أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - كتاب سيد عويس: التاريخ الذى أحمله على ظهرى















المزيد.....



كتاب سيد عويس: التاريخ الذى أحمله على ظهرى


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 3915 - 2012 / 11 / 18 - 03:44
المحور: الادب والفن
    


1
سيرة ذاتية كدراسة حالة
لعالم اجتماع مصرى

عن كتاب سيد عويس: التاريخ الذى أحمله على ظهرى
بقلم المستعرب الياپانى: إيچى ناجاساوا
نُشر فى أخبار الأدب، عدد 17 مارس 1996

- 1 -
يتضمن هذا المقال ملاحظاتى الشخصية كمترجم على كتاب "سيرة ذاتية" – التاريخ الذى أحمله على ظهرى، دراسة حالة، تأليف الدكتور سيد عويس، عالم الاجتماع المصرى (1913-1989). وتجرى الآن ترجمة هذه السيرة الذاتية إلى اللغة الياپانية، وستُنشر طبعتها الياپانية الجزئية والتجريبية ضمن سلسلة تُطبَع بالاستنسل عن معهد الاقتصادات النامية فى مارس 1995. وأرجو أن يُسهم كل من هذه الترجمة الجزئية وملاحظاتى هذه كمترجم فى النشر المأمول للترجمة الكاملة لهذا الكتاب فى المستقبل القريب.
وهناك دافعان قادانى إلى الاهتمام الشديد بهذا الكتاب وإلى أن أقرِّر ترجمته إلى اللغة الياپانية. والدافع الأول أكاديمى؛ ويتمثل فيما يلى: الاستفادة من مادة هذا الكتاب فى موضوعى البحثى الجديد: "المثقفون المصريون والتراث الشعبى". فأنا أعتزم أن أقارن بين الموقفين الأكاديمييْن لاثنين من المثقفين المصريِّين فى سياق تاريخهما الشخصى. وأحدهما هو المؤلف سيد عويس، والآخر مؤرخ ماركسى هو أحمد صادق سعد (1919-1988). وقد عاشا كلاهما فى نفس عصر الثورات الوطنية وكانت لهما اهتمامات مشتركة بالتراث الشعبى المصرى عبر مختلف ممارساتهما الاجتماعية: الأول كمُصْلِحٍ اجتماعى فى حقل أنشطة الخدمة الاجتماعية، والآخر كثورى فى الأنشطة الماركسية والالتزامات بالحركة العمالية. وفرضيتى هى أنه توجد صلة تكاملية بين الاثنين فى مجال استقصاء التراث الشعبى المصرى. ويمكن لمثل هذا البحث أن يقدم بعض المنظورات المفيدة للتفكير فى الموقف الحرج للمثقفين العرب فى الفكر العربى المعاصر، وكذلك للتفكير فى مشكلة اغترابهم عن الناس العاديِّين.
أما الدافع الآخر فهو بالأحرى دافع عاطفى. ذلك أن المرحوم الپروفيسور ماساناو أوداكا (1915-1994) – وهو مستعرب بارز فى الياپان، والسفير الياپانى السابق فى دمشق، والذى توفى فى فبراير فى السنة الماضية – كان صديقا حميما للدكتور عويس. وفى ربيع سنة 1989، قام الپروفيسور أوداكا برحلة قصيرة إلى سوريا ومصر حيث كان عليه أن يبقى كدپلوماسى، وزار الدكتور عويس – الذى رحل عن العالم بعد عدة أشهر فقط – فى مسكنه بالعجوزة. وكان لى الحظ فى أن أسمع تلك القصة من الپروفيسور أوداكا، غير أن من المؤسف أننى نسيت أن أسأله بالتفصيل عن كيف قامت صداقتهما فى الماضى. ومنذ ربيع 1994 شرعتُ فى ترجمة هذا الكتاب لأهديها إلى ذكرى صداقتهما.

- 2 –
ورغم أننى قدَّمتُ هذه الدراسة على أنها "سيرة ذاتية" فى الفقرة الافتتاحية فإن هذه العبارة غير دقيقة. ووفقا لإيضاح المؤلف فإن هذا الكتاب ليس مكتوبا كسيرة ذاتية بل هو "دراسة حالة" يحاول فيها عالم اجتماع (أو باحث حالة اجتماعية) إجراء أبحاث عن نفسه. وهكذا تبدأ مقدمة هذا الكتاب بقصة عن اليوم الذى بدأ فيه المؤلف إجراء أول "دراسة حالة" كمشروع تدريبى بمدرسة الخدمة الاجتماعية بالقاهرة فى 1938. وقد اختار كأول عميل له حدثا جانحا يقيم فى حى الخليفة الذى كان مسقط رأس المؤلف ذاته. وعلى النقيض من افتراضه أنه على معرفة تامة بكل أنحاء الحى وأنه يمكنه العثور بسهولة على منزل الصبىّ، كان عليه أن يواجه الكثير من المصاعب قبل أن يصل إليه. وفى نهاية المطاف التقى بأسرة الصبىّ وكانوا يعيشون مع الأموات فى الجبانة. كانوا يُقيمون فى منطقة أزقة مدينية يسمونها اليوم "مدينة الأموات". وقد أصابته هذه المقابلة الأولى من مقابلات بحث الحالة بمثل تلك الأسرة "الشبحية" بصدمة هائلة، جعلته يشعر وكأن عينيه "قد استُبدلت بهما عينان أخريان". وبعد أن مرّ بهذه التجربة، التى كانت نقطة تحوُّل فى حياته وعمله، أجرى المؤلف قدرا هائلا من دراسات بحث الحالة كانت تمثل أنشطة خدمة اجتماعية أساسية، واستطاع من خلالها أن يقلِّب ويقرأ صفحات "موسوعة المجتمع المصرى"، إنْ جاز القول. غير أنه بالمقارنة مع هذه الأبحاث التى تتعامل مع أناس آخرين، كانت دراسة الحالة الأخيرة حول الباحث ذاته، والتى "لن تتكرر ممارستها"، أكثر إيلاما بكثير بالنسبة له، كما يعترف. وكتجربة لدراسة حالة بقلم عالم اجتماع يحاول أن يصف نفسه بكل ما فى وسعه من موضوعية، فإن هذا الكتاب غنىّ باستدلالاته المنهجية. غير أنه ليس من الصعب أن نتصور أن السحر المنهجى لهذا الكتاب إنما هو ثمرة من ثمار تضحية المؤلف بتحمُّل الجهود المؤلمة التى ينطوى عليها إجراء دراسة حالة موضوعية على نفسه.
وهكذا يمكن تقييم هذا الكتاب على أنه وثيقة بحثية عن نوع العلم الاجتماعى تتبنَّى شكلا وصفيا خاصا من دراسة الحالة. ومن وجهة نظر أخرى، يمكن النظر إليه على أنه "أدب سيرة ذاتية"، غنىّ بالتعبير الأدبى. لكننى بمقدرتى الأدبية الهزيلة لن أقوم بتحليله كعمل أدبى لوضعه فى مكانه من آداب السيرة الذاتية فى مصر الحديثة، ولا بمقارنته ببعض الأعمال الممتازة التى أنتجها هذا التقليد الأدبى مثل السيرة الذاتية لكلٍّ من طه حسين وأحمد أمين – وهما كلاهما متوفرتان بالفعل بالياپانية. وإنما يتمثل هدفى الوحيد فى استعراض هذا الكتاب كعمل علمى اجتماعى، منطلقا من دوافعى الشخصية والعملية كما أوردتُ أعلاه.
وباختصار، يمكننا أن نتعامل مع هذا الكتاب بطريقتين: كعمل علمى اجتماعى يقدِّم دراسة حالة من ناحية، وكعمل أدبى يتم تعريفه كأدب سيرة ذاتية من ناحية أخرى. وفى هذا العرض، أختار الطريقة الأولى فهى تتلاءم مع دافع المؤلف إلى الكتابة كما كتب فى مقدمة هذا الكتاب.
وبغضّ النظر عن الإيضاح المذكور أعلاه، يمكننا تصنيف كلٍّ من دراسة الحالة حول المؤلف نفسه وأدب السيرة الذاتية ضمن مقولة واحدة تُسمَّى "التاريخ الشخصى". ومع ذلك فإن هذا الكتاب فريد إذْ أنه تاريخ شخصى لعالم اجتماع ينتهج شكلا خاصا لدراسة الحالة كسيرة ذاتية، وهذا أمر غير مألوف أبدا بين السِّيَر الذاتية للمثقفين. وعلى سبيل المثال، يمكننا تمييز علاقة متوترة نوعية بين الواصف والموضوع الموصوف أو بين المحلِّل والموضوع الذى يجرى تحليله فى هذه الدراسة. ويشتمل هذا الكتاب على الكثير من موادّ البحث الأولية فى مجالات الفولكلور والمعتقدات الشعبية، أما الاهتمام المكثف للمؤلف فهو ينصبّ على أنشطته البحثية. وجدير بالذكر أن هذه المواد الفولكلورية – مثل طقس "الزار" الذى كان يلعب دورا مهما فى فترة ولادته كما أوضح – لا تنتمى إلى أية ثقافة غريبة وجامدة موجودة خارج المحلِّل نفسه، بل لها، على العكس، علاقة دينامية لا تنفصم بتكوين شخصيته، أىْ بعملية تشكُّله الذاتى كعام اجتماع فى سياق تاريخه الشخصى.
