|
الغاء - الحصة التموينية- ورطة لم يحسب حسابها !
كمال يلدو
الحوار المتمدن-العدد: 3918 - 2012 / 11 / 21 - 09:09
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لم يبدو على السيد نوري المالكي ، اثناء اللقاء الصحفي (( الرابط موجود اسفل الصفحة)) بأن بعض وزرائه قد ورطوه في استصدار قرار " الغاء الحصة التموينية" وأستبدالها بمبلغ مالي قدره 15 ألف دينار عراقي ، أو ان هناك نية مبيتة لدى الكتل السياسية المتنافسة للأيقاع بـــه، بل ذهب بكل شجاعة ليشرح قناعاته بالقرار ، وأفضلياته على المواطن ، لابل ، انه المح الى ان الراتب الممنوح هو اكثر من قيمة الحصة وأفضل له حيث سيكون " حرا في شراء ما يريد!!" . هذا على الأقل هو الرد الأول على السادة ممثلي دولة القانون في البرلمان ـ وعلى رأسهم السيد حيدر العبادي ، الذي حاول تدارك الأمر من اجل امتصاص حالة الغليان والرفض الشعبي للقرار المذكور في اثناء المؤتمر الصحفي عقب اعلان القرار رسميا . ويبدو ان ركوب موجة الرفض قد شملت الكتل (دون وزرائها) من اجل حفظ ماء وجهها امام المواطن المسكين . لكن جمهرة كبيرة من المثقفين ومن عامة الناس ومن التيارات الوطنية واليسارية العراقية قالت كلمتها بكل وضوح وبلا مواربة ، من ان هذا القرار خاطئ ، وغير مدروس وبحاجة للنقض ، وأن معالجة مشاكل الحصة التموينية لا تجري بهذا الشكل ، بل بتفعيل الرقابة ومحاسبة المفسدين وتقديمهم للعدل وعدم التستر عليهم ، وقد ظهرت عشرات المقالات في الصحف وعلى صفحات الأنترنيت ، وفي البرامج الأذاعية والتلفزيونية التي رفضت هذا الأجراء ، فيما توعدت الكثير من الفعاليات بأنها ستلجأ الى التظاهر ان لم تعدل الحكومة عن هذا الأجراء. فقد جاء المؤتمر الصحفي لكتلة القانون ليطرح لنا ، وكأن السيد رئيس الوزراء قد أخذ على حين غـّرة من هذا القرار ، وأنه لا يتحمل المسؤلية لوحدة ، بل ايده في القرار كل الوزراء ، وهذا يعني كل الكتل السياسية ، لأنهم ممثلون في الوزارة ، فـلماذا اذن استهداف رئيس الوزراء منفردا؟ نعم ، ان الكل مشترك مع رئيس الوزراء ، ليس اليوم وفي هذا القرار فقط ، بل منذ اتفاقية اربيل ، وبعدها في تشكيل الوزارة ، والهيئة المشرفة على الأنتخابات ، وفي قانون انتخاب مجالس المحافظات ، نعم الكل مشترك ، ولكن الفرق يبقى بين راكب العربة وسائقها ! اي ان المالكي يتحمل المسؤلية مضاعفة قياسـا بوزرائه ، وألا من حقي ان اسأل عن ماهية دوره في رئاسة الوزراء ؟ وبما ان هذا الحديث يستند على الشواهد ، فأني سأرجع الى شهادة الوزير ( نصار الربيعي – وزير العمل والشؤون الأجتماعية ) عن التيار الصدري ، والذي انتقد نفسه – بسبب موافقته - امام الشعب ، وأمام رئيسة السيد مقتدى الصدر ، وذكر بعض التفاصيل عن توقيت هذا القرار والكيفية التي اشرف فيها رئيس الوزراء عليه وطرحه للتصويت قبيل نهاية اجتماع الوزراء !، وثانيا تصريحات النائب المستقل صباح الساعدي حول الموضوع في غرفة البرلمان الأخبارية ، واصفا ما جرى بأنه زوبعة في فنجان لألهاء العراقيين عن الفساد في صفقة السلاح الروسي ، وللتمويه عن الأنتخابات المقبلة ، ثم الفـديو المرفق ، والذي يثبت بالدليل القاطع ، ان السيد نوري المالكي ، رئيس الوزراء للدورة السابقة ، ورئيس الوزراء لهذه الدورة ، كان قد اعد العدة لألغاء الحصة التموينية ( او ابدالها) منذ ثلاث سنوات او اكثر ( الدقيقة 7:30 من الفديو المرفق) ، وأنه لم يؤخذ على حين غــــرّة كما ادعى المدافعون عنه !
