|
الفقه الذكورى
أحمد على حسن
الحوار المتمدن-العدد: 3908 - 2012 / 11 / 11 - 21:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يسهل ملاحظة الاهتمام الزائد من الفقهاء عبر التاريخ الإسلامى بالقضايا التى تمس المرأة.. و الملاحظ أن هذا الاهتمام يكون فى أغلبه سلبيًا!!، فيلاحظ أن الفقهاء ـ و هم من الرجال ـ انشغلوا بأكثر من اللازم بما يخص المرأة، واهتموا أكثر من ذلك بهذه الفتاوى التى تقيد المرأة ككائن إنسانى مساوٍ للرجل، كيف تخرج من بيتها و هل يجوز ذلك؟.. هل يجوز لها أن تتلقى تعليمًا منتظمًا و تغشى المدارس و الجامعات؟ و ما هى الضوابط الشرعية لتعليمها؟ و أحيانًا يتم السؤال و ما يجوز وما لا يجوز لها أن تتعلمه؟.. و هل يكون التعليم بغرض العلم ذاته و الحصول على إجازة فى هذا العلم؟.. و من ثم العمل و الإضافة للمجتمع؟.. أم يسمح لها بقدر يسير فقط من العلم بما يؤهلها أن تكون قادرة على تربية الأبناء " و بضوابط كوجود محرم مثلاً أو أن تتلقى هذا العلم فى منزلها أو غير ذلك " فليست كل العلوم صالحة للمرأة أو مفيدة لها لإقامة شئون بيتها و زوجها و تربية أطفالها!.. و غير ذلك من قضايا مثل ما يخص سن الزواج "فقد أباحت بعض الفتاوى زواج القاصرات متى بلغن.. فى حين أباح بعضه الفقهاء زواج الفتاة حتى قبل البلوغ بموافقة وليها!" و كذلك فمن هذه القضايا التى شغلت الفقهاء قضية الختان أو الاختلاط بالمجتمع أو إدارة النساء لشئونهن أو أموالهن أو غير ذلك .. كل هذا و غيره كثير، من وضع قيود على المرأة لتصبح كائنًا من الدرجة الثانية!!.. فى حين أن نفس الفقهاء لم يهتموا بالرجل ـــــ الكائن الأول فى وجهة نظرهم ــــ بنفس القدر بوضع قيود عليه، فكل ما نتداوله من كتب فقه أو فتاوى هى بنت العهدين الأموى و العباسى، و هما العهدين الذين عاش فيهما الفقهاء الأربعة الكبار للسنة و باقى الفقهاء الذين يتم إستدعاء فتاويهم حتى الآن، و هما نفس العهدين الذين تم فيهما جمع الأحاديث النبوية الشريفة و تدوينها وتبويبها من حيث الموضوع.. ثم تم غلق باب الاجتهاد بعد القرن الخامس الهجرى على هذه الفتاوى، أى أنهم لم يتركوا الباب مواربًا لاجتهادات فقهية تواكب ما طرأ على المجتمع من تغييرات.. و الذى يراجع التاريخ يوقن أن وضع المرأة فى صدر الإسلام "بل و حتى قبل الإسلام" لم يكن يثير كل هذه الزوابع التى نثيرها اليوم!! فحتى قبل الإسلام كانت المرأة تقوم بإدارة شئونها و كان لها ذمة مالية منفصلة و كانت تعمل بالتجارة و بالرعى وبالأعمال اليدوية الشائعة وقتها، و بالطب أيضًا "كانت النساء تقوم بأعمال التمريض أو كطبيبة للجنسين"، وكانت منهن الشاعرات ذائعات الصيت، واللآتى يتبادل الناس أشعارهن و يحفظونها وإلا لما وصلت لنا هذه الأشعار، واستمر ذلك بعد الإسلام، بل وأضافت لهذا إشتراكها فى الحروب أيضًا كمطببه للجرحى أو فى سقاية المحاربين والقيام على احتيجاتهم، وأيضًا كمحاربات وفارسات فى صفوف جيوش المسلمين "مثل خولة بنت الأوزر".. فالتغييرات التى طرأت على المجتمع المسلم فى هذين العهدين أنشأت فقهًا سوف أسميه مجازًا "الفقه الذكورى" فهو فقه متحيز للرجل، فقد كان الرجال هم مصدر السلطة و الثروة فى المجتمع، فقد شهد هذان العهدان اتساع الدولة الإسلامية وثرائها الفاحش، و كان المصدر الأساسى لهذه الثروة هو الغنائم التى تحصدها الجيوش المنتصرة والجزية التى يدفعها المواطنون "من غير المسلمين" فى هذه الممالك ، كما ازدهرت التجارة مع اتساع الدولة الإسلامية وفتح أسواق جديدة وتنوع التجارة ونموها. فحتى التجارة وهى النشاط الاقتصادى الأساسى للمجتمع فهذا عمل يخص أيضًا الرجال، فقوافل التجارة تسافر بالشهور فى حين تم وضع قيود على المرأة للخروج من بيتها أصلاً فى عدم وجود محرم .. بالمختصر فقد أثرى الرجال الذين يشاركون فى هذه الغزوات أو هؤلاء المشتغلون بالتجارة على حساب النساء القابعات فى البيوت، فتنامى تمييز الرجل على حساب المرأة "فى مجتمع قبلى أو صحراوى حديث العهد بالمدنية فليس ذلك غريبًا عليه أصلاً" فجمع الرجال بين السلطة متمثلة فى مقاليد الحكم وقيادة الجيوش والفتوى الدينية ومضافًا لذلك كله الثروة المتنامية، وتحالف المجتمع الذكورى "الذى أصبح أكثر قوة مما سبق" ضد المرأة فوضع من القوانين والفتاوى ما يكرس وضعها فى المرتبة الثانية فى المجتمع، بل وللمرتبة الثالثة أحيانًا!!.. فكان بعض الأمراء أو الفرسان يتباهون بفرسهم المدرب أو السريع، فيضعونه فى مرتبه أعلى من جواريه من النساء أو حتى من بعض زوجاته أنفسهن!!..