كذلك يمكننا أن نستفيد من هذا الكتاب كمصدر لمواد بحثية لدراسة التاريخ الفكرى لمصر الحديثة، لأنه يوضِّح تطور الفكر الاجتماعى والسياسى لمثقف عاش فى عصر الثورات الوطنية. وفى تاريخ فكره الشخصى، هناك جانبان لشخصيته كمصلح اجتماعى (فى مجال الخدمة الاجتماعية) وكباحث اجتماعى فى مجال العلم اقترنا بصورة لا تنفصم وكأنهما نسيج واحد محبوك لتكوين مفكر اجتماعى عميق. كما أن هذا الاقتران لجانبين فى شخصيته قد تعزَّزَ بحماسه الوطنى الذى تعبِّر عنه كلماته فى المقدمة والتى تقول إنه لم يخطر بباله أن يدرس موضوعا بحثيا آخر سوى مصر. وكبداية لأنشطته البحثية تَوَخَّى "التعرُّف الصادق على اتجاهات أعضاء المجتمع المصرى المعاصر وما وراء هذه الاتجاهات من تراث ثقافى قديم ومتجدِّد". وهو يشير فى أعماله إلى التيار القوى للاستمرارية فى التراث الثقافى المصرى والذى قد يُساء فهمه كنوع مما يسمَّى "بالفرعونية". ويمكننا أن نجد، فى مثل هذا التعبير عن الإعجاب تجاه ثقافته الخاصة، استيعابا عميقا ومتعدد الطبقات "للتراث الثقافى المصرى" يتجاوز الفهم السطحى للأبنية الجمعية للثقافة. وهذا الاستيعاب ثمرة هائلة نضجت من خلال تكوين شخصية مركبة لهذا المثقف: إنه عامل ودود فى مجال الخدمة الاجتماعية وكذلك باحث اجتماعى رصين.
وتتألف هذه الدراسة من ثلاثة أجزاء؛ الجزء الأول: "الأرض والبذور"؛ الجزء الثانى: "ماء الحياة"؛ الجزء الثالث: "الثمار". وقد نُشرت هذه الأجزاء مسلسلة فى "كتاب الهلال" (العدد 417 سپتمبر 1985، والعدد 429 سپتمبر 1986، والعدد 443 نوڤمبر 1987). ووفقا لإيضاح المؤلف، فالجزء الأول قصة عن "الأرض"، أىْ أسرته، وأسرته الممتدة، وعشيرته، وجيرانه فى "الحارة" و "الحتَّة"، حيث بُذرت "بذور" المؤلف. ويتحدث فى الجزء الثانى عن "ماء الحياة الذى يتدفق ويستمر تدفقه دائما إلى الأمام.. دائما إلى المستقبل"، أىْ ماء نبع الأفكار التى التقى بها عندما كان يدرس بالخارج. وفى الجزء الثالث، يعرض الثمار، أىْ منتجات التفاعل بين "الأرض والبذور" و "ماء الحياة". ومن المفترض أن المصريِّين منذ العصور القديمة آمنوا بهذا: "مادامت الأرض ذاتها لا تُنتج ثمرة، لا البذر ولا الماء يحمل شيئا فى حد ذاته".
وبكلمات أخرى فإننا أمام مركَّب عضوى من تاريخ شخصى يتألف من ثلاثة عناصر: "أرض الوطن" التى أنبتت البذور، أىْ رمز المؤلف نفسه؛ والأفكار الحديثة التى منحته "ماء العقل" ليصير مُصْلِحًا اجتماعيا وباحثا اجتماعيا؛ وثمار البحث الناتجة عن التفاعل بين العنصرين المذكورين أعلاه. وهكذا توضِّح هذه الدراسة كيف أمكن لدارس غير أوروپى حصل على مناهج وأفكار العلوم الاجتماعية الحديثة أن يلتقى وجها لوجه بثقافته هو وأن يتأملها فى سياق تتبُّع تاريخ تكوين شخصيته.
هذه هى بنية الكتاب المذكور أعلاه، ولهذا يمكننا أن نقرأه باعتباره تشكُّلا شخصيا للمؤلف كعالم اجتماعى. وبالإضافة إلى ذلك، يمكننا أن نختار طريقة أخرى للقراءة من الوجه المناقض، لكى نبحث عن "الأرض والبذور" أو "ماء الحياة" فى "ثمار" دراساته. وفى القسم التالى، سأقدِّم بصفة جزئية بعض مضامين الكتاب الذى قمتُ بترجمته، موجِّها اهتمامات خاصة إلى العلاقة بين "الثمار" و "الأرض والبذور".
- 3 –
والجزء الذى قمتُ بترجمته من هذا الكتاب يشمل "المقدمة"؛ والفصل الأول: "أمى فى أسرتها التناسلية"؛ والفصل الثانى: "أبى فى أسرته الممتدة". ومن خلال قراءة الفصلين الأوليْن، اللذين يضمهما الجزء الخاص ب "أرض" حياته، واللذين يتعلقان بوالديه بوجه خاص، ليس من الصعب أن نتعرَّف على الطريقة التى جرى بها إلقاء "بذور" ثمار أبحاثه فى تلك الأرض. وعلى سبيل المثال، يمكننا أن نجد "فى الأرض" الدافع والخلفية للقيام ببحث أصبح أحد أهم أعماله: "من ملامح المجتمع المصرى المعاصر: ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعى" [المطبوع لأول مرة فى 1965] والذى يحلِّل فيه عبادة الأولياء فى سياق التراث الثقافى المصرى. وقد نشأ الدافع لبحثه حول هذه الظاهرة من اهتمامه العملى بأن "يُسْمِع أصوات الصامتين" وكذلك بأن يكشف عن "جرائم غير منظورة"، الأمر الذى أشار إليه فى نفس الكتاب (صفحات 19-29) [فى الطبعة الثانية المنشورة فى 1978]. على أننا – عندما نقرأ الجزء المترجم بعد مرور فترة ما – نخرج بانطباع مختلف: كان اختياره لموضوع البحث هذا حاسما لتاريخه الشخصى، وكأنه كان قد التقى بالموضوع المذكور الذى قُدِّرَ له التعريف ب "جذوره".
وعلى سبيل المثال، يمكننا العثور على "بذور" ثمار أبحاثه فى حادثة دراسة الحالة الأولى التى أجراها عن أسرة الصبىّ التى عاشت فى حوش قرافة، فى سياق حكاية تتصل بالقيم السائدة والوعى الأخلاقى السائد بين الفقراء الذين كانوا يستجدون المال فى جبانات حىّ الخليفة، أو فى سياق تجربته لزيارة لمقابر الأولياء برفقة والديه. غير أن الأكثر الأهمية من القصص المذكورة أعلاه يتمثل فى تجاربه الشخصية الخاصة ب "الميتات" التى واجهها داخل أسرته أثناء طفولته. ويحفل الفصلان الأولان بقصص تتعلق بالميتات والأموات. لقد عانى ميتات أخيه الأصغر، وأخته، وعمته، وعم أبيه، وأبيه.
وقد أثر موت أبيه فى حياته تأثيرا حاسما لأنه اضطر إلى التخلى عن دراسته فى المدرسة الثانوية لكى يقوم بإدارة دكان أبيه. وقد قُدِّر لمعانياته لهذه الميتات (إزاء لحظة كل ميتة منها، مرور الوقت المنقضى حتى الموت، مشاعر أفراد الأسرة إزاء الموتى) وكذلك لحساسيته فيما يتعلق بالموت والموتى أن تكون الأساس لدراسته اللاحقة للمعتقدات الشعبية فى "رسائل إلى الموتى"، الأمر الذى اعتبره تراثا ثقافيا أصيلا ظل المصريون يحتفظون به فى عقولهم منذ العصور القديمة.
ويتعلق أحد الموضوعات الرئيسية فى الجزء الذى قمتُ بترجمته هذه المرة، والتى ظهرت فى عناوين الفصول، بمشكلات "الأسرة"، مع تأكيد كبير على مسألة مكانة النساء فى الأسرة الأبوية الممتدة. وقد كرر المؤلف مرارا الحديث عن مكانة النساء والرابطة الأسرية فى المجتمع المصرى، ليس بصوت عالٍ بل بهدوء بكلمات غنية بالدلالة فى عمل مثل: "حديث عن المرأة المصرية المعاصرة: دراسة ثقافية اجتماعية" (منشور فى 1977). ويبيِّن لنا هذا الكتاب أن عينيه الدافئتين والمحبَّتين تجاه النساء المصريات نشأت أصلا من تاريخه الشخصى، خاصة ذلك الخاص بطفولته.
وعلى ما أتذكر فقد أدلى ذات مرة برأيه فى إحدى الجرائد حول مسألة إصلاح قانون الأحوال الشخصية الذى كان يثير مناقشة ساخنة فى مجلس الشعب. وقال إن الرسوم الجدارية الرائعة فى آثارنا القديمة تذكِّرنا اليوم بأن العلاقة المتكافئة بين الزوج والزوجة وبين الوالديْن وأطفالهما كانت، وينبغى أن تكون، أساس الوعى الأخلاقى فى المجتمع (الأهرام، 3 يونيو 1985). وهو يعتقد بقوة أن مثل هذا المعنى الأصلى للرابطة الأسرية كتراث ثقافى توارثه المصريون منذ العصور القديمة هو ما ينبغى تجديده فى سبيل إصلاح العلاقات الاجتماعية فى المجتمع المصرى المعاصر. على أنه لا يطالب بأىّ رفض جذرى للعلاقات الجذرية التقليدية ولا للوعى بالقيم الثقافية فى الماضى.