ان قول المسؤل الكبير في الدولة بأن هذا الأجراء سيقضي على الفساد الأداري الذي رافق عملية الحصة التموينية ، وتوزيع مفرداتها ، وكل ما يتعلق بها لسنين طويلة ، هو قول يفتقد للدقة والمهنية ولمراعاة مصلحة الطبقات الأكثر تضررا في المجتمع ، وهي الطبقات المسحوقة . وبالحقيقة ، فأن ما جرى يعد فشلا ذريعا للحكومة العراقية ونكوصا عن تعهداتها للناخبين وللشعب العراقي بتوفير مواد الحصة التموينية وبأنتظامها ، لابل بتحسينها وأضافة مواد اخرى للقائمة ، فماذا كان البديل : الغائـها و استبدالها بمبلغ من المال الآن ، وربما حتى هذا سيلغى ان تراجعت اسعار النفط ، او مرت على البلاد ازمة مالية لا سامح الله !! ان الفساد الذي ينخر في كل اركان الحكومة ، لن يترك المبلغ المالي يمر دون استقطاع ، بهذا الشكل او ذاك ، فماكنة الفساد بحاجة الى وقود ، والتوعد بأمكانية الحكومة من السيطرة على اسعار السوق وضبطها هو ادعاء لا صحة له بالمرة . فلو كانت هذه الحكومة جادة ، لكانت قد ضربت على ايادي السراق والمفسدين منذ زمن مضى ، لكن الأمور تبدو بأن هناك حلفا مقدسا بين الفساد والدولة ، وتبادل ادوار من اجل الأدامة .
ان اخطر مفصل يواجه العملية السياسية ، والأحزاب التي تتصدرها هي ، فقدان المواطن للثقة بهم وبكل عملية التغيير . فهذا الأنسان الذي كان يتأمل تحسن اوضاعه قياسا بما عاشه في ظل النظام البائد ، ساءت احواله وتدنت الى مستويات مريعة ، فيما ميزانيات العراق وأنتاجه النفطي في تصاعد خيالي . فماذا تعني ان تكون ميزانية الدولة بحدود ( 110 – 120 ) بليون دولار ويعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر ؟ ومعدل دخل الفرد السنوي لا يتجاوز 4000 دولار ، وأن البطالة منتشرة والبنى التحتية مدمرة ، والأمية تضرب اطنابها ناهيك عن ظواهر اجتماعية مريعة تهدد كيان هذا المجتمع ؟ نعم ، ان استمرار هذا النهج ، وتفشي الفساد اكثر سيدفع المواطن في النهاية اما الى اليأس والقنوط او الى الثورة والتخريب ، وكلاهما مدمر وخطر . وأعتقد ان الأحزاب تفهم هذاه المعادلة بفطرتها ، لأنها يوما كانت ضحية حكم فاسد ، والآن يبدو انها تعيد المشهد لكن بأدوار وأبطال جدد! كان على المسؤل الأول ان يواجه الجمهور بكل صدق وأن يطرح عليهم السبب الرئيسي من هذا القرار ، وهو ضغوط وشروط البنك الدولي ، والتجارة العالمية من اجل ضم العراق اليهما وأخضاعه الى شروطهم المجحفة ، لكن يبدو انه آثر القائها على المفسدين ( المساكين) وتحميلهم وزر فشل الحكومة في توفير مفردات الحصة وتحسينها! فيما مازال الغموض والألتباس يلف الأسباب الحقيقية التي تجعل من دولة نفطية غنية كالعراق ، تلجأ للقرض من البنك الدولي ( القرض لم يتجاوز 5 بليون دولار) وتدخل العراق في متاهات شروط البنك الدولي المجحفة بحق الفقراء ، وأولى تلك الشروط هي ، قيام الدولة برفع دعمها وألغائه عن المواد المعيشية الأساسية ( وفي مثال العراق) تكون مفردات الحصة التموينية . فمن يتحمل المسؤلية السياسية والأخلاقية لهذا التنازل ، وهذه القيود التي ستكبل العراق مستقبلا؟
وبالعودة للحصة التموينية وبطاقاتها ، اذ يكمن الخلل الكبير في آلية اصدارها ، وآلية متابعتها وتجديدها ، والتخلص من حملتها المتوفين او الذين غادروا البلد وهم بمئات الألوف منذ 2003 ولحد اليوم ، وهذا يرتبط ايضا بعدم اتمام ( والتسويف) في انجاز الأحصاء العام ، لمعرفة عدد السكان وأوضاعهم الأقتصادية ، ومكننة دوائر الدولة وأدخال كل المعلومات في الحاسبات الألكترونية ، اضافة الى الجهل الحقيقي بمستوى السكان الأقتصادي ( عموما) لمعرفة من يحتاجها حقا ومن لا يحتاجها ، وكما ذكرت الأخبار ومن باب التندر ، بأن هناك وزراء ونواب ، يتقاضون رواتب بمئات الألوف والملايين ، ومازالوا يواضبون على اقتناء مفردات الحصة التموينية ، تواضعا منهم ، ومشاركة للشعب العراقي في احزانه ومصائبه !؟
