|
المعارضة السورية والوطنية
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 3912 - 2012 / 11 / 15 - 14:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كانت المعارضة السورية،بفصائلها العروبية والماركسية والاسلامية، أكثر جذرية وعلى يسار النظام في القضايا القومية – الوطنية في زمن الرئيس حافظ الأسد ،وقد ظهر ذلك في محطات االدخول السوري إلى لبنان(1976)وفي اتفاقيات كامب دافيد(1978)وفي اجتياح اسرائيل للبنان(1982)وفي حرب الخليج(1991)وفي مؤتمر مدريد(1991)،وليس بدون دلالة أن حزباً رئيسياً للمعارضة مثل (الحزب الشيوعي – المكتب السياسي) قد كان انتقاله لمعارضة النظام بدلالة بيانه الصادر ضد االدخول العسكري السوري إلى لبنان فيمالم يحصل بناء برنامجه المعارض على أساس الوضع الداخلي السوري إلافي مؤتمره المنعقد في كانون أول 1978. انقلبت هذه المعادلة إثر غزو واحتلال العراق في عام2003،لماأدى موقف السلطة السورية الرافض للغزو والاحتلال الأميركيين لبلاد الرافدين إلى طلاق بين واشنطن ودمشق مماأدى إلى انفراط تفاهمات وتقاربات بين العاصمتين هي بادئة منذ صيف عام1976مع الغطاء الأميركي لدخول القوات السورية إلى لبنان:منذ تلك الفترة،بدأت تنتشر في أوساط المعارضة السورية مؤشرات على مراهنات على الخارج من خلال أطروحات مثل (نظرية الصفر الإستعماري)،التي أطلقها الأستاذ رياض الترك في مقابلة بيوم28أيلول2003مع جريدة"النهار"،معتبراً فيها أن الأميركان قد رفعوا المجتمع العراقي نحو الأعلى إلى نقطة بدء للبناء عليها عبر "نقل الأمريكان المجتمع العراقي من الناقص إلى الصفر" وهو ماتبعه الدكتور برهان غليون يوم 2تشرين أول 2003، بمقال تحت عنوان:"الإصلاح مجرد سوء تفاهم" (موقع "أخبار الشرق" )، في اصدار حكم قاطع ،على مايبدو وهو الوثيق الصلة بدوائر صنع القرار في باريس بناء على توتر العلاقات الأميركية- السورية وبناء على تقاربات شيراك وبوش الإبن البادئة آنذاك،بأن"النظام السوري،مثله مثل جميع الأنظمة الشمولية التي عرفتها الكرة الأرضية خلال القرن العشرين،قد فقد جميع شروط بقائه التاريخية وفي مقدمها ظروف الإستقطاب الدولي ...وهو اليوم في طريق مسدود دائماً"،مماكان يعني مؤشراً على الاتجاه لأول مرة نحو بناء سياسات عبر توقع رياح خارجية ضد النظام السوري كمافعلت المعارضة العراقية ضد صدام حسين مابين أزمة الكويت(2آب1990)وحتى احتلال بغداد في يوم9نيسان2003،وهو ماكان يردده الأستاذ الترك في أحاديث مغلقة بعد عودته من زيارة استغرقت شهرين(تشرين أول-تشرين ثاني2003)للقارتين الأوروبية والأميركية،من أن هناك"رياح غربية ستهب على دمشق وعلينا أن نلاقيها ببرنامج سياسي مناسب". في صيف وخريف عام2005جرى تطبيق عملي لتحريك أشرعة سفن أغلبية كاسحة من المعارضة على رياح "أزمة ميليس" والتي بنيت حسابات على أساسها بأن "هذا النظام انتهت صلاحيته.هذا النظام يحتضر...هناك صراع بدأ يستعر بين الأميركيين وسورية،وهذا يفسر لماذا أقول أن الأميركيون قادمون سواء رحبنا بهم أم لم نرحب...