وعندما يصوِّر مشكلة المجتمع البطريركى (الأبوى) فهو لا يقوم بمجرد وصف علاقات أحادية الجانب بين النساء المضطهَدات (بفتح الهاء) والرجال الطغاة فى الأسرة. وعلى سبيل المثال فهو يصف جدته أُمَّ جده لأبيه التى اضطهدت بغلظة أفراد الأسرة بسلطة ساحقة وكانت هى "رجل البيت". وهذه القصة موحية بسمات البنية الأيديولوچية للنظام الأبوى فى المجتمع المصرى (أو العربى). وهو يشير أيضا إلى أن هذه العلاقة الأبوية مصحوبة دوما ببعض التوترات ويقدم مثلا من حياة زوجة عمه التى حاولت أن تتمرد على سلطة الرجال فى الأسرة. وكانت، فى طفولتها، مطلعة على الحياة ذات الطابع الغربى فى ذلك الحين من خلال أصدقاء والدها الذين كانوا ينتمون إلى طبقة "الأفندية". غير أن زواجها انتهى بها إلى الدخول فى أسرة تقليدية كبيرة فى المنطقة الحضرية الشعبية. وبينما تبدو أفعالها وكلماتها البريئة لكنْ الجريئة ضد رب الأسرة، أىْ جدّ المؤلف، حوادث تثير الابتسام، فإن أفعالها المتحدية ضد أب المؤلف، أىْ وكيل رب الأسرة، تثير الإشفاق، إذْ إننا نعلم أن هذه الأفعال كانت تعبيرا عن مشاعرها المركَّبة نحوه.
وبالإضافة إلى مشكلة النظام الأبوى فى الأُسَر المصرية، يكشف هذا الكتاب عن جوانب شتى فى العلاقات الأسرية داخل بيت كبير لأسرة تاجر عاشت فى حىّ حضرىّ شعبى بمدينة القاهرة. وعلى سبيل المثال، هناك وصف حىّ لعالم النساء فى الأسرة، بما فى ذلك النزاعات والصراعات بين "نساء البيت" اللائى أصبحن زوجات لأبناء الجد، وأخواته وبناته المتزوجات اللائى تركن الأسرة شرعا، وكذلك إدارة البيت، وبوجه خاص تقسيم العمل بين نساء أهل البيت. وجديرة بالتنويه كذلك تلك الأوصاف الخاصة بالعلاقات الاقتصادية بين أفراد الأسرة إذ إنها تشمل عُرْفًا خاصا بقيام الجد بتوزيع الملابس على أفراد الأسرة "كزكاة" فى شهر "محرَّم"، والعلاقات بين الدكاكين التى يديرها "رجال الأسرة" (جده، وأخو جده، وأبوه وعمه) ونوع من التجارة الأسرية فيما بين تجار القاهرة. وعندما تعمل أسرة ممتدة كجهاز قمع للسلطة الأبوية، أو كنظام اقتصادى لتجارة الأسرة وأسباب رزقها، فإنما على هذه الأسس يقوم العالم الغنىّ لمعنى العلاقات الأسرية بين أفراد الأسرة. ويبدو أن المؤلف يؤمن بالميراث الثقافى الوطنى الذى ظلّ يحافظ عليه المصريون منذ العصور القديمة والذى ينبغى أن يكون أساسا للنهضة الوطنية اليوم وفى المستقبل.
وينبع سحر هذا الكتاب من سحر جاذبية شخصية المؤلف. ويذكِّرنا حبه لأسرته وتعلُّقه بالموتى ببعض الدارسين الياپانيِّين البارزين الذين حاولوا بكل إخلاص وصدق بحث الميراث الثقافى للياپان التقليدية. وتماما كما جرى تشخيص المجتمع المصرى على أنه "مجتمع متمحور حول الأسرة" أو "مجتمع تسوده الأسرة"، جرى تشخيص المجتمع الياپانى كذلك على أنه "مجتمع الأسرة"، من جانب الكثير من الباحثين. كما حافظ المجتمع الياپانى على المعتقدات الخاصة بالموت واحترام الموتى كميراث ثقافى مهم. وإنى لآمل بصدق أن أقوم بدراسة مقارنة بين الباحثين الياپانيِّين وهذا المؤلف على أساس التاريخ الشخصى لكلٍّ منهم.
المصدر: Mediterranean World XIV, Published by the Mediterranean Studies Group Hitotsubashi University, Tokyo, 1995 ["عالم المتوسط"، العدد 14، مركز الدراسات المتوسطية، جامعة هيتوتسوباشى، طوكيو، 1995].


2
ثورة 1919 كما رآها طفل مصرى
عن كتاب سيد عويس: "التاريخ الذى أحمله على ظهرى، دراسة حالة"،
بقلم: المستعرب الياپانى: إيچى ناجاساوا
مقدمة
كانت ثورة 1919 انتفاضة شعبية كبرى تطمح إلى الاستقلال التام لمصر وإلى تحريرها من الحكم الاستعمارى البريطانى الذى تم إضفاء الطابع الرسمى عليه بعد إعلان الحماية على مصر فى ديسمبر 1914. وقد بدأت عاصفة الثورة كحركة احتجاج على نفى سعد زغلول وزعماء وطنيِّين آخرين حاولوا حضور مؤتمر السلام فى ڤرساى، غير أن الحكومة البريطانية رفضت حضورهم. وامتدت الثورة فى الحال إلى كل أنحاء البلاد، ليس فقط فى المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية، بل أيضا فى المناطق الريفية. وتُعد هذه الثورة واحدة من كبرى الانتفاضات الشعبية فى الشرق الأوسط خلال القرن العشرين، ويمكن مقارنتها بثورة 1979 الإيرانية. وفى حين أن أحداث الثورة الإيرانية كانت محصورة داخل حدود المدن الكبرى، كانت ثورة 1919 واحدة من كبرى الثورات الفلاحية فى العالم الثالث فى العصر الحديث [Goldberg 1992].
وقد وصف كثير من المؤلفين المصريِّين هذه الثورة باعتبارها حلقة وسيطة تربط بين ثورتين وطنيتين أخريين: الحركة العرابية فى 1881، وثورة يوليو 1952. غير أن تقييم ثورة 1919 ظل أمرا معقدا يُعتبر محورا للجدال السياسى فى كتابة تاريخ مصر المعاصرة [Kato 1989]. فمن جهة، فى الخطاب التاريخى الوطنى الرسمى (مثلا، الميثاق الوطنى المصرى الصادر فى 1962)، انتهت ثورة 1919 إلى "انتكاسة" للثورة الوطنية ولم تتكشف الديمقراطية بعد تلك الثورة إلا عن "ملهاة مهينة" استعانت بها "الفلول المنهزمة" من طبقتى كبار ملاك الأرض والبرچوازية، وكان من المقدر لها أن تلغيها الثورة الوطنية الحقيقية [The Charter: 25-26-الميثاق 39-40]. ومن جهة أخرى، نظر نقاد النظام الناشئ عن ثورة يوليو إلى ثورة 1919 على أنها أبرز حدث فى تاريخ الحركة الوطنية المصرية، وعلى أنها أدت إلى ظهور نظام الدولة الحديثة (نظام دستور 1923) وعلى أنها فتحت الباب لدخول عصر الليبرالية المصرية.
ويبدو أن دراسة هذه الثورة قد حققت تقدما بطيئا، رغم أننى لا أعرف ما إذا كانت قد تأثرت بالجدال السياسى المذكور من قبل أم لا. وما يزال أغلب الباحثين المصريِّين يستخدمون العمل الكلاسيكى للرافعى [الرافعى 1946] كمصدر أصلى، ويستخدمون أيضا تقرير القنصل البريطانى، والصحف، ومذكرات الزعماء السياسيِّين، وبعض الوثائق غير المنشورة (التماسات إلى المحكمة العسكرية، على سبيل المثال)، غير أنهم نادرا ما استخدموا موادَّ تقدم آراء الناس العاديِّين وتجاربهم فى الثورة. على أننا نجد، فى السنوات الأخيرة، ظهور بعض الاتجاهات الجديدة فى دراسة ثورة 1919. ويتمثل أحد هذه الاتجاهات فى محاولة وصف الثورة من وجهة نظر المجتمعات المحلية [الدسوقى 1981؛ إسماعيل 1991]، ويتمثل اتجاه آخر فى دراسات الباحثين الأجانب حول التمردات الفلاحية فى سياق الثورة باستخدام إطار نظرى مقارن جديد [Schulze 1981; Goldberg 1992]. ويجب أن نلاحظ أن الاتجاه الأخير، الذى يستخدم نظرية الاقتصاد الأخلاقى ونظريات أخرى، ينتمى إلى أحدث اتجاه فى الدراسات التى تدور حول السلوك السياسى للفلاحين المصريين [Brown 1990]، وهو يثير فكرة انتقادية لكتابة التاريخ الشعبوية البدائية التى تعتمد على استخدام مفهوم جرانيتىّ التجانس وجوهرىٍّ عن "الشعب".
