أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - خمسون وهماً للإيمان بالله [12]















المزيد.....


خمسون وهماً للإيمان بالله [12]


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 3911 - 2012 / 11 / 14 - 17:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


50 وهماً للإيمان بالله
غاي هاريسون
ترجمة إبراهيم جركس

الوهم الثاني عشر: هناك كتاب مقدّس يثبت أنّ إلهي حقيقي
((هذا الكتاب لا ريب فيه)) [قرآن، سورة البقرة 2: 2]
((لا تزعجني الأجزاء التي لا أفهمها من الكتاب المقدّس، بل الأجزاء التي أفهمها)) [مارك تواين]

هناك الكثير من المؤمنين الذين يعتمدون بشكل كلّي على كتاب معيّن لتبرير اعتقادهم وإيمانهم بإله معين أو عدّة آلهة. أين كانت ستكون الديانة اليهودية من دون التوراة المدوّنة، أو المسيحية من دون الإنجيل؟ الباجافادجيتا تعتبر أقدس الكتابات بالمسبة للهندوس. ومن غير المرجّح أن يكون الإسلام بهذا المستوى من النجاح من دون كتاب القرآن. إنّ كتاب المورمون كان المحفّز الرئيسي لقيام دين جديد في أمريكا الشمالية خلال القرن التاسع عشر.
ويزعم المؤمنون أنّ هذه الكتب وغيرها من الكتب المقدّسة الأخرى عبارة عن رسائل من آلهتهم وأنّها مصادر لا تقدّر بثمن للإنسانية. فحسب أقوال المؤمنين، يمكن للكتب المقدس أن تفسّر لنا نشأتنا وأصلنا، ترشدنا خلال حياتنا اليومية، وحتى أنّها تخبرنا ما الذي سيحدث لنا بعد الموت. ويزعمون أيضاً أنّ كتبهم تقدّم برهاناً قاطعاً أنّ إلههم حقيقي وموجود. من المهم جداً الانتباه إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أنّه بالرغم من الادعاءات القائلة بأنّ هذه الكتب ذات مصدر إلهي، إلا أنّ أياً من هذه الكتب لم يقدر يوماً على إقناع الغالبية العظمى من المؤمنين في العالم بأنها أكثر من مجرّد كتب قام بكتابتها بشر عاديون.
لن يتطلّب الأمر وقتاً طويلاً حتى يضع المؤمن الملتزم والمخلص كتابه المقدّس مرجعية نهائية لبعض النقاط التي يحاول إثباتها والتأكيد عليها. فداخل عقول العديد من المؤمنين يقبع الاعتقاد المترسّخ بأنّ كتبهم تستطيع الوقوف والثبات أمام أية تحديات من المشكّكين أو حتى البحث العلمي. بعض المؤمنين يزعمون أنّ كتابهم المقدّس كامل، خالٍ تماماً من الأخطاء أو التناقضات، مليء بالحكمة والتنبؤات الصحيحة التي قد نزلت من عند الله. لكن هل أياً من هذه الكتب كامل وخال من الأخطاء والتناقضات؟ والأهم من ذلك، هل هناك أي كتاب مقدّس يحتوي دليلاً كافياً وبرهاناً قاطعاً على وجود إله؟
طبعاً، لا!
