سليم البيك
الحوار المتمدن-العدد: 1134 - 2005 / 3 / 11 - 10:14
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
ظهرت الأحزاب اليسارية العربية , كما باقي الأحزاب اليسارية, كضرورة موضوعية لمصالح الطبقات و الفئات المهمشة و المسحوقة, و قد سلكت إما النهج الإصلاحي أو الثوري. منذ نشوء الأحزاب الشيوعية العربية في عشرينيات القرن الماضي مرورا" بتبني بعض الأحزاب للماركسة بعد هزيمة الأنظمة البرجوازية العربية في حزيران 1967 و حتى اللحظة, فقد واجهت هذه الأحزاب موجات من الأزمات شاركت في بعضها الأحزاب اليسارية في العالم , و بعضها الآخر كان لخصوصية المنطقة و كان , ولا يزال, أبرز سماتها الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني. في وقتنا الحالي, وبسبب سابقة التراجع للتيار اليساري العربي بشكل عام , يجب أن تسلط أضواء النقد الموضوعي على هذا التيار حتى ينهض كطائر الفينيق نافضا" الرماد الفكري و التنظيمي و السياسي لينطلق إلى مكانه في صفوف الجماهير الشعبية . آن الأوان أن نعي كلمات كاسترو (ليس من الشرف في شيء حمل رايات الثورة في زمن المد بل في زمن الجزر و التراجع ). ففي زمن التوحش الجشع للعولمة و سيادة دولة الإمبريالية و (ابنتها المدللة) الصهيونية و ازلامها من الرجعية العربية , و كذلك المد العفوي للتيارات السلفية بكل ما تمثله من خيبة أمل و غيبية و ظلامية, في هذا الزمن لابد من التأكيد و بكل وعي على الخيار الوطني اليساري الثوري التنويري, لا الانكفاء و الخجل من هذا الخيار و الذي يمثل الرؤية الفكرية السياسية الاقتصادية الاجتماعية البديلة.
انهيار الاتحاد السوفييتي, كان ذلك العامل الموضوعي الرئيسي للأزمة التي تعيشها اليوم الحركة اليسارية العالمية بما فيها العربية. شاع أثناء الحرب الباردة عند بعض الأحزاب اليسارية أن الفكر اليساري و مشروعيته مستمدة من موسكو, فكانت حين تصلها ما يصدر عن الحكومة السوفييتية تعقب بـ (آمين) و كان تبنيها شبه المطلق للتحليلات و القرارات السوفييتية على حساب بناء عقل نقدي مستقل يدرك الخصوصيات.
لنقترب أكثر إلى العوامل الذاتية عن الموضوعية لنرى أن واقعا" عربيا" متخم بالوهن و واقع تحت رحمة حفنة (زعماء) احترفت الديكتاتورية و التوتاليتارية و العشائرية و إلى ما هنالك من نعوت على هذا الوزن! و لاهثة وراء سياسة الانفتاح و الخصخصة و الاتفاقات المخزية مع (إسرائيل), و قد كان لكل لذلك أثره المخدر على الأحزاب اليسارية العربية. كان تعامل بعض الأحزاب اليسارية مع الأنظمة العربية من منطق الإصلاح و ارتفاع الصوت بالنضال المطلبي الديمقراطي نابذين كل الأساليب الثورية و منحرفين عن النضال الوطني التحرري. فكانت (تتوسل) الطبقات الحاكمة بأن ( تهب) الشعب بعض الحقوق و المفروض بأن تكون طبيعية لأي شعب. و لما كانت السيطرة الأمريكية إما بالطريقة العسكرية المباشرة أو الاقتصادية عبر الفئات الكومبرادورية تؤدي إلى تصعيد التناقض الطبقي, قويت شعبية التيارات اليسارية ذوات منطق التغيير الثوري. فهذه الأخيرة تعي بأن المرحلة بما يميزها من تناقض رئيسي مع (إسرائيل) يصل درجة التناحري, و تناقضات أخرى مع فئات رجعية, لا تحتمل إلا العمل الثوري. و هي أيضا" تعي أهمية المسألة المطلبية الديمقراطية و المرتبطة جدليا" مع المسالة الوطنية التحررية و التي بدورها مرتبطة جدليا" مع المسالة القومية و الأممية. فهي هكذا تتعامل مع لوحة التناقضات بشمولية واعية. كما كان لعلاقات سائدة و معششة في مجتمعنا من بطريركيةو حمائلية و سلفية و تقاليد شائخة أكل الدهر عليها و شرب دورها في إعاقة الدور الثوري التنويري لليسار العربي.