المصيبة الأكبر في مشهد الغاء " الحصة التموينية" او ابدالها يكمن في مصير الأنتخابات القادمة ( المحافظات او البرلمان ) ، فمع ان الحكومات المتعاقبة لم تنجز الأحصاء السكاني ، فقد بقت هوية " الحصة التموينية" هي الهوية الأساسية التي يحق لحاملها ( مع بلوغ سن ال 18) للتصويت في هذه الأنتخابات ، وبالتالي ستكون هذه الهوية اما بلا قيمة ويسهل تزويرها ، او أن يحرم جزء كبير من الشباب العراقي الذين سيبلغون سن ال (18) من التصويت ، بسبب عدم امتلاكهم لهوية نظامية تساوي في قوتها هوية الحصة .وينبغي ان لا تفوتنا المفارقة حينما رفضت الجهات الرسمية ، مقترح وزارة التخطيط في تحديد النسب السكانية او المشاركة في الأنتخابات وفق بياناتها ، والأعتماد على الأقل في الوقت الحاضر على بطاقة الحصة التموينية . ترى ، من سيحل هذا اللغز ...ام ان في الأمر عبرة لا يفهما الا الضالعون في تأزيم الأوضاع ، او الذين يبيتون شيئا آخرا لصناديق الأقتراع الشفافة ؟؟
ومن باب الطرفة ، فقد اخذني خيالي بعيدا وأنا اشاهد الفديو ( المرفق) ، الى الحملات الأعلامية للأنتخابات الأخيرة ، والخطب النارية ، والبوسترات المضحكة والمحزنة ، واللقاءات التلفزيونية ، وقلت في نفسي : يا ترى كم كانت ستكون اصوات " دولة القانون" لو كانت قد فاتحت الشعب العراقي بمشروعها ، والذي يمس افتراضا ( اكثر من 30 مليون عراقي ) اي انه مشروع جبار ومهم ، وقالت لهم حينها ، بأن القائمة لو فازت بالأنتخابات ، وحالفها الحظ بأن ترأس رئاسة الوزراء ، وبأنها بعد ذلك ستقوم بأبدال مفردات الحصة التموينية بمبلغ 15 الف دينار، من اجل راحة المواطن ولمحاربة المفسدين ..كم ياترى سيبلغ عدد المصوتين للقائمة ، وكم مقعد برلماني سيكون لها...مجرد خيال ؟؟؟
ليس معلوما للآن الى اية كفة سيستقر المشهد ، هل مع الغاء قرار الحكومة وأبقاء الحصة التموينية وبالتالي ، تبرير السرقات الكبرى ، والتسامح اكثر مع المفسدين وأصحاب العقود المزيفة ( بدعوى ، قلت لكم !) وبالتالي تعتبر ضربة للمسؤل الأول ؟ ام ستكون الغلبة لتمرير عملية الألغاء وأستبدالها بالمبلغ المالي ، رغم تصريحات الكتل الأخرى وأستعراضات اعضائها التلفزيونية المثيرة . بالحقيقة ، ميزان القوى مازال هلاميا ، وربما ستكشف الأيام ان كانت هناك اية صفقات ستجري على اساسها تمرير هذا القرار المجحف والغير مدروس . وهنا يأتي موقف القوى اليسارية والديمقراطية العراقية وكل المثقفين ومنظمات المجتمع المدني ، في فضح هذه السياسة ونواياها المبيتة ضد المحتاجين والفقراء ، هنا تأتي مهمة طرح البديل لهذه المؤسسات والعقليات الفاسدة ، هناك تأتي مهمة اسماع اصوات الأحتجاجات عالية ، اذ يبدو لشركاء العملية السياسية ان الملعب قد فـّرغ لهم ، وهم بأنتظار صافرة الحكم . فهل ستكون لأستمرار اللعب ....ام بنهاية اللعب؟ ** فديو اللقاء مع السيد نوري المالكي وهو يبرر عملية الغاء ( استبدال) مواد الحصة التموينية بمبلغ 15 الف دينار عراقي : http://www.youtube.com/watch?v=xtM3siJhJfU
تشرين ثان 2012
#كمال_يلدو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرحومة -شيماء العوادي- ومحنة العقل!
-
بعد عامان، ايّ منجز تحقق؟
-
في العراق الجديد: محنة المسيحيين.. محنة وطن
-
ما حاجتنا للقوانين!
-
ما كشفته دعوة قناة - الفيحاء- الغراء ؟
-
لماذا يتحول عمل الدولة لهبات ومكرمات شخصية !؟
-
تعقيبا على مقترح فضائية - الفيحاء - الغراء ، حان وقت التغيير
...
-
هذا ما حدث يوم 4 آيار 1886
-
شارع الرشيد أم شارع المطار؟
-
محاربة الافكار التقدمية والعلمانية ليست وسام مشّرف
-
إقحام الدين في الجامعات العراقية ، البصرة نموذجا
-
تحت اعواد المشنقة - يوميات مناضل في سجن الغستابو -
-
المادة الثانية من الدستورالعراقي، موضع التطبيق!
-
رجاءا ..اتركوا شهداءنا وشأنهم!
-
- الضحية - بين مخالب مخابرات العراق الجديد!
-
احذروا ما يؤسس دكتاتورية جديدة
-
اسبوع على غياب - هادي المهدي-
-
ماذا لو صح الخبر !
-
البحث عن الاصالة في الغناء السرياني الحديث
-
يكفينا مزايدات ياسيادة الوزير!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|