|
المثقف العربي وفراغ الانسان
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 3913 - 2012 / 11 / 16 - 20:27
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
رغم أن المثقف العربي الراهن قد لا يحظى بمثل ما حظي به من حظوة ومكانة ، كتلك التي حظي بها المثقف العربي منذ الستينيات والى أواخر الثمانينيات ، الا أن جرثومة الاستعلاء والعنجهية البغيضة مستحكمة في خلايا مفهوم المثقف العربي . ما ان يبدأ المثقف العربي بالاحساس بدبيب الانتاج الرمزي يسري في كيانه ، حتى يصعد الى برجه العاجي بدفع قوي ،وكأن به حنين غيبي الى برج هوى بالكثيرين . في حين ، عندما نعود الى أهرامات المثقفين ،أيام كانت الثقافة فعلا ما تزال تحمل كل بذور الخصب وأسباب التأثير ، نجد أعلام المثقفين سواء في الغرب أو عندنا نحن العرب ، يتلمسون كل طرق التواضع والانصات الى دبيب الفعل المعرفي بشكل عام . ولكي ندلل على ما نقول نسوق أمثلة سارتر الفيلسوف والروائي الفرنسي الشهير ،والذي أضاف للفلسفة الماركسية الشيئ الكثير باستنهاضه للفلسفة الوجودية سارترية بامتياز . ونضيف اليه عدوه اللذوذ ألبير كاميس الروائي المخضرم الذي ساند الثورة الجزائرية ، فهاتان العلامتان الفارقتان في صرح الثقافة الانسانية ، لم تكن لتجرآ على أن ترتهنا لجرثومة الاستعلاء ،ولعل مشاركتهما في ثورة الطلبة 67 أكبر دليل على ذلك , ولكي لانظلم العرب أعود الى أمثلة طه حسين ، والجميع يدرك من هو طه حسين ، وحكاية تلميذه نجيب محفوظ معه، معروفة لدارسي تاريخ الأدب العربي المعاصر , كما أن اجتماعات نجيب محفوظ بزملائه وتلاميذه في المقهى ، وتناول المواضيع التي تهم الشأن المصري عامة والثقافي بخاصة مشهورة ، بما يتخللها من نصح وارشاد بالنسبة للشباب , ولن أنسى قمة الشعر المصري المعاصر صلاح عبد الصبور وهو يمنح مقاليد مجلة فصول الى تلميذه جابر عصفور بعدما تولى وزارة الثقافة في مصر , ان الأمثلة كثيرة هنا وهناك في هذا الشأن ، لكننا اليوم ابتلينا بنماذج من المثقفين الذين يعبرون في مناسبة او بغير مناسبة عن أمراض نفسية مزمنة ، وهو استحضار نوستالجي لصورة المثقف الأرستقراطي ، على شاكلة بروست . وما هم بموهبة بروست . تصادمت مع غير واحد ، وخاصة في بداية عهدي بهذا الكاشف الناعم" الفيسبوك "، الذي لا يمنح الكثيرين فرصة مراجعة سلوكهم وردود أفعالهم ، بل يكشفها وهي لاتزال طازجة وطرية ،ومن صميم جوهر صاحبها . لولا هذه الثورات العربية المباركة لبقي كل القراء العرب مغشوشين في مثقفيهم ، فمعظمهم كان يصرخ ضد الديكتاتورية ،وينادي بالحرية ، ويعلي من شأن الديمقراطية ، لكن بمجرد اعلان الشعوب عن وعيها الجنيني ، ظهر الكثيرون على حقائقهم ،بل ان من المثقفين الثورجيين من لم نر اسمه الا بعد انصرام ما يقارب السنتين عن تفجر الثورات العربية ،ليدللوا على مدى الصدمة التي أصابتهم ، وليبحثوا عن لغة تساير واقع الأمر ، وليفتشوا في مخزوناتهم عن حبال بهلوان نيتشه . لكن مايشغلني الآن ليس هؤلاء ، فللثقافة رب يحميها وللمعرفة مساربها الحقيقية . ان ما يشغلني هو هذا الاستعلاء الفارغ . جيد سأتركك كمثقف واع بدوره الوجودي في قلعتك المهجورة التي لا تحوم حولها مع شمس الثورات العربية الا الغربان . لكن لا تسيج ردود فعلي تجاهك بحسن الجوار ، وبرؤيتك النبوية للفعل الثقافي ، وتفرض علي فتوحاتك المرضية ، يكفي الفرد منا أمراضه وصراعاته الوهمية . لماذا أصيب المثقف العربي بهذا المرض النرجسي الخطير ؟ رغم أن اسمه لا يتداوله الا رفاق الحي أو أصدقاء الايديولوجيا ، أو أطفال يتدربون على محو أمية ثقافية مستفحلة في أساتذتهم . لماذا يصر المثقف العربي على أنه هو الأعرف والأدرى والأبدع ؟ أليس هذا انعكاسا لداء القيادة والزعامة التي تنخر ذات المتحزب العربي ، كي لا أقول السياسي ؟ هل فعلا استطاع هذا المثقف أن يبوئ ثقافتنا عالميتها ؟ ويمنحها ما عجز عنه الأوائل ؟ ، فهل أفلح حقا في اخراجنا من تخلفنا الثقافي ، قبل ان نتساءل عن تخلفنا الحضاري ؟ . حين كنا نتابع بنهم القادمين الى رحاب الثقافة ،كنا نتأثر بيوطوبيا المثقف العربي ، هذا الكائن الاستثنائي الذي بامكانه تغيير العالم ، كنا ،أو بالأحرى كنت مأسورا بوهم التبشير الذي كان كثير من مثقفينا يعدوننا به ، وهم يعدوننا بالحرية والديمقراطية وامكانية انتشال الزمن والمكان العربيين من براثين الاكراه والاستبداد والعبودية المعاصرة والتخلف الذي يتباهى بكل صلف في جميع مناحي حياتنا . لكن سرعان ما سقطت أبراج الرمال التي كانت تبدو أعلى من أطول القمم الجبلية . وبخفة بهلوانية سقطت أقنعة كثير من مثقفينا الذين نسجوا خيوط عنكبوتهم حول أفهامنا ومداركنا ، الى أن بدأت أصطدم بهم على أرض الواقع . ولن أنسى ما حييت ردة فعل أحد المثقفين اليساريين المغاربة وأنا أبشره بمستقبلي الشعري ، حيث كادت أن تسقط من عينيه نظارته الطبية ، وتقبل البشارة بامتعاض لم أكن أنتظره وان في أبشع كوابيسي . وعندما انخرطت كعربي يطمح الى المشاركة في تلوين رقعة القماش الابداعي والمعرفي العربي ، بدأت أحاول التواصل مع العديد من مثقفينا الذين أُعجبت بكتاباتهم ، لكنني في الواقع كنت أتواصل مع موتى ، وليس مع أحياء ، أو بالأحرى مع ..لا أدري في الحقيقة ، حين أحاول استحضار تشبيه الأنبياء ، يخونني السياق والواقع ، وحين أحاول التماهي مع زاهد صوفي ، أصطدم بانفتاح هذا المختبئ في رؤاه على ما وراء العالم وليس فقط على الحاضر قبالته ...اذن ، كنت اتواصل في الحقيقة مع الفراغ . نعم انسان مجوف قنع بعدميته واستمسك بوهم الحاكم العربي ..المثقف العربي هو نسخة مطابقة للحاكم العربي ، مع تعديل بسيط في الجاه والامكانيات المادية . دعونا نسترشد بمقولة المفكر العربي الكبير ، علي حرب وهو يتحدث عن المفكر العربي . يقول هذا النابغة : ان مشكلة المفكر هي في أفكاره: إعادة ترتيب العلاقة بالأفكار لنسج علاقات جديدة مع الواقع، من خلال شبكة جديدة من المفاهيم. ان اعادة النظر في مجمل علاقاتنا وسلوكاتنا هو أساس تغيير الواقع ، وقبل أن نعيد ربط علاقتنا بالواقع علينا اذن أن نعيد ربط علاقتنا بذاتنا ، فكل سلوك خارجي هو انعكاس صميم للسلوك الباطني . ومهما ارتفع شأن الانسان فانه يظل انسانا :
خَفِّفِ الوَطْءَ مَا أَظُنُّ أَدِيمَ الْ..... أَرْضِ إِلاَّ مِنْ هَذِهِ الأَجْسَادِ. وَقَبِيحٌ بِنَا وَإِنْ قَدُمَ العَهْ.......... دُ هَوَانُ الآبَاءِ وَالأَجْدَادِ. سِرْ إِنِ اسْطَعْتَ فِي الْهَوَاءِ رُوَيْدًا.... لاَ اخْتِيَالاً عَلَى رُفَاتِ العِبَادِ .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأنظمة المتجاوزة
-
لغزة اسم الله
-
حين يكون الكاتب أكبر غائب
-
توضيح هام لامرأة مغرورة
-
هوامش أولية في جينيالوجيا الكتابة
-
أنت تعدد النساء
-
الشعر والشاعر
-
الشريعة الاسلامية والهوية الضائعة
-
قدر نائم...
-
الدستور المغربي أو التقليدانية الدستورية
-
التربية السياسية والمجتمع الناضج
-
عبد الله العروي وانكشاف المثقف اليساري
-
هذا فراق بيني وبينك
-
سوريا وخروج اللعبة من يد النظام
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|