ليس هناك أي كتاب يحتوي أي شيء مميّز وفريد ومفحم يثبت أنه ليس من صنع بشر عاديين فانين. لطالما حاول المؤمنون وبذلوا جهودهم الجبّارة على مدى قرون عديدة لكن لم يستطع أي أحد منهم أن يعثر على أي شيء في أي كتاب يمكن اعتماده كدليل واضح ومقنع على وجود الله. علاوة على ذلك، إنّ وقع الكتب المقدّسة يبدو أنّه ذو تأثير محدود جداً على الناس. إذ ليس هناك مجموعة معينة من الكلمات المقدّسة أثبتت أنّ تأثيراً على الناس. هذا غريب. إذا كان أحد هذه الكتب هو الرسالة المباشرة المنزّلة من عند الله، إذن لماذا فشلت كل هذا الفشل الذريع في إقناع عدد كبير من الناس؟ الكتاب المقدس والقرآن على سبيل المثال، هما الكتابان المقدّسان الأكثر نجاحاً وانتشاراً حتى الآن، لكن أياً منهما لم يقدر حتى الآن على إقناع حتى نصف سكان العالم على الأقل بأنه الكتاب الصحيح. ومع أنّ كلا الكتابين كانا ناجحين جداً في إثارة إعجاب المؤمنين، فلا بد أنّ واحدٌ منهما هو الحقيقي والآخر هو المزيف. فكلاهما يقدّم مزاعم وادعاءات كبيرة ومتناقضة ولا يمكن المصالحة والتوفيق بينها. فمثلاً، أحدهما يقول أنّ يسوع إله، أمّا الآخر فينفي ذلك نفياً قاطعاً. وهذا معناه أنّ هناك حوالي أكثر من مليار مؤمن يتعلّقون بعناد بكتاب مزيف، أي أنه ليس الرسالة الحقيقية لله. إنّ الحقيقة التي تفرض نفسها أمامنا بأنّ واحداً من هذه الكتب يجب أن يكون هو الكتاب المزيّف بالضرورة _وما زال هناك الكثيرون ممن يؤمنون به_ تبيّن لنا كيف أنّ الناس قد يفتنون بكتاب عادي. وإذا كانت هذه الحالة تنطبق على كتاب واحد، فقد تنطبق أيضاً على كافة الكتب. من المحتمل أن تكون جميع الكتب المقدسة، بغضّ النظر عن قدمها أو انتشارها، هي من وضع بشر عاديين وليس الآلهة.
من حسن الحظ أنّنا نمتلك هذه الكتب المقدّسة التي تبرّر افتراضياً الإيمان وذلك لأنه يمكن لأي شخص تحليلها ليتأكّد من مسألة هل هي فعلاً برهان حاضر وموثوق يثبت وجود الآلهة. إذ كان هناك شيء ما مفارق أو غيبي أو خارق للطبيعة متضمّن في الكتب المقدّسة، عندئذٍ سيكون المؤمنون قد وضعوا أيديهم على حجّة قوية ودامغة تثبت وجود الله. أمّا إذا لم يكن هناك أي شيء خارق أو مميّز فيها، عندها لا يملك المؤمنون أي سبب مقنع لإيمانهم.
بذلت جهوداً كبيرةً أنا أحاول قراءة العديد من الكتب المقدّسة والتي تعتبر أساساً ومنبعاً لدياناتها الشائعة. كنت منفتح العقل حول العثور على أي إشارة إلهية أو سحرية أو غيبية فيها. لكنها بدت لي ككلمات نطقها مؤمنون قدماء وليس أكثر من ذلك. ما قرأته كان متوقّعاً جداً من أناسٍ كانوا أحياء منذ وقتٍ طويل في زمن مظلم يسوده الجهل والخرافات. التوراة، الإنجيل، والقرآن، على سبيل المثال، جميع هذه الكتب تقترح أنّ العبودية أمر حسن، وأنّ النساء أقل مرتبةً من الرجال، وأنّ التفكير النقدي كفر وهرطقة. وبعد سنوات طويلة من الاستماع المتواصل إلى اسطوانة الحب والسلام المشروخة اللذان يقبعان في صلب الديانات السماوية: اليهودية، المسيحية، والإسلام، لم