وفى السنوات الأخيرة، نجد أيضا محاولة منهجية جديدة فى كتابة تاريخ الشرق الأوسط فى العصر الحديث يشدّد على "الشعب بدون تاريخ" الذى لا يستطيع أن يمثل نفسه. وترمى هذه المحاولة إلى نقد الكتابات التاريخية المتمحورة على النخبة والاختزالية التاريخية التقليدية للفاعلين اللاشخصيِّين، مثل الدين، والرأسمالية، والنظام العالمى [Burke 1993]. وبكلمات أخرى، فإن هذه المحاولة فى الكتابة التاريخية الجديدة ترمى إلى وصف "تجارب" الأفراد التوّاقين إلى تأمين حياتهم المعتادة التى كثيرا ما تقاذفتها أمواج الأيديولوچيات السياسية والتغيرات الاجتماعية الاقتصادية، وكانت مقيدة أيضا بالأنساق اللاشخصية المذكورة منذ قليل.
وفى هذا المقال، سوف يكون إسهامى من خلال وصف أصوات الناس الذين عاشوا تجربة ثورة 1919 من خلال عينىْ طفل. وفيما بعد صار هذا الصبى عالم اجتماع شهيرا، هو الدكتور سيد عويس (1913-1988)، المشهور بتأليف: "ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعى" [عويس 1965]. وكان واحدا من قلة من العلماء الاجتماعيِّين المصريِّين الذين قاموا بدراسة عميقة للتراث الثقافى الشعبى للمجتمع المصرى. وفى أواخر حياته كتب "دراسة حالة" فى شكل سيرة ذاتية، بعنوان: "التاريخ الذى أحمله على ظهرى" [عويس 1985]. وأنا أترجم الآن هذا الكتاب إلى الياپانية (انظرْ عرضى للكتاب [Nagasawa 1995] – للاطلاع على الترجمة العربية للعرض المذكور: انظرْ؛ أخبار الأدب، عدد 17 مارس 1996، ترجمة: خليل كلفت). وأعتقد أن هذه السيرة الذاتية لمثقف مصرى – نشأ وتربّى فى حىّ حضرى تقليدى بالقاهرة الإسلامية – مفيدة، كوثيقة غنية بصورة رائعة، فى دراسة التاريخ الاجتماعى لمصر الحديثة(1).
1: أسرة عويس وثورة 1919
ولد سيد عويس فى فبراير 1913 فى حى شعبى نموذجى بقسم الخليفة بالقاهرة. وكانت أسرة عويس فى ذلك الوقت أسرة كبيرة ممتدة يرأسها جدّه، الذى كان تاجرا غنيا وحاكما مطلقا للأسرة. وكانت هذه الأسرة تتألف من أبى سيّد وأمه؛ وأُسَر جدّه، وأخى جده، وأخى أبيه؛ ومن أقارب جدّته وآخرين (وصل عدد الأطفال إلى 15 من أفراد الأسرة). وعندما اندلعت الثورة، كان سيد فى السادسة فقط من عمره، وذهب إلى مدرسة أولية، وهو يتذكر فى السيرة الذاتية تأثير الثورة على أسرته على أنها "أحداث حزينة ومثيرة"، كما يلى:
ولا يمكن إلا أن أذكر ما حدث فى أثناء ثورة 1919. وكان الجميع يتحدثون عنها فى البيت وفى الشارع وفى المقهى. وكنت أعلم عنها عن طريق جدّى لأبى وعن طريق ابن عمى "عبد المنعم" الذى كان فى ذلك الحين شابا يافعا يدرس فى الأزهر (مركز التعليم الإسلامى السنى – إيچى ناجاساوا). كان الإنجليز يجوبون شوارع القاهرة وهم يحملون البنادق لينشروا الخوف والفزع فى قلوب المصريِّين أطفالا كانوا أو شبابا أو نساء أو رجالا. وعندما مر الإنجليز أمام الحارة التى يقع بيتنا فيها لم يكن ابن عمى "عبد المنعم" فى البيت. كان مع زملائه الشبان يملؤون الشوارع هتافا بحياة مصر وسقوط الإنجليز والخونة. عندئذ أىْ عندما مر الإنجليز حاملو البنادق أمام الحارة صرخت زوجة عمى "أم عبد المنعم" صراخا متواليا مزعجا. وكان أبى فى المنزل لسبب لا أعلمه. وعندما علم أن الصراخ صادر من إحدى حجرات المنزل خرج من غرفته ذاهبا إلى مصدره، وصاح فى زوجة عمى طالبا منها أن تصمت وإلَّا. كان أبى الابن الأكبر وكان يرى بحق أو من غير حق أنه صاحب البيت إذا غاب عنه أبوه، أىْ جدّى لأبى. فلم تصمت. ورأيته وكنت صغيرا فى السادسة يهجم عليها لكى يلطمها أو يهددها بذلك لكى تصمت، فما كان من أمى إلا أن حالت بينه وبين ذلك فوقفت بينهما. فما كان من أبى إلا أن وجدها أمامه فأفرغ شحنة غضبه بأن ضرب أمى على خدها وكانت حاملا. وسأذكر ما حييت أنه بعد ذلك قد هدأوا واستكانوا، وأن زوجت عمى هدأت واستكانت. أما أمى فقد حدث لها مالم أتبينه فى وقته إلا بعد أن رأيت ما يشبه اللعبة المصنوعة من اللحم الآدمى فى وعاء. وقيل لى وقتئذ أن هذه اللعبة قد نزلت من بطن أمى...
وران الصمت على البيت حتى رجع جدّى لأبى من عمله، ثم عاد ابن عمى "عبد المنعم" بعد الغروب. وإذا بزوبعة تثور. سمعت حديثا صاخبا يصدر عن جدى لأبى وابن عمى. كانا يبدوان لى وكأنهما يمثلان دورا على المسرح الذى ذهبت إليه ذات مرة مع أبى فى أحد الأعياد. كان جدّى وحده وفى إحدى يديه كرباج، أما اليد الأخرى فقد كانت ممسكة بذراع عبد المنعم وكان جدّى يقول صارخا: "ما لهم الإنجليز يا ولد يا خنزير؟ مش هُمَّ اللى جابوا لنا الكهربا، مش هم اللى جابوا لنا الترمواى، مالهم الإنجليز يا ولد يا خنزير؟، ويردّ عليه ابن عمى صارخا هاتفا "تحيا مصر. ويسقط الإنجليز". كان جدّى يقول ما يقول وهو يضرب ابن العم بالكرباج وكان يقول ابن العم هاتفا ما يقول وهو يُضْرَب بالكرباج. وكانت نساء البيت وكن كثيرات يقفن من بعيد وتُهَمْهِمُ الواحدة بعد الأخرى "معلهشى يا سيدى حرَّم خلاص". وأسمع وأنا مشدوه عبد المنعم هاتفا فى كل مرة يضرب فيها "تحيا مصر، تحيا مصر، يسقط الإنجليز، يسقط الإنجليز". وكنت ومعى أطفال الأسرة وكانوا كثيرين نقف ونسمع ولا نقول شيئا. ولكننا كنا نرى ما يحدث مشدوهين، وكانت قلوبنا الصغيرة التى بدأت تكبر تخفق لهتافات عبد المنعم، وكنا من أجل ذلك معه قلبا وقالبا، نحيِّيه ونأسى له، ولكننا لم نستطع أن نفعل شيئا [عويس 1985: 32-33 (32-34 طبعة كتاب الهلال – المترجم العربى)].
ومن المرجح أن يكون هذا الحدث قد وقع ذات يوم فى أواخر مارس 1919 بعد أن اندلعت الانتفاضة الشعبية الكبرى فى 9 مارس وتم إرسال عدد كبير من الجنود الإنجليز إلى مصر لقمع هذه الحركة الشعبية. وقد مرّ موكب عسكرى للجيش البريطانى بعد أن تجوَّل فى شوارع كثيرة فى القاهرة بزقاق فى حىّ شعبى عاشت فيه أسرة عويس. وهكذا اقترب صوت أحذية الجنود من الناس العاديِّين الذين لم يشتركوا مباشرة فى أىّ نوع من الحركة الوطنية كالمظاهرات المعادية لبريطانيا. وقد احتكَّ هؤلاء الناس بالاستعمار الكولونيالى لأول مرة ووجدوا أنفسهم وجها لوجه بصورة مباشرة أمام خطره، مما أثار توترات اجتماعية كان لها تأثير كبير على العلاقات داخل أسرتهم. لقد امتزج الحماس الثورى بالعاطفة الوطنية، وحرّكت فظاعة العنف الجوّ الساكن للحياة الأسرية المعتادة، وأثارت خلافات حادة بين أفرادها. وكما سنرى فيما بعد، هزت الثورة السلطة الأبوية داخل الأسرة وكشفت مثل هذه المواقف غير المعتادة بعض العلاقات الدقيقة وحتى المرهفة بين أفرادها، فيما يتعلق بالمواقف السياسية وكذلك أيضا بالمشاعر العاطفية.
وفى سياق هذه الأحداث، يجرى وصف الثورة على أنها جزء لا يتجزأ من تاريخ الأسرة. وفى هذا التاريخ الوطنى المصغر فى أسرة واحدة، وجدنا مجموعة من الأشخاص من أسرة عويس كانوا مشتركين فى الثورة بأشكال متباينة: زوجة عم الطفل سيد التى لم تستطع أن توقف صراخها لأنها كانت قلقة على ابنها الذى ذهب ليشترك فى المظاهرات المعادية لبريطانيا؛ وأبوه الذى وبّخ زوجة عمه صائحا فيها وحاول أن يهجم عليها؛ وأمه التى حاولت التدخل بينهما فضربها زوجها؛ وابن عمه وجدّه اللذين دخلا فى مواجهة وتشاجرا بعد عودتهما إلى المنزل؛ وأطفال الأسرة الذين أحسوا بتعاطف عميق مع ابن عمهم.
