خالد قنوت
الحوار المتمدن-العدد: 3913 - 2012 / 11 / 16 - 12:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك نوع من التميز لمسار الثورة السورية ليس أقله حجم العنف الذي تمارسه السلطة الاستبدادية على الشعب الثائر وصل لحد إعلانها حرباً حقيقية تخوضها مستخدمةً كل أنواع الأسلحة الثقيلة من دبابات و طائرات كان الأجدر بها أن تخوض بها حرباً تحريرية لأراض محتلة منذ عشرات السنين, هنا لا يمكن استبعاد استخدام أسلحة التدمير الشامل ضد الشعب كما فعل صدام حسين ضد العراقيين الأكراد. التميز هذا مترافق مع حجم التواطئ العالمي لصالح هذا النظام ضماناً لمصالح أمنية استخبارتية شبكت عقدها و خيوطها على مدار أربعة عقود.
ليس هذا هو التميز الذي أقصده و إنما أن ثورة بدأت سلمية خالصة و استمرت أكثر من ستة أشهر تحت كم و نوع هائل من البطش و التنكيل من قبل أجهزة أمنية أنشأت بنيوياً على فرضية انتفاض الشعب على النظام, بالتزامن مع إقحام للمؤسسة العسكرية التي من المفروض أن تكون عقيدتها حماية الوطن و المواطن.
تنتقل الجماهير الثائرة من الحالة السلمية الكاملة إلى الحالة العنفية قسراً بشكل تصاعدي و ترمم كوادرها الشهيدة أو المعتقلة أو المهاجرة طوال عشرين شهراً, كل ذلك و لم تستطع هذه الثورة أن تنتج قيادة أو تحالف قوى تضع هدفاً استراتيجياً و لو مرحلياً لعملها و هو إسقاط النظام أولاًُ قبل أن تتشارك على رؤية نهائية للصراع القائم.
لا شك أن هناك ظروف ذاتية و موضوعية تمنع مثل هذا التحالف بين قوى سياسية و معارضات لم تقترب من الهم اليومي للناس يوماً, و من جهة أخرى, تعرضت لاستبداد ممنهج من قبل النظام حتى بلغ الوطن حد تسميته بمملكة الصمت.
لن أتناول تجارب عديدة متفاوتة في درجات فشلها لبعض أطراف المعارضات لخلق تحالف حقيقي أو وهمي يمثل الثورة و ينتقل من الصفوف الخلفية لها إلى الصفوف الأمامية يضع لها بوصلة و يتفانى في العمل على تحقيق أهدافها بعلمية و وعي و موضوعية و براغماتية مع الشعب الثائر الغاضب أولاً و مع النظام الدموي ثانياً و مع القوى الإقليمية و الدولية المؤثرة ثالثاً, في بلد كسورية تقاس توازنات المنطقة التي يقع فيه بميزان دقيق و حساس للغاية.
أعود هنا لفكرة تميز هذه الثورة في عدم قيام قيادة أو تحالف قوى معارضة لمثل هذه المهمة الوطنية المصيرية حيث ازدادت الهوة اتساعاً بينها وبين الجماهير الثائرة و حصل اغتراب كامل بينهما رغم الحاجة الملحة للوعي و للسياسة و لوسائل الدفاع عن النفس و الأكثر للإغاثات و المعونات لأكثر من ثلاثة ملايين مواطن دمر النظام أكثر من مليونين من منازلهم و سحق أسباب حياتهم, أصلاً.
المبادرة الوطنية السورية و رغم التخوين و التشكيك أنتجت ائتلاف وطني يضم بمجمله أهم الشخصيات الوطنية التي تتمتع بالمصداقية و المناقبية و هنا نضع خطين تحت كلمة (بمجمله), كما أعتقد أن انتخاب الشيخ معاذ الخطيب كان عملاً سياسياً جامعاً و ذكياً.
التاريخ هنا يؤكد حقيقة أن أي ائتلاف أو تحالف في ظروف ثورية أو وطنية مصيرية لا يعني الكم بقدر ما يهتم بالنوع, بمعنى أن لا يضم كل من عارض أو إدعى المعارضة لأن مهمته مرحلية أساسها العمل سياسياً كتحالف أو ائتلاف جامع لأكثر القوى أو الأحزاب أو الكتل السياسية الفاعلية التي تتقاسم الهم الوطني و تعمل على القضايا الكبرى خلال برنامج واضح يؤسس للانتقال إلى برنامج آخر.
البرنامج الذي أقيم عليه الائتلاف, لامس الهم الوطني و وضع أهدافاً أقرب ما تكون للتمنيات التي نادى بها السوريون على الأرض حرصاً على ثورتهم و على وطنهم المثقل بالجراح و الخوف.
الائتلاف الوطني خطوة للأمام, خطوتان للوراء
ليس من المفروض أن ننجر إلى حالة مشابهة فاشلة سابقة في قيادة الثورة, و هنا تبدأ الخطوة الأولى للائتلاف الوطني السوري في بناء الثقة بينه و بين السوريين, كل السوريين, في تحويل حالة الحاجة التي يطالبون بها إلى حالة القناعة بأنه يمثلهم و يمثل أهداف ثورتهم و مصالحهم الوطنية.