أكن أتوقّع بأني سأشاهد هذا الكم الكبير من العنف، القسوة، الوحشية، والكراهية جميعها تتخلّل الكتب التي تشكّل أساس دياناتها. ففي النهاية، هذه الكتب الثلاث تُقرأ كإرشادات وتعاليم لتحقيق الانقسام وزرع الكراهية والغضب والعنف. إنّها لا تبدو كوصفة لتحقيق السلام الحب، كما يزعم أغلب المؤمنون. نعم، لقد وجدت بعض الأمور الجميلة في تلك الكتب لكنها لا تكفي لتجاوز المضمون السيئ لتلك الكتب وتناسيه. لا يسعى فهم كيف يمكن لأشخاص نزيهين ذوي نوايا طيبة التظاهر وكأنّ المحتوي السلبي والمدمّر اجتماعياً لا وجود له في كتبهم. كيف يمكن لأي إنسان الادّعاء بأنّ هذه الكتب كاملة وخيّرة؟ هل قرأوها حقاً؟
العديد من المؤمنين ينكرون حقيقة أنّ أياً من هذه الكتب المقدّسة تتضمّن نصائح وتعليمات سيئة أو شريرة، أو أخطاء، أو أنماط سلوك لا أخلاقية من قبل الله [أو أنبياءه ورسله] حتى أبيّن لهم ذلك وأريها لهم. وهناك من يظل على نكرانه حتى بعد إظهارها أمامه، إذ يرفض تصديقها، مشيراً إلى أنّه لا بد أنّ هناك تفسيراً آخر يصعب فهمه أو معنى باطني يصعب اكتشافه. أعتقد أنّ أغلب الناس المتديّنين في العالم لا يقرؤون كتبهم المقدسّة فعلياً أو _إذا قرؤوها_ فهم لا يفهمونها، أو يتجنّبون التفكير بما جاء فيها بطريقة نقدية. أغلب المسيحيين، على سبيل المثال، يقرؤون الإنجيل بطريقة انتقائية جداً، يحفظون بعض الآيات والمقاطع، لكنهم يتجاوزون أغلبه. بشكل عام، أرى أنّ ذلك من الأفضل، لأنّه لو قرأ ثلاثة مليارات شخص من اليهود والمسيحيين والمسلمين كل من كتبهم المقدّسة وأخذوها على محمل الجدّ وحاولوا الالتزام بالتعاليم والإرشادات التي بداخلها حرفياً، لكان عالمنا أكثر قسوةً ووحشية وبربرية ممّا هو عليه الآن. فمثلاً، ملايين المسيحيين اليوم يستشهدون بالإنجيل لتبرير انحيازهم ضدّ المثليين. من حسن حظّ المثليين أنّ أغلب هؤلاء المسيحيين لم يمرّوا على ذلك الجزء من الإنجيل الذي يأمرهم فيه إلههم أن يمضوا لأبعد من ذلك وأن يقتلوا جميع المثليين [أنظر ((13وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ ذَكَرٍ اضْطِجَاعَ امْرَأَةٍ، فَقَدْ فَعَلاَ كِلاَهُمَا رِجْسًا. إِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا)) اللاويين 20: 13] الواضح أنّ الغالبية العظمى من المسيحيين لن يفعلوا ذلك حتى وإن قرؤوا هذا المقطع، لا بل حتى وإن كانوا يعتبرون أنفسهم ملتزمين حرفيين بالإنجيل. من حسن الحظ أنهم يمتلكون حساً أخلاقياً عالياً لكي لا يرتكبوا جرائم بحق المثليين جنسياً أو حتى مجرّد إلحاق الأذى بهم. لكن هذه تعتبر إشكالية عويصة بالنسبة لهم لأنها تبدو كإشارة بأنهّم يعرفون أكثر من ربهم. أليس رفضهم لقتل المثليين جنسياً يعني أنّهم يتمتّعون بمعايير أخلاقية أعلى كثير من معايير الإله الذي يؤمنون به؟ فمن خلال رفضهم التقاط حجر عن الأرض ورجم المثليين به، ألا يقرّون بأنّ كتابهم المقدّس خاطئ؟
