أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - غوته وسحر الشرق















المزيد.....

غوته وسحر الشرق


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3913 - 2012 / 11 / 16 - 17:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل يمكن استحضار مواقف مفكرين وأدباء كبار من وزن الشاعر الألماني غوته والروائي الروسي تولستوي والزعيم الهندي غاندي والكاتب البريطاني برناردشو وغيرهم من الإسلام وقيمه السمحة مقابل الحملة المسعورة ضد الرسول محمد (ص) وردود الفعل الغاضبة والمنفلتة إزاءها؟ الأمر يتعلق بزاوية النظر اختياراً للهدف والأسلوب والدلالة، فكيف يمكن مقارنة ذلك الحضور البهي لمفكرين كبار بمحاولات تافهة هدفها الاستفزاز عبر صور ورسوم كاريكاتيرية أو فيلم يبث على الإنترنت أو أعمال عدائية .

لعل هذه الخاطرة وردت في ذهني وأنا أقوم بزيارة إلى متحف غوته في مدينة فرانكفورت، حيث يعد يوهان فولفغانغ فون غوته واحداً من الأدباء والشعراء الغربيين العظام بعد هوميروس ودانتي وشكسبير، فقد ولد في 28 أغسطس/آب العام 1749 في مدينة فرانكفورت الألمانية ومن أسرة مثقفة .

أعجب غوته بالعرب والإسلام وحاول دراسة الأدب العربي واللغة العربية، وهو من أهم من روّج لفكرة “الأدب العالمي«، المصطلح الذي يدلّ على مبادئ الاحترام للثقافات والحضارات المختلفة وعلى إيمان بالتنوّع والتعددية، فضلاً عن مبادئ التسامح والتواصل والتفاعل والمشترك الإنساني، من خلال آداب الشعوب وثقافاتها، إضافة إلى تعزيز علاقاتها على أسس السلام والشراكة بين البشر . وتحت هذه العناوين حاول غوته تقريب الثقافة العربية والإسلام من العقل الغربي، لافتاً الانتباه إلى كنوز المعرفة والثقافة العربية- الإسلامية .

الشرق بسحره وغموضه شغل غوته منذ شبابه الأول، بكل ما فيه من أدب وشعر وثقافة وروحانيات، وقد كان غوته موسوعياً بكل معنى الكلمة، إضافة إلى لغته الأصلية الألمانية، تعلّم الفرنسية والإنكليزية واليونانية واللاتينية والإيطالية والعبرية، وحاول تعلّم العربية والفارسية، كما درس العلوم المختلفة كالرياضيات والرسم والموسيقا والتصوير والنبات والطب والهندسة والسياسة . ولعل من الشخصيات التي أثّرت في حياته الشاعر والمسرحي الألماني شيلر الذي ارتبط معه بصداقة حميمة، وإذا كان والده يريد له دراسة القانون ليتخرّج محامياً مثلما أرسله إلى جامعة لايبزغ، فقد انصرف هو إلى الأدب والكتابة واللهو، لكنه عاد إلى جامعة ستراسبورغ لينهي كلية الحقوق العام 1771 . وبقدر التأثير الإيجابي العميق للإسلام في شخصية كبيرة بهذا الحجم، كان لهذه الشخصية تأثيرها في مجتمعها، لاسيما بتقديم الصورة المشرقة للإسلام، بروح التسامح والتعارف والتآلف والتآزر والتواصل الإنساني، وقد استلهم روح الإسلام من أدباء وشعراء عرب ومسلمين، فضلاً عن طريقة عيش وثقافة وانفتاح، بكل يُسرٍ وتفاعل، في حين يحاول بعض المتأسلمين تقديم الإسلام في الغرب وفقاً لفهم آيديولوجي متزمت بعيداً من روح العصر، خصوصاً عندما تقترن هذه الصورة بابن لادن وتنظيمات “القاعدة”والجماعات الأصولية والإرهابية . وعندما أصدر روايته “آلام فارتر”كان قد ذاع صيته، ثم شغل مناصب إدارية بما فيها وزارة في فايمار، ثم عاد ليتفرّغ إلى الأدب، لأن نزوعه الأول كان للحرية والانفتاح والتواصل الإنساني .

درس غوته القرآن الكريم وتأثّر بأجواء الإسلام الروحانية، وكان قد نظم قصيدة موحية أشاد بها بالرسول محمد، وذلك عندما كان في عامه الثالث والعشرين، وتدريجياً كانت روح الإسلام تتغلغل فيه حتى إنه عندما بلغ السبعين من العمر أعلن على الملأ وبصراحة ووضوح أنه يعتزم الاحتفال بخشوع في تلك الليلة التي أنزل فيها القرآن على النبي محمد (في العشر الأواخر من شهر رمضان) . يقول غوته: “كلّما قرأت القرآن شعرت بأن روحي تهتز داخل جسمي”.