ووجدوا المبرر الأخلاقى لذلك بصك أحاديث مثل: "ا لمرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان"، "المرأة تقبل فى صورة شيطان وتدبر فى صورة شيطان".. وفى هذا العصر الذى كتب فيه الفقهاء كتبهم أو أصدروا فتاويهم كان من الطبيعى أن يكون الرجل متزوجًا من أكثر من امرأة و لديه أيضًا عدد من الجوارى والإماء اللاتي يحصل عليهن كجزء من نصيبه من الغنائم أو بالشراء من الأسواق (والشرع يبيح له أن يأتيهن جميعًا).. لاحظ أن بعض الأمراء أو الأثرياء فى العهدين الأموى والعباسى كان لهم المئات من الجوارى فكان يجب أن يكون للرجل الحق فى طلب إحدى زوجاته أو جواريه، و للاحتياط فى نفس الوقت لتقليل أو إنهاء رغباتهن الجنسية، فتم التوسع فى ختان النساء وصك الفتاوى التى تؤكد على ذلك وجعلها بعض الفقهاء جزء من الشرع نفسه وصاغوا لذلك حججًا بأن ذلك لصيانة المرأة نفسها وللحد من شهوتها أو رغباتها الطبيعية التى ينكرونها عليها "فمن غريب أنهم يقولون بأن شهوة المرأة أكبر أو أضعاف شهوة الرجل ويكون الرجل هو المتزوج بأربعة ويحق له إمتلاك عشرات ومئات الجوارى والإماء!! ففى حديث أبى هريرة: "فضلت المرأة على الرجل بتسعة وتسعين جزءًا من الشهوة لكن الله ألقى عليهن الحياء".. أى أنه لولا الحياء لخرب العالم وفسد العباد بسبب هذه الشيطانة و الكائن الشهوانى!! وحتى بعض الفقهاء الذين نفوا أن تكون شهوة المرأة أكبر من شهوة الرجل عادوا فقالوا: "ولكن المرأة لا يمكنها أن تتحكم فى غرائزها" مثل "ابن القيم" و أرجع ظن الناس بأن شهوة المرأة أكبر من شهوة الرجل بسبب فراغها و بطالتها فيتمكن منها سلطان الشهوة و لا يجد ما يصده عنها!!.. دون أن يلتفت هو أو غيره من الفقهاء بأن المجتمع نفسه ـــ و تحالف المجتمع الذكورى مدعومًا بفتاوى الفقهاء هو الذى جعل المرأة فى هذا التاريخ ـــ هو الذى حبس النساء فى بيتوتهن و سبب لهن هذا الفراغ وتلك البطالة التى يتحدث عنها!!.. و يكمل ذلك بأن ينفى عن النساء وحتى المسلمات منهن أى وازع من إيمان أو أخلاق قويمة يمكنها من كبت جماح شهوها!!.. و ليس ذلك غريبًا على هذا النوع من السلوك فى التفكير الفقهى الذكورى "فالنساء ناقصات عقل ودين".. وتدهور وضع المرأة فى المجتمع، و أصبحت قصور الأمراء و الأثرياء ممتلئة بالزوجات "الأربع غالبًا" و عشرات الجوارى المجلوبات من ممالك شتى فمنهن الفارسية والتركية والمصرية والحبشية، و لأن إحداهن قد لا يطلبها زوجها إذا كانت من إحدى زوجاته، أو سيدها إذا كانت من الإماء لشهور أو حتى لسنوات لكثرة أعدادهن، أو قد يمتنع تمامًا عنها عندما يصيبها كبر السن مثلاً.. فى حين أنه كل يوم يزداد رصيد هذا الأمير أو الثرى من الجوارى الفاتنات صغيرات السن فوجدوا فى هذا الختان الحل لإنهاء أو تقليل رغباتهن أو للحد من نزواتهن فى غياب الرجل المحلل لها بسبب انشغاله بإحدى زوجاته الأخريات أو إحدى جواريه. والملاحظة الأخيرة أن مثل هذه الفتاوى بوضع قيود متزايدة على المرأة فى الخروج للعمل مثلاً أو الاختلاط بالمجتمع تتراجع فى الفئات والطبقات الاجتماعية المتدنية فى السلم الاجتماعى، وذلك حين يكون عمل المرأة واجبًا لإعالة الأسرة أو المشاركة فى ذلك بحجة "أن الضرورات تبيح المحظورات" فالمجتمع الذكورى نفسه الذى فشل فى فرض نظام تكافل اجتماعى يساهم فى مد يد العون لهذه الفئات الاجتماعية يجد أيضًا تخريجًا "فقهيًا" لتقاعسه أو فشله.
#أحمد_على_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هستريا جماعية فى جمعة تطبيق الشريعة
المزيد.....
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|