بعض المسيحيين يزعمون أنّ الأمور السيئة والشنيعة التي تتخلّل الكتاب المقدّس مقتصرة فقط على العهد القديم ويمكن استبعادها كمضمون تاريخي. ولكن، وحسب كتاب متّى 5: 17 ((لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ)) يقول يسوع أنّه لم يأتي لينقض الناموس أو يغيّر شريعة الأنبياء. كما لا يسعنا أن ننسى أيضاً _حسب مذهب الثالوث المقدّس_ أنّ يسوع والرب الأب هم نفس الإله الواحد الذي قتل آلاف الأطفال في العهد القديم. والأنكح من ذلك، كيف تبدو فكرة أنّ يسوع سيرسل إلى الجحيم كل من لا يؤمن به أو بألوهيته _أي غالبية الجنس البشري؟ هل يستحق طفل ولد في مقاطعة أغرا، بالهند وتربّى في كنف أبوين هندوسيين مخلصين وملتزمين أن يعاقب بهذا الشكل القاسي والوحشي فقط لأنّه وثق بما أخبره به أبواه ولقّنه إياه مجتمعه؟
كإنسان غير مؤمن أنا لست ملزماً أو ميالاً لإهمال الأجزاء القبيحة من الكتب المقدسة. قد يظنّ البعض بأنني لا أركّز سوى على الأجزاء السيئة لاستغلالها كأسلحة ضدّ الدين. لكن الأمر ليس كذلك. على سبيل المثال، أنا شخصياً أحترم نداء يسوع للناس لكي يبيعوا ممتلكاتهم ومنح المال للفقراء. بوسعي تصوّر الشكل الذي سيكون عليه العالم اليوم لو أنّ أصحاب الطبقتين العليا والوسطى فعلوا ذلك. هناك مقطع من آية في القرآن ((مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)) [المائدة 5: 32]. كم سيكون الأمر رائعاً لو أنّ جميع الناس تبنّوا هذا الموقف. نعم، هناك بالفعل بعض الجمال والحكمة في الكتب المقدّسة. لكنّها ليست أكثر من مجرّد حكمة وجمال إنسانيين لا غير، من صنع بشر عاديين.
بالفعل هناك طريقة واحدة للرد عندما يزعم مؤمن أنّ كتاباً مقدّساً كالإنجيل فريد ومميّز وأنّه بمثابة دليل أو برهان على وجود إلهه. أنا أشجّعهم على قراءته. فإذا قرؤوه، وظلوا على اعتقادهم أنه كتاب كامل، ونقي أخلاقياً بشكل مثالي، ودليل مقنع وساطع على وجود إلههم، فأطلب منهم قراءته مرةً ثانية. لكن هذه المرة أطلب منهم أن يتخيّلوا أنفسهم مكان الأطفال الذين أغرقهم الرب في الطوفان أو كأحد الناس الذين عاقبهم الله إلى الأبد بسبب ذنب لم يرتكبوه وهو أنّهم ولدوا في المكان الخطأ والعائلة ذات الدين الخطأ.
قد يميل المؤمنون إلى الإهمال والتغاضي عند قراءتهم لكتبهم المقدسة الخاصة لكنّهم يكونون عكس ذلك تماماً عند قراءة الكتب المقدّسة التي تخصّ ديانات أخرى. قليل جداً من الناس هم الذين يحاولون تعلّم القليل ويعرفون القليل عن أكثر الديانات المنتشرة اليوم. عشت حياتي في مجتمعات يسودها المسيحيون ولطالما صدّمني حقيقة أنّ العديد من الأشخاص اللامعين والأذكياء الذين التقيت معهم لا يعرفون سوى القليل أو حتى لا شيء عن الإسلام، البوذية، الهندوسية، اليهودية، والأرواحية. هذه المنظومات العقائدية يعتنقها أكثر من نصف البشر على الأرض ومع ذلك فهي ليست أكثر من مجردّ فراغ افتراضي لأغلب المسيحيين الذين قابلتهم. بالنسبة للعديد، الهندوسية لها علاقة بالأبقار، البوذية لها علاقة بالتأمل، والإسلام له علاقة بأسامة بن لادن. هل يمكن أن يكون الأمر أسوأ من ذلك؟ على المؤمنين أن يدركوا أنّ هذا النقص في المعرفة العامة حول الديانات الشائعة يعني أنّه ليس بإمكانهم اتخاذ قرارات عارفة في مسألة أي من الأديان هي الأكثر صحةً ومعقولية أو أياً منها يتمتع بمعايير أخلاقية عالية أكثر من غيرها. كيف يمكن لأي أحدٍ منهم الثقة بأنّه يؤمن بالإله الصحيح ويؤمن به بطريقة صحيح ومناسبة في حين أنّه لا يعرف سوى القليل جداً أو لا شيء عن الآلهة الكثيرة البديلة وطقوس مليارات البشر المختلفة، والتي يثق فيها أصحابها أيضاً؟
مشكلة أخرى تواجهنا مع الكتب المقدسة وهي أنّها تغري الكثير من المؤمنين للدخول في حلقات مفرغة وغريبة من التفكير الدائري. ويسير الأمر على النحو التالي:
1) كيف أعرف أنّ إلهي حقيقي؟
2) لأنّ كتاب الموتي/ الباجافادجيتا/ التوراة/ الإنجيل/ القرآن، كتاب المورمون، أو أي كتاب آخر، يقول أنّ إلهي حقيقي وأنّه موجود بالفعل، وأنّه الإله الفعلي والصحيح.
3) كيف أعرف أنّ كتابي المقدّس حقيقي وصحيح؟
4) لأنّه منزّل من عند الله، وكلماته موحاة من الله نفسه.
5) كيف أعرف أنّ كتابي المقدس يحتوي كلاماً موحى من عند الله؟
6) لأنّ ذلك ورد فيه.
من الواضح أنّ هذا النمط من التفكير لا يثبت أي شيء. فإذا كان هذا النمط منطقياً، عندها على المسيحيين أن يؤمنوا أنّ القرآن هو كلام إله حقيقي وعلى المسلمين أن يؤمنوا أنّ الإنجيل كلام إله حقيقي أيضاً لأنّ كلا فكر أتباع كلا الديانتين يقوم على التفكير الدائري لدعم مزاعمهم. وإذا نجح الأمر مع أحد الكتب المقدسة، عندئذٍ لا بد أن ينجح مع جميع الكتب الأخرى. لكن ذلك لا ينجح طبعاً. فالمؤمنون المثاليون يرون بوضوح من خلال هذا الهراء حينما يحاول مؤن آخر منافس استعماله ضدّهم. إذ يبدو في أغلب الحالات أنّ على المرء أن يؤمن أولاً بأنّ الإله حقيقي وموجود بالفعل قبل أن يكون لكتاب ذلك الإله أي تأثير فيه.
أغلب المؤمنين يقولون أنّ كتابهم المقدّس يحتوي توقعات تفصيلية لأحداث مستقبلية وحقائق علمية لم تكن معروفة في ذلك الزمن ولم يكن يعرفها الناس عند تدوين هذا الكتاب أو ذاك. وهذا إثبات قاطع بأنّ كتابهم المقدّس منزّل من عند الله. وهذه نظرة نوستراداموس لإثبات وجود الله. مع أنّ أغلب هذه المزاعم ملفّقة ومخترعة، فإنّ أياً منها عاجزٌ تماماً على الصمود أمام التحقيق الصارم والموضوعي. و "شيفرة الإنجيل" أو "شيفرة التوراة" هما خير مثال على ذلك. فحسب بعض المؤمنين، فإنّ الإنجيل مليء بالرسائل الباطنية المخفية من إلههم الذي يكشف لهم عن معلومات مذهلة لأحداث مهمّة. كتاب مايكل دروسنين، "شيفرة الإنجيل"، دخل قائمة الكتب الأكثر مبيعاً خلال بدايات القرن العشرين، وأعطى المؤمنين أكثر من فكرة لإيرادها كدليل على إلههم. بعض الملحدين قد يصابوا بالذهول من مدى انتشار ذلك الكتاب. مع أنّ العثور على "رسائل مخبئة" في الإنجيل أمر ليس جديداً، فإنّه ملفت للانتباه لأنّ المؤمنين يذكرونه دائماً ويبدو أنّه سيظلّ أمراً قائماً ومعتمداً فترة طويلة.
