توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 3916 - 2012 / 11 / 19 - 20:39
المحور:
المجتمع المدني
أدهشني هذا اليوم 19/11/2012 شابٌ يافعٌ وهو بائع خضروات متجولٌ في غزة، يبيع خضرواته على عربة يجرها حمار، وكان يردد في ميكروفون يدوي:
خضروات بسعر تكلفتها.
كنتُ أظنُّ النداء نوعا من أنواع الدعاية المغرِّرة، شأن كل البائعين، غير أن الشاب كان يُقسم بأنه لا يريد أن يربح من بضاعته شيئا، وقد تأكدتُ من صدقه بعد أن قارنتُ أسعاره بأسعار السوق،ولما سألته عن السبب قال:
أنا لستُ بائعا، فأنا موظف،قررتُ أن أساهم بجهدي، هذا في النضال الوطني، وأنا أشعر بفخر بما أفعل، حتى ولو خسرتُ بعض النقود!
وأضاف:
هناك أسر كثيرة ليس فيها أحدُ يعولها ويشتري لها، فأنا أساعدها على الشراء، بواسطة عربة الكارو التي أخذتها من قريبي هذا اليوم فقط لأنفذ خطتي!!
وفي منظر آخر قام أحد سكان غزة ممن أصيب منزله بدمارٍ جزئي ناتجٍ عن دمار بيت جيرانه، فقرر أن يزيل الركام من الشارع الملاصق لبيته وحيدا، وكانت أكوام الحجارة أكبر من طاقته، فأخرج المجروف الذي يملكه في البيت وبدأ يعمل وحيدا، وفي لحظات انضم إليه ستة من جيرانه بمعاولهم، وحتى أن خمسة شبان كانوا يمرون في الشارع تأثروا وشرعوا في العمل بأيديهم غير عابئين بأصوات القصف والدمار من الطائرات التي تحوم فوقهم.
فقال لهم هذا الرجل:
والله أشعر بالفخر بوجودكم، فقد أزلتم عني كآبة الدمار الذي حلَّ ببيتي!!
وفي منظر ثالث شاهدتُه أمام أحد المخابز حيث يصطف عددٌ كبير من الراغبين في شراء الخبز، أن الطابور كان منظما، فتقدم شابٌ أمام جمهور الشارين ممن كانوا يشترون عددا كبيرا من ربطات الخبز وقال بصوتٍ عالٍ:
إخوتي لقد تعودنا أن نُخزِّن الطعام أكثر من حاجتنا، وأن نشتري أضعاف ما نحتاجه ، لذا أرجو منكم ألا تشتروا إلا ما يكفي يومكم، فأنا أبٌ لي أربعة أطفال وأسكن مع والدتي ووالدي، وسأشتري فقط لهم ربطة خبز واحدة أمامكم هذا اليوم.
ولما سألته عن عمله قال:
أنا مواطن فلسطيني أؤدي أصغر الواجبات في مثل هذه الظروف، حتى لا نصل إلى الأزمة.
قديما قالوا:
الأزمات قد تُقوِّضُ كثيرا من المجتمعات، ولكنها تُعمِّرُ مجتمعاتٍ أخرى كثيرة!
فالنار تحرقُ الخشبَ، ولكنها تٌقوِّي الحديد!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