|
المعهد الملكي للأمازيغية في مفترق الطرق
التجاني بولعوالي
مفكر وباحث
(Tijani Boulaouali)
الحوار المتمدن-العدد: 1134 - 2005 / 3 / 11 - 10:12
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
بينما كنت مؤخرا أتصفح عبر شبكة الإنترنت بعض مواقع الجرائد المغربية المعدودة على أصابع اليد الواحدة، حتى أتمكن من متابعة آخر أخبار الوطن ومستجداته، إذا بي أنتبه إلى خبرين يتعلقان بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أولهما يُعلِم بأن سبعة من أعضاء المجلس الإداري للمعهد أعلنوا انسحابهم الجماعي منه، والغضب يتملكهم حول سير المعهد البطيء، وتعامل الحكومة المتقاعس معه، وثانيهما يشير إلى أن المعهد سوف ينظم أثناء الأسبوع الأول من شهر مارس 2005 لقاء مفتوحا مع الجمعيات الثقافية الأمازيغية، وذلك تحت شعار "من أجل تعزيز مكانة الأمازيغية في المجتمع المغربي". مما جعلني أتساءل باستغراب وارتياب، لأن مضمون الخبر الأول يحيل، بشكل أو بآخر، على أن المعهد الأمازيغي بدأ يلج منعطفا، ينم عن خلل ما يعتري تركيبته التنظيمية، أو مشكل ما يحصل وراء كواليس إدارته، وهذا أمر لا يعد بالخير للأمازيغية عموما، فالانسحاب لا يأت من فراغ أبدا، وإنما يحدث من جراء أسباب ينبغي أن تعالج قبل فوات الأوان، أما فحوى الخبر الثاني فجعل استغرابي يتبدد نوعا ما أو يخف، لأنه رغم الانسحابات المعلنة، فالمعهد مستمر في عمله ونضاله، لكن هل هذا الاستمرار حقيقي، أم هو مجرد ذر للرماد في العيون، حتى تنصرف الأذهان عن التساؤل حول الدواعي الحقيقية التي تقف وراء انسحاب أولئك الأعضاء السبعة؟!
حقا يمكن اعتبار أن إنشاء المعهد الملكي للأمازيغية يشكل من جهة طفرة نوعية للملف الأمازيغي بالمغرب، ومن جهة ثانية صفعة مفاجئة للتيار العربي الذي يهيمن على أغلب المؤسسات الرسمية والحزبية، التي يطبعها بخطابه القومي الذي لا يدع فسحة لأي خطاب آخر لا يجاري رؤيته الأيديولوجية، وقد بدا للعيان حدث الإعلان عن ذلك المعهد في مدينة أجدير بتاريخ 30 يوليوز 2001، وذلك من قبل أعلى سلطة في البلاد وهي الملك، أمرا لا يصدق، لأن مجرد الحديث عن أو في شؤون الأمازيغية، كان وقبل زمن ليس بالبعيد من الممارسات التي تستكرهها الدولة، ولا تقبل بها إلا في حدود ضيقة ومسيجة، ثم إن ما يمنح ذلك الحدث طابع المفاجأة والتعجب واللاتصديق هو ما يحمله من وعود ضخمة، وما يبشر به من مستحدثات هامة سوف تشهدها القضية الأمازيغية، ومجرد قراءة أولية لبعض مضامين الخطاب الملكي الموجه لأعضاء مجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة، في الرباط، بتاريخ 27/06/2002 ، تؤكد أن الأمازيغية سوف تنفلت من دائرة التهميش الذي مورس عليها طويلا، وتعرف مرحلة ذهبية تعد بالنماء والازدهار. اعتبارا بأن تلك المؤسسة (أي المعهد) سوف "تنهض - حسب الخطاب الملكي - بمهامها التربوية والثقافية والحضارية الجليلة على أكمل وجه من خلال عملها على الحفاظ على ثقافتنا الأمازيغية وتعزيز مكانتها في المجالات الثقافية والإعلامية والتربوية بوصفها ثروة وطنية ومبعث افتخار لجميع المغاربة."
وهذا إن عبر عن شيء إنما يعبر عن أن القضية الأمازيغية سوف تشهد نهوضا شاملا، يمس ما هو تربوي وثقافي وإعلامي، وهكذا سوف يرد الاعتبار لما هو أمازيغي، عن طريق الاعتراف بها كمكون ثقافي وطني متأصل في الذات المغربية، يحضر في ذاكرة كل شرائح المجتمع، وهذا الاعتراف الرسمي بل والملكي، هو أغلى مكسب انتزعه المناضلون الأمازيغ، الذين ظلوا عبر تاريخ طويل يكافحون من أجل فك الحصار عن الإنسان الأمازيغي، وهو حصار شرس اعترى كل الميادين والأصعدة، وجعل أولئك الذين ينتسبون إلى الأمازيغية منبوذين على هامش المجتمع المدني وعلى قارعة المغرب النافع، فظلت الأمازيغية مجرد أشكال تراثية جوفاء، لا تكتسب أهميتها، ولا تنال حظها، إلا إذا وظفت فيما هو فلكلوري معروض في سوق السياحة، مما يجعلها مختزلة في جوانب شكلية أو رمزية، تزيد من أمية وتخلف الإنسان الأمازيغي البسيط، مثل الغناء واللباس والأدوات التراثية والمكونات الطبيعية وغير ذلك.