المشكّكون بشيفرة الإنجيل بيّنوا أنّه بإمكان المرء أن يرى ما يريده ضمن أيّة مجموعة من الكلمات وذلك عن تلفيق وابتكار صيغة استخراج. على سبيل المثال، اكتشف المتشكّكون أوصافاً وتنبؤات مذهلة في رواية "الحرب والسلم" لليو تولستوي. وبقليل من الجهد أيضاً أنا واثقٌ تماماً أنهم سيكتشفون أنّ حادثة "اغتيال أوزوالد لكينيدي" "أو "فوز فريق الجاينتس في المباراة" في هذا الكتاب.
(((تعقيب من المترجم: ولا ننسى هنا أيضاً الاسطوانة المشروحة التي ثقب بها آذاننا المؤمنون عندما زعموا أنّ القرآن قد تنبأ بأحداث الحادي عشر من أيلول بآية في سورة التوبة {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة 109] فالآية مكانها في الجزء الحادي عشر من القرآن ورقم السورة حسب ترتيب آي القرآن الحالي 9 ومن هنا استنبطوا الرقم 11/9، لكنهم نسوا أو تناسوا أنّ الترتيب الحالي لآي القرآن لم يكن على هذا النحو عندما نزل على محمد، وأنّ ترتيب آياته لا يتبع تسلسلاً زمنيً منطقياً للأحداث. وزعم بعض رجال الدين المسلمين أنّ عبارة "جرفٍ هارٍ" اسم الشارع الذي انهار فيه البرجان_"جرفهار"، ومن هنا يكتمل معنى الآية أنّ الذين أسّسوا بنيانهم "البرجين" على شارع جرفهار" سينهار بهم في يوم الحادي عشر من أيلول. ولا أعرف من أين استنبطوا هذه النتيجة، إذ تتضّح هنا تماماً عملية التلفيق وليّ عنق الكلمات للتناسب مع الغرض المرجوّ منها. وهناك الكثير من الأمثلة التي يطول شرحها هنا)))
يقول المتشكّك ديفيد توماس:
((يؤمن البعض أنّ هذه "الرسائل الخفية" في الكتاب العبري ليست مجرّد مصادفة _بل إنّ الله نفسه وضعها هناك وبشكل مقصود. لكن إذا عثر أحد ما على رسالة مخفية في كتاب، ربما أغنية يمكن غنائها بالعكس، جبال وتشكيلات صخرية مريخية على شكل وجوه بشرية، أو شيء آخر، فهل يثبت ذلك أن هناك من وضع هذه الرسالة هنا وبشكل متعمّد ومقصود؟ أو ربّما قد تكون الرسالة موجودة فقط من خلال عيني الناظر (وعيون أتباعه أو أتباعها)؟ أليس فهم الرسالة ومعناها يثبت أنّ الرسالة قد وضعت بتعمّد ولغرض معيّن؟)) [Thomas 1997]
لتوخّي التوازن وعدم الوقوع في التناقض، المسيحيون الذين يصرون على الإيمان بشيفرة الإنجيل عليهم أن يأخذوا في اعتبارهم "شيفرة القرآن". نعم، هناك شيفرة مخفية في القرآن. ويقول بعض المسلمون أنّ هذه الشيفرة هي رسالة مشفّرة من عند الله. وعلى الأرجح هناك رسائل أخرى. ومن المهم جداً معرفة أنّه ما من شيفرة مقدّسة تقترب ولو قليلاً من إثبات برهان مقنع على وجود إله. كل ما في الأمر أنّ ذلك ليس أكثر من مجرّد حالات تلفيقية تنتقل من علم الأرقام إلى التعدّي على الدين.
