فإن مصر تجد نفسها أمام هذا التحدِّى الإستراتيچى الخطير من موقف تدهور اقتصادى واجتماعى وعسكرى متواصل، عاجزةً عن مواجهة هذا التحدى المصيرى. وفى الوقت نفسه تتدهور القضية الفلسطينية فى اتجاه الهبوط إلى قضية إنسانية لا تتمتع بعون من أحد بل تتعرض للهجوم المتواصل والترحيل القسرى والإبادة الجماعية، مهما كانت عنتريات حماس وصلاح الدين الأيوبى.
20: والآن.. تم عقد الاتفاق بالفعل ودخل مرحلة التنفيذ منذ التاسعة مساء اليوم (الأربعاء 21 نوڤمبر) بتوقيت القاهرة، والآن تحتفل غزة بالنصر العظيم كما يسمونه، ولا نعرف إلى الآن سوى نص الاتفاق دون تفاصيل خلفياته، ولا نستطيع بالتالى أن نعرف مدى حظها من الصمود فى الفترة القادمة. وتقول إسرائيل إنها حققت أهدافها المتمثلة فى تدمير البنية التحتية للقدرة الصاروخية لغزة بالحرب عن بُعْد دون حاجة إلى الحرب البرية التى علقتها الآن. ويحمل الاتفاق عنوان "تفاهمات خاصة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة"، وينص القسم أولا من الاتفاق على بنود التفاهمات التالية: "1: تقوم إسرائيل بوقف كل الأعمال العدائية على قطاع غزة برًّا، وبحرًا، وجوًّا، بما فى ذلك الاجتياحات وعمليات استهداف الأشخاص، 2: تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كل الأعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل بما فى ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات على خط الحدود، 3: فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان أو استهدافهم فى المناطق الحدودية، والتعامل مع إجراءات تنفيذ ذلك بعد 24 ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ." وينص القسم ثانيا من الاتفاق على آلية تنفيذ من ثلاثة بنود أيضا هى: "1: تحديد ساعة الصفر لدخول تفاهمات التهدئة حيز التنفيذ، 2: حصول مصر على ضمانات من كل طرف بالالتزام بما تم الاتفاق عليه، 3: التزام كل طرف بعدم القيام بأىّ أفعال من شأنها خرق هذه التفاهمات، وفى حال وجود أية ملاحظات يتم الرجوع إلى مصر راعية التفاهمات لمتابعة ذلك". وتعتبر فصائل المقاومة الفلسطينية فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع إلخ.. بين غزة وإسرائيل (ولا أدرى ما إذا كان معبر رفح مشمولا فى هذا البند) رَفْعًا للحصار أو لجانب مهم منه، مع أن هذه المعابر كانت مفتوحة أصلا وكان يعبُر منها (أىْ من إسرائيل) الجانب الأكبر من تجارة غزة، كما أن من المحتمل بشدة أن ينظر الإسرائيليون والفلسطينيون إلى الضمانات التى تحصل عليها مصر على أنها بالغة الهشاشة. ومن الجلى أن هذه التفاهمات جاءت، عن عَمْد إسرائيلى، دون مستوى اتفاقية التهدئة أو الهدنة التى توقعتْها الأطراف. أما غزة بفصائل مقاومتها فإنها تنظر إلى هذه "التفاهمات" على أنها قبل كل شيء بفضل انتصارها، بفضل صمودها وفاعلية صواريخها وعملية أتوبيس تل أبيب، والحقيقة أن هذه الأسباب لو صَحَّتْ لكان من شأنها أن تدفع إسرائيل إلى مواصلة عدوانها وليس إلى وقفه لأن هدفها يتمثل فى تدمير أو تقليص القدرة العسكرية للمقاومة فى غزة، وإذا كانت قد أوقفت عدوانها قبل تحقيق هذا الهدف من الناحية الأساسية، رغم الأضرار الأكيدة التى يمكن أن تلحق بها فى هذه الحالة داخل إسرائيل وبالأخص فى الانتخابات الوشيكة، وفى علاقتها بالمقاومة الفلسطينية وبالبلدان التى تحيط بها وبالأخص مصر، فسيظل معنى هذا السلوك السياسى الإسرائيلى فى بطن الشاعر، فى بطن إسرائيل، إلا إذا كانت لها نوايا تتناقض مع التفاهمات أو إلا إذا كانت تعتبر أنها حققت هدفها بالفعل وبصورة مُقْنِعة لمواطنيها.
21 نوڤمبر 2012



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روبرت ڤالزر (مقالان: 1: سوزان سونتاج، 2: كريستوفر ميدل ...
- كتاب سيد عويس: التاريخ الذى أحمله على ظهرى
- غزة وما بعد غزة
- بعيدا عن تأسيسية الدستور ودستور التأسيسية ضرورة الإطاحة السل ...
- كيف كتب دوستويڤسكى رواية الجريمة والعقاب؟ -إعادة قراءة ...
- مارسيل پروست (مقالان: مقال: أناتولى لوناتشارسكى، ومقال: أندر ...
- مصر وبلاد النوبة تأليف: والتر إمرى، ترجمة: تحفة حندوسة مقدمة ...
- مصير العالم الثالث تحليل ونتائج وتوقعات توما كوترو و ميشيل إ ...
- الأساطير والميثولوچيات السياسية(1) راؤول چيرارديه عرض: خليل ...
- تفسير الرئيس المصرى الدكتور محمد مرسى لآية الله والعلماء
- زيارة جديدة إلى -مزرعة الحيوانات- رواية -مزرعة الحيوانات- چو ...
- عوالم عديدة مفقودة
- الشرف والغضب لا يكفيان [مراجعة لكتاب: نعوم تشومسكى:-الحيلولة ...
- الكتب معرفة ومتعة - الجزء الأول
- حول الأسلوب فى السينما - أندريه بازان
- جنوب أفريقيا عصر مابعد سياسة الفصل العنصرى (الأپارتهيد)
- إلا الرسول الكريم
- هل انتصرت الثورة المضادة فى مصر؟
- حروب القرن الحادي والعشرين مخاوف وأخطار جديدة
- بورخيس - كاتب على الحافة


المزيد.....




- -قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ ...
- سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام ...
- الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء ...
- -سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد ...
- برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت ...
- إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات ...
- بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول ...
- مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
- بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
- -ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خليل كلفت - عملية -عَمُود السَّحَاب- وأقدار مصر وسيناء وغزة بقلم: خليل كلفت