حاورت رفيقتي ونحن في المتحف بشأن رحلة غوته مع الإسلام التي زادت على أربعة عقود من الزمان، فسألتني هل أسلم؟ فقلت لها لقد كان مؤمناً وتأثر بتعاليم الإسلام وروحانياته في سفر طويل بين الشباب والشيخوخة، وهو ما عبّر عنه بجلال واحترام، ولعل كل ما يدلّ عليه كان ينبض بروحانيات إنسانية إسلامية أو مسيحية مستوحاة من قيم ومثل تمثل المشترك لبني البشر . لكنني لا أظن أنه دخل الإسلام أو أصبح مسلماً بالمعنى المحدد للكلمة، ويدلّ مؤلفه “فاوست”ثم “الديوان الغربي- الشرقي«، أن لا فرق لديه لو قيل إنه مسلم، وهو ما عبّر عنه برباعية في كتاب الحِكَم التي وردت فيها الدعوة إلى التسامح حين يقول:

من حماقة الإنسان في دنياه/أن يتعصب كل منّا لما يراه

وإذا كان الإسلام معناه أن الله يعني التسليم، /فعلى الإسلام نحيا ونموت أجمعين

في مقطع آخر استوحى غوته سورة البقرة حين يقول: الله المشرق، الله المغرب، والأرض شمالاً والأرض جنوباً، تسكن آمنة بين يديه! وتقول سورة البقرة “ولله المشرق والمغرب، فأينما تولّوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم”.

وفي ضوء سورة الأنعام الآية 97 كتب غوته يقول:

هو الذي جعل لكم النجوم، لتهتدوا بها في البر والبحر، ولكي تنعموا بزينتها، وتنظروا دائماً إلى السماء

وذلك استلهاماً للنص القرآني “وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر، قد فصّلنا الآيات لقوم يعلمون”.

حفظ غوته الكثير من آيات القرآن حيث كان يرى فيه ثلاثية هارمونية عضوية تمثل: الروح والكلمة والخط، وذلك في تناسق منقطع النظير، ولكنه كان في الوقت نفسه ملتزماً بتعاليم الكنيسة، ساعياً إلى البحث عمّا هو مشترك من قيم إنسانية، وكان دائماً يعظّم الجوامع ويُبعد الفوارق .

تأثّر غوته بالمتنبي وأدرج بعض ملامح أشعاره في روايته “فاوست«، كما تأثّر بأبي تمام والمعلّقات وترجم بعضها إلى الألمانية بمساعدة معلّمه هيردر، وقرأ لامرئ القيس وطرفة بن العبد وعنترة وزهير بن أبي سلمى . ولعلّ كتاب “ألف ليلة وليلة”كان حاضراً معه عندما ألّف كتابه “نزوة العاشق«، مثلما حضرت في الديوان الغربي- الشرقي أشعار مجنون بني عامر وحاتم الطائي والطغرائي .

وللأسف فقد أغفلت الموسوعة البريطانية علاقة غوته بالإسلام وذكرت أن بعض أعماله التي لم يكملها “محمد”. وقد نقل إلينا محمد عوض ترجمة فاوست عن الألمانية وأحمد حسن الزيات ترجم آلام فارتر، أما عباس محمود العقاد فقد نقل إلينا بعض روائع غوته، واطلعت مؤخراً على كتاب كاتارينا مومزن عن غوته وبعض شعراء العصر الإسلامي الذي ترجمه عدنان عباس علي عن الألمانية، وهو جزء من ثلاثية قسمها الأول والثاني عنوانه “غوته والعالم العربي”.

وإذا أراد عالمنا العربي والإسلامي مواجهة المتطرفين والمتعصبين والعنصريين ودعاة الكراهية في الغرب وعندنا، فلا بدّ من إبراز هذا التراث والتاريخ والعلاقة الإنسانية السويّة بين الشرق والغرب، وهي الأساس الذي ينبغي أن نبني عليه في إطار المصالح المشتركة والحقوق الإنسانية، لاسيما في إطار الثقافة والأدب والتفاعل الإنساني، وليس بردود فعل أحياناً هي الأخرى قد تسيء إلى مُثل الإسلام وقيمه، خصوصاً بعض أعمال الإرهاب والعنف التي ألحقت ضرراً بالإسلام قبل أعدائه أو خصومه . ولعل الوجه المشرق للعلاقة بين الأمم والشعوب هو الرد على بعض الأعمال الغربية المسيئة، “فَأَما الزبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَما مَا يَنْفَعُ الناسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ”.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتراف هولاند الخجول بجرائم قتل الجزائريين
- دلالات الديمقراطية وحقوق الإنسان في فكر أمين الريحاني
- عن تونس والدين والدولة
- العدالة الانتقالية والعدالة الانتقامية
- الشبيبي والبنك المركزي: قضية رأي عام!
- برزخ العنف والوعي الشقي
- ما ينتظره مسلمو ميانمار
- - اللاعنف-: هل هو منتج غربي؟
- الأقليات في الدول الإسلامية المعاصرة - المسيحيون والصابئة ال ...
- الصندوق الأسود!
- عن فيتو الفقهاء في العراق!
- حوار باريس 3
- بين قلم الأديب وحبر السياسة!*
- رياح التغيير: الوعي والسياسة
- الطريق الوعر إلى الحرية: أوروبا الشرقية نموذجاً
- الثورة وسؤال اللاعنف!
- قبل وبعد الربيع العربي - الجيوبوليتيك ومفترق الطرق
- الاستيطان
- بغداد- أربيل : البيشمركة والجيش العراقي حدود الوصل والفصل
- أوباما ورومني . . ونحن


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - غوته وسحر الشرق