|
علم الاجتماع الدّيني
سهيلة طيبي
الحوار المتمدن-العدد: 3913 - 2012 / 11 / 16 - 00:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"علم الاجتماع الدّيني" كتاب علمي عن سبل فهم الظواهر الدينية بترجمة التونسي عزالدين عناية
تسود في مجال دراسة الدين، في الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة، غفلة هائلة عن الأدوات المعرفية العلمية المتّصلة بتتبّع الظواهر الدينية. وتكاد الأعمال المؤلَّفة أو المترجَمة في علم الاجتماع الديني لا تتجاوز عدد أصابع اليد، ناهيك عما في مجالات أخرى قريبة، مثل الإناسة الدينية أو علم النفس الديني أو تاريخ الأديان، التي يبدو الانشغال بها منعدما معرفيّاً وأكاديميّاً. يأتي كتاب "علم الاجتماع الديني" المترجم من الإيطالية في وقت تشهد فيه الثقافة العربية حاجة ماسة إلى هذه النوعية من المؤلفات العلمية. حيث يهدف بالأساس إلى تقديم ملخّص إجمالي للمحاور الكبرى لعلم الاجتماع الديني، كما حضرت في طيّات الأعمال الكلاسيكية الكبرى للفكر الاجتماعي. إذ يتناول بالدراسة والمعالجة مفاهيم أساسية، مثل المقدّس، والدين، والتديّن. سواء برسم الخطوط الكبرى ذات الصلة، بالتعريفات أو الإجراءات، لتحويل المفاهيم المجرّدة إلى مؤشّرات تجريبية، دون إفراط في النقاشات النظرية والمنهجية، التي قد تجعل النصّ مغرَقا في التخصّص ويجافي الأهداف التعليمية التي يرنو بلوغها. إذ رغم انتشار أقسام علم الاجتماع، في جلّ جامعات البلدان العربية، فإنها ما زالت تشكو بعض النقائص اللافتة. تتلخّص أساسا في عدم قدرة علم الاجتماع المستورَد على الإحاطة بإشكاليات الاجتماع العربي، والدين إحداها، إذ ثمة اغتراب للمعرفة عن واقعها. وهو عجز ناتج عن مناهج تدريس تعوّل على استعراض النظريات والمناهج السوسيولوجية الغربية، تعريفيا وأحيانا بافتتان، يفتقد لتعريبها الوظيفي، ونقصد به جعل تلك الأدوات المعرفية في خدمة الواقع الديني العربي لفهم مضامينه وتحولاته وتحدياته. ولذلك فغالبا ما أتت نقولات "الكونْتية" و"الدوركهايمية" و"الفيبيرية"، والمدرسة الجدلية، ومدرسة جورج لوبرا ومثيلاتها، عروضا تاريخية باهتة لا أدوات معرفية مرشِدة. خصوصا وقد طالت تلك المدارس مراجعات عميقة وتسربّت الشكوك إلى مدى إلمامها بحقبة عودة المقدّس وما تطفح به من مفارقات عجيبة. فهذا الكتاب المترجَم، هو بالأساس كتاب تعليمي، ينأى عن السجال الإيديولوجي المتوتّر في إصدار المواقف بشأن الدين، ويتطلّع إلى ترسيخ المعالجة العلمية الهادئة للظواهر المتصلة به. وليس غرضه الاكتفاء باستعراض النظريات الكلاسيكية، أو التعريف بالرواد في مجال علم الاجتماع الديني، بل يسعى أساسا إلى الإمساك بخلاصة المقاربات السوسيولوجية، ووضعها على محك المواجهة مع الظواهر الدينية، واختبار مدى قدراتها على الإحاطة بها من عدمه. فالعمل الحالي المترجم ليس انتصارا أو دحضا للعديد من الإشكاليات المطروحة، كالعلمنة، والدين وممارسات العنف المقدس، والدين وإثارة الصراعات، والدين والتغيير الاجتماعي، وغيرها من المسائل، بل يأخذ بيد الباحث والدارس ليدلّه على مسالك الإحاطة بتلك الوقائع. وهو ما يحتاجه الباحث الاجتماعي العربي اليوم. إذ ثمة تديّن شعبي واسع في الواقع، مؤثر وفاعل وحاسم، في عديد الخيارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لكنه خارج المتابعة والفهم والإحصاء. فما معنى أن تبقى ظاهرة مثل ظاهرة "الإسلام السياسي" خارج تناول علم الاجتماع العربي؟ وما معنى أن تبقى المسيحية العربية إشكالية طائفية داخلية ولا يرصدها علم الاجتماع في الجامعات العربية؟ وما معنى أن تغيب الدراسات العربية عن الوجه الديني الخفي للغرب، والعربي يلهج بذكره وحضوره وتأثيره صباح مساء؟ ثمة تدابر بين مجالين في الوسط الأكاديمي العربي، رغم اشتراك وتداخل الحقول بينهما. فغالبا ما انفصلت الدراسة في "كلّية الشريعة" عن الدراسة في قسم علم الاجتماع، ولا نقول تميزت، فذلك عائد لطبيعة اختلاف منهجي المقاربتين. الأمر الذي أفرز بالنهاية خرّيج دراسات إسلامية نائيا عن المتابعة الخارجية للظاهرة الدينية، ويفتقر إلى أبسط الأدوات العلمية في الشأن. وبالمقابل أفرز باحثين اجتماعيين يفتقرون إلى خبرة التعامل مع المادة الخام، المادة الأولى، في مجال الدين، وربما طغت دراساتهم الخارجية على الداخلية منها، التي تفتقد إلى الحميمية مع التجربة الدينية. لذلك يبدو تطوّر علم الاجتماع الديني في الثقافة العربية رهين هذا التقارب، وربما يستدعي السياق التذكير بأن ابن خلدون قد احتضنته الزيتونة. الكتاب هو من تأليف باحثيْن اجتماعيين إيطاليين: سابينو أكْوافيفا، الذي يُعدّ من الرّعيل المؤسّس لمدرسة علم الاجتماع في إيطاليا. ألّف ما يزيد عن الأربعين كتابا، أشهر أعماله كتاب: "أفول المقدّس في المجتمعات الصناعية" 1961، الذي تُرجِم إلى عدّة لغات. أما إنزو باتشي، فهو أستاذ علم الاجتماع بجامعة بادوفا ورئيس الجمعية العالمية لعلم الاجتماع الديني. نشر عديد الأعمال منها: "النِّحَل" 1997، و"الإسلام في أوروبا: أنماط الاندماج" 2004. المترجم عزالدين عناية، هو أستاذ تونسي خرّيج الجامعة الزيتونية في تونس والجامعة الغريغورية في إيطاليا، يدرّس في الوقت الحالي في جامعة لاسابيينسا في روما، سبق أن ترجم كتاب "علم الأديان: مساهمة في التأسيس" لميشال مسلان، ونشر العديد من الأعمال منها: "نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم" في دار توبقال في المغرب، و"العقل الإسلامي" في دار الطليعة في بيروت.
علم الاجتماع الدّيني سابينو أكْوافيفا و إنزو باتشي ترجمة: عزالدين عناية "كلمة" أبوظبي.
#سهيلة_طيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العقل الإسلامي.. عوائق التحرّر وتحديات الانبعاث
المزيد.....
-
مرشح جمهوري يهودي: على رشيدة طليب وإلهان عمر التفكير بمغادر
...
-
الولائي يهنئ بانتصار لبنان والمقاومة الاسلامية على العدو الا
...
-
شيخ الأزهر يوجه رسالة حول الدراما الغربية و-الغزو الفكري-
-
هل انتهى دور المؤسسات الدينية الرسمية؟
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ال
...
-
الكشف عن خفايا واقعة مقتل الحاخام اليهودي في الإمارات
-
الجهاد الاسلامي:الاتفاق أحبط مسعى ايجاد شرق اوسط حسب اوهام ا
...
-
الجهاد الاسلامي:نؤكد على وحدة الدماء وصلابة الارادة التي تجم
...
-
الجهاد الاسلامي:نثمن البطولات التي قدمتها المقاومة بلبنان اس
...
-
الجهاد الاسلامي:اتفاق وقف اطلاق النار انجاز مهم يكسر مسار عن
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|