وفي الصيف المقبل سوف يكون قد مر على التدشين الملكي للمعهد الأمازيغي حوالي أربع سنوات، وهذه المدة قابلة لأن تكون محط تقييم ولو أولي، ماذا حقق هذا المعهد إلى حد الآن؟ هل تمكن من تفعيل ملف الأمازيغية الذي ظل مغلقا، وفتح صفحاته التي كانت حبيسة المساهمات الفردية المشتتة وغير الممنهجة؟ هل استطاع أن يفي ولو بجزء ضئيل من الوعود التي أطلقها يوم الإعلان عن شروعه؟ هل شكل حقا منعطفا جديدا في تاريخ الحركة الأمازيغية، وإن كان الأمر كذلك، أين تتجلى مظاهر هذا المنعطف؟
حتى نكون منصفين في تفسيرنا لهذا الملف، وبعيدين عن أي رؤية أيديولوجية ضيقة، نسلم بأن أهم مكسب حققته القضية الأمازيغية بالمغرب في مطلع هذه الألفية الجديدة، هو إضفاء الشرعية عليها، ورفع الحصار عنها، وجعلها قضية وطنية ككل القضايا الأخرى، كل واحد له حق الإسهام في الدفاع عنها أو النضال من أجلها، دون أي ملاحقة بوليسية، أو متابعة قانونية، أو رقابة ثقافية أو غير ذلك، وهذا ما كافحت الحركة الأمازيغية من أجل إقراره طويلا، والآن، ولما تسنى لها بشكل مباغت نيل منحة الاعتراف بقضيتها ليس من الأحزاب أو الحكومة وإنما من القصر، هل يعني هذا أن جذوة نضالها سوف تخمد، ما دام أنها قد تنشغل بمهام أخرى غير النضال والكفاح ورفع الشعارات، أم أن جذوة نضالها سوف تشتعل من جديد، خصوصا وأن هذه الفترة التي تلت الإعلان عن تأسيس المعهد، كشفت عن اهتزازات شتى في طريق القضية الأمازيغية، وعن صراعات جديدة، إما داخلية أو خارجية، بدأت تعرقل سير المعهد، وتعيق عمل الحركة الأمازيغية، وتلك الاهتزازات أو هذه الصراعات تشكل في حد ذاتها تحديات من عيار آخر، تضع الملف الأمازيغي أمام حقيقة السلطة المغربية، التي لا تمنحك شيئا حتى تنزع منك أشياء!
إننا عندما نتصفح الملفات المختلفة التي انصبت عليها جهود المعهد الملكي الأمازيغي منذ نشأته إلى يومنا هذا، نلاحظ أنها تتنوع، فاستراتيجية المعهد تنبني على تحقيق أهداف محددة ترتبط بمجالات مختلفة إدارية وأكاديمية، وفي كل مجال يتخصص مركز تناط به مهام ومشاريع معينة، مثل مركز التهيئة اللغوية، مركز الأبحاث الديداكتيكية والبرامج التربوية، مركز الأبحاث الأنثروبولوجية والسوسيولوجية، مركز الدراسات الفنية والتعابير الأدبية والإنتاج السمعي البصري، مركز الترجمة والتوثيق والنشر والتواصل و مركز الدراسات الإعلامية وأنظمة الإعلام والتواصل. وأثناء الفترة الأخيرة من حياة المعهد، تم فتح أوراش متعددة توجه جهودها لميادين الشراكة والتشارك والإشعاع والتواصل والنشر والإصدار، وداخل هذه الأوراش استطاع المعهد القيام بشتى الأنشطة، وقد حاول أحد المهتمين بالشأن الأمازيغي (رشيد نجيب سيفاو) تتبع الحصيلة التي سجلها المعهد الأمازيغي منذ بزوغه إلى الوجود حتى اليوم، وقد جمع ذلك في مقالة له تحت عنوان (المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية: قراءة في الحصيلة) وهي منشورة بجريدة TAWIZA، ويمكن تصفحها بواسطة هذا الرابط: http://www.tawiza.net/Tawiza93/ircam.htm .