نصل إلى عامل يقبع في العمق الذاتي لليسار العربي, و هو حالة التشتت و الضياع الفكري و السياسي و التنظيمي لهذه الأحزاب. أما بالنسبة للمسألة الفكرية, فهناك ما تتشارك به كل الترجمات الماركسة و هي الانحياز لثورات التحرر الوطني و للطبقات الكادحة و المضطهدين و الاسترشاد بالمنهج المادي الجدلي في التحليل و الممارسة, و لكن ما لم تعيه بعض هذه الأحزاب هو ضرورة إعادة إنتاج لفكر ثوري يعالج القضايا المحلية آخذة بعين الاعتبار خصوصيات مجتمعاتنا, كما و قدست هذه الأحزاب النص الماركسي وهي بذلك تكون قد جردته من محتواه الديالكتيكي التجديدي مما جعلها عاجزة عن مواجهة متطلبات المرحلة و تقديم مشاريع حلول انطلاقا" من الواقع من أجل التغيير. سياسيا", لم يكن لهذه الأحزاب موقفا" موحدا" و مبدئيا" تجاه ( إسرائيل) ككيان صهيوني احتلالي عنصري من جهة و الأنظمة الرجعية العربية من جهة أخرى, كما كان لتفاعل الكثير من العوامل, ذكرت أهمها, الأثر الفاعل في تراجع المكانة السياسية لهذه الأحزاب. إن وحدة و تماسك الحزب تنظيميا" شرط أساسي للنهوض بالمشروع الفكري و السياسي البديل. فلا يتوقع من حزب تسوده التكتلات الشعاراتية أو المناطقية أو حتى الطائفية والتي ( تتوج) بانشقاقات هنا أو هناك, أن تحمل راية التغيير. يرافق ذلك أمراض تنظيمية أخرى كـ (عصمة) القائد و البيرقراطية و إهمال ممارسة النقد و بهتان روح المبادرة و الاتكالية ...و إلى ما هنالك.
"علينا أن نشد الانتباه إلى الواقع كما هو حقيقة, و لنفعل ذلك بقوة, ذلك إذا ما أردنا تغييره". كلمات أنشأها غرامشي تؤكد ضرورة التحليل العلمي الجدلي لتغيير الواقع. فلا بد, للخروج من تلك الأزمات, من إعادة صياغة الرؤية و تشكيل العقل المتجدد القادر على وعي الواقع تغييره. فالاسترشاد بالماركسية و رسالتها الإنسانية التحررية الثورية لا يكمن في تقديسها و إنما بنقدها و تجديدها و إعادة إنتاجها ارتباطا" بمعطيات الحياة الاجتماعية لكل محلية. و إضافة إلى الاسترشاد بالنظرية الماركسية, فهنالك كل ما هو تقدمي و ديمقراطي في التراث الوطني و القومي و الإنسانية جمعاء.
لا تقل أهمية عما تقدم ضرورة اعتماد مبادئ القيادة الجماعية للحزب الثوري و التي بتطبيق المركزية الديمقراطية تحول دون التفرد بالقرار و تشرك القواعد الحزبية بصناعة القرار الحزبي, و يدخل في ذلك النقد و النقد الذاتي والذي يكشف مفاصل الضعف و يحدد الخطأ من الصواب في مسيرة الحزب و يرسم الخطوات الصحيحة لغد أفضل. و هناك أيضا" عناوين أخرى تستحق المراجعة و الاهتمام كالمالية و الإعلام ....الخ. من المهم أن نقرأ جيدا" كلمات حكيم الثورة الفلسطينية جـورج حبش"يجب ألا نخجل من أخطائنا, لأن الإشارة إليها بوضوح يضعنا على الطريق الصحيح لتجاوزها" وأن نطرح السؤال الأكثر إلحاحية و محاولة الإجابة عليه بصورة صحيحة وواضحة. نعلم بأن اليسار العربي, كما العالمي, مرتبط بالتكوين البنيوي للشعب و بأنه حامل الراية التحررية الوطنية الديمقراطية و نعلم كذلك بأنه يحوي من الأخطاء ما يكفيه,فهل نحن الآن بحاجة إلى السير في الطريق الصحيح لليسار أكثر من السابق؟
#سليم_البيك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