على الصعيد الشخصي يجب أن يتمتع أي عضو ,حالي أو لاحق, بالأخلاق و النزاهة و التواضع و الوعي و إمتلاك القدرات العلمية على العمل السياسي كي يكون مثالاً وطنياً لكل سوري يتوافق مع الثورة أو لا يتوافق معها, مع حتمية محاسبة و استبعاد المسيئين و غير الفاعلين و ضرورة تقبل النقد و ممارسة الديمقراطية بشكل حقيقي واضح لا لبس فيه.
من الضرورة الوطنية و الأخلاقية أن يستقطب الائتلاف الجديد الخبرات و الشخصيات الوطنية الفاعلية في الحراك الثوري سياسياً منها و فكرياً و ميدانياً و أن ينقل الحالة الفوضوية للعمل العسكري إلى حالة تنظيمية منضبطة قادرة على فرض الأجندة الوطنية و ليس سواها باعتبار ذلك مطلباً سورياً بالغ الأهمية.
من المفروض أن يقدم الائتلاف خطاباً وطنياً, جامعاً, واضحاً, عقلانياً, قريباً من الخطاب الشعبي السوري دون تكلف أو ابتزال, يرتقي بالزوق العام و يؤكد على الحفاظ على هيكل الدولة و مؤسساتها الاقتصادية و الادارية و الثقافية و المؤسسة الأكثرأهمية و هي مؤسسة الجيش مع العمل على تطهيرها من العناصر الاوطنية و المجرمة بعد سقوط النظام و أيضاً ضمان ديمومة الوحدة الوطنية و المصير المشترك لكل أطياف الشعب السوري دون إقصاء لأي مكون سياسي أو اجتماعي مهما صغر حجمه. لا يغيب عن ذهني ما قاله الراحل إلياس مرقص: (في الديمقراطية, أن تعطي الحقوق كاملة لكل الناس في مجتمع و تحرم 1% منهم بنسبة 1% من هذه الحقوق, فإن الحقوق كلها مهددة و بسرعة و الكل يصبح عبيد).
منذ اليوم الأول لطرح المبادرة الوطنية السورية التي عمل عليها المناضل رياض سيف و كما توقع الجميع, فتحت أبواب النقد و التشكيك و حتى التخوين, و كما نتوقع في المستقبل لن تغلق هذه الأبواب المشرعة من داخل الائتلاف نفسه, لجهات تعتبر نفسها ممثلاً وحيداً للثورة, و خارجه, من مدعي المعارضة و خصوم سياسيين و ممتهني النقد للنقد و مثبطي الهمم ناهيك عن آلة أمنية استخبارتية إعلامية للنظام.
المرونة و الديناميكية و الحزم الذي ستميز عمل الائتلاف سيكون لها الأثر العظيم على السوريين و على الثورة و على مستقبل سورية ككل و ستمنح العمل الوطني مصداقية داخلية و خارجية ستقصر من عمر النظام البارع في اللعب على التوازنات و حبال أخطاء الآخرين.
إلتزامه بالبرنامج الذي قام عليه و ما يستجد منه سيؤسس لقيام مؤسسات سياسية وطنية تكون اللبنات الأساسية لاستعادة الحياة السياسية السورية.
لكني أعيد المطالبة هنا, بطرح موضوع إضافة مهمة أساسية للائتلاف الوطني و هي تشكيل جمعية تأسيسية لكتابة دستور أولي يبعد حالة الفراغ الدستوري في المرحلة الانتقالية و لكنه يقوم على أسس وطنية و إنسانية غير قابلة التغيير أو التحريف في الدستورالنهائي للدولة السورية كطبيعة العلاقة بين الوطن و المواطن و أن الدولة السورية الجديدة دولة مدنية ديمقراطية تعددية تضمن الحقوق الانسانية المنصوص عليها في الأمم المتحدة و حرية الضمير, حيث من الواجب أن ينتخب أعضاء اللجنة التأسيسية في مرحلة لاحقة مباشرة من الشعب و يقدم الدستور للاستفتاء الشعبي, بعد المرحلة الانتقالية التي تأتي بعد سقوط النظام بكل رموزه العنفية و الأمنية و اللصوصية و يتم على أساسه انتخابات رئاسية و برلمانية كمرحلة أولى. هنا يمكن البناء على ما أنجز في وثائق القاهرة و وثيقة العهد الوطني.
سيكون عمل الائتلاف الوطني تحدياً كبيراً و وجودياً فعلى نتائج هذه التجربة السورية الجديدة تتوقف مصائر و مصالح شخصية و فئوية و دولية. سيكون السوريون أكثر الراعيين لهذا الوليد الجديد و عيونهم عليه دعماً و نقداً و محاسبة في يوم يحتاج للمحاسبة فالثورة تمر بمنعطفات خطيرة و لا يمكن أن يكون الوطن حقل للتجارب بشكل دائم لأن الكلفة العالية لاستمرار الثورة تزداد يوماً بعد يوم.
إن حتمية انتصار الثورة لا تمنح الحق لأحد بالمراهقة السياسية طويلاً و ما على الجميع سوى الارتقاء لطهارة الدم السوري.
#خالد_قنوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