لكن الذي يمكن استنباطه أن أنشطة المعهد وإسهاماته، تظل قيد ما هو نخبوي، لا تمارس تأثيرا نفاذا، سواء على البنية الفوقية حتى تسارع إلى تسوية مجموعة من قضايا الملف الأمازيغي التي لا تحتاج منها سوى جرة قلم، أم البنية التحتية التي بدون مشاركتها في المشروع الأمازيغي، أخذا أو عطاء، مساهمة أو تلقيا، تبقى القضية الأمازيغية مجرد حبر على ورق، وراهن الأمازيغية يثبت ذلك، حيث إدماجها في منظومة التعليم المغربي يبدو معطلا أو مؤجلا أو بطيئا، أما على المستوى الإعلامي فلم يتحرك هذا الملف قيد أنملة، في حين تظل مسألة دسترة الأمازيغية والاعتراف بها باعتبارها لغة وطنية إلى جانب اللغة العربية معلقة! وهذا مؤشر حقيقي على أن المعهد الأمازيغي لا يعدو أن يكون مجرد جمعية عادية مدعومة من الدولة، ما دام أن ما قدمه منذ نشوئه قد يوازي أو يضاهي بقليل ما تقدمه بعض الجمعيات الأمازيغية النشيطة! لذلك ينبغي أن لا ننظر إليه على أنه الممثل الأوحد أو الحقيقي للقضية الأمازيغية، بقدرما نعتبره مجرد طرف يملك جملة من الوسائل القانونية والمادية التي قد تساعده إما على خدمة الأمازيغية أو تدجينها! وهذا يعني أن طريق الكفاح من أجل رد الاعتبار لما هو أمازيغي أصيل ما يزال طويلا، ومن سار على الدرب وصل!
نعود الآن إلى الخبرين اللذين بدأنا بهما مقالنا، علنا نضع أيدينا على بعض الأسباب الحقيقية والمباشرة التي تقف وراء مثل تلك الانسحابات، حيث يقر المنسحبون أن ثمة شرخا بين المعهد وبين بعض المؤسسات الحكومية، وبالتحديد وزارتي التربية الوطنية والاتصال، وفي هذا السياق يشير أحمد عصيد، عضو المجلس الإداري للمعهد، إلى أن ثمة أزمة حقيقية بين المعهد والحكومة، وأن بعض الجهات المسؤولة تعامل المعهد بلا مبالاة وازدراء، وهذا ما يضع أكثر من علامة استفهام حول نوايا السلطات المغربية الراهنة، بخصوص سير هذه المؤسسة الفتية وكيفية تمثيلها للقضية الأمازيغية، في حين أدلى أحد الفاعلين الأمازيغ بكلام مرير، من شأنه أن يكشف عن حقيقة هذا المعهد، حيث صرح لإحدى الصحف المغربية بما فحواه: "انزواء المعهد الملكي، وعدم انفتاحه على مكونات الحركة الأمازيغية كانت السبب الحقيقي الذي أدى إلى إفلاس سياسة المعهد والوصول إلى الوضعية الراهنة التي يتخبط فيها". وكلمة الإفلاس هاته، التي يصف بها حالة المعهد قمينة بأن تثبت أن حقا ثمة أزمة عميقة تعاني منها هذه المؤسسة، رغم أنها مدعومة ماديا وقانونيا وإعلاميا وغير ذلك من قبل الجهاز الرسمي، وما هذه الانسحابات إلا تعبير عن جانب من هذا الإفلاس، الذي سوف يتأكد أكثر لما يعلن أعضاء آخرون مرشحون للانسحاب عن انسحابهم، فيصبح المعهد الملكي للأمازيغية أمام مفترق طرق حقيقي!
#التجاني_بولعوالي (هاشتاغ)
Tijani_Boulaouali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمــــــــــــــــــــــــــاه
-
(*)البربر/الأمازيغ؛ ازدواجية التسمية ووحدة الأصل
-
أضغاث الوطن
-
هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغر
...
-
هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغر
...
-
هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغر
...
-
!وطني.. أهجرك اللحظة
-
أغنيات التمـــــــــــــرد - شعر
-
حين صرخت.. كان اغتصابي
-
حين يتكالب السياسي والإعلامي على القانوني لطمس الحقيقة
-
-حين يتكالب السياسي والإعلامي على القانوني لطمس الحقيقة -1
-
الشعر داء
-
الموت على طريقة الكوبوي! نرجسية الأمريكي بين ولاء الآخر وتحد
...
-
الموت على طريقة الكوبوي! نرجسية الأمريكي بين ولاء الآخر وتحد
...
-
الموت على طريقة الكوبوي! نرجسية الأمريكي بين ولاء الآخر وتحد
...
-
نشيد الغضب
-
أزمة الإعلام البصري الوطني وتحديات المستقبل
-
حوار مع المفكر العربي د. حسن حنفي
-
بنية الثقافة الهولندية والحضور الأجنبي
-
أيها الأفاضل؛ هنيئا لكم ولو كنتم حزانى!
المزيد.....
-
سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص
...
-
السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
-
النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا
...
-
لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت
...
-
فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
-
-حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م
...
-
-الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في
...
-
-حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد
...
-
اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا
...
-
روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|