في إحدى المرّات سألت مسلماً عن السبب وراء ثقته التامة في أنّ القرآن هو كلمة الله النهائية. فأجاب بأنّه يتضمّن العديد من الحقائق التي لم يكتشفها العلم إلا مؤخراً. وقال أنّ هذا هو دليله على أنّ القرآن هو الكتاب الوحيد الموحى من الله. تعلّمت على مدى سنوات طويلة أنّه ليس من الحكمة بمكان أن تسمح للمؤمن بأن يمطرك بلائحة طويلة لا تنتهي من النبوءات، "الحقائق" و"الآيات" الموجودة ضمن كتبه المقدّسة. والذي يحدث فعلاً هو أنّ الأمر سينتهي بهم بأن يشعروا أنّهم قد أثبتوا أقوالهم ومزاعمهم فقط لأنّهم تكلّموا كثيراً، وكأنّ الحقيقة ترتبط بشكلٍ ما بعدد الكلمات التي تقال. أمّا الطريقة الأمثل لتفادي الدخول في هكذا نقاش وإضاعة الوقت الثمين هو أن تسأل ببساطة شديدة عن أفضل برهان. اطلب منه أن يجلب لك برهان ساطعاً، مذهلاً، ويخلب الألباب، أو توقّعات دقيقة مع تواريخ يمكن أن تتحقق، أو حقيقة مذهلة واضحة موجودة في كتابه. صديقي المسلم عرض عليّ التالي: ((القرآن يصف الجنين الصغير بأنّه مضغة أي كعلكة ممضوغة. وها ما يبدو عليه الجنين في مرحلة الإمبريون بالفعل... ومن المستحيل أنّ أحداً كان يعرف ذلك في الوقت الذي نزل فيه القرآن)).
لا تعتقد أنّ مثاله هذا كان انحرافاً. فالاستشهاد بمثال الإمبريون هو "برهان" شائع يستحضره المسلمون عندما يتحدّاهم ملحد أو غير مؤمن. لكنّ الحقيقة أنّ هناك آلاف البيولوجيين من غير المسلمين، أطباء، وعلماء ما زالوا غير مقتنعين بذلك. المسيحيون عادةَ يردّون بأن أفضل برهان على صحّة تنبؤات كتابهم المقدّس يتمثّل في يسوع أو إسرائيل. فهم يقولون أنّ العهد القديم تنبأ بقدوم يسوع وقد تحقّقت النبوءة. ولكن بإمكان أي مراقب موضوعي ملاحظة أنّ الأمر مشكوكٌ به لأنّه النبوءة وتحقّقها هما أمران يحدثان ضمن الكتاب ذاته. وهذا لا يكفي. هم أيضاً يحبّون النبوءة التي تتنبأ بقيام دولة إسرائيل. المشكلة الحقيقية التي تتخلّل هذه النبوءة تتمثّل في أنّ البشر هم من قاموا بتأسيس هذه الدولة. كما أنّها تخلو من أي إشارة تدلّ على أنّ هناك قوّة سحرية أو غيبية أو إلهية شاركت في تأسيسها. فهناك بشر عاديون وفانين هم من أقاموا دولة إسرائيل عام 1948. هاري ترومان وديفيد بن غوريون لم يكونا من الآلهة. وبما أنّ البشر أنفسهم هم من أقاموا كل دولة وأمّة على ظهرت على وجه الأرض منذ فجر التاريخ فأنا لا أرى أي سبب يدفعنا لتصنيف دولة إسرائيل كدليل أو برهان على وجود الله. ماذا عن البشر الذي أسّسوا الولايات المتحدة الأمريكية؟ فهذا البلد أكبر من إسرائيل بكثير. هل يعني ذلك أنّ جون آدامز، توماس جيفرسون، وجميع الآباء المؤسّسون كانوا أقوى من الإله اليهودي وأعظم قدرةً وحكمةً منه؟ إنّ حقيقة أنّ هناك العديد من المؤمنين الذين يستشهدون بقيام دولة إسرائيل كأفضل دليل على صلاحية الإنجيل تخبرنا بالكثير.