ومن الملائم أن نقول إن هذه الأشياء ربما كانت تمثل مواقف متباينة للمصريِّين إزاء ثورة 1919، ولكنْ ليس لكل المصريِّين بطبيعة الحال. وقد دلّت مواقف المصريِّين إزاء الثورة وسلوكهم فى سياقها وآراؤهم فى الحكم الاستعمارى البريطانى على أشكال بالغة التنوع وفقا لاختلاف مواقعهم الاجتماعية. وينبغى أن نحذر من تخيُّل شعب جرانيتىّ التجانس والوحدة يمكن تعبئته بصورة آلية فى الحركة الوطنية. وسننتقل هنا إلى التركيز على مشهد حىّ للمواجهة بين ابن عم الطفل سيد الذى تجرأ على الاشتراك فى مظاهرات خطرة وجدّه الذى أثبت موقفه المتعاطف مع الحكم البريطانى.
2: آراء مختلفة عن الحكم الاستعمارى البريطانى:
المواجهة بين ابن عم الطفل سيد وجدّه
بدأت ثورة مارس فى 9 مارس 1919 بعد اعتقال سعد زغلول ونفيه إلى مالطة فى 8 مارس بمظاهرة لطلاب مدرسة الحقوق التى كان قد تخرَّج منها. وكانوا يهتفون بأنه لا يمكنهم أن يدرسوا القانون فى بلد يُداس فيه على القانون بالأقدام، وانضمَّ إليهم طلاب كثيرون من مدارس أخرى مثل المدرسة الزراعية، ومدرسة الهندسة، ومدرسة الطب، والمدرسة الثانوية التجارية، ونظموا مظاهرات ضخمة، وكانوا يهتفون ب: "حياة مصر وزعامة سعد". وفى 10 مارس انضمَّ إلى هذه الحركة طلاب الأزهر حيث كان عبد المنعم يدرس، وكانت مظاهرتهم جيدة الإعداد والتنظيم وفقا لأحد المراقبين. وتلت هذه المظاهرات الطلابية إضرابات ضخمة للعمال وموظفى الحكومة، واشترك فى المظاهرات المعادية لبريطانيا طلاب المدارس الابتدائية، والطالبات، و – لدهشتنا – تلاميذ المدارس الأولية. وفى 11 مارس قُتل طالب، وكان أول ضحية، برصاص الجنود البريطانيِّين، وفى 16 مارس قُتلت امرأة من قسم الخليفة، مسقط رأس سيد، فكانت الضحية الأولى من الإناث فى المظاهرات [مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر 1984: 52-65]. واكتسبت هذه المظاهرات الدامية المعادية لبريطانيا المزيد من القوة عن طريق تنظيم سلسلة من مظاهرات جنازات هؤلاء الضحايا (ويمكن أن نجد نموذجا مماثلا لها للحركة الشعبية فى ثورة 1979 الإيرانية التى حدثت بعد ذلك بستين سنة).
وقد وقف طلاب الأزهر دائما على رأس هذه المظاهرات ولعبوا دورا مهمًّا فى مدّ الثورة إلى كل أنحاء البلاد، وبصفة خاصة إلى الريف لأن أغلب طلاب الأزهر كانوا من أبناء أعيان الريف [عبد المطلب 1990: 29]. وعندما تم إغلاق كل المدارس أثناء فترة اضطرابات الثورة، صار عبد المنعم مدرسا خصوصيا للأطفال فى الأسرة. وكان يعلمهم النحو العربى ويشرح لهم أيضا الشئون السياسية فى ذلك الحين. وحاول تحفيظهم القصائد الوطنية عن ظهر قلب. واعتقد الصغير سيد أن ابن عمه "كان يملك أدق نظرة لموقف الثورة بين أفراد الأسرة". والواقع أن عبد المنعم لعب فى الدعاية للثورة بين الجمهور العام بما فى ذلك الأُسَر العادية دورا مماثلا لدور زملائه من طلاب الأزهر عند عودتهم إلى قراهم.
وكان جدّ سيد، الذى ضرب حفيده غاضبا بكرباج، صارخا بأنه خنزير يجهل فوائد الحكم البريطانى، نوعا من أغنياء الحرب جمع ثروته أثناء الحرب العالمية الأولى. وقد ورث دكَّان عطارة من أمه، أم جدة سيد، التى كانوا ينظرون إليها فى الواقع على أنها "رجل البيت"، ثم قام بتوسيع تجارته عن طريق الحصول على مركز الوكيل الوحيد لشركة شل للپترول بالقاهرة وبدأ يتاجر فى الپترول، والبنزين، وشحوم السيارات وزيوتها، فضلا عن الشمع. وفتح مكتبا فى ميدان العتبة، وهو مركز تجارى مشهور فى القاهرة، ووسع تجارته بزيادة زبائنه فى كل أنحاء المدينة، واشترى فى نهاية الأمر عشرة دكاكين وعشرة بيوت. وكان تقديره للحكم الاستعمارى البريطانى وكأنه حقق التطور الاقتصادى فيما يبدو من خلال تدفق رأس المال الأجنبى وتشييد البنية التحتية الحديثة منذ الاحتلال البريطانى فى 1882.
غير أن الجدّ، شأنه فى ذلك شأن عبد المنعم، قام أيضا بتعليم أحفاده وفقا لطريقته الخاصة. فكان يأمرهم كل يوم بأن يقرأوا بصوت مرتفع مقالات من الصحف أمامه، وكان يصحح أخطاءهم النحوية. ويتذكر سيد نفسه جيدا أنه قرأ مقالا عن اغتيال السير لى ستاك، الحاكم العام للسودان فى نوڤمبر 1924. وينبغى أن نلاحظ أن الجدّ وابن العم كليهما كانت لهما "بيئة ثقافية مشتركة": أىْ، التراث الفكرى الإسلامى رغم اختلاف آرائهما عن الحكم الاستعمارى البريطانى. والواقع أن الجدّ، الذى كان يملك مجموعة ضخمة من الكتب عن الإسلام مثل كتب تفسير القرآن فى مكتبته، كان يأمر ابن العم أحيانا بأن يقرأ أحد هذه الكتب على أحفاده.
3: هزّ السلطة: الأب وزوجة العم
يُنظر إلى الحارة فى القاهرة، وكذلك فى مدن أخرى فى الشرق الأوسط، على أنها مكان اجتماعى خاص وحميم، على النقيض من الشارع كمكان عام. وكانت حارة سيد، التى كانت تتألف من ستة بيوت، ملعبا آمنا للأطفال الذين كان بوسعهم أن يأخذوا الخبز والماء من أىّ منزل فى الحارة فى أىّ وقت يشاءون. وفى العادة كان سيد وأصدقاؤه يلعبون الكرة هناك وفى شهر رمضان كانوا يصنعون نموذجا لمدفع بالقرميد كان يُستخدم لمعرفة وقت الإفطار. ولهذا فعندما أتى الجيش البريطانى من الشوارع الرئيسية إلى مقربة من مداخل الحوارى، نظر الناس العاديون فى الحوارى إلى هذا الاستعراض نفسه على أنه غزو خطير لمكان معيشتهم الخاصة.
وكانت زوجة العم زينب، أم عبد المنعم، هى التى كان رد فعلها على الاستعراض العسكرى هو الأكثر حساسية فى الأسرة. فقد صرخت صراخا حادًّا لأنها كانت قلقة على ابنها الذى كان يشترك فى المظاهرات المعادية لبريطانيا فى ذلك الحين. ولم تتوقف عن الصراخ رغم أن والد سيد كان فى المنزل. أو أنها علمت ذلك جيدا وتجرأت على أن تفعل هذا عن عمد. وقد قامت بمثل هذا "التحدى المستهين"، فيما يتصور الصبىّ، لأنه كانت لها أحاسيس معقدة نحو أبيه.
وكانت زوجة العم زينب إنسانة غريبة فى أسرة عويس. وكان أبوها من طبقة "الأفندية" (أصحاب الياقات البيضاء الحضريون المتعلمون)، وكان يعمل "كاتبا" فى "دائرة" يملكها أمير. وقد اضطرت زينب إلى مغادرة بيت أبيها وكانت ما تزال طفلة بمجرد أن ماتت أمها وتزوَّج أبوها من زوجته الثانية. وقد تربّت عند أسرة أمها، غير أنه كان يُسمح لها أحيانا بزيارة بيت أبيها فكانت تسنح لها فرصة الاتصال بعالم أبيها، مجتمع "الأفندية". وكانت تتمنى الانضمام إلى هذا المجتمع الراقى ذى الطابع الغربى، غير أن هذا كان مستحيلا. وفى نهاية المطاف تزوج منها عم الطفل سيد فانضمت إلى أسرة نموذجية من أسر الناس العاديِّين فى حىّ شعبى، وإنْ كانت قد احتفظت بعاطفة معقدة نحو عالم أبيها. وقد جاءت إلى الأسرة بسلوك صعب المراس، فكانت تُبدى رفضها لعاداتها، وأحدثت اضطرابا فى علاقاتها التقليدية. وكان مما لا يمكن تصوره فى نظر بقية أفراد الأسرة أن تتحدث بكل تلك الصراحة، وحتى أن تجرؤ على أن تطلب المال من الجدّ الذى كان كل أفراد الأسرة ينظرون إليه على أنه رأس الأسرة الرهيب ذو السلطة المطلقة.