ولكن لنتكلم موضوعياً،عندما يصاب الوضع الداخلي بالوهن،القوى الخارجية تتدخل،وهذا يفسر لماذا أقول دائماً أن الأميركيون قادمون. دعهم يطيحون هذا النظام!" وفقاً لتصريح أدلى به الأستاذ رياض الترك لموقع"سيريا كومنت"يوم8أيلول2005،وهو موقع يديره شخص من غلاة (المحافظون الجدد) اسمه جوشوا لانديس موراشفيك. في موازاة هذا قام قيادي ووجه اعلامي في(الإخوان المسلمين)،هو الطاهر ابراهيم،بالتكلم بلغة مشابهة:"ماتريده أمريكا قد يتقاطع في مرحلة ما مع مصلحة الشعب السوري....ولعل أول شيء ينبغي أن يخطر ببال المعارضة هو أن تلتقي وتبحث فيمابينها إن كان من الممكن أن تجري حواراً مع أمريكا،طالما أن هذا الحواريتم على مبدأ أن هذا النظام قد انتهت مدة صلاحيته" (الطاهر ابراهيم:"خارج السياق وبعيداً عن المزايدات"،موقع"الرأي"،تحديث يوم6تشرين أول2005):أتى تأسيس "اعلان دمشق"في يوم16تشرين أول2005على هذه الخلفية وعلى سقف توقعات بسقوط النظام انطلاقاً من (نظرية انتهاء الصلاحية)للنظام عند الغرب،قبل أن تفاجئهم الدوائر الأميركية بأن الضغط على السلطة السورية هو من أجل "تغيير سياسات النظام،وليس تغييره"،مع توضيح أميركي صريح بأن الأجندات المطلوب تغييرها من دمشق تنحصر في مواضيع ثلاثة غيرسورية:(حزب الله- حركتي حماس والجهاد- المقاومة العراقية). كان الدكتور برهان غليون،مع انفتاح ساركوزي على دمشق بصيف2007ثم أوباما بعامي2009و2010،من أول المرتدين على نظرية"انتهاء الصلاحية"التي كان رائدها في المعارضة السورية والتي كان اقتناع الأستاذ الترك بها عن طريقه ليس بسبب شخصه وإنما لقناعات عند الأستاذ الترك بأنه يعكس دوائر فرنسية حاكمة كانت منذ خريف 2003تؤسس لتقارب مع واشنطن ناقضة تراثاً فرنسياً في الصدام مع البيت الأبيض دشنه الجنرال ديغول منذ الستينيات،حيث نجد في مقال للدكتور غليون بعنوان"مستقبل المعارضة السورية"(جريدة"الاتحاد"الإماراتية،19كانون أول2007) دعوة إلى "التخلي عن الاستراتيجية القديمة التي ارتبطت بتوقع انهيار مفاجىء...(.و)تغذية الأوهام الكبيرة في أثر العوامل الخارجية" . حصلت في أسبوع زيارة ساركوزي لدمشق ترجمة لذلك عند "اعلان دمشق" لماأصدر في 5أيلول2008بياناً(موقع"كلنا شركاء"،6أيلول2008)أكد فيه أنه "لم يكن في نهجه وليس من أهدافه تعزيز عزلة النظام ومحاصرته،بل إن مشروعه الديمقراطي يركز أساساً على الدفع نحو انفتاح النظام على الشعب السوري قبل أوبالتزامن مع انفتاحه المطلوب على العرب والعالم" قبل أن يؤكد تأييده للمحادثات الاسرائيلية – السورية تحت الوساطة والرعاية التركيتين وبمشاركة من باريس ،مع تسجيل(اعلان دمشق) "موقفاً ايجابياً من التطورات المستجدة في سوريا والمنطقة":اصطدمت سياسة"اعلان دمشق"بالحائط أيضاً في أعوام2008-2009-2010كمافي عام2005،في مراهنتين على "رياح غربية"كانت صدامية مع السلطة السورية بعام2005وانفتاحية بين عامي2007-2010،بان من خلالهما مدى ومقدار رسم السياسات بناء على مجرى ومسار العامل الخارجي. مع بدء الأزمة السورية بدرعا،في يوم18آذار2011،حصلت ارتدادات عند المراهنين القدامى عن العامل الخارجي لمارأوا استيقاظاً للعامل المحلي السوري المعارض وعودة للشارع السوري إلى السياسة،إلاأنهم ومع توضح عدم قدرة الحراك السوري المعارض على تكرار السيناريو المصري ،نراهم يتجهون ويعودون لنهجهم القديم