ربمّا الخلل الأكثر إدهاشاً الذي يتخلّل الكتب المقدّسة كالإنجيل والقرآن هو أنّها تفشل فشلاً ذريعاً في توصيل رسالة واضحة ومفهومة للناس، بل حتى لأتباعها. على سبيل المثال، قد يقرأ أحد المسيحيين الإنجيل ثم يسارع لتقديم يد المساعدة للرجال المثليين المصابين بمرض الإيدز. مسيحي آخر يقرأ الإنجيل وينطلق لاقتحام جنائز المثليين صارخاً أنّ ((الرّبّ يكره الشاذين جنسياَ!)). قد يقرأ مسلم القرآن ثم يتطوّع ضمن فريق طبّي لمساعدة الناس المرضى. مسلم آخر قد يقرأ القرآن ثم يسارع للالتحاق في صفوف مجاهدي تنظيم القاعدة لقتل الناس. لماذا يرفض أغلب اليهود المتدينين حقيقة التطور، في حين أنّ هناك يهوداً آخرين يتبنّون هذه الحقيقة ويعتنقون المنهج العلمي في تفكيرهم، مدفوعين بكتاباتهم المقدّسة؟ لماذا هناك قسم من المورمون يعتقدون أنّ الله يريد من أتباعه من الرجال أن يتّخذوا لأنفسهم العديد من الزوجات في حين أنّ هناك قسماً آخر يعتقدون أنّه حرّم ذلك؟ لنضع الاختلافات بين الأديان جانباً، ولننظر في دين بعينه لنرى مدى لاجدوى وعبثية هذه الكتب المقدّسة عدم فعاليتها. انقسمت الديانة المسيحية إلى أكثر من ثلاثمائة مذهب والسبب الرئيسي وراء ذلك هو أنّ المسيحيين يتمثّل في عجز المسيحيين عن معرفة ما الذي يريده منهم إلههم اعتماداً على الإنجيل. والسبب وراء كل هذا الخلط والارتباك هو أنّ هذه الكتب "الموحاة أو المنزّلة" لا تحتوي رسالة واضحة وغالباً ما تناقض نفسها بين صفحة وأخرى، وتناقض بعضها الآخر. هل من المعقول أن تكون آلهة حقيقية قادرة على كل شيء هي من قامت بهذا العمل العاجز والفقير وفشلت في التواصل مع أتباعها وتوصيل رسالتها إلى المؤمنين بها؟
**********************
مراجع الفصل الثاني عشر
Ehrman, Bart D. Misquoting Jesus: The Story behind Who Changed the Bible and Why. San Francisco: Harper, 2005.
Eliade, Mircea. Essential Sacred Writings from Around the World. San Francisco: Harper, 1967.
Green, Ruth Hurmence. The Born Again Skeptic s Guide to the Bible. Madison, WI: Freedom From Religion Foundation, 1999.
إذا لم تكن تمتلك الوقت والنفس الكافيين لقراءة الإنجيل، إذن إقرأ هذا الكتاب لتعرف نوعية المواد الموجودة فيه.
Helms, Randel McCraw. Who Wrote the Gospels? Altadena, CA: Millennium Press, 1997.
Thomas, David E. "Hidden Messages and `The Bible Code." Skeptical Inquirer 21, no. 6 (November/December 1997). http://csicop.org/si/9711/ bible-code.html
Warraq, Ibn, ed., What the Koran Really Says. Amherst, NY: Prometheus Books, 2002.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمسون وهماً للإيمان بالله [11]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [10]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [9]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [8]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [7]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [6]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [5]
- الفرق ما بين الثرى والثريا (الإمّعات والآلهة)
- خمسون وهماً للإيمان بالله [4]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [3]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [2]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [1]
- الله والعلم (2/2)
- الله والعلم (1/2)
- الله والإلحاد
- اختلافات التجربة الإلحادية: بول كليتيور
- الإله: الفرضية الخاطئة
- فيروس الإله [4]
- فيروس الإله [3]
- فيروس الإله [2]


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - خمسون وهماً للإيمان بالله [12]