وكان يبدو أنها تتخذ موقفا معقدا إزاء أبى سيد. ورغم أنها حاولت أن تقوم "بهجوم سيكولوچى" عليه، هو الحارس على عادات وتقاليد الأسرة، إلا أنها كانت تشعر بعاطفة معقدة نحوه. وذات يوم، تجرأت على دعوة زوج "أختها" – وكانت سمعته تشوبها الشوائب(2) إلى المنزل. وقد فعلت هذا رغم علمها أن أبا سيد كان بالمنزل، وقد وبَّخها بقسوة وطرده. غير أنها ما كانت امرأة غير مخلصة أو غير أخلاقية. وبالأحرى، كما يفسر سيد، فقد تجرأت على الإقدام على مثل هذا التحدى المشين لأنها كانت تُجلّ المركز الرفيع لأبيه فى الأسرة. وبدا أنها اعتبرت أن أم سيد لا تستحق رجلا رائعا مثل زوجها. وكانت فى بعض الأحيان تراقب عن عمد أمّ سيد وهى تستقبل عند الباب أباه الذى عاد من عمله. وكانت زوجة عم بغيضة للصغير سيد. وعلى سبيل المثال، يتذكر سيد أنها شرحت له أن أباه أصيب بأول نوبة قلبية لأنه حاول أن يمارس حقه فى الحياة الزوجية. غير أنه يمكن الآن أن يفهم السبب فى أنها لم تكفّ عن صراخها فى ذلك اليوم:
كانت تملؤها الرهبة من الرجال الذين يسيرون فى استعراض عسكرى (الجنود الإنجليز) ربما لأنها أساءت فَهْمَ أنهم أتوا إلى الأسرة لكى يحرموها من مركز رأس الأسرة، الرجل صاحب السلطة رسميا وفعليا (أىْ، والد سيد). ويمكن اعتبار الرهبة التى أبدتها فى مثل ذلك الموقف تعبيرا عن صلفها الكاذب وزهوها، غير أن السلوك الذى سلكته فى ذلك الحين نتج عن ظروف ثقافية، واجتماعية، واقتصادية، وسياسية متباينة [عويس 1985: 46](3).
4: الوعى الوطنى للأم
كان إجهاض أمه هو المشهد المؤثر للغاية فى نفس الصغير سيد وأصبح محفورا فى عقله وصار لا يُنسى. ولم يُرزق أبواه سوى بطفل واحد، فى حين كان لدى كل زوج وزوجة فى الأسرة أطفال كثيرون. وقد علم أن بعض إخوته وأخواته ماتوا بعد ولادتهم مباشرة. ولهذا حاولت أمه وعماته إقامة حفل "زار" (طقس لتهدئة الأرواح التى قد تسيطر على شخص) لكى يُولد(4). وقد قٌمْنَ حتى بخداع أبيه الذى كان ينظر إلى هذا الطقس على أنه من الخرافات (غير أن سيد افترض أن الأب ربما كان قد علم بذلك وتعاون معهن). وقد فهم بعمق الميل الخاص من جانب والديه نحوه، هو طفلهما الوحيد. وهو يتذكر جيدا أن أخاه الصغير توفى بعد ميلاده بشهرين، وأن أخته أيضا ماتت فى الثالثة من عمرها. وقد تسنّى له أن يعرف أنه كان له أخ أكبر توفى أيضا، وكان اسمه كامل، عندما كان يُنَادَى على أبيه وأمه على أنهما أبو كامل وأمّ كامل، حتى فيما بينهما. وكان اسم ابنهما الأكبر مأخوذا من اسم الزعيم الوطنى الشهير، مصطفى كامل. وكان اسم سيد ذاته مأخوذا من اسم الولى الصوفى، السيد البدوى [الذى يوجد ضريحه] فى طنطا. وهو يؤكد أن المصريين احتفظوا بتقليد قديم جدا فى تسمية أطفالهم بأسماء الآلهة، والقديسين المسيحيِّين، والأولياء المسلمين، والملوك، والزعماء السياسيِّين منذ زمن العصر الفرعونى.
وفى سيرته الذاتية، كتب سيد قائلا إنه اشترك فى المظاهرات المعادية لبريطانيا مرتين. وقد احتفظ فى ذاكرته ببعض الكلمات التى قالتها له أمه عند عودته إلى البيت أثناء تلك الأيام الثورية. وهو يتذكرها كما يلى:
وإننى أذكر أيضا ما قالته لى أمى فى أثناء هذه الثورة الشعبية العظيمة، هذه الأم التى عرف القارئ حتى الآن بعض سمات شخصيتها التى لا تدل أبدا على الوعى الوطنى الكافى لا عن تقاعس ولكنْ لأن هموم الحياة الأخرى وظروف نشأتها قد أعجزتها عن ذلك. قالت لى وعيناها مغرورقتان بالدموع "سيد اللِّوا سمُّوه... سمُّوه الإنجليز". ولم أعرف مَنْ أو ما هو "اللِّوا" وإن عرفت المقطع الثانى. وكانت تعنى "اللِّوا" مصطفى كامل الذى مات وهو فى شرخ الشباب(5). ومن أجل ذلك سرت شائعة فى صفوف الملايين بأن هذا الزعيم العظيم لا يمكن أن يكون قد مات ميتة طبيعية وبأن أعداءه وأعداء المصريين هم الذين قتلوه بالسمّ. ومَنْ يكون هؤلاء الأعداء سوى الإنجليز أعداء الحرية التى كان ينادى بها، بل كرس حياته القصيرة من أجلها هذا الزعيم [عويس 1985: 58-59]... وأذكر الآن ما اختلج فى جوانحها، وأن الدمع كاد أن يجرى من عينيها. وكانت لحظة أكدت لى فيما بعد أن الظالم المستبد يذكُر عادة ما يفعله وينسى ما هو أهم، ردّ فعل ما فعل، وأن الوطنية مشاعر لا يقف فى سبيل وجودها فقر أو جهل أو حتى ضباب فكرى [عويس 1985: 81-82].
هذا هو تفسيره الموضوعى للوعى الوطنى لأمه. ومن المفترض أنه كان لكلماتها تأثير كبير على تطوره الفكرى. وربما جاز لنا أن نقوم بهذا التأمل حول هذه القصة كما يلى. فى ذلك الحين، ربما كانت أمّ سيد قد تذكرت مصطفى كامل "المسموم" (فيما اعتقدتْ) فذكَّرها بابنها الميت، وهو كامل آخر. وربما تذكرت بعد ذلك سيد، الذى كان يشترك فى مظاهرة فى الشوارع، فكانت شديدة القلق بسبب صورتىْ الكاملين، على "ابنيْها الميتين". ويمكن القول إن الوعى الوطنى قد ينشأ فى عقول الأفراد من نسج خيوط مشاعر الأشخاص الحميمين لتصنع قماشة عريضة من الإيمان المشترك بوطن. وخلال الأيام المتوترة أثناء الثورة، كان الوعى الوطنى يتشكل فى عقل الأم، عن طريق تداخل صور أبنائها بعد أن مرت من جديد بحادث حزين آخر هو إسقاط جنينها.
5: ثورة 1919 والصغير سيد
من السمات المتميزة لثورة 1919أن مختلف الفئات والمجموعات الاجتماعية فى كل من المدن والقرى اشتركت فيها كلها معا. وعلى وجه الخصوص ما زال يُشار بصورة متكررة إلى يومنا هذا إلى أن المسلمين والأقباط تعاونوا وعززوا تضامنهم الوطنى أثناء الثورة، وكذلك إلى أن النساء لعبن دورا مهمًّا فيها. والواقع أن أول مظاهرة نسائية فى 16 مارس أعلنت نقطة البداية للحركة النسائية المصرية. وإلى جانب هؤلاء المشاركين الكبار، تمت تعبئة الأطفال أيضا فى ثورة 1919. وقد لوحظ بصورة متكررة أن الأطفال شاركوا بحيوية فى الحركات الجماهيرية فى مدن الشرق الأوسط، كما حدث فى حركة الانتفاضة فى فلسطين المحتلة وفى أحداث شغب حضرية أخرى. وفيما يتعلق بهذه النقطة، من المثير أن نقارن هذه الحركات الحديثة بتلك التى جرت فى العصور الوسطى. وينبغى أن نلاحظ أيضا أن أطفالا كثيرين سقطوا ضحايا فى ثورة 1919 كما فى حالة الانتفاضة.
ووفقا لذاكرة سيد فقد اشترك فى الثورة مرتين. فى الأولى، اشترك فى إضراب ومظاهرة نظمهما طلاب أكبر منه فى المدرسة الأولية، وفى الثانية اشترك فى مظاهرة أخرى هتف فيها مع أصدقائه: "فلتسقط لجنة ملنر"، دون أن يعرف ما يعنيه هذا الهتاف(6). ويمكن أن نسمى ثورة 1919 بثورة الأغانى، لأنه أثناء أيام الثورة انتشر فى كل أنحاء البلاد عدد من الأغانى الشعبية الوطنية والأناشيد، التى تضمنت أحيانا كراهية الشعب للحكم الاستعمارى البريطانى. وكان سيد نفسه ينشد كل يوم أغانى ثورية مثل أغانى سيد درويش، الموسيقى الشهير فى تلك الأيام.