في المراهنة على الخارج في اتجاه العمل نحو تكرار للسيناريو الليبي في سوريا،خاصة مع تزامن سقوط القذافي من باب العزيزية في 23آب2011 مع اتجاه باراك أوباما إلى مطالبة الرئيس السوري بالتنحي بعد أشهر من دعوته إياه للمبادرة إلى الاصلاح،وقد كانت واضحة مراهنة "اعلان دمشق"و"الاخوان المسلمون"على العامل الخارجي في محادثات أيلول2011بالدوحة مع "هيئة التنسيق"قبل أن يتجها إثر فشل تلك المحادثات إلى تشكيل "المجلس الوطني"باسطنبول يوم2تشرين أول،والذي كان واضحاً مقدار تقمصه وطموحه إلى تكرار مافعله نظيره الليبي عبر الناتو بالقذافي،وهو ماكان جلياً وواضحاً وغير مستور في مجرى عام كامل من عمر ذلك المجلس. لم تسمح التوازنات الدولية- الاقليمية بتكرار السيناريو الليبي في سوريا،وهذا ماأدى بنزعة مجلس اسطنبول نحو استجلاب الخارج لتحقيق التغيير الداخلي لكي تكون من دون مفاعيل عملية على الأرض،بخلاف ماحصل عند المعارضتين العراقية والليبية ضد صدام والقذافي،وهذا ماجعل ذلك المجلس عبئاً على رعاته في أنقرة وباريس والدوحة،وعقبة عند واشنطن التي نأت بعيداً عنه ولم تقترب إلاقليلاً منه،حتى أتت حادثة بنغازي التي أدت لمراجعة عند الإدارة الأميركية لقضية التحالف الأميركي مع الاسلاميين البادىء مع سقوط مبارك،ثم اقتراب رياح التفاهمات الأميركية- الروسية من الحدوث حول الأزمة السورية،لكي تدفعا وزيرة الخارجية الأميركية لكي تقدم نعياُ علنياً لمجلس اسطنبول في كلمتها تلك بالعاصمة الكرواتية مغرب يوم31تشرين أول2012،وتدعو إلى انشاء جسم سياسي بديل لم تخف الوزيرة كلينتون من أمه ومن قابلته القانونية،قبل أن يشرع وزير خارجية قطر وأمين عام الجامعة العربية في صباح اليوم التالي في توجيه الدعوات لعقد "لقائه التشاوري". يثير منظر الوزيرة كلينتون في زغرب،وهي تميت وتحيي كيانات سياسية سورية على الهواء مباشرة،الحزن والأسى،ولكنه يؤشر إلى مدى ارتهان أوساط واسعة من المعارضة السورية للأجندات الخارجية،وإلى أي حد أصبح فيه تراث (يوسف العظمة- محمد الأشمر- عزالدين القسام)ضعيفاً أمام تراث(الشيخ تاج الدين الحسيني)وأمام تراث ذلك الدمشقي الذي جر عربة غورو في شوارع عاصمة الأمويين"الذين ألحقوا الدنيا ببستان هشام" بعد يوم من معركة ميسلون.
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوباما ومنطقة الشرق الأوسط
-
الاسلاميون خلفاء القوميين
-
عام على مجلس اسطنبول
-
الأنظمة والاصلاح
-
تغييرات جغرا- سياسية بفعل -الربيع العربي-
-
أداء المعارضة السورية في الأزمة
-
المعارضة السورية أمام تدويل الأزمة
-
السوريون في الأزمة
-
الأزمة السورية كتظهير للوضع الدولي
-
الاخوان المسلمون وايران الخميني – الخامنئي
-
القاهرة:تكرار اصطدام قطاري العسكر والاخوان
-
الاستيقاظ الروسي:عامل ذاتي أم بسبب الضعف الأميركي؟..
-
التدخل العسكري الخارجي وتفكك البنية الداخلية
-
مرحلة انتقال مابعد الثورات
-
مآزق الأردوغانية
-
الاستثناء الجزائري
-
خطة كوفي عنان: قراءة تحليلية
-
العلاقة الاشكالية بين اليسار والديموقراطية
-
استقطابات حول سوريا
-
سوريا:المعارض السياسي والشارع
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|