وحتى بعد أن مرت ذروة الثورة، ظل حماسها باقيا فى حياة الصغير سيد. وذات يوم لاحظ أن المئات من طلاب المدارس الثانوية قاموا بغزو فناء المدرسة الابتدائية التى دخلها بعد تخرجه من المدرسة الأولية فى 1921 فى الثامنة من عمره . فقد كسروا بوابة المدرسة، ودخلوا الفناء، واحتلوه. وكان يوم امتحان. غير أن الامتحان تم إلغاؤه، وأطلّ سيد وأصدقاؤه إلى الفناء من نوافذ حجرات الدراسة، ولاحظوا أن ناظر المدرسة محاط بمجموعة من طلاب المدارس الثانوية. وقد اعتاد هذا الناظر أن يقف متشامخا كعملاق، ولكنه بدا فى ذلك اليوم أشبه بقزم بين مجموعة من طلاب المدارس الثانوية. لقد هزت الثورة نظام السلطة فى المدرسة كما فى الأسرة.
ومع ذلك فمن الصحيح أيضا أن ناظر المدرسة هذا قد ساعد طلابه على صقل وعيهم الوطنى من خلال طريقته الفريدة فى التعليم. فقد انجذب الصغير سيد إلى رسم بيانى بالتسلسل الزمنى للأُسٍر الحاكمة الفرعونية القديمة رسمه ناظر المدرسة وتأثر بعمق برحلة نظمها الناظر نفسه إلى الأهرامات وأبى الهول فى الجيزة. ومن خلال مثل هذا التعليم، دراسة التراث التاريخى، أحسَّ هو ورفاق دراسته بالنفور من الأتراك ومن أمّ الملك كلما عادت من إجازتها الصيفية فى تركيا. وكان هذا أيضا هو السبب فى أنه أحسَّ بالاستياء من موقف متغطرس لمدرس إنجليزى التقى به أيام المدرسة الثانوية.
وإلى جانب تأثير التعليم فى المدارس على وعيه الوطنى، تأثر تطوره الفكرى أيضا بالتعليم بمعناه الواسع فى الأسرة والمجتمع المحلى. فبالإضافة إلى الدروس الخاصة التى أشرنا إليها من قبل والتى تلقاها من الأب وابن العم فى الأسرة، كانت اللقاءات السياسية لأبيه وأصدقائه هى التى قدمت فرصة مهمة ل سيد لتأكيد فكره الوطنى. وكان أصدقاء أبيه يعملون فى مهن مختلفة، فمنهم الترزى، والنقاش، وضابط الجيش، والكاتب، وصاحب المكتبة، غير أنهم جميعا كانوا يشكلون "شلّة" كما تسمى فى الحياة السياسية المصرية.
وفى أغسطس 1927، شهد الصبىّ موكب جنازة سعد زغلول، وكانت جنازة ضخمة وقد دفن فى قرافة الإمام الشافعى بجوار الحىّ الذى تقع فيه وكالة أبيه. وقدَّم، وكان فى الرابعة عشرة من عمره، تقييما باردا ل سعد زغلول كسياسى. فقد قال: "وكان إنسانا من حقه أن يخطئ أحيانا وأن يصيب أحيانا أخرى" [عويس 1985: 111](7).
وكان السياسيون فى حزب الوفد الذى تزعَّمه سعد يُعتبرون الجيل الجديد من القادة السياسيِّين الذين قاموا بتقوية مركزهم أثناء ثورة 1919. وعلى العكس من الجيل القديم للحزب الوطنى، كانوا قد تلقوا تعليما حديثا وحصلوا على خبرات إدارية فى ظل الحكم البريطانى. غير أن من الأهمية بمكان أن سيد الصغير، رغم أنه كان يشعر بالتعاطف مع الحزب الوطنى، بدا أنه بدأ يدرك بصورة مبهمة مجيء عهد ما بعد الوفد، الطريق إلى ثورة يوليو، من خلال فهمه لخلفيتها الاجتماعية عبر تجاربه الشخصية فى تلك الفترة بعد ثورة 1919. وهذه التجارب هى التى أثرت تأثيرا كبيرا على تطوره الفكرى عبر حياته الأكاديمية كمتخصص فى أنشطة الخدمة الاجتماعية وكذلك أيضا كباحث سوسيولوچى.
وذات يوم لعب الكرة مع أصدقائه فى أرض فسيحة بجوار القلعة. وفى طريق عودتهم رأوا نساء شبه عاريات تحت سور القلعة. "وكان النصف الأسفل من أجسامهن عاريا تماما، وكانت كل واحدة منهن تضرب ساقيها بيديها وما تحت الساقين وما بينهما صائحة: ’هالو جونى جيفت مونى‘، ’هالو چورچ جيفت فود‘، والإنجليز يضحكون ويهللون ويقذفوهن بـ ’البقسماط‘ أحيانا، وبـ ’السليقة‘ أحيانا أخرى". وعند رؤية هذا المنظر، قذف سيد وأصدقاؤه هؤلاء النسوة بالحجارة حتى غضبن وأخذن يجرين يطاردن الصبية غير أنهن لم يستطعن اللحاق بهم [عويس 1985: 96](8). وكان هؤلاء النسوة من الفقراء الذين يعيشون فى حىّ الخليفة، يقتاتون على ما يشحذون من أولئك الذين يزورون مقابر أسرهم أو مشاهير أولياء الله من المسلمين.
وعلاوة على هذا، ففى النصف الأول من العشرينات، فقد عدد كبير من العمال الذين عرفهم الصبى جيدا أعمالهم بسبب الأزمة الاقتصادية بعد الحرب العالمية الأولى(9). فكانوا مجبرين على كسب قوتهم من بيع الأطعمة ومن أعمال أخرى متنوعة. وبالإضافة إلى ذلك، لاحظ أن الكثيرين من الناس كانوا يجنَّدون كعمال فى الجيش البريطانى للحصول على "كسرة خبز" فى زمن الحرب. وكانوا يرسلونهم إلى سوريا وفلسطين، تاركين وراءهم أسرهم فى مصر. ويقال إن عدد المزارعين المجندين للخدمة العسكرية كعمال وصل إلى مليون ونصف مليون، وصار هذا التجنيد أحد أهم أسباب ثورة 1919 [بركات 1991: 66-67؛ Goldberg 1992: 268-271].
وفى وقت لاحق، ترك سيد المدرسة الثانوية نتيجة لموت أبيه، غير أنه لم يستطع أن يتخلى عن أمله فى الدراسة فدخل مدرسة الخدمة الاجتماعية بالقاهرة فى عام 1938 وكان فى الخامسة والثلاثين من عمره فى ذلك الحين(10). وفى أول يوم من أول تدريب على دراسة حالة فى هذه المدرسة، التقى بأسرة فقيرة جدا تعيش فى "حوش قرافة" فى حىّ الخليفة، فى منطقة أزقة مدينية صارت تسمى "مدينة الأموات". وعندما التقى بهذه الأسرة وأصيب بصدمة جعلته يشعر بأن عينيه "قد استُبدلت بهما عينان أخريان" [عويس 1985: 11]، استحوذ على كيانه نفس العقل النقدى الذى استشعره أيام ثورة 1919. إنه عقله النقدى الفريد الذى ظل ينشد الإصلاح الاجتماعى فى مصر والذى امتزج بإحساسه الوطنى.
إشارات
1: ثلاثية نجيب محفوظ الروائية (بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية) تقدم لنا أيضا صورة نموذجية للأسرة القاهرية وتصور اشتراك أفرادها الشبان فى ثورة 1919 [محفوظ 1956، 1957 [1971، 1972، 1976)]. ويمكن أن نقارن هذه الرواية بالسيرة الذاتية ل عويس – إشارة للمؤلف.
2: كانت هذه المرأة تستقبل زوج "أختها" الذى كانت تشوب سمعته الشوائب على مسمع ومرأى من الجميع، ولم تستقبل صديقا أو عشيقا كما جاء فى نص المستعرب الياپانى – إشارة المترجم.
3: تركنا استشهاد المستعرب الياپانى كما هو لكى يتابع الصلة بين استنتاج صحيح فى حد ذاته بشأن نزوع الرهبة من الإنجليز إلى تحطيم رهبة رأس الأسرة، وبين استشهاد لا يتضمن هذا المعنى وإنْ بدا كذلك نتيجة لقراءة خاطئة لنص عويس فى هذا الموضع. على أن الصفحة السابقة للصفحة التى يأخذ منها استشهاده تشتمل على نص يشير إلى رهبة الإنجليز ورهبة أبى سيد:
وكانت تفعل ذلك وغيره متحدية أبى فى بعض الأحيان. إنها تعلم مكانة هذا الرجل وهى تنزله فى قلبها منزلة رفيعة، ومع ذلك تراها تصرخ صراخا رهيبا وهو فى البيت عندما مرّ الجنود وهم مدججون بالسلاح أمام الحارة التى نسكن فيها لأن ولدها عبد المنعم كان فى ذلك الحين خارج المنزل، كان يشترك فى مظاهرة ثورة 1919 (ص45، نفس المصدر).
وجاء فى موضع سابق:
كان الإنجليز يجوبون شوارع القاهرة وهم يحملون البنادق لينشروا الخوف والفزع فى قلوب المصريين أطفالا كانوا أو شبابا أو نساء أو رجالا. وعندما مرّ الإنجليز أمام الحارة التى يقع بيتنا فيها لم يكن ابن عمى "عبد المنعم" فى البيت، كان مع زملائه الشبان يملؤون الشوارع هتافا بحياة مصر وسقوط الإنجليز والخونة. عندئذ أىْ عندما مرّ الإنجليز حاملو البنادق أمام الحارة صرخت زوجة عمى "أم عبد المنعم" صراخا متواليا مزعجا. وكان أبى فى المنزل" (ص32، نفس المصدر).
وينبغى الآن أن نعيد اقتباس ذلك الاستشهاد الذى أسيء فهمه وأسيئت بالتالى ترجمته إلى الإنجليزية، فبعد الإشارة إلى الاستقبال المهيب الذى كان يلقاه أبو سيد من زوجته أم سيد، يعلق الدكتور سيد عويس قائلا:
"إنها الرهبة التى كان يشعّها الرجال فى ذلك الحين أو تلك التى كان يشعّها بعض الرجال عندما يؤدون دور صاحب السلطة والنفوذ دور رب العائلة الرسمى أو الفعلى. تبدو هذه الرهبة فى هذه المواقف التى إن دلت على شيء فهى تدل على الزهو الكاذب والصلف الذى لا داعى له. ولكنها الظروف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الظروف السياسية كانت كلها من وراء هذه الأنماط السلوكية فى ذلك الحين" (ص46، نفس المصدر).
ومن الواضح أن هذا الاستشهاد الأخير كان ينبغى أن يتطابق مع الاستشهاد الوارد فى المقال. غير أن الأصل يخلو تماما من الكثير مما نجده فى استشهاد المقال. فالرجال الذين يشعُّون الهيبة هم أبو سيد وأمثاله وليس الجنود الإنجليز، ولا وجود لأىّ استعراض عسكرى ولا لأىّ إشارة إلى مجيء هؤلاء لحرمان الأسرة المصرية من مركز رأس الأسرة. كما أن الاستشهاد الأصلى يخلو من أىّ إشارة إلى زوجة العم زينب ولا إلى أن الرهبة كانت تملؤها ولا إلى أنها أساءت فهم شيء ما ولا إلى أنها أبدت رهبة ولا إلى أنها عبرت بذلك عن صلفها وزهوها ولا إلى أنها سلكت سلوكا ما من أىّ نوع. ويبدو أن الأستاذ إيچى ناجاساوا فَهِمَ أن زينب هى المقصودة بعبارة "إنها" فأخطأ قراءة الاستشهاد كله – إشارة المترجم.
4: فى الحقيقة لم يكن هناك حفل زار، بل كان الأمر يتعلق بطقوس التبخير والعقد من أجل حفظ الحمل والولادة وذلك على يد الحاجة صابرة كوديا الزار – إشارة المترجم.
5: "اللواء" هو اسم الصحيفة التى أصدرها هذا الزعيم الوطنى الذى مات فى الثانية والثلاثين من عمره فى 1908، واعتاد الناس أن يطلقوا عليه هذا اللقب – إشارة المؤلف.
6: أرسلت الحكومة البريطانية لجنة ملنر لتقصى الحقائق حول الوضع المضطرب فى مصر وشروط المصالحة مع الزعماء الوطنيِّين المصريِّين من ديسمبر 1919 إلى أپريل 1920، غير أن حركة مقاطعة هذه اللجنة امتدت إلى كل أنحاء البلاد – إشارة المؤلف.
7: يبدو أن وصف تقييم الصبىّ سيد ل سعد زغلول بأنه بارد يرتبط بالترجمة الخاطئة لهذا الاستشهاد، وقد أثبتنا الأصل الصحيح للاستشهاد فى متن المقال، أما الترجمة الإنجليزية الخاطئة له فيمكن أن نعيد ترجمتها إلى شيء من قبيل: "كان فى الحقيقة إنسانا ارتكب أخطاءً أحيانا وكان مصابا (أو: مبتلًى) بها (أىْ: بالأخطاء)" – إشارة المترجم.
8: هناك خطأ فى الترجمة الإنجليزية جعل هؤلاء النسوة يلطمن "يضربن بأيديهن على خدودهن"، فى حين أنهن كن يفعلن شيئا آخر استدعى توسيع الاستشهاد قليلا – إشارة المترجم.
9: يشير الدكتور سيد عويس إلى "العشرينات فى النصف الأخير" وإلى "الكساد (الذى) كان يضغط على أنفاس سكان الحىّ من العمال" (ص96، نفس المصدر) – إشارة المترجم.
10: يشير الدكتور سيد عويس إلى 16 من شهر أكتوبر عام 1937 باعتباره تاريخ افتتاح مدرسة الخدمة الاجتماعية بالقاهرة وحضوره أول محاضرة كطالب فيها، أما عام 1938 فقد كان تاريخ قيامه بدراسة حالة أول حدث جانح متهم فى جريمة أمام محكمة الأحداث بالقاهرة وليس تاريخ دخوله تلك المدرسة – إشارة المترجم.

مراجع
أولا: بلغات أخرى
• Barakat, ‘Ali (Trans. By Kato, Hiroshi and Nagasawa, Eiji) 1991, Peasant Revolts in Modern Egypt, 1769-1952, M.E.S. series no. 30, Institute of Developing Economics (in Japanese).
• Brown, Nathan 1990, Peasant Politics in Modern Egypt: The Struggle Against State, New Haven, Yale University.
• Burke, III, Edmond 1993, “Middle Eastern Societies and Ordinary People’s Lives”, in Burke ed., Struggle and Survival in the Modern Middle East, Berkeley, University of California Press.
• The Charter, n.d., Cairo, State Information Service, United Arab Republic.
• Goldberg, Ellis 1992, “Peasants in Revolt: Egypt 1919”, International Journal of Middle Eastern Studies (24): 261-280.
• Kato, Hiroshi 1989, “The 1919 Revolution”, in the Study Group on the Social Change in the Arab East ed., An Annotated Bibliography the Modern History of the Arab East, Chapter 1, “Egypt”, Institute of Developing Economics, pp. 8-9 (in Japanese).
• Nagasawa, Eiji 1995, “An Autobiography as Case Study of an Egyptian Sociologist: Sayyid ‘Uways, The History Which I Carry on My Back”, Mediterranean World XIV (The Mediterranean Studies Group, Hitotsubashi University, Tokyo.
• Shulze, Reinhard 1981, Die Rebellion der Aegyptischen Fallahin 1919, Bonn, Ballbek Verlag.

ثانيا: باللغة العربية
1: إسماعيل، حمادة محمود 1991، "دور الأقاليم فى تاريخ مصر السياسى: قراءة فى التاريخ السياسى لمديرية القليوبية، 1919-1936"، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
2: الدسوقى، عاصم 1981، "ثورة 1919 فى الأقاليم: من الوثائق البريطانية، القاهرة"، دار الكتاب الجامعى.
3: "الرافعى، عبد الرحمن 1946، "ثورة سنة 1919"، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية.
4: عبد المطلب، عاصم محروس 1990، "دور الطلبة فى ثورة 1919، 1919-1922"، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
5: عويس، سيد 1965، "من ملامح المجتمع المصرى المعاصر: ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعى"، القاهرة، مطبعة دار الشعب.
-- :6 1985، "التاريخ الذى أحمله على ظهرى، دراسة حالة"، القاهرة، دار الهلال، الجزء الأول.
7: محفوظ، نجيب 1956 (1972)، "بين القصرين"، القاهرة، مكتبة مصر، الطبعة التاسعة.
8: -- 1957 (1971)، "قصر الشوق"، القاهرة، مكتبة مصر، الطبعة الثامنة.
9: -- 1957 (1976)، "السكرية"، القاهرة، مكتبة مصر، الطبعة السابعة.
10: مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر 1984، "شهداء ثورة سنة 1919"، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
11: "الميثاق"، قدَّمه الرئيس جمال عبد الناصر إلى المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية يوم 21 مايو 1962، القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر.



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة وما بعد غزة
- بعيدا عن تأسيسية الدستور ودستور التأسيسية ضرورة الإطاحة السل ...
- كيف كتب دوستويڤسكى رواية الجريمة والعقاب؟ -إعادة قراءة ...
- مارسيل پروست (مقالان: مقال: أناتولى لوناتشارسكى، ومقال: أندر ...
- مصر وبلاد النوبة تأليف: والتر إمرى، ترجمة: تحفة حندوسة مقدمة ...
- مصير العالم الثالث تحليل ونتائج وتوقعات توما كوترو و ميشيل إ ...
- الأساطير والميثولوچيات السياسية(1) راؤول چيرارديه عرض: خليل ...
- تفسير الرئيس المصرى الدكتور محمد مرسى لآية الله والعلماء
- زيارة جديدة إلى -مزرعة الحيوانات- رواية -مزرعة الحيوانات- چو ...
- عوالم عديدة مفقودة
- الشرف والغضب لا يكفيان [مراجعة لكتاب: نعوم تشومسكى:-الحيلولة ...
- الكتب معرفة ومتعة - الجزء الأول
- حول الأسلوب فى السينما - أندريه بازان
- جنوب أفريقيا عصر مابعد سياسة الفصل العنصرى (الأپارتهيد)
- إلا الرسول الكريم
- هل انتصرت الثورة المضادة فى مصر؟
- حروب القرن الحادي والعشرين مخاوف وأخطار جديدة
- بورخيس - كاتب على الحافة
- عالم جديد - الجزء الرابع - فيديريكو مايور
- عالم جديد - الجزء الثالث- فيديريكو مايور


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - كتاب سيد عويس: التاريخ الذى